عندما تريد أن تكتشف شخصية ما بطريقة موضوعية ومنطقية فأنت مطالب بمعرفة طريقة تفكيرها وموازناتها للأمور كلها ومن ثم تحليلها وفقاً لمقتضيات الظرفية التي تحيط بها.. مولانا الميرغني – زعيم سياسي ومرشد ديني- بهذين الجناحين بيننا على محيط الوطن، يتفاعل بكليهما، يُقيِّم الأشياء وفقاً لمرتكزات مرجعيتهما (سياسة،دين)، وهكذا قياسات الأشياء موضوعياً، وبالضرورة الفصل الحقيقي بين زعيم سياسي ومرشد ديني تقييماً وقياساً.. وتكتشف كل زعماء السياسة عندما تعمل معهم (إعلامياً)،هنا يتم الاكتشاف الحقيقي للشخصية (ديمقراطيتها) احتمالها للرأي الآخر، تفاعلها (إعلامياً)، سلطتها القاهرة حزبياً .. ظروف موضوعية وضعتني في مقام رئيساً للتحرير بالإنابة لصحيفة (الإتحادي الأصل) لسان حال الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل لسفر رئيس تحريرها الأستاذ ابراهيم عبد القيوم للقاهرة طلباً للعلاج.. والصحيفة متنازعة بين مشاركة ورفض لها، حزب بين الأغلبية والأقلية تقييماً للمشاركة، ثم طريقة دينية، مريدين، وزعيم سياسي له (صفة قيادة) باذخة تكتشفها وأنت بين ثنايا (الحزم والحكمة) مفردتان هما محور اتجاهاته كلها.. بادئ ذي بدء، مفتاح أولي لقضية المشاركة في حكومة القاعدة العريضة، هل مولانا الميرغني فعل هذا وهو يعلم أن الغايات العظيمة منها قد لا تتحقق أو لا تكتمل، فمضى فيها لقناعة راسخة، وبعد وطني وقومي، على الأقل محاولة الخروج بالوطن من كونه شظايا،شظايا، فالنقطة المفصلية في قضية المشاركة الاشتراطات التي فيها، كمنطقة أولى والبقية تأتي.. بعين التحديق، المشاركة المستفيد الأول فيها المؤتمر الوطني وهذا طبيعياً لأنه سعى لها وهو مؤمن بها (ايماناً مرحلياً أو استراتيجيا)، إذن أن تكون هي قوة وإضافة الحزب الحاكم، هذا موضوعياً حقيقة جلية، سعى لها لخلق موازنات سياسية ولتحقيق اختراقات خارجية لن يستطيع تحقيقها إلا عبر هذه المشاركة ومولانا الميرغني، هذا حق مشروع له كحزب حاكم يبحث عن أسباب القوة له، وبمنظور وطني تكون المشاركة عند مولانا الميرغني، ولعله صاحب النصيب الأوفى في مفردة (الوفاق الوطني) كطريق حقيقي لإنقاذ الوطن، ليس تفكيراً مرحلياً أو حزبياً أو سياسياً إنما (وطنياً)، احتمالات اختراق البلاد وجعلها شظايا هي النتيجة المحتملة والواقعية لحالة الوطن في هكذا سلطة، إذ لابد من فتح المسارات لوفاق وطني حقيقي يحفظ الوطن أولاً ككيان والمواطن كقيمة إنسانية وتعايشية. المشاركة بمنظور الحزب الحاكم (قوة إضافية)، وبمنظور مولانا الميرغني (محاولة صنع قوة وطنية عبر سعي حقيقي لوفاق وطني) يمكن أن تلتقي هاتان النقطتان مرحلياً واستراتيجياً والكاسب الحقيقي هو (الوطن والمواطن).. إذن تقييم المشاركة يفترض أن يكون بهاتين النقطتين، ماذا استفاد الحزب الحاكم بهذه القوة الإضافية، وماذا تحقق من مساعي لوفاق وطني، تقييماً موضوعياً وليس حزبياً وعاطفياً باستصحاب كل الأبعاد والاتجاهات.. نقطة حزبية أخرى مفادها .. هل سعى المؤتمر الوطني لتحقيق قوة إضافية يُضعِف بها الحزب (الأصل)، أو يحقق غاية انقسام داخلي فيه لأنه بالتأكيد أمر المشاركة متفق فيه ومختلف حوله، وإن كان للحزب الحاكم رؤية كهذه كيف تحقق قاعدة هذا الحزب (انتصاراً) عليه بقناعتها الراسخة أن المشاركة إنما مرجعية ديمقراطية، نختلف حولها ثم لا تشكل ضعفاً للحزب وفكرتنا تمضي المشاركة بطريقتنا ومنهجنا، ثم يمضي الحزب بقناعاته وبنائه وفتوحاته وما إلى ذلك.. الغضب منها إن كان كثيفاً أو قليلاً، الاتفاق أو الاختلاف يفترض أن يكون بعيداً عن ثلاثية العشق والارتباط والانتماء للكيان.. نقطة غائبة عن الأغلبية وهي هل فرض المؤتمر الوطني شروطاً للمشاركة، موضوعياً (لا) ، لأنه الطالب لها، وواقعياً أيضاً (لا)، لأنه بالتأكيد واحدة من متطلبات الحزب الحاكم أن يكون الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل (مشاركاً) بالكامل، بمعنى جزءاً من المؤتمر الوطني، وهذا لن يتحقق سياسياً حتى وإن كان هدفاً ورؤية للطرف الثاني، واقعياً الحزب الأصل ومولانا الميرغني لا يزالان يتمتعان بأفق من الحريات الكبيرة حول منهاج متفق عليه تاريخياً وحزبياً.. ولن يفترض أحد أن هنالك قيوداً مفروضة على الحزب أو رئيس الحزب لتحقيق المشاركة مع الحزب الحاكم.. مثلاً: بالضرورة أن يطلب المؤتمر الوطني فصل الأستاذ علي محمود حسنين من الحزب، أو التوم هجو، أو أصحاب الرؤية المركزية في الجبهة الثورية، لنفترض أنه فعل ذلك، واقعياً الحزب أو رئيس الحزب رفضا ذلك، إذن تحقيق الإضعاف للحزب بالمشاركة وجعله جزءاً من المؤتمر الوطني، يفشل هنا ، الحقيقة الجلية أن الحزب الحاكم طلب ذلك، وتم الرفض.. نقطة أخرى: اختلاف وجهات النظر في أمر المشاركة في ثنايا الحزب الحاكم أمر واقعي، ورؤية البعض لها إضافة قوة، أو تحقيق انقسام حزبي يكون الأصعب من واقع أن الرفض للمشاركة سيكون من قطاعات الحزب الحيوية شباباً وطلاباً، بحسب رؤية المؤتمر الوطني والتحليلات السياسية، وهذا لم يتحقق بل إن المشاركة فتحت الباب أمام ثورة شبابية رافضة لها لكنها ملتزمة حزبياً بالكيان،وهذا هو المكسب الحقيقي لها وإن ظنها البعض محنة، لكنها منحة حقيقية فهي على الأقل نقلت أدبيات الحزب من الهديل إلى الهدير ومن الهمس إلى الصخب حول كل قضايا الحزب والمطالبات بإصلاحات حقيقية، أليس هذا مكسباً ذهبياً للمشاركة، فلولاها لما جاءت تلك المطالبات وما فتح بابٌ لنقاش صعب وصاخب من مختلف فرعيات واتجاهات الحزب، إذن قاعدة الحزب بغضبها أو فرحها بالمشاركة وجدت نفسها في حراك جماهيري حقيقي، وهذا باب النجاحات الحقيقية لحزب ظن البعض أنه (في انتظار الموت الحقيقي والنهاية المفجعة).. يرفض مولانا الميرغني فصل أي عضو من الحزب لقناعة الحزب الحاكم أو لرؤيته هذا يقودنا للقول أن المشاركة لم تحقق أن يكون الحزب (الأصل) جزءاً من المؤتمر الوطني، هذا تقييم من هذه النقطة، أما تقييمها من مرتكزات أخرى فذاك فعلٌ آخر، وزوايا أخرى.. من هذه النقطة المفصلية نكتشف أن هذه المشاركة أخرجت بتعقيداتها ما يفيد بأن مولانا الميرغني صاحب رأي رافض وقوي فيما يخص (املاءات) كل الاتجاهات السياسية داخل الحزب الحاكم التي من أهدافها تحقيق القوة لحزبها والإضعاف للآخر،والدلالة هي أن المشاركة تمضي والحراك الحزبي الرافض لها يشتعل، والمتفق معها يدافع عن ذلك ، وهذه هي الديمقراطية الحقيقية التي تنضخ بعيونها بين ثنايا هذا الحزب (الأصل).. رافض المشاركة، عضو في الحزب، يشتعل برأيه هذا ، يتفق أو يختلف معه مولانا الميرغني، وما دام عضواً أصيلاً فهذا يعني أن الرافضين للمشاركة يدخلون من كل الأبواب نضالاً داخل الحزب وضد السلطة بقناعاتهم،ومولانا الميرغني يفتح باباً واسعاً لكل الآراء الرافضة، بل وتمارس فعل الرفض هذا في مؤسسات الحزب بأدبيات الحزب ومناهجه. ومن هنا حققت المشاركة الحراك الجماهيري الحزبي الصاخب ولم تحقق الانقسام إن كانت الرؤية لها من الحزب الحاكم تحقيق ذلك، بل أنها أفادت الحزب بأدب ديمقراطي حقيقي، واشتعال حزبي كثيف رأياً ورأياً آخر، وصخب هزم سكون السنوات الماضيات مستوعباً اتجاهات شباب وطلاب لهم رأي محترم في مؤسسات الحزب حتى وهم رافضين بقوة للمشاركة في حكومة القاعدة العريضة،وهذه هي الديمقراطية ممارسة وفعل، رأي ورأي آخر، اتفاق برؤية واختلاف برؤية أيضاً،فإن كانت المشاركة بصخبها واشتعالها بين ثنايا الحزب ومولانا الميرغني بباب واسع من الاحتمال الرافضين لها ولكل الآراء فيها فهذه ديمقراطية حقيقية تمارس قيادة وقاعدة حول أمر الظن فيه أنه سيجعل الحزب شظايا شظايا وانقاسامات انقسامات..