أبدأ باستعراض حيثيات عظمة السودان ليس من باب الشوفينية البلهاء ولكن رداً على مقولات جهلة أو مغرضين يسرقون الحجة لدونية السودان هنالك سبع ميزات تعلي شأن السودان هي: أولاً: قال لي الأستاذ تشارلس بونية عالم الحفريات السويسري إنه عندما هم بالإقدام على حفرياته في منطقة كرمة قال له زملاؤه من علماء الآثار: (لا تتعب نفسك فلا وجود لتأريخ جنوب مصر، أفريقيا جنوب مصر جغرافيا بلا تأريخ) قال: ( ولكنني نتيجة لحفرياتي في منطقة كرمة ثبت لي أن حضارة وادي النيل بدأت من السودان). هذا الاستنتاج كرره علماء آثار آخرون قال بروف ب ج هايكوك عالم الآثار: إن حضارة وادي النيل انتقلت من الجنوب إلى الشمال كما قال الأستاذ «هرمان بل» عالم الآثار حضارة وادي النيل مهدها السودان. الفكر الأوروبي كما قال بازل دافدسون يردد بإلحاح إن أفريقيا جنوب الصحراء ثقب أسود في النسيج الإنساني قال وأسست أوروبا الأميريالية على هذا الاعتقاد مفهوم عبء الرجل الأبيضwhitemans burden التي فحواها أن الإنسان الأسود خارج منظومة الحضارة الإنسانية وواجب الإنسان الأبيض انتشاله من التوحش إلى الحضارة، قال دافدسون: لم يراجع الأوروبيون هذه الفكرة عن الإنسان الأسود جنوب الصحراء إلا على ضوء كتابات الرحالة العرب. المرحلة الأولى بعد اندلاع حرب الجنوب الأولى في سبتمبر 3691 م وانطلاق أول طلقة للتمرد في نقطة فشلا بمديرية أعالي النيل والتي كان فيها عدد قليل من الشرطة ونسبة لاتساع الرقعة الجغرافية وقلة القوات المسلحة في المديرية- كتيبة واحدة- اتخذت السلطات العليا قراراً بتسليح سلاطين قبائل النوير في مراكز الناصر وأكولو وفنجاك باتتيو وكذلك قبيلة المورلي في البييور والدينكا في مركز بور وقبيلة الشلك في مركز كدوك. هذه المرة الأولى التي تم فيها تسليح القبائل عن طريق سلاطينهم لحماية أرواحهم وأموالهم من هجمات التمرد التي كانت تستهدفهم، هذا التسليح حدث أثناء فترة الفريق عبود. المرحلة الثانية مرحلة مايو 9691م بعد اتفاقية أديس أبابا 2791 ومع بداية مرحلة نزع سلاح المتمردين وإعادة دمجهم في القوات المسلحة اتخذت أيضا السلطة العليا قراراً بتخصيص كتيبتين من القوات المسلحة إحداهما تتمركز في منطقة سفاهة تتحرك مع قبيلة الرزيقات في مراحيلهم من الشمال إلى الجنوب حتى مركز أويل والكتيبة الثانية تتمركز في الميرم للتحرك مع قبيلة المسيرية في مرحالهم حتى مركز قوقوريال وأطلق على هذه الكتائب قوات المراحيل وذلك للحيلولة دون حدوث اشتباكات بين القبائل العربية المذكورة والقبائل في جنوب السودان حفاظاً على استمرار اتفاقية أديس أبابا وعدم إعطاء أية ذريعةللقوات المتمردة الجاري استيعابها للإخلال بالأمن والاستقرار، المفهوم العام للإنسان العادي أصبح لديه فهماً مغلوطاً بأن قوات المراحيل هي قوات تابعة للقوات المسلحة تم تكليفها بمهمة حماية مراحيل الرعاة وليس لها علاقة بالتهم المثارة بتسليح القبائل. المرحلةالثالثة مرحلة الفترة الانتقالية بعد انتفاضة أبريل المباركة تم إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد لتشجيع الحركة الشعبية لتحرير السودان على الجلوس إلى طاولة المفاوضات ولكن للأسف ردت الحركة من جانبها بأنها ستنقل عملياتها إلى مسرح العمليات رقم 2 وهذا يعني منطقة جنوب كردفان، وسموا الحكومة وقتها بحكومة جنرالات مايو الثانية، وبالفعل وبعد أسبوعين من وقف إطلاق النار من جانب واحد قامت الحركة بضرب عدد من القرى والفرقان والنقاط الخارجية في جنوب كردفان نذكر منها على سبيل المثال القردود الأزرق، الليري، غرب الليري شرق وكالوقي، هذه الهجمات تعدّ الأولى من نوعها على جنوب كردفان الأمر الذي أحدث اضطراباً وهلعاً في نفوس مواطني المنطقة وعليه قررت السلطات العليا إرسال وفد عالي المستوى من المجلس العكسري ومجلس الوزراء برئاسة اللواء م. فضل الله برمة ناصر، وعضوية كلا من د. حسين سليمان أبو صالح وزير الصحة، د. عابدين وزير الزراعة، الفريق أحمد عبد العزيز رحمة الله قائد المستشفى العسكري والمسؤول- وقتها- عن الإغاثة، ونائبه العقيد - وقتها- الفريق حاليا إبراهيم سليمان، واللواء م. مصطفى محمود الحاكم العسكري لإقليم كردفان الكبرى، وبعد وصول الوفد مدينة كادوقلي اجتمع مع السلطة الرسمية والشعبية وكان محافظ جنوب كردفان- وقتها- الأستاذ جبريل تيه من أبناء كادوقلي تقدم المواطنون في كادقلي بثلاثة مطالب وهذه المطالب الثلاثة تكررت في جميع المناطق التي زارها الوفد وكأنهم على اتفاق مسبق وكانت المطالب وفق إفادة اللواء برمة حسب الأسبقيات التالية: أولا نطالبكم بتوفير الحماية لنا من هجمات الخوارج... أو تساعدونا لكي نحمي أنفسنا... أو نحن سننضم إلى الجهة الأقوى. وكان الرد عليهم كالآتي: بدءا بالنقطة الثالثة انضمامكم للأقوي يعني انضمامكم إلى المعتدي عليكم وهذا التصرف يخالف القوانين الشرعية والوضعية ومن حقكم الدفاع عن أنفسكم وصد المعتدي عليكم والذي لا يدافع عن عرضه وماله فقد كفر. أما طلبكم الخاص بتوفير الحماية لكم فهذا طلب مشروع وهو من حقكم على الحكومة والدولة التي لا توفر الحماية لمواطنيها دولة غير مسؤولة ولكن نحن لا نود أن نخدعكم ونقول لكم إننا سنوفر لكم ذلك ولا نفي فيما بعد بوعودنا نتيجة لانشغال القوات المسلحة في العمليات في الجنوب وسوء المواصلات في المنطقة وصعوبة حركة القوات في فصل الخريف. أما طلبكم الثاني والخاص بمساعدتكم لحماية أنفسكم فهذا مطلب معقول وقابل للتنفيذ وعليه سنقوم بتسليح جميع القبائل على خط التماس عربا ونوبة بطرق قانونية بواسطة النظار والسلاطين والعمد تحت إشراف القوات المسلحة والشرطة، وروى اللواء برمة أنهم بعد عودة وفدهم إلى الخرطوم نوروا المجلس العسكري الانتقالي ومجلس الوزراء وأوضحوا لهم أهمية تسليح مواطني التماس بطريقة مؤقتة للحيلولة دون التسليح العشوائي وأهمية معرفة السلاح الذي سلم للمواطنين إنه في حالة عدم الاستجابة للتسليح بالطريقة القانونية فإن مو اطني المنطقة ذكروا للوفد أنهم يملكونالثروة والرجال وسيقومون بالطرق المشروعة... وأن أعضاء المجلسين وافقوا على فكرة التسليح ولكن لم يتم التنفيذ نتيجة للحملة الإعلامية المكثفة التي مارستها الأحزاب العقائدية وقد كتبت إحدى الصحف بالخط العريض المهدية تعود وفي ذلك الوقت لم يكن لحزب الأمة وجودا في السلطة. المرحلة الرابعة في فترة حكومتي ما بعد مايو 6891م حينما تقلدت لفترة وزارة الدفاع وكان اللواء ركن م. فضل الله برمة ناصر وزير دولة بالدفاع تقدم الإخوة في هيئة القيادة بطلب في اجتماع مشترك معهم مفادة أن القوات المسلحة استفذت الكثير من احتياطياتها في العمليات التي اتسعت رقعتها في الجنوب وأنهم في حاجة ماسة لعملية إسعافية سريعة لحماية ظهر القوات المسلحة واقترحنا عليهم فكرة إنشاء قوات الدفاع الشعبي ولكنهم فضلوا التصديق لهم بإعادة تجنيد المفصولين من الخدمة العسكرية على أن يعملوا في مناطقهم الواقعة على خط التماس دون نقلهم إلى مناطق أخرى وذلك بهدف توفير الحماية لأهالي المنطقة والقيام بالواجبات الثانوية حراسة المنشآت وأطواف الإمدادات والحق يقال إن معظم العائدين من المفصولين كانوا من أبناء النوبة. أيضا تقدم الإخوة في هيئة القيادة مرة أخرى بطلب لمساعدتهم في حث المواطنين على الإقبال على التجنيد في القوات المسلحة وتلبية لهذا الطلب لدعم القوات المسلحة بالرجال وسد النقص الناجم عن عدم رغبة المواطنين في التجنيد أصدرت مرسوماً بتكوين لجنة من حزب الأمة القومي ممثلا له اللواء م. فضل الله برمة ناصر، والمحامي تاجر السر محمد صالح ممثلا للحزب الاتحادي الديمقراطي والدكتور علي الحاج محمد مثلا للجبهة الإسلامية القومية وذلك لوضع قانون تنشأ بموجبه قوات للدفاع الشعبي تعمل تحت إمرة القوات المسلحة ولكن للأسف قام انقلاب يونيو 9891م وقبل أن تنتهي اللجنة من إجراءاتها وقامت الجبهة الإسلامية القومية بسرقة الفكرة وتنفيذ المشروع بطريقة جعلت من قوات الدفاع الشعبي قوات موازية للقوات المسلحة وليس تابعة لها هذا تنفيذ خاطئ لفكرة صائبة من الحقائق المهمة التي تستحق الإشارة إليها لدحض هذه التهم المقابلة التي تمت بين المرحوم يوسف كوة مكي واللواء فضل الله برمة ناصر في لندن عام 1002م وبحضور صديقهما المشترك الأستاذ محمد سليمان مؤلف كتاب السودان حروب الموارد والهوية، نقل لي اللواء برمة أنه بعد حوار هادف وحقائق مريرة اعترف المرحوم يوسف كوة أن الشعار الذي رفعه بأن حزب الأمة سلح العرب لضرب النوبة كان الهدف منه تحقيق مكاسب سياسية لإقناع بعض الجهات الأجنبية للقيام بتسليحهم. وفي ختام المطاف لا بد من الإشارة إلى الشرفاء من أبناء النوبة وأبناء دارفور غير القبائل العربية الذين تقلدوا مواقع رفيعة وزراء وحكام إقاليم في حكومات الديمقراطية الثالثة وأنهم بدون شك كانوا في مواقع تؤهلهم من معرفة الحقائق إن كان حزب الأمة قام بتسليح القبائل العربية ضد القبائل الأخرى التقاطعات السودانية الحالية لدى حلول القرن الميلادي الجديد في عام 0002 اشتدت الاستقطابات في السودان حول نقاط التقاطع الآتية: أولا: المشروع الإسلامي الذي جاء به النظام مع أنه استفز التيارات غير الإسلامية لكنه استفز تيارات إسلامية تتطلع إلى أسلمة أكثر أصولية هذا النقد من اليمين للتجربة صار حاداً جداً بعد إبرام اتفاقية السلام في 5002م. كانت التجربة قد واجهت نقداً إسلامياً منذ بدايتها على يد كيان الأنصار نقدا للانقلاب وسيلة للأسلمة ونقداً للمشروع نفسه من زواية إسلامية فصار هنالك أكثر من موقف إسلامي وفي المقابل نشأت تيارات علمانية بعضها متحالف مع الحركة الشعبية وبعضها ينادي بقومية عربية وهكذا حول الهوية الإسلامية والرفض العلماني تعددت الرؤى بأطياف عريضة. ثانياً: أن في السودان عدداً من التكوينات الإثنية الثقافية عربية وزنيجة وبجاوية ونوبية ونوباوية حول هذا التباين وبمقدار تبني النظام العروبة وحماسة الحركة الشعبية ثم حركات دارفور المسلحة للأفريقانية اشتد صراع الهوية بين العروبة والأفريقانية . هناك وعي بالعروبة عنصري ضيق، العروبة مفهوم ثقافي إنسانية والعروبة هي التي جعلت شعوباً كثيرة فارسية وتركية ونوبية تستعرب وتقود المعارف العربية على نحو ما فعل سيبوية والبخاري ومسلم والطبري والجاحظ وغيرهم، إن عرب السودان أصيلون في عروبتهم لا يحتاجون إلى شهادة من أحد ولكن عليهم فهم عروبتهم في إطارهم الإنساني والثقافي وقبول الآخر وإلا خلقوا استقطابا مدمراً، كذلك إن للعروبة في السودان خصوصية ينبغي مراعاتها، وفي عروبة السودان هجنة على النحو الذي ذكرنا، العروبة في السودان ينبغي أن تتخلي عن أصوليتها المشرقية، وتستنطق واقعها الإنساني، فجد العرب العدنانيين نفسه إسماعيل- عليه السلام- لم يكن عربيا لأبيه إبراهيم- عليه والسلام- وأمه هاجر، والنبي- صلى الله عليه وسلم: وقال مقولة تنضح إنسانية وتجعل العروبة أمرا متحركا مكتسبا لا إثنيا جامدا إذ قال: (ليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي لسان فمن تكلم بالعربية فهو عربي).