لعله من المسلمات في تاريخ التجربة الإنسانية أن الحوار هو الأسلوب الأمثل لحل جميع الأشكالات والنزاعات بكل أنواعها في كل مراحلها إلا أن مفردة الحوار ومضمونها فقدت فعاليتها في قاموس السياسة السودانية، وذلك مرده إلى كثرة المناورة بها بين أطراف الصراع و هروب الطرف الأساسي في الأزمة السودانية من مواجهة الواقع المر أو هي الحكومة وحزبها الحاكم ، حيث إن المشكلة واضحة وتكمن بشكل أساسي في جوانب جوهرية تمس الواقع اليومي لحياة الناس وبرغم ذلك تتعامى القيادة النافذة عن الخوض هذه القضايا الجوهرية الواضحة المتمثلة في فقدان الحريات والفساد المالي والإداري والسياسي والخوض المباشر في هذه القضايا التي تقبع متمددة في المسافة بين الوثبة التي أطرافها الرئيس قبل عدة أشهر وبين ما يسمى بالحوار المجتمعي الذي جئ به عوضاً عن الحوار المؤود من الأجنحة والتيارات المتصارعة داخل الحزب الحاكم وهو الطرف الأهم بإعتباره المتسبب في الأزمة والممسك بمقاليد الأمور في البلد والمطلع على المخاطر والمهددات الوطنية، لذلك كثير من التيارات داخل الحزب الحاكم والمستفيدة من الأوضاع الحالية تحاول بما تملكه من أدوات أن تعيق كل الخطوات المؤدية لتشخيص الأزمة وتستعيض عن ذلك لإيهام الرأي العام وبعض قادتهم عبر مهرجانات الحوار وكما حدث أمس الأول بقاعة الصداقة تحت مسمى الحوار المجتمعي وخطاب الوثبة المبهم الذي صدم كل الشارع السوداني ، وليس أدل على ذلك من إفشال كل المبادرات السابقة مثل مبادرة الحوار الشعبي الشامل للشريف الهندي ومبادرة الشيخ الجعلي وإتفاق جيبوتي ونداء الوطن مع الإمام الصادق المهدي معظمها كانت مبادرات جادة، ولكن تاهت بين أجنحة النظام المتقاطعة لذا أن ما يسمى بالحوار المجتمعي لن يكون أفضل حظاً مما سبقه من حوار لأن الأزمة تكمن في الحزب الحاكم وليس غيره، الذي أصبحت الأمور واضحة للشارع السوداني بأن المؤتمر الوطني يعاني من أزمات معقدة بين الإسلاميين والعسكريين والأمنيين والقدامى والقادمين الذين لحقوا بالمؤتمر الوطني بعد التغير الذي تم في 89 والشاهد على ذلك حركة أربعة رمضان التي أطاحت بعراب الحركة الإسلامية وخروج مجموعة الإصلاح بقيادة غازي صلاح الدين وانقلاب ود ابراهيم وقوش ومجموعة سائحون لذلك حزب بهذه الاشكالات المركبة لا يمكن أن يدعو لحوار موضوعي، لكن إذا كان جاداً وبه قيادة حكيمة الأمر يحتاج إلى إجراءات وقرارات شجاعة تخاطب القضايا المختلف عليها وتؤكد الجدية والمصداقية، إذ لا يمكن أن توقف الصحف التي تكشف الفساد وتعتدي على محرريها وتنشئ مفوضية لمحاربة الفساد، هذا الأمر لا يستقيم إذا لتعزيز الثقة ولابد من هذه الإجراءات والقرارات علها تعيد الثقة بين أطراف الأزمة وتعيد الأمل للشارع السوداني الذي فقد الثقة في الحكومة والمعارضة. عندئذ يمكن أن ينطلق الحوار لملمة كل أزماتنا واشكالاتنا مع بعضنا ومع الآخر لأنه إذا عادت الثقة المفقودة وارتفع الحس الوطني فوق الولاء الحزبي، هناك تراكم تجريبي ومعرفي للشخصية السودانية. يمكن أن يراهن عليه، والكرة منذ العام 89 في ملعب المؤتمر الوطني والحكومة ومؤسسة الرئاسة بوجه أخص ماذا هم فاعلون؟