تعيين مدير جديد للشرطة في السودان    إكتمال عملية الإستلام والتسلم داخل مكاتب اتحاد الناشئين بالقضارف    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    الفار يقضي بفوز فرنسا    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    اللِّعب تحت الضغط    شاهد بالصورة والفيديو.. رغم جلوسهم على فصل دراسي متواضع.. طلاب وطالبات سودانيون يفاجئون معلمتهم بإحتفال مدهش والجمهور يسأل عن مكان المدرسة لتعميرها    شاهد بالصورة والفيديو.. رغم جلوسهم على فصل دراسي متواضع.. طلاب وطالبات سودانيون يفاجئون معلمتهم بإحتفال مدهش والجمهور يسأل عن مكان المدرسة لتعميرها    بالصورة.. المريخ يجدد عقد نجمه الدولي المثير للجدل حتى 2028    شاهد بالصورة والفيديو.. فنان سوداني يحمل زميله المطرب علي الشيخ على أكتافه ويرقص به أثناء إحياء الأخير لحفل بالقاهرة وساخرون: (لقيت وزنه 5 كيلو وقعدت تنطط بيهو)    بالصورة.. المريخ يجدد عقد نجمه الدولي المثير للجدل حتى 2028    شاهد بالصورة والفيديو.. فنان سوداني يحمل زميله المطرب علي الشيخ على أكتافه ويرقص به أثناء إحياء الأخير لحفل بالقاهرة وساخرون: (لقيت وزنه 5 كيلو وقعدت تنطط بيهو)    الهلال السودانى يتأهل ويواجه الجيش الرواندى في نصف نهائي سيكافا وأهلي مدني يخسر    النائب العام تلتقي رئيس مجلس حقوق الإنسان بجنيف وتستعرض جرائم وانتهاكات المليشيا المتمردة    شاعر سوداني كبير يتفاجأ بمطرب مصري يتغنى بأغنيته الشهيرة أثناء استغلاله "توك توك" بمدينة أسوان    ذبحوا البطّة التي تبيض ذهباً، ولسّة بفتّشوا في مصارينها!    الهلال يتأهل ويواجه الجيش الرواندى في نصف نهائي سيكافا    سفارة السودان القاهرة وصول جوازات السفر الجديدة    ميسي يحقق إنجازا غير مسبوق في مسيرته    ترامب: الهجوم على قطر قرار نتنياهو ولن يتكرر مجددا    جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث الغارات الإسرائيلية على الدوحة    في الجزيرة نزرع أسفنا    السودان..تصريحات قويّة ل"العطا"    اعتقال إعلامي في السودان    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني تستعرض جمالها بإرتداء الثوب أمام الجميع وترد على المعلقين: (شكرا لكل من مروا من هنا كالنسمة في عز الصيف اما ناس الغيرة و الروح الشريرة اتخارجوا من هنا)    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    شاهد بالفيديو.. أطربت جمهور الزعيم.. السلطانة هدى عربي تغني للمريخ وتتغزل في موسيقار خط وسطه (يا يمة شوفوا حالي مريخابي سر بالي)    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    والي الخرطوم يدين الاستهداف المتكرر للمليشيا على المرافق الخدمية مما يفاقم من معآناة المواطن    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    هذا الهجوم خرق كل قواعد الإلتزامات السياسية لقطر مع دولة الكيان الصهيوني    إيران: هجوم إسرائيل على قيادات حماس في قطر "خطير" وانتهاك للقانون الدولي    نجاة وفد الحركة بالدوحة من محاولة اغتيال إسرائيلية    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    التدابير الحتمية لاستعادة التعافي الاقتصادي    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    تمويل مرتقب من صندوق الإيفاد لصغار المنتجين    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية    وزارة المعادن تنفي توقيع أي اتفاقية استثمارية مع شركة ديب ميتالز    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تفاصيل جديدة حول جريمة الحتانة.. رصاص الكلاشنكوف ينهي حياة مسافر إلى بورتسودان    قوات الطوف المشترك محلية الخرطوم تداهم بور الجريمة بدوائر الاختصاص وتزيل المساكن العشوائية    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    "وجيدة".. حين يتحول الغناء إلى لوحة تشكيلية    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    أخطاء شائعة عند شرب الشاي قد تضر بصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سد النهضة .. على قارب الدبلوماسية
حلم «الرخاء» يصطدم برعب «العطش» المصري
نشر في الوطن يوم 08 - 11 - 2014

نحو 5 أشهر تفصل بين معادلة صعبة، ليس أمام طرفيها سوى السعي لتحقيقها، أو الدخول في صدام لا تحمد عُقباه.
المعادلة ذات الطابع السياسي الاقتصادي الاجتماعي، تتلخص في أن تحقق إثيوبيا حلمها القومي ببناء «سد النهضة» على مياه نهر النيل الأزرق، أحد أهم روافد النيل، لتوليد الكهرباء، بما يحقق لشعبها التنمية والرخاء، وأن تضمن مصر في الوقت نفسه عدم الإضرار بحصتها من مياه النيل، الذي يعد شريان الحياة لها ومصدر المياه ربما الوحيد لديها، باعتبارها دولة مصب.
هو أمر كان منذ أقل من عام شبه مستحيل، بل اقتصرت سبل حله عند بعض السياسيين المصريين على توجيه ضربة عسكرية لهدم السد. وتجري الدولتان ومعهما السودان حاليا جولة مفاوضات مكوكية مكثفة لتجنب مخاطر السد المحتملة، وفقا لخارطة طريق تم الاتفاق عليها بشكل مشترك، تنتهي في مارس (آذار) المقبل، وذلك بعدما رفضت أديس أبابا وقف بناء السد «مهما كلفها ذلك». لكن السودان (وهي إحدى دولتي مصب النهر مع مصر)، ترى أن السد يمكن أن يعود عليها بالعديد من المنافع أهمها توليد الكهرباء، مما أخرجها ضمنيا من دائرة الصراع، لتنحصر بين مصر وإثيوبيا.
تصاعدت الأزمة بشكل كبير منذ منتصف عام 2011، عندما أعلنت إثيوبيا تحويل مجر النيل الأزرق، من أجل البدء في تشييد سد النهضة العملاق على النهر، بكلفة 4.7 مليار دولار، على مسافة تتراوح ما بين 20 و40 كيلومترا من الحدود السودانية مع إثيوبيا، ويتوقع اكتمال تشييده خلال عام 2017.
ويأتي القدر الأكبر من مياه النيل بنسبة 80 في المائة لمصر من النيل الأزرق. يقول خبراء مصريون، وهو تقدير تتبناه الحكومة، إن هذا السد يهدد حصة القاهرة التاريخية من المياه، والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب بما يصل لأكثر من 10 في المائة، كما سيؤدي أيضا لخفض كمية الكهرباء المولدة من السد العالي جنوب مصر، وفي حالة انهياره (سد النهضة)، سيحدث خلل للسد العالي، ويؤدي لغرق بعض المدن المصرية في الجنوب والوسط بمصر.
وتعاني مصر من محدودية في الموارد المائية، حيث تعتمد فقط على حصتها من مياه نهر النيل؛ بل وتطالب بزيادتها لسد احتياجاتها من المياه في الزراعة والتنمية. ويقول وزير الموارد المائية والري الدكتور حسام مغازي في تصريحات خاصة ل«الشرق الأوسط»: «نعاني من عجز مائي يقدر بنحو 19 مليار متر مكعب، ونعتمد على سد هذا العجز من خلال توفير موارد بديلة منها البحث عن آبار للمياه الجوفية وهي غير كثيفة، وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، إضافة لمياه الأمطار الضعيفة جدا».
ويضيف: «هذا الوضع الصعب يجعل حصتنا من مياه النيل غير قابلة لأي نقص، بل نسعى لزيادة إيراداتنا من النهر من خلال التعاون مع دول الحوض».
وأضاف وزير الموارد المائية أن «مصر تحترم تطلعات الشعب الإثيوبي لتوليد الكهرباء ورفع مستوى معيشة مواطنيها، وتتطلع للتعاون والتنمية المشتركة مع إثيوبيا والسودان؛ لكن في ذات الوقت لنا الحق في الحياة وفي المياه مثل الآخرين تماما الذين لهم الحق في التنمية، وبالتالي كانت الرسالة واضحة مفادها أننا لسنا ضد السد في حد ذاته، لكن نحن مختلفون حول سعة السد».
وأوضح مغازي أن «مصر ترى أن سعة السد 14 مليار متر مكعب، هذا يكفي دون أن يكون هناك ضرر ملموس، لكن عندما أعلنت إثيوبيا أن سعة السد تحولت وأصبحت 74 مليار متر مكعب، فهنا أصبح الضرر واقعا، حيث ستكون لذلك تأثيرات سلبية أثناء فترة التخزين، لأننا لن نستطيع تحمل هذه الكمية وسيكون لها تداعيات على الأمن المائي لمصر، ومن هنا برز الاختلاف بين الدولتين في الرؤى، وعلينا أن نبذل جهدا لنصل إلى حل وسط يرضي الطرفين، بناء على دراسات علمية تدرس ما هو التخزين الذي يضر مصر والسودان سواء في سعة السد أو عدد السنوات».
وتابع الوزير المصري: «فكرة السد تقوم على توليد الكهرباء بمعنى أن يتم احتجاز المياه بهدف توليد الكهرباء، ثم تمر في رحلتها الطبيعية إلى مصر والسودان؛ لكن أثناء فترة التخزين للمياه في السد لتوليد الكهرباء هذه، هنا هي الفترة الهامة في أي سد وليس في سد النهضة فقط، وهي الفترة التي سنعاني منها.. سنعاني من العجز المائي، بالإضافة إلى التأثيرات البيئية والاقتصادية».
وسبق أن شكلت الدولتان مع السودان قبل عامين لجنة من خبراء دوليين ووطنين لمراجعة وتقييم تقارير دراسة السد، تتألف من 10 أعضاء في مجالات الموارد المائية وهندسة السدود والجوانب الاجتماعية الاقتصادية.
ورغم أن التقرير الكامل لم يتم عرضه علنيا، قالت الحكومة الإثيوبية إنه وفقا للتقرير فإن تصميم السد يستند على المعايير والمبادئ الدولية ويقدم فائدة عالية للدول الثلاث، في حين أكدت الحكومة المصرية أن التقرير أوصى بتغيير وتعديل أبعاد وحجم السد، وهو الأمر الذي زاد حدة الخلاف حينها.
لكن الأزمة تفاقمت بشكل أكبر عقب اجتماع أجراه الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي وقادة أحزاب مصرية لمناقشة ذلك التقرير، وأذيع على شاشة التلفزيون دون علم هؤلاء بأن الاجتماع يبث على الهواء مباشرة، حيث اقترح بعضهم عليه تدمير السد ودعم المتمردين المناهضين للحكومة الإثيوبية، فما كان من إثيوبيا إلا أن احتجت وطلبت اعتذارا من مصر، وتوقف الحوار بين البلدين.
تغير الأمر تماما عقب عزل مرسي، وانتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر، حيث شهدت الأزمة انفراجة كبرى، حين أجرى السيسي اجتماعا هاما مع رئيس وزراء إثيوبيا هيلي ماريام ديسالين، على هامش القمة الأفريقية، في يونيو (حزيران) الماضي، أكدت فيه الدولتان التزامهما بالحوار والتعاون واحترام القانون الدولي وتحقيق المكاسب المشتركة، كما تعهدت إثيوبيا بعدم الإضرار بمصالح مصر من المياه.
وهنا بدأت الرؤية تتغير لدى البلدين، وبدأ الحديث عن التعاون والحوار يتصاعد بشكل واضح. ويقول الوزير مغازي في تصريحاته: «أدركنا وكذلك إثيوبيا أنه من الممكن أن يكون هذا السد مصدرا للتعاون وليس مصدر خلاف، عندما تلتزم كل دولة بالاتفاق لحل المشكلة، ستفتح مجالات التنمية والتعاون بين الدول الثلاث».
إثر تلك الرؤية الجديدة، عقدت الدول الثلاث جولة من المفاوضات أواخر أغسطس (آب) الماضي في العاصمة السودانية، ضمت وزراء الموارد المائية في مصر والسودان وإثيوبيا، بشأن أزمة سد النهضة، التي باتت تشكل مرحلة جديدة في النزاع الدائر، الذي يتعلق عليه مصير شعوب.
اتفقت تلك الدول على استكمال الدراسات المتعلقة بآثار السد على دولتي المصب (مصر والسودان)، عن طريق لجنة خبراء وطنيين من الدول الثلاث، مع تكليف مكتب استشاري دولي لإعداد دراستين تفصيليتين حول تأثيرات السد على تدفق مياه النيل، والآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية للمشروع على مصر والسودان، على أن يجري حسم الخلاف على هاتين النقطتين في مدة أقصاها 6 أشهر، تنتهي في مارس (آذار) المقبل وتكون نتائجها ملزمة للجميع.
وبالفعل عقد الاجتماع الأول للجنة الوطنية الثلاثية في أديس أبابا في 20 سبتمبر (أيلول) الماضي، وجرى الاتفاق فيه على الشروط المرجعية لعمل اللجنة واختيار المكتب الاستشاري، كما قام الوفد المصري بزيارة استطلاعية لسد النهضة تأكد خلالها أن السد ما زال في مرحلة التأسيس، وأن الدراسات سوف تستكمل قبل انتهاء المرحلة الأولى لبناء السد المقرر لها نهاية عام 2015.
ويقول وزير الموارد المائية المصري: «طبقا لمشاهداتي خلال زيارة سد النهضة فإن الأعمال الإنشائية الحالية تعتبر أعمالا أولية لا تتجاوز 20 في المائة من حجم الأعمال في جسم السد ولا تسمح بأي أعمال تخزين أو إيقاف للنهر دون ظهور أي معالم إنشائية في جسم محطة الكهرباء أو توريد أجزاء التوربينات الخاصة بتوليد الكهرباء. وأتوقع أنه عند عملية التخزين وتوليد الكهرباء كمرحلة أولى، التي من المعلن أن تبدأ في سبتمبر من عام 2015، لن يكون هناك ضرر على مصر في تلك الفترة».
وخلال اجتماعات الجولة الثانية للجنة الوطنية الثلاثية بالقاهرة يومي 16 و17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أعلن الوزير مغازي أنه سيتم بتاريخ 16 ديسمبر (كانون الأول) المقبل في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا توقيع دول حوض النيل الشرقي (مصر والسودان وإثيوبيا) على العقد مع المكتب الاستشاري الدولي المنوط به القيام بالدراستين التكميليتين لسد النهضة الإثيوبي، مؤكدا نجاحه في وضع كراسة شروط تضمنت معايير دقيقة لاختيار المكتب الاستشاري الدولي الذي سيقوم بهذه المسؤولية الجسيمة من بين المكاتب السبعة التي وقع الاختيار عليها، كما تم وضع جدول زمني لكل الخطوات اللازمة حتى ينتهي المكتب من عمله.
وأشار الوزير إلى أن قطار المفاوضات بدأ في أغسطس الماضي، ولن يقف إلا في آخر محطة، قبل منتصف 2015 بحسب خارطة الطريق، معربا عن رضاه التام عن نتائج مفاوضات سد النهضة الإثيوبي حتى الآن.
وشدد مغازي على أن القضية ليست سهلة؛ لأنها تتعلق بأهم شيء في حياة الشعوب وهو المياه، ومن الطبيعي أن تتعرض المفاوضات إلى صعود وهبوط، موضحا أن المفاوضات في هذه القضية هي الخيار الوحيد، ولا بديل عنها؛ لأنها توجه دولة، ومن يرى غير ذلك لا يستوعب أهمية الحوار.
ونبه إلى أن اجتياز عقبة سد النهضة من خلال تنفيذ خارطة الطريق وتحقيق تقدم في التوصل إلى اتفاق في الوقت المحدد سيفتح الباب واسعا أمام شراكة حقيقية بين دول حوض النيل الشرقي في مجالات عديدة تعود بالخير على أكثر من 200 مليون نسمة يقطنون في الدول الثلاث. في المقابل، يرى بعض الخبراء أن إثيوبيا تحاول من خلال تلك المفاوضات كسب المزيد من الوقت من أجل بناء السد وجعله أمرا واقعا لا يمكن لمصر هدمه. يقول الدكتور نصر علام وزير الري المصري الأسبق، إن «الموقف الإثيوبي الذي نتحدث عنه معهم حول حقوق مصر منكر تماما لحصة مصر المائية ولاتفاقية 1959 والتي تحدد 55 مليار متر مكعب لمصر». وتابع بقوله: «أعتقد أن ما يحدث هو بمثابة إهدار وقت لتضييعه على مصر»، متوقعا «حدوث خلافات حول الدراسات الفنية».
لكن مصدرا بالحكومة المصرية أكد ل«الشرق الأوسط» أن «المدى الزمني للمفاوضات مع إثيوبيا بخصوص الوصول لحل لأزمة نهر النيل بين البلدين أمر لا يقلق مصر حاليا، في ظل سعي البلدين لتنفيذ خارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها، والتي تنتهي في مارس (آذار) المقبل»، مشيرا إلى أن «كل خطوة يتم تنفيذها محددة بدقة، وأن بلاده تفترض حسن النية في أديس أبابا فيما يتعلق بالتزامها».
وأضاف المصدر المطلع على المفاوضات الحالية: «خلال فترة الستة أشهر لن تكون إثيوبيا قد أنجزت أي مرحلة كبيرة من البناء.. على الأقل خلال تلك الفترة لن تتجاوز سعة السد الإثيوبي ال14 مليار متر مكعب التي وافقنا عليها».
وتعود جذور الخلاف بين البلدين حول المياه إلى عام 2010، عندما وقعت دول المنبع لنهر النيل (إثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا) على اتفاق إطاري تعاوني لإعادة تقسيم وتنظيم استخدام مياه النيل، والذي عرف باتفاقية «عنتيبي»، لحقتهم دولة بوروندي التي وقعت على الاتفاقية عام 2011، وسط رفض مصري وسوداني.
ووصفت مصر تلك الاتفاقية ب«المخالفة للقانون الدولي»، متمسكة بالاتفاقات التاريخية لتنظيم مياه النيل، كما رفضت السودان كذلك التوقيع على الاتفاقية لأنها تمس بمصالحها المائية. واشترطت القاهرة للانضمام ضرورة التأكيد على حقوقها التاريخية في المياه وعدم المساس بحصتها، وضرورة إخطار كل دولة مسبقا عن كل المشروعات التي يتم تنفيذها على النهر وفروعه.
وكانت بريطانيا (الدولة الاستعمارية السابقة)، قد وقعت نيابة عن أوغندا وتنزانيا وكينيا، اتفاقا مع الحكومة المصرية عام 1929، يتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وحق مصر في الاعتراض على إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده. كما لحق بهذه الاتفاقية، اتفاقية أخرى بين مصر والسودان عام 1959 منحت مصر بموجبها حق استغلال 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل ومنحت السودان 18.5 مليار متر مكعب من مياه النيل يحق لها استخدامها، على أن تتعاون الدولتان في دراسة وتنفيذ مشروعات أعالي النيل لتقليل فاقد المياه في هذه المنطقة وتعظيم إيراد النهر.
لكن، ومنذ استقلال دول حوض النيل في منتصف الستينات، فهناك مطالبات متزايدة من جانب حكوماتها بإعادة النظر في تلك الاتفاقيات القديمة، بحجة أن الحكومات القومية لم تبرمها ولكن أبرمها الاحتلال نيابة عنها، وأنها جزء من ميراث الفترة الاستعمارية، كما أن هناك حاجة لدى بعض هذه الدول لموارد مائية متزايدة.
ويجري شريان النيل، أطول أنهار العالم (6695 كم)، في 10 دول هي (مصر، السودان، جنوب السودان، أوغندا، إثيوبيا، الكونغو الديمقراطية، بوروندي، تنزانيا، رواندا، كينيا، بالإضافة إلى إريتريا)، تنقسم إلى دول المصب (مصر والسودان)، فيما تصنف بقية الدول باعتبارها دول منبع، حيث تكثف فيها الأمطار الموسمية.
ومما يدعم هذا الخلاف ويشعله، ثبات كميات المياه وتزايد سكان دول حوض النيل وزيادة المشروعات الزراعية، حيث تتوقع إحصاءات غير رسمية صادرة عن منظمة «نيباد»، أن يصل تعداد سكان مصر إلى 121 مليون نسمة بحلول عام 2050، فيما سيصل عدد سكان السودان في العام نفسه إلى 73 مليون نسمة، وإثيوبيا إلى 183 مليون نسمة.
ويرى خبراء مياه أن الأزمة بين دول حوض النيل لا يجب أن تكون حول كمية المياه، لأن هناك فواقد كبيرة في مياه النيل يمكن الاستفادة منها. ويقول ضياء الدين القوصي، الخبير في شؤون المياه بمصر، إن هناك ما يزيد على 1600 مليار متر مكعب تصل مياه النيل كل عام، لا يصل لدولتي المصب، مصر والسودان، منها، سوى 84 مليار متر مكعب، أي ما يعادل 5 في المائة، في حين أن ال95 في المائة الباقية إما تستخدم في باقي دول الحوض، وإما تضيع أجزاء كبيرة منها في التبخر.
يدعم ذلك الرأي، الدكتور محمود أبو زيد رئيس المجلس العربي للمياه، وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، الذي أكد أن دول حوض النيل لا تحسن استخدام مياه النهر، مشيرا إلى أن معدل الأمطار التي تسقط سنويا على دول حوض النيل العشر يبلغ 1660 مليار متر مكعب لا يذهب منها إلى مجرى حوض النيل سوى 84 مليارا فقط أي نحو 5 في المائة من حجم مياه الأمطار.
وهنا ينبه إلى ضرورة إقامة مشروعات مشتركة للاستفادة من هذا الفاقد وخاصة في بحر الزراف الذي يسقط عليه سنويا 530 مليار متر مكعب من الأمطار لا تذهب منها لحوض النيل قطرة واحدة. والعودة إلى مشروع قناة جونغلي بين مصر والسودان الذي توقف إبان حرب الجنوب. ويتحدث عدد من الخبراء والسياسيين المصريين عن وجود مؤامرات خارجية منها إسرائيلية وراء بناء إثيوبيا لسد النهضة، ويقول الدكتور محمود إبراهيم أبو العينين، أستاذ العلوم السياسية ل«الشرق الأوسط»: «من الأفضل ومن مصلحة جميع هذه الدول التعاون فيما بينها والابتعاد عن تحريض الدول الأخرى، لأن هذه الدول تحاول الوقيعة بين دول القارة من أجل مصالح آنية، في حين أن على دول المنبع البحث عن مصلحتها الدائمة وليست الوقتية، التي تتمثل في التعاون مع جيرانها ومحاولة استغلال مياه النيل على النحو الأمثل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.