يذهب المحللون السياسيون والمتتبعون لجذور النزاع المتطاول أمده في دارفور، مذاهب شتى عند الإشارة إلى أسباب اندلاع الصراع، فالبعض يرى أنه بسبب فسيفساء المكونات الإثنية لقبائل دارفور وتنويعاتها المختلفة بين قبائل ذات جذور عربية وأخرى غير عربية. وهناك قبائل سودانية بحتة مثل الفور التي لا توجد لها فروع في أيٍّ من دول الجوار كغيرها من القبائل، وبعد سنوات من التعايش السلمي شطرت السياسة قبائل دارفور إلى معسكرين "عربية وأفريقية"، مما أجج الصراع الراهن على أساس قبلي. بينما يتجاوز بعض المحللين فرضية القبلية في الصراع الراهن على اعتبار أنها كانت موجودة منذ مئات السنوات ويرجعونه إلى الجغرافيا وليس التاريخ الذي يسجل مظالم لأهل دارفور يعترف بها المركز شأنهم في ذلك شأن المناطق الطرفية في أقصى الشمال وفي الشرق. الجغرافيا والصراع وأصحاب المذهب الجغرافي في تفسير الصراع في دارفور يرون أن شمال دارفور الجغرافي يعتبر مناطق قاحلة سمتها الأساسية الصحراء والجفاف في بلد جل أهله من الرعاة والفلاحين. ؛؛؛ السياسة شطرت قبائل دارفور إلى معسكرين "عربية وأفريقية"، مما أجج الصراع الراهن على أساس قبلي بعد سنوات من التعايش السلمي ؛؛؛ في مقابل الجنوب، وهو يتمتع بمناخ السافنا الغنية حيث الأمطار الغزيرة في موسم الخريف والحفائر التي تختزن قدراً معقولاً من مياه الخريف تكفي الإنسان والحيوان والنبات طوال فترة الصيف فضلاً عن سهولة الوصول إلى المياه في الصيف من خلال الآبار السطحية في بطون الأودية المختلفة. وأصحاب المذهب الجغرافي تكاد رؤيتهم تتطابق مع من ذهب في تفسير ظاهرة الصراع السياسي في دارفور على أنها انعكاس لصراع بين ممارسين لنشاطين اقتصاديين أساسيين في دارفور وهما الرعي والزراعة. فرعاة الماشية على تنوع نشاطهم في الجنوب يرعون البقر والأغنام وفي الشمال يرعون الإبل في حالة احتكاك دائم في رحلتي الخريف والصيف نحو مظان الماء والكلأ مع المزارعين المقيمين على جانبي (المسار) الذي يسلكله الرعاة ومواشيهم في رحلتي الخريف والصيف وكثيراً ما تتلف الماشية تلك المزارع أو تعتدي عليها فينشب صراع بين أصحابها وأصحاب المزارع. الماء جزء من الصراع التفسير الأحدث لظاهرة الصراع السياسي في دارفور والذي يجمع رؤية أصحاب المذهب الجغرافي ومذهب النشاط الاقتصادي، هو أن الماء جزء من الصراع في دارفور على نحو مباشر أو غير مباشر. ومن أبرز مؤيدي هذا المذهب الخبير الجيولوجي الأميركي الجنسية المصري الأصل فاروق الباز، الذي أثار جدلاً بإعلانه في العام 2007 اكتشاف بحيرة ضخمة قديمة تحت الأرض في دارفور، قال إنها يمكن أن تعيد السلام إلى الإقليم، الذي انطلقت الشرارة الأولى للصراع فيه بسبب مصادر المياه، بحسب تعبيره. وتقع البحيرة التي أعلن الباز اكتشافها على عمق 573 متراً تحت مستوى البحر، وهي تزيد في مساحتها قليلاً عن مساحة بحيرة إيري إحدى البحيرات الخمس الكبرى في شمال الولاياتالمتحدة. وجاء هذا الاكتشاف بفضل ثلاثة أقمار صناعية تابعة لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا) وكندا ووزارة الدفاع الأميركية، والتي تمكنت من التقاط صور ثلاثية الأبعاد لطوبوغرافيا ما تحت الأرض في المنطقة. وقال الباز إن العديد من اللاجئين من دارفور استقروا في مناطق كانت في وقت من الأوقات تخضع لسيطرة البدو، مما أدى إلى نفاد مصادر المياه ووضع بذور الصراعات بين المزارعين والبدو. وقال الباز لوكالة رويترز للأنباء: "لذلك إذا وجدت مياه للمزارعين.. بالإضافة إلى مياه للبدو.. للإنتاج الزراعي وإطعامهم وتوفير حبوب لهم فإنك بذلك تحل المشكلة تماماً". مبادرة الألف بئر وحصلت مبادرته التي يطلق عليها 1000 بئر في دارفور على تأييد الحكومة المصرية، التي تعهدت ببدء إنشاء 20 بئراً في البداية.؛؛؛ التفسير الأحدث لظاهرة الصراع السياسي في دارفور والذي يجمع رؤية أصحاب المذهب الجغرافي ومذهب النشاط الاقتصادي، هو أن الماء جزء من الصراع في دارفور على نحو مباشر أو غير مباشر ؛؛؛ ويأمل الباز الذي يتوقّع وجود خزانات مياه جوفية أسفل سطح الأرض يمكن حفرها لاستخراج مياه، في الحصول على دعم من الحكومات الإقليمية، وحث المنظمات غير الحكومية على المشاركة. وقد وجد الباز انتقادات من خبراء سودانيين عندما زار الخرطوم في يونيو من العام 2007 وقدم ندوة علمية لشرح فكرته، وأجمع المعقبون على أن الاكتشاف الذي جاء به الباز ليس جديداً وأن البحيرة معروفة في السودان. وزير الطاقة السابق د. شريف التهامي كان أحد حضور الندوة وعلّق عليها بالقول: "ألا جديد في حديث الباز سوى مشروع الآبار"، وقال إن الحوض المائي في شمال دارفور معروف منذ القدم". حوض مائي معروف وأضاف التهامي لصحيفة "الشرق الأوسط" أن كميات المياه الجوفية الكبيرة في شمال دارفور هي حوض مائي معروف وهو حوض رسوبي صنو لأحواض كثيرة في السودان منها حوض البقارة في دارفور، الذي كان مشروع دراستي للدكتوراة تطرقت فيها إلى كل الأحواض المائية الجوفية في البلاد، بما فيها حوض وادي هور، الذي تحدّث عنه الباز باعتباره اكتشافاً جديداً. وعلى الرغم من أن فكرة الباز وجدت الانتقادات وفتر بالتالي الحماس الرسمي لها من قبل الحكومة، ولكن يبدو أن جوهر الأمر وهو أن شح المياه أو سوء إدراتها كانا سبباً في اندلاع الصراع السياسي في دارفور، وهي فكرة لا تزال تسيطر على الكثير من المهتمين بملف الأزمة في دارفور. وفي السياق، أعلنت الأممالمتحدة أن مؤتمراً حول المياه في درافور سيعقد يومي 27 و28 يونيو في الخرطوم بهدف جمع مليار يورو لتمويل مشاريع مختلفة. وقالت القوة المشتركة بين الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي "يوناميد" المنتشرة في دارفور إن "المؤتمر يأمل جمع أكثر من 200 مشترك بينهم خبراء في تنمية الموارد المائية. وسوف يطلق المؤتمر نداءً لتمويل 56 مشروعاً بكلفة تقدر بحوالى 1,43 مليار دولار". وسيعقد المؤتمر الدولي برعاية وزارة الري والموارد المائية السودانية وقوة يوناميد وعدة وكالات تابعة للأمم المتحدة. وبانتظار مخرجات ومقررات المؤتمر الدولي حول المياه في دارفور، يبقى الجدل مستمراً حول الدور الذي لعبه شح المياه في الإقليم المترامي الأطراف والمتنوع السمات الجغرافية في إذكاء نار الصراع السياسي الراهن في الإقليم الذي تدخل المياه عنصراً رئيساً في النشاط الاقتصادي اليومي للمواطن. ؛؛؛ الأممالمتحدة أعلنت أن مؤتمراً حول المياه في درافور سيعقد يومي 27 و28 يونيو في الخرطوم بهدف جمع مليار يورو لتمويل مشاريع مختلفة ؛؛؛ فسكان دارفور باستثناء سكان الحواضر يمتهنون أباً عن جد حرفتي الرعي والزراعة وتوفر المياه والوصول الآمن لها هو القاسم المشترك في النشاطين. وبالتالي نحن مع الاتجاه الساعي لتوفير المياه في دارفور كجالب ومثبت للسلام في الإقليم. وغض النظر عن الجدل العلمي حول اكتشاف د. الباز لما هو معلوم للسودانيين من قبل، فإن مبادرته في حفر الآبار وتوفير المياه لا بد من التعامل معها بجدية من أجل استدامة السلام والاستقرار في دارفور. ومن خلال المبادرات الوطنية الجادة يمكن الإسهام في توفير المياه الصالحة للشرب وللنشاط الزراعي والرعوي في دارفور، خصوصاً وأن الأمر لا يتطلب تحويل مسار النيل إلى دارفور وإنما شق باطن الأرض لاستخراج مخزون هائل من المياه يكفي لحاجة سكان الإقليم الذين يتعاركون حول الموارد المحدودة للمياه.