يصادف يوم غد الخميس، الموافق الرابع عشر من فبراير، عيد الحب أو ما يُسمى ب(يوم الفالنتاين). اعتاد البعض الاحتفال بهذا اليوم في السنوات الأخيرة وأثارت هذه الاحتفالات الكثير من ردود الفعل. يُصنِّف رجالات الدين في بلادي، عيد الحب (فلنتاين) بأنه اقتداء لا يجوز بالكفار، وترتعد فرائص خبراء علم الاجتماع من إمكانية تسلل العولمة بإسقاطاتها السالبة - فلنتاين أحد أيقوناتها- إلى داخل النسيج المجتمعي ساحبة البساط ومتمددة في مساحات الثقافة السودانية ضاربة الجذور لجهة سيادة ثقافات عابرة للقارات، على غرار رؤوس الأموال عابرة القارات. بينما ينحو آخرون منحى صديقتي الكاتبة السعودية نور البواردي، التي تكره –للمفارقة- عيد الحب وتصر بأنه يوم يحتشد بأقدام العشاق الباهتين. أسانيد العشاق الفقهية بيد أن المرور في ذات قضبان الطريق الذي اختطه د. فيصل القاسم في ثنايا برنامجه المثير للجدل (الاتجاه المعاكس) على قناة الجزيرة؛ يجلعنا نقول إنه وفي المقابل تؤيد نسبة منظورة -لا إحصائيات تقدّر أعدادهم- إحياء ذكرى عيد القديس فلنتاين بصورة سنوية راتبة، وتحديداً في اللحظة التي تتعانق فيها عقارب الساعة الثلاث عند محطة الرقم (12) إيذاناً بدخول الرابع عشر من نوفمبر. ؛؛؛ للعشاق أسانيدهم الفقهية التي يسوقونها لتحليل الاحتفال بالفلنتاين مستعصمين في ذلك بتبريرات مقنعة جداً بالنسبة لهم وواهية كخيط العنكبوت عند سواهم ؛؛؛ وشأنهم في ذلك شأن الوعاظ والدعاة -إن جازت لنا المقاربة- للعشاق أسانيدهم الفقهية التي يسوقونها لتحليل الاحتفال بالفلنتاين مستعصمين في ذلك بتبريرات -مقنعة جداً بالنسبة لهم وواهية كخيط العنكبوت عند سواهم- وتتراوح بين الفقه وما عداه من الضروب. ولعل أول دعاويهم وأشهرها الاستناد على شطرة من حديث بليغ لمن أعطى جوامع الكلم المصطفى عليه أتم الصلوات والتسليم وتقول: "إنَّمَا الأعْمَالُ بَالْنيَاتِ، وَإنَّمَا لِكل امرئ مَا نَوَى)، زاعمين بحسن نيتهم التي تتمحور طبقاً لأقوالهم في إدخال البهجة بنفوس من يحبون، دون إكتراث بالقديس فلنتاين وقصصه وغصصه. الفقهاء يستشيطون غضباً هذا الموقف استدعى استشاطة الفقهاء غضباً هادين تلك الحجة من أساسها على معابد العشاق بتتمتهم تلاوة الحديث الشريف القائل: (إنَّمَا الأعْمَالُ بالْنيَاتِ، وَإنَّمَا لِكل امرئ مَانَوَى، فمَنْ كَانَتْ هِجْرَتهُ إلَى اللّه وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتهُ إلَى اللّه وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرتُهُ لِدُنيا يُصيبُهَا، أو امْرَأة يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُه إلَى مَا هَاجَرَ إليهِ). مدرجين بعدها أهل الهوى في زمرة المهاجرين صوب الأحباء، هذا إن لم يعاجلونهم -أصلاً- بحرمة الحب ذاته مستندين على قوله تعالى: (فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متّخذات أخدان). ؛؛؛ موقف عشاق عيد الحب استدعى استشاطة الفقهاء غضباً هادين تلك الحجة من أساسها على معابد العشاق بتتمتهم تلاوة الحديث الشريف المشهور ؛؛؛الحجة الثانية في صفحات كتاب العشاق تضم تصنيفاً يقسمهم إلى المرتبطين بعقد زواج ومن هم دون ذلك، وهي الثغرة التي ينسل منها الأزواج ليقولوا بعدم وجود حرمة في التهادي بينهم، ما يستدعي الشيوخ لأن ينبروا لهم تارة أخرى، حاملين هذه المرة تساؤلاً مغلظاً مفاده: ولماذا الرابع عشر من فبراير دوناً عن أيام الله؟ قفز بمظلة الحب أما العشاق الذائبين وجداً وهياماً، فنجدهم لا يرعوي من فتوى ولا يقبلون -مطلقاً- التعاطي مع العقل والمنطق، وبالتالي هم في حلٍّ عن سوق الحجج والذرائع، ومنقادين لقلوبهم المنسالة كجدول ماء، وعواطفهم الوقادة كجذوة نار، بتشديدهم المغلظ أنهم لن يفوتوا سانحةً تقربهم ممن رضوا وأحبوا، وإن أعلنت كل أيام السنة فصولاً وتواريخ للعشق فستجدهم يقولون قولة جهنم الأشهر: "هل من مزيد". وليس قفزاً على النتائج ولكن قفزاً على النقاش الذي يحتمل الأخذ والرد، وتجنباً لأحاديث أهل مدرسة بيزنطة التي تنعت بالعقم، أو حرصاً على نعمة التنفس خوفاً من سلبها كحال الفذْ هاشم صديق وهو يصف (حاجة) في حبيبته بأنها (تقطع نفس خيل القصايد)؛. قفزاً على ذلك كله، ونزولاً بمظلة أو دونها عند الواقع السوداني نحطْ بأقدامنا على كرنفالات ملوّنة بالأحمر والبنفسج -ألوان الحب الرسمية- أيام الفلنتاين، فبينما المستفيد من جنون العشق الأكبر -دون ذرة شك- فهم أصحاب محال الهدايا والعطور والورود. اقتصاديات الفالنتاين ولتجنُّب تكرار أحاديث الاقتصاد القائلة بازدهار النشاط التجاري بالتزامن مع عيد الحب، والذي لولاه لكسدت بضائع دون أن يجد أصحابها إلى تصريفها سبيلاً، يكفيك كتابة كلمة فلنتاين على محرك البحث العملاق (قوقل) وطالع بنفسك النتائج المالية المدهشة. ؛؛؛ فى عيد الحب يزدهر النشاط التجاري بالتزامن مع الفالنتاين، والذي لولاه لكسدت بضائع دون أن يجد أصحابها إلى تصريفها سبيلاً ؛؛؛ولكوني غير متخصص في اقتصاديات المناسبات -إن جاز لي التوصيف- وما تدره من دخل سألج مباشرة لمهن طريفة انتشرت في فلنتاين بلادي مدخلة البهجة على القلوب، والأموال في الجيوب وكما يقول مثلنا المحلي (رزق الهبل على المجانين). وتقف مهنة المختصين في كتابة الإهداءات والكلمات المغموسة في عسل العشق، سواءً خرجت -هكذا- عفو الخاطر أو استخرجت من دفات الكتب، على رأس المهن التي ازدهرت قبيل وإبان عيد الحب. أقصر الطرق إليها وحكى لي من أثق بشهادته أنه وما أن انتهى من اختيار هدية لمن يهفو لها عشقاً وصبابة، حتى أحاله صاحب المحل لزميل له قال إنه سيساعده في اختيار كلمات تليق برقي المناسبة ورقة الحبيبة على حدٍّ سواء وهمسه في أذنه (أقصر طريق لقلب المرأة أذنها) قالها وأكمل الحكمة أو المقولة أو سمها ما شئت -حسب صديقي- بتحسس بطنه في دلالة على أن (أقصر طريق لقلب الرجل معدته، وقبلها التعريج بجيبه). وبعد أن كتب الزميل (المعلوم) الذي ربما اختطه لمئات غيره، طالبه بمبلغ (4) جنيهات، أدخل اثنين منهما بعبه ونفح صاحب المحل الذي تحسس كرشه -ثانية- بمثلهن تاركاً كيوبيد يحلق فوق سموات المحل، طالاً من بسمات صعدت لشفاه الجميع! تعدين عشوائي عن العشق مهنة ثانية أملكها، ومتوقعاً بأن مدّ الله في الآجال وكتبتكم مرة أخرى عن الفلنتاين، أن أروي لكم مزيداً عن قصص المشتغلين بشؤون الحب، كحال استثمار اللسان الذرب (راجع الفقرة أعلاه)، فمتعلقة بمهنة الرجل أو المرأة -طبقاً للحالة- الدليل. فالحصول على الحب شبيه بالتعدين العشوائي عن الذهب، إذ يضطرك الهيام لأن تهيم في الأرض معدناً عن رضا الحبيب، بينما العشوائية تنتظرك لا محالة في ردات فعله التي تكون غالباً مخالفة لكل نظريات الفعل الفيزيائية التي لطالما وقرت في صدورنا، بأنه (لكل فعل رد فعل، مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه). ففي الحب قد تطلب ود أحدهم بوسيلة ما، فتصير أبعد خلق الله عنه، وقد تقول قولةً أو تنحو فعل وكلك يأس وقنوط من الحظوة بوده فتكون أقرب إليه من حبل الوريد. ؛؛؛ الدليل مهمته تتلخص في أن يختار لك الفج الذي تسلكه تجاه قلب الحبيب، مذكراً إياك بأن الفعل مجرّب وأتى أكله عدة مرات ؛؛؛منازل القلوب المولهة المهم وبالعودة لمهنة الدليل -وإن كنت أرى بريق المعرفة يطلْ من عينيك- فأقول إن مهمته تتلخص في أن يختار لك الفج الذي تسلكه تجاه قلب الحبيب، وفقاً لدراسات جدوى ناجمة عن خبرة تراكمية في فيزياء الفعول ورداتها عند العاشقين، مذكراً إياك بأن الفعل مجرّب وأتى أكله عدة مرات. قبل أن يستدرك ويخلي مسؤوليته عنك تماماً بقوله: (بعدها إنت وحظك) تاركاً هاشم صديق -يعجبني للزوم الفائدة كثيراً في أشعاره القديمة- يتلو على مسامعك (قدرك تقيف في العاصفة منصوب الشراع). وعودة لمهنة (دليل) العشاق، فتتعلّق بتوجيهك صوب محل يأخذْ بلب من تحب، ويجعله في الغادية والرائحة يغني على بواياته الأطلال مع (أم كلثوم) ويتلفت قلبه كالشريف الرضي (وتلفتت عيني فمذ خفيت عنها الطلول تلفت القلب) أو يدفعه للتسبيح بعجز بيت الشاعر -لا أذكره- ويقول (لك يا منازل في القلوب منازل). رحلة برفقة الدليل وبناءً على مقدرتك المالية، ومدى معرفتك بالحبيب، يطوّف بك الدليل، فقد يدفعك لرحلة في قاع المدينة، فيأخذكما سوية إلى أسواق (قندهار) حال علم بأن حبيبتك (شهادة عربية) تنعت (مول) عفراء -الذي يقصده بعضهم لممارسة فعل الدهشة فقط لا غير- بأنه مكان مزدحم بالبشر وخالي من المنتجات الراقية. أما وحال أخبرته بضعف حالك وهوانك على الناس، فتجده يحثك على الاستدانة لا يخشى إدخالك ضمن زمرة المساكين الذين لا يجدون قوت عامهم، عوضاً عن كونك من الفقراء معدمي قوت يومهم، مشيراً لك بالذهاب إلى إحدى محال الرياض والطائف والمنشية وذلك بعد أن تكون قد زجرته على وقع سيرة (السلام روتانا). ؛؛؛ الكتاب الهدية تجده راقداً على فرشة بائع بالقرب من ميدان (جاكسون)، بحالة يرثى لها، وبشحوب يظهر في لون أوراقه الصفر، فتشتريه ؛؛؛المهم أنه وفي حال لم ينغصْ عليك المال الاستشارة واللحظة، فستستمع كما حبيبتك (اللامبالية) بأضواء الشموع وموسيقى السيد (زامفير) وإيقاع العطر الذي يضوع بأرجاء المطعم. كتاب رّث الهيئة وللعلم فإن الدليل يتعدى دوره الأماكن، ليرشدك صوب الهدايا، فقد ترى أن (دباً أحمر كبيراً) ينمْ عن الحب وروح المناسبة، فيغير بوصلتك بعد دمغك بالرجعية تجاه كتاب لكاتب لا تعرفه، وعرفه هو من مقولة سردتها عن حبيبك، فتبحث إلى أن تحفى أقدامك نتيجة استشارته التي تصنفها ب(المهببة). قبل أن تجد الكتاب راقداً على فرشة بائع بالقرب من ميدان (جاكسون)، بحالة يرثى لها، وبشحوب يظهر في لون أوراقه الصفر، فتشتريه، وبعد تردد تتوكل على الحي الذي لا يموت، وتدسه في يد حبيبك مخبئاً وجهك حذر تقبله للأمر، فإذا بأساريره تضىء، وعيونه تتسع، وأنفاسه تنحبس ويخبرك والدموع تكاد تضطفر من عينيه كم هو عاجز عن الشكر. ؛؛؛ المهم في الأمر، إياك أن تمسك يدك عن الدليل وإن استطعت أن تبسطها كل البسط فأفعل، وتذكر أنه الوجه الثاني لعملة الطبيب النفسي ؛؛؛جنون النساء وقد تظن -إثماً- أن الهدية تتناسب طردياً وسعرها، وما على الدليل -هنا- إلا أن يصححك ويبلغك أنها مرتبطة بقيمتها، وفي السياق كم كنت أود أن أنظر لاستجابة تلك الحبيبة التي أهدأها حبيبها (سلحفاة صغيرة) يملكها، ومربوط بوسطها خاتماً زهيد السعر ولكنه غاية في الوسامة، بيد أني استدركت أن (ما في الفيزياء لنيوتن.. وما في الحب لجنوننتن) ونقصد هنا -بلا أدنى مواربة- جنون النساء. المهم في الأمر، إياك أن تمسك يدك من اقتار عن الدليل وإن استطعت أن تبسطها كل البسط فأفعل، كما لا تخفي عنه شيئاً، وتذكر أنه الوجه الثاني لعملة الطبيب النفسي، لذا كن صريحاً لتجد العلاج الناجع، أما إن كنت كذوباً أو بخيلاً فتحمل ما يحدث لك كاملاً غير منقوص.