ما هي الفضاءات التي يتحرَّك فيها الإنسان بحرية في الإسلام؟ هل ثمة اختلاف جوهري من حيث المفهوم بين حرية الإنسان المسلم أو الليبرالي أو الاشتراكي أو الشيوعي؟ أم أن الحرية هي حاجة إنسانية كونية لا تتقيد أبداً بالعقيدة، بل تأتي هذه الأخيرة تحت أي مسمى كانت لتضيق واسعاً؟ هل ينطلق مفهوم الحرية في الفكر الإسلامي ليحرر الإنسان أم الجماعة؟ ثم ألا يمثل التطرف الديني المتزايد- تنظيم القاعدة، بوكو حرام، السلفية الجهادية وغيرها- مصداقاً لمساحة الحرية في الإسلام، أو على الأقل في الثقافة الإسلامية؟ هكذا أسئلة وغيرها سعي حاج حمد للإجابة عليها في كتابه "حرية الإنسان في الإسلام". يقع الكتاب الذي صدر عن دار الساقي في أربعة فصول هي؛ مقومات الحرية، التكوين الطبقي وعلاقته بالحرية وإشكالية التنظيمات الإسلامية، القطيعة المعرفية مع الآيديولوجيا، العبودية لله. ؛؛؛ حاج حمد يسعى إلى إعادة تعريف الحرية في الإسلام، حيث يرى أن الحرية في الإسلام ترجع إلى الإنسان. غير أن هذا التعريف يقربه من الليبرالية ؛؛؛ ثمرة الوعي يسعى حاج حمد إلى إعادة تعريف الحرية في الإسلام، حيث يرى أن الحرية في الإسلام ترجع إلى الإنسان. غير أن هذا التعريف يقربه من الليبرالية؛ إذ ترى هذه الأخيرة أيضاً أن الحرية ترجع إلى الإنسان. عندها يبين حاج حمد الفرق بين الحريتين "الحرية الإسلامية مقيدة إلى أخلاق الروح لا إلى امتدادات الجسد الحسي بالمنفعة الليبرالية". ففي الإسلام يلتزم الإنسان بحرية "البُعد الرابع" في تكوين الإنسان نفسه. فالبُعد الأول هو البدن "وشبه الجماد"، والبُعد الثاني هو النبات "وفيه التطور من الجماد إلى الحواس"، والبُعد الثالث هو البهيمية والأنعام "وفيه التطور من الحواس إلى النفس". أما البُعد الرابع فهو الروح. فالروح سلطة فوق النفس والحواس والبدن، وهي ناهٍ للنفس التي تُحرِّك فيها الحواس دوافع المنفعة واللذة الفردية، فتقيدها إلى منظور آخر في التعامل. فالإسلام لا يبيح لك أن تستجيب للمنفعة واللذة حيثما اتفق أو حيثما وجدتها، ولو كانت مشروعة بالعُرف الليبرالي. ؛؛؛ حمد فى تعريفه هذا يفتحنا على سؤال مركزي، هو أن الحرية لا تتحرك في المطلق، بل لديها ارتباط بالمجتمع ؛؛؛حر مثل طائر من خلال هذا التعريف يذهب حاج حمد إلى القول إن الإنسان حر مثله مثل الطائر، مستشهداً بقوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). لا يحد من حريته إلا سوء استخدامه لها؛ حيث يغفل عن أدواته المشكّلة لهذه الحرية: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. فهنا أطلق الله كائنه "الإنسان" حراً طليقاً، ليتدامج عبر قوة السمع والبصر والفؤاد مع الكون كله، بحركته ومظاهره. ثم ماثل آفاق حريته بحركة الطير في الجو. لكن، تعريف حاج حمد هذا يفتحنا على سؤال جدّ مركزي، هو أن الحرية لا تتحرك في المطلق أو بشكل تجريدي، بل لديها ارتباط بالمجتمع، إذ نجد أنه إذا ذُكرت كلمة حرية فإنها تستدعي أبداً إلى الذهن حركة اجتماعية متعددة المرجعيات؛ إسلامية، مسيحية، علمانية... ألخ. الشيء الذي يجعل إسناد الحرية إلى الإنسان الفرد غير المنشبك في علاقات اجتماعية ضرباً من التجريد. ؛؛؛ المؤلف يرى أن الهدف الأساسي لتغيير الواقع إسلامياً هو أن يكون خاضعاً في كل قوانينه وتشريعاته لما يجعل قيمة الإنسان سيدة عليه وعلى واقعه ؛؛؛إرادة ومشيئة يمثل التفسير السببي مادياً وجدلياً للعلاقة بين الواقع والفكر مسلمة منطقية، تؤيدها كافة قوانين العلوم الطبيعية، منذ سقوط التفاحة على رأس نيوتن إلى يومنا هذا. غير أن حاج حمد يرى أن الإنسان من خلال بُعده الرابع ليس جزءاً من النظام الكوني الذي يحتكم للطبيعة؛ لأننا بذلك (نختزل علاقات الإنسان بنفسه ومحيطه العائلي والاجتماعي وبيئته الكونية ليصبح كل منا هدفاً بسبب الخبز والملح عوضاً عن أن يكون هذان سبباً لتآخينا بما يؤكد القيمة الروحية المتعالية للإنسان). وهنا، يعيد المؤلف طرح مسألة كان قد كتب عنها في كتابه: "العالمية الإسلامية ص 445 وما بعدها". هي أن تميز النظرة الإسلامية للحرية عن الاتجاهات الأخرى عندما تتحدث عن الصراع الطبقي والحرية في ظل الأنظمة الحاكمة هي أن الهدف الأساسي لتغيير الواقع إسلامياً هو أن يكون خاضعاً في كل قوانينه وتشريعاته لما يجعل قيمة الإنسان سيدة عليه وعلى واقعه، بحيث تفضي القيم إلى "الأخوة" وتجعل من العائلة وحدة اجتماعية، ومن المجتمع عائلة كبرى، ومن الجنس البشري كله إخواناً في الخَلق والخُلق. عندها لا تتشكل الطبقات بمواصفات المهنة، إنما بمدى التحكم في فائض قيمة الإنتاج عبر علاقات الإنتاج، وهنا لا يرى حاج حمد بأساً من استلهام النظرية الماركسية لكشف علاقات الإنتاج. لكنه يعتبر القرآن أكثر دقة في تحديد معنى الاستحواذ على فائض القيمة حين يوضح العلاقات الطبقية {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} حيث لم يحرم الإسلام شكلاً من أشكال الإنتاج لكنه ("نسف" عملية تراكم الثروة على نحو نسبي عبر نسفه للأساس المادي في هذا التراكم... ففرض الزكاة وهي ليست بقانون طبيعي أو وضعي، ثم منع مركب الربا، وفتت الإرث). ؛؛؛ الحاج حمد تبعاً لتعريفه للحرية في الإسلام، ونظرته للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، لا بد أن تكون هناك أيضاً نظرة مختلفة للتغيير، تختلف عن نظريات الثورات الاجتماعية ؛؛؛سبل التغيير... تبعاً لتعريف حاج حمد للحرية في الإسلام، ونظرته للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، لا بد أن تكون هناك أيضاً نظرة مختلفة للتغيير، تختلف عن نظريات الثورات الاجتماعية، من حيث الأدوات والأهداف. يستدل المؤلف على التغيير الإسلامي بالآية القرآنية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، ليستنبط منها أن معركة التغيير تبدأ بالإنسان نفسه، لا بتنظيم جماعة تسيطر بكيفية تآمرية على السلطة وفي حال النيابة عن آخرين لم يبايعوا حتى. فالقرآن يعتبر المحاورة نفسها والانكشاف باستخدام السمع والبصر والفؤاد هو الأمر الديني المطلوب في حدِّ ذاته ولو لم يفضِ إلى السلطة. لا تخلو الفكرة من ألمعية غير أنها لا يمكن أن تتبلور لتنتج بذاتها حالة تكفل الحرية للجميع. ثم ما هو المعيار لضبط مساحة الحرية؟ فضلاً عن أن حركة التغيير في تلك الحالة تفتقر إلى ملهم أحرز اكتمال البُعد الرابع قبلاً. يمثل الكتاب إضافة حقيقية، ويثير أسئلة لا تنفك تلاحق المهتمين بقضية الحرية. محمد أبوالقاسم حاج حمد (1941- 2004) عمل مستشاراً علمياً ل"المعهد العالمي للفكر الإسلامي" في واشنطن. أسس عام 1982م "مركز الإنماء الثقافي" في أبوظبي وأقام أول معارض الكتاب العربي المعاصر بالتعاون مع العديد من دور النشر اللبنانية. أسس في قبرص "دار الدينونة" لإعداد موسوعة القرآن المنهجية والمعرفية، ومجلة "الاتجاه" التي تُعنى بشؤون الفكر والاستراتيجية في نطاق الوسط العربي والجوار الجغرافي. صدر له عن دار الساقي "الحاكمية": "جذور المأزق الأصولي"، "تشريعات العائلة في الإسلام"، "القرآن والمتغيرات الاجتماعية والتاريخية".