إن عدم وجود نظام مؤسسي للسلع الرئيسية الإستراتيجية المهمة مثل الدقيق إضافة إلى تحرير السوق وخروج الدولة من إنتاج مثل هذه السلع، وتركها لقانون العرض والطلب، أحدثت هزة كبيرة في إنتاج الدقيق في السودان. والكتاب الذي بين أيدينا والذي نحن بصدد قراءته هو من تأليف الشيخ حسن مصطفى عبد الحليم الرئيس السابق لمجلس إدارة مطاحن قوز كبرو في ولاية الجزيرة حيث كان ملماً إلماماً كاملاً بأدق تفاصيل نشأتها وتطورها ثم تدهورها واضمحلالها ونهايتها. توثيق لمؤسسة رائدة ويعد الكتاب توثيقاً لمؤسسة اقتصادية من المؤسسات الرائدة التي امتلكها المزارعون في مشروع الجزيرة والمناقل عن طريق اتحاداتهم. " مطاحن قوز كبرو لطحن القمح تعتبر من المشاريع العملاقة التي تعكس مقدرة المزارعين في اقامة صناعات تحويلية لتكملة الإنتاج الزراعي في مشروع الجزيرة " وتعتبر مطاحن قوز كبرو لطحن القمح من المشاريع العملاقة التي تعكس مقدرة المزارعين في اقامة صناعات تحويلية لتكملة الإنتاج الزراعي في مشروع الجزيرة. وتناول الكاتب تجربة اتحاد المزارعين في إنشاء مؤسسات إقتصادية ربحية مؤكداً أن مطاحن قوز كبرو تحكي عظمة إنسان ولاية الجزيرة. وأشار إلى كيف أن السياسة الحزبية يمكنها أن تؤثر وأن تحول للأسف الشديد لأداة من أدوات الهدم لا البناء. مطاحن قوز كبرو كما أوضح الكاتب كانت فكرة متقدمة وكانت قصة نجاح حقيقية وكان يمكن أن تكون هذه المطاحن رائداً للصناعات الغذائية في السودان ولكن بحسب الكاتب فقد يكون التدخل السياسي في إدارتها هو ما أقعدها. في عنوان الكتاب أضاف المؤلف عبارة (القصة الكاملة) وقد كانت اضافة موفقة لأن الكلام والوثائق الموجودة في الكتاب لم تترك شاردة أو واردة عن تلك المطاحن. أولى خطوات الإنتاج أشار المؤلف إلى أن أولى خطوات هذه المطاحن بدأت بطاقة قدرها (60) طناً في اليوم من الدقيق المستخرج من القمح الخام الذي يزرع في مشروع الجزيرة. وقال إن ماكينات هذه المطاحن استوردت من دولة تشيكوسلوفاكيا - السابقة - وتم التشغيل في عام 1970م، ثم تضاعف الإنتاج في العام1974م حتى بلغ طاقة قدرها (120) طناً. وفي العام 1990م واجهت المطاحن مشاكل عديدة في استجلاب قطع الغيار نسبة لتوقف الشركات المنتجة لاسبيراتها، مما أقعدها عن مواكبة التكنولوجيا الصناعية الحديثة في العالم. وأشار الكتاب إلى أنه تم الاتفاق مع شركات بأن يتم تحديث هذه المطاحن وزيادة الطاقة المنتجة ورفعها الي (500) طن في اليوم، وكانت تكلفة التحديث (2) مليون دولار أميركي. وأكد المؤلف أن عدم تجاوب البنوك المحلية في توفير التمويل اللازم أدخل إدارة المطاحن في ربكة وحيرة، إضافة الي المشكلات السياسية التي أفسدت الإتفاق مع الشركات الأجنبية. مما أثر بصورة واضحة علي هذه المؤسسة العملاقة والتي توقفت بالكامل بالرغم من تحركات إتحاد المزارعين لإنقاذ الموقف. صعوبات واجهت المطاحن وذهب الكاتب إلى أن هذه المطاحن العملاقة التي ظلت شامخة عبر الزمان والتي صارت عملاً مجيداً وفخراً، وكانت من انجازات حركة المزارعين بالجزيرة والمناقل تعرضت لظروف قاهرة أدت الي تدهورها بالرغم من الحراك الواسع الجاد لمعالجتها من الدولة والمزارعين لكن دون جدوى مما جعل المؤلف يتناول الموضوع بمرارة. وشرح الكاتب تفاصيل المساعي الجادة من قبل اتحاد المزارعين في ايجاد طرق للمعالجة من لجان تيسير، اجتماعات، تقارير، اتصالات بجهات خاريجية واقتصادية عالمية و داخلية وسياسية وتنفيذية. وقال إنه خلاف مشكلة التمويل المصرفي فقد شكل العجز عن رفع رأس مال المصنع وعدم إيفاء التنفيذين في الدولة بوعودهم، شكل معضلة حقيقية في ايجاد حلول للحفاظ على المؤسسة أو حتى أصولها، مما عجل بأن يصبح الصرح ركاماً. تحريك الأصوات والشكاوى أوضح الكاتب أن تحريك العديد من الأصوات ورفع الشكاوى وبروز معارضين لهذه المطاحن كانت أيضاً من الأسباب التي أرتبطت بحالة الانهيار التي وصلت اليها المطاحن. " الانهيار وقع برغم تدخل الدولة لمعالجة هذا الموقف ورغم سياستها الجديدة في تشجيع الزراعة ودعم المزاعين وتحرير الاقتصاد لدفع عجلة الأنتاج " وقال إن الانهيار وقع برغم تدخل الدولة لمعالجة هذا الموقف ورغم سياستها الجديدة في تشجيع الزراعة ودعم المزاعين وتحرير الاقتصاد لدفع عجلة الأنتاج. لكن هذا التشجيع من الدولة قال الكاتب إنه كان لابد أن تقابله مباردات شجاعة من قبل المزارعين للمضي قدما في الإعتماد علي الذات مستفيدين من سياسة التحرير. واشار مؤلف الكتاب إلى أنه وبعد تعرض المطاحن للمشاكل وعدم وجود حلول جذرية لها فقد صدر قرر بحل مجلس الإدارة وحصر ممتلكاتها وتصفيتها. وقال إن هذه الممتلكات كانت عبارة عن مصنع للشعيرية و المكرونة ومخازن بطاقة تخزينية حوالي عشرين ألف طن، بالإضافة للمنازل السكنية للعمال و الخبراء الأجانب. ومن ضمن الممتلكات أيضا كانت القشارات وشركة الترحيلات والتي إنهارت بعد تصفية المطاحن. مساهمة المطاحن في الاقتصاد بعد إعلان سياسة تحرير الإقتصاد السوداني في بداية التسعينات أقر الكاتب باستقرار الإنتاج وزيادة الأرباح بالرغم من أن المطاحن قد أنتهى عمرها الافتراضي ولم تجد التمويل الكافي لإعادة التأهيل وظل العاملين بالمطاحن يقومون بقعملية الصيانة الدورية من موارد المطاحن. وقال إنها رغم ذلك استطاعت أن تحول المحصول (القمح) الي منتج متطور عالي الجودة، وكان مظلة ضمان للإستثمار الزراعي كما يعتبر قيمة مضافة للإقتصاد السوداني. وبين الكتاب أن هذه المطاحن ظلت تقدم أفضل أنواع الدقيق في السوق المحلي والصادر وقد ساهمت بفاعلية في تخفيف إخفاقات الدقيق و القمح في البلاد. وأكد أنه كان لها حضوراً مميزاً في ساحة الإقتصاد السوداني والإقليمي، خلافاً لتخفيفها للأعباء المعيشية للمواطنين في مشروع الجزيرة والمناقل.