إبراهيم مطر وتقرأ في دفاتر حرب التحرير إن "نيالا" لبست أثواباً زاهية في السادس والعشرين من يوليو الجاري، وتزينت، قبل أن تخرج إلى العلن، مُعلنة عن ميلاد جديد، ظل حلماً لسنوات قبل أن يأخذ طريقه باتجاه التحقق. وتقرأ كذلك أن نفراً من قيادات السودانيين أخذوا على عاتقهم عبء أن يعيشوا كراماً في وطنهم بلا من ولا أذى، ودعوا غيرهم للتوافق على كلمة سواء، يأخذ فيها كل ذي حق حقه، كيما يمشي السوداني رافعاً رأسه في أسواق بلاده وطرقاتها، ويعيش سيداً على أرضه كما أراد الله له أن يكون، على الرغم من نعيق الغربان. أسرف إخوان الشياطين الذين أشعلوا الحرب في التفاؤل حينما أشاعوا عبر غرفهم الإعلامية، فرية استحالة تشكيل حكومة داخل السودان، قالوا أنهم سينسفون مكان إعلانها ويقتلون المجتمعين إذا حدث ذلك. بل واستبقوا تشكيل الحكومة ليقولوا أنها لن تجد اعترافاً دولياً. قالوا أنها ستُعلن من "كينيا"، وأخرجت وزارة خارجية بورتسودان الإفتراضية أثقالها سباً وشتماً في الدولة الإفريقية، التي قالت إنها لم تزد على مواصلة القيام بدورها الإقليمي في "رعاية اتفاقيات السلام بين الأطراف المتنازعة في القارة" على غرار اتفاقيتي مشاكوس ونيفاشا. ولما كانت دعوة تحالف السودان التأسيسي هي دعوة سلام، فقد استضافت العاصمة الكينية بعض أنشطته، والتي لم يكن من بينها إعلان الحكومة. وأشاعت غرف الإخوان الإعلامية أكاذيب عن فشل تشكيل الحكومة وعملت على حشو الفضاء الإسفيري بسيناريوهات "متخيلة"، عن "خلافات" مزعومة داخل التحالف، وعن غارات جوية "متوهمة" للجيش على المدينة، حتى تم الإعلان عن الهيئة القيادية في مؤتمر صحفي من داخل نيالا، دون أن تستطيع الحركة الإسلامية فعل شيء سوى الفرجة. وتقرأ في دفاتر حرب التحرير أن حوادث إسقاط طائرات البريقدار أقنجي فخر الصناعة العسكرية التركية في سماء الفاشر قد توالى، ما جعل الإخوان يوقنون بأن "شيئاً ما" قد تغير في موازين الصراع. لكن غرفهم الإعلامية مع ذلك، لم تجد سبباً للتوقف عن الأكاذيب. ولما صار في حكم المؤكد إن إعلان حكومة تأسيس وشيك، أشاعوا أن طيرانهم العسكري دمر مقر أمانة الحكومة بمدينة نيالا بالكامل، قبل أن يأتيهم الخبر اليقين، ويتم الإعلان عن أعضاء المجلس الرئاسي وحكام الأقاليم وكذلك رئيس الوزراء في الحكومة من داخل المدينة. وحينها لم تجد الحركة الإسلامية سوى بيان "هزيل" عبر خارجيتها "الإفتراضية"، تحذر فيه الدول من التعامل مع حكومة تأسيس، على طريقة "غلبني أطولو داعيتو"، كما يقول شاعرنا العامية "عثمان البشرى"، وبان عجز معسكر بورتسودان عن فعل شيء أمام واقع جديد يتخلق. في انتظار الإعلان عنها قال أحدهم إن الحكومة لن تُعلن لأن مبنى أمانة الحكومة في نيالا قد تم تدميره بالطيران، ليرد عليه آخر أن الحكومة في بورتسودان تعمل مثل الساعة مع إن المسيرات تقصفها صباح مساء، فما الذي يمنع من إعلان حكومة تأسيس من نيالا مع قصف المدينة؟ تتعلق أنظار الملايين بهذه التجربة الوليدة من أجل تحقيق حلمهم بالسيادة الفعلية على أرضهم، ينتظرون منها الحماية وتوفير سبل العيش الكريم. زغردت نسوة من جبال النوبة وهن يستمعن لحديث القائد جقود مكوار عن تحصين مناطق سيطرة تحالف تأسيس في جنوب كردفان وجبال النوبة من الهجمات الجوية وقرب إعلان القطيعة مع ذلك الرعب الذي سكن تلك الديار لسنوات على إيقاع الأنتنوف، وذاق السودانيون في مناطق سيطرة تأسيس طعم التحرر من اختلالات صاحبت نشأة الدولة السودانية وضعتهم على الهامش، وجعلت السلطة والثروة حكراً على أقلية. إن السادس والعشرين من يوليو تاريخ فاصل بين حقبة وحقبة عاد فيه نفر كريم من القادة السودانيين لمنصة التأسيس، وحاولوا إ'صلاح الخلل من جذوره بالتواضع على ما يصون الحقوق ويمنع التغول، وبحراسة ما اتفق عليه بنصوص واضحة، تصنع قطيعة كاملة مع عهد الفهلوة والتذاكي وافتراض التفوق الواهم والكذوب. ألا لعنة الله على إخوان الشياطين. إن الملايين من السودانيين في مناطق سيطرة تحالف السودان السوداني في غاية الارتياح من الانفكاك من ربقة حكومة البراميل المتفجرة في بورتسودان، مرتاحون لوجود من يتصدى لقضاياهم بعد أن منعت عنهم حكومة التكنوكلاش الإغاثة، ولم توزع عليهم سوى الأبخرة الكيماوية السامة، والدعوات لإبادة نسائهم وأطفالهم تترى على مسامعهم من على صفحات الوسائط. مبروك لشعب الهامش العريض، أن لاحت تباشير الخلاص بعد ليل السودان الدامي والطويل.