بقلم عمار نجم الدين في 29 يوليو 2025، أصدر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي بيانه رقم PSC/PR/PS.1292 (2025) معلنًا إدانته ورفضه لإعلان حكومة موازية في السودان من قبل تحالف تأسيس بقيادة قوات الحركة الشعبية و العدل و المساواة الدعم السريع. وقوى أخرى ورغم حدة اللغة المستخدمة في البيان، فإن قراءة عملية في ضوء سوابق الاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة تكشف عن محدودية هذا الموقف وضعفه أمام منطق القوة الميدانية. البيان ركز على أن الاتحاد الأفريقي يعترف فقط بمجلس السيادة والحكومة المدنية الانتقالية في بورتسودان، ودعا المجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بالحكومة الموازية أو دعمها، كما طالب بوقف إطلاق النار والعودة للحوار الوطني، مع رفض أي تدخلات خارجية. لكن هذه المواقف، رغم وضوحها على الورق، لا تغير من حقيقة أن الاتحاد الأفريقي تاريخيًا يضطر إلى التعامل مع القوى المسيطرة على الأرض مهما حاول إنكارها سياسيًا. السوابق العملية كثيرة وتكشف ازدواجية الموقف. في النيجر بعد انقلاب 2023، تم تعليق عضوية الدولة ورفض الاعتراف بالحكومة العسكرية رسميًا، ومع ذلك ظل الاتحاد الأفريقي يتعامل معها أمنيًا وإنسانيًا عبر شركائه. طالبان في أفغانستان مثال آخر؛ لم تنل اعترافًا رسميًا، لكن التعامل الميداني تم لضمان المساعدات ومكافحة الإرهاب. حتى في السودان نفسه قبل 2005، لم تكن الحركة الشعبية لتحرير السودان معترفًا بها كحكومة، لكنها أصبحت طرفًا رئيسيًا في المفاوضات الدولية حتى نالت الاعتراف بموجب اتفاقية نيفاشا. والأمر نفسه ينطبق على أرض الصومال، التي لم تنل أي اعتراف رسمي ولكنها حظيت بتعامل إداري وأمني واقعي. تحالف تأسيس بفرضه حكومة السلام والوحدة صنع سلطة أمر واقع على مساحة واسعة من دارفور الكبرى وأجزاء من كردفان والنيل الأزرق. هذا الواقع يجعل تجاهله سياسيًا أمرًا نظريًا، بينما على الأرض هو لاعب أساسي لا يمكن تجاوزه. البيان نفسه دليل على أن تحالف تأسيس أصبح رقمًا صعبًا؛ فلو لم يكن مؤثرًا لما اجتمع مجلس السلم والأمن ليصدر تحذيرات بهذا الحجم. ومع مرور الوقت، سيجد الاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة نفسيهما أمام ضرورة التعامل مع هذه الحكومة في ملفات إنسانية وأمنية وسياسية، كما حدث مع كل السلطات الميدانية السابقة التي بدأت مرفوضة ثم أصبحت شريكًا في التفاوض. الاتحاد الأفريقي يعاني من ضعف أدوات الضغط، وبياناته كثيرًا ما تكون رمزية أكثر من كونها عملية. الشرعية الحقيقية على الأرض ليست ما يُكتب في البيانات، بل ما تفرضه القوة والقدرة على إدارة المناطق وتأمين السكان. الأممالمتحدة نفسها تعاملت مع سلطات أمر واقع بلا اعتراف رسمي لسنوات طويلة في اليمن وأفغانستان والكونغو، لأن الواقع أقوى من النصوص. إن بيان 29 يوليو 2025 يعكس موقفًا دفاعيًا يواجهه الواقع الميداني القوي لتحالف تأسيس. ومع استمرار هذه السيطرة ونجاح الحكومة الجديدة في بناء مؤسساتها المدنية والعسكرية، ستتحول من كيان مرفوض نظريًا إلى طرف لا يمكن تجاوزه عمليًا، لأن التاريخ والميدان هما من يحددان الشرعية الحقيقية، لا البيانات.