على عبد الفتّاح: كيف؟ تمام؟ عبد الحفيظ مريود جرياً على نَسَق الرّوائىّ عبد الحكيم قاسم، رحمه الله، فى رائعته "طرفٌ من خَبر الآخرة"، لو أنَّ خيالاً خلّاقاً أعمَلَ جهدَه ليستنطق "شهداء الإسلاميين" فى معارك الجنوب، أيّامَ كان (الإسلامُ فتيّاً، يبشّرُ أهل السُّودان وإفريقيا، عموماً، بدولة العزّ والكرامة والنّقاء)، عن كيف وجدتم الأمر؟ هل صدقاً نلتم الشّهادة لتكون كلمة الله هى العليا؟ مجرّد خيالٍ روائىّ لا علاقة له برُجعى حسن التُّرابى عن موقفه من "شهادتهم"، وما إذا كانوا "شهداء"، أمْ مجرّد "فطايس". من المؤكّد أنَّه – لو قدّرَ لخيالٍ خلّاق، بتسديدٍ إلهى باتر – لوجدَ إفاداتٍ غاية فى التعقيد من أولئكَ "الشُّهداء". ذلكَ أنّه فى الأرض – مسرح الإختبار الإنسانىّ – يمكنكَ أنْ تكونَ مَنْ شئتَ. فهو لا يعدو كونه "ادّعاءً" خالصاً. وهو – العليم بما فى صدور العالمين – لا يؤاخذ النّاس بما كسبوا، ولا يعجّلُ لهم الحساب، وكشف إدّعاءاتهم. فإنّما "يظلمُ الضّعيف، ويستعجلُ مَنْ يخشى الفَوتَ"، كما قال الإمام أميرُ المؤمنين، عليه السّلام. شايف؟ محمود شّريف، عبيد خَتم، على عبد الفتّاح، أبو دجانة، وداعة الله، وقائمةٌ تطولُ، يمكنكَ أنْ تضيف إليها أحمد محجوب حاج نور، شخصيّاً، ممن سقوا أرض جنوب السّودان ب "دمائهم الطّاهرة"، عن أىّ حقّ كانوا يقاتلون؟ فالحقُّ وجهةٌ واحدة. لا يعتريه تحوّلٌ أو انتقاض. لكنّه فى الذّهن الإسلامىّ المريض، يتلوّنُ، أينما دَرّتِ الدُّنيا. أينما مالت مصالحُهم. وقد كانتِ المصالحُ تميلُ إلى خارطةِ طّريق غربيّة الصُّنع، تقضى بتوقيع اتّفاقية سلام شامل، تقسم السّلطة والثروة، وتجيئُ بجون قرنق، "الشّيطان الأكبر" – حسب مقتضيات الوقت الكيزانىّ – نائباً للرئيس، وصولاً إلى "فصل جنوب السُّودان". فهل راحتْ دماءُ الشُّهداء الزكيّة، التى سقتْ أرض الجنوب، "شماراً فى مَرقة"؟ هل ضاعتْ سُدىً؟ الجنوبُ كان يقاتلُ لتغيير دولة بُنيتْ على أُسسٍ جائرة. دولة تعانى من اختلالاتٍ بنيويّة. يبحثُ عن عدالةٍ ومساواة، حتّى لا يعيشَ مواطناً من الدّرجة الثالثة. حتّى لا يعيش عبداً. لم يقاتل "دولة الإسلاميين" التى نشأتْ فى 1989م. قاتل منذ 1955م. لكنّه – فجأةً – تحوّلَ إلى "عدوّ للإسلام والعروبة". وبالتّالى، فإنَّ التصدّى له "جهادٌ لإعلاء كلمة الله". والميّتُ "شهيد"، روى بدمه الطّاهر أرض الجنوب، وسيدخلُ الجنّة، وربّما سيشفع للذين لم "ينالوا الشّهادة"، ولنْ ينالوها، مثل أسامة عبد الله، على كرتى، النّاجى عبد الله، لأنّهم لا يذهبون إلى الخطوط الأماميّة. شايف كيف؟ ما الذى تغيّر فى "الحقّ"، بما هو وجهةٌ واحدة، لا تتبدّلُ ولا تَريم؟ ما تغيّر هو أنَّه إذا لم تخضعْ حكومة الإنقاذ للمطالب الدّولية، وقتها، ستنهار، أكثر مما هى، فعلاً. يجبُ المساومة فى الحقّ، ههنا. لأنَّ بقاء "السُّلطان" أولى من "تطهير الجنوب من الكفرة الفجرة". المعادلة تجعلُ التمسُّك بالحكم، أولى من "الحقّ". أو ليس ثمّة "حقّ"، منذ البداية. اللّوثة تصيبُ العامّة والخاصّة. وما جرى أنَّ اللّوثة كانتْ قد تمكّنتْ من "شهداء الإنقاذ" فى جنوب السُّودان، بحيثُ تتعذّرُ المراجعة النّقديّة لبنية "التفكير الإسلامىّ الكيزانىّ". كان لابدّ أنْ يموتوا، هملاً. لم يتحرّر الجنوب من الجنوبيين، ولم ترفرفْ رايةُ "الدّولة المستحيلة" – كما أسماها د. وائل حلّاق فى كتابه المعروف – أعلى جبل "لادو". حسناً… ما الذى كانَ يفعلُه "الشّهيد" مهنّد إبراهيم فضل، وكلُّ "شهداء الإسلاميين" فى "معركة الكّرامة"؟ كان فى مقدور "الشّهيد" محمّد صدّيق، الملازم فى الجيش، المفصول من الخدمة، أنْ يلقى ربّه "شهيداً"، وهو يقاتلُ حركة منّاوىّ، جبريل إبراهيم، الحلو. وكان سيكون "شهيداً". كما كان يمكنُ أنْ يلقى ربّه "شهيداً"، وهو يتصدّى لنيران رفاقه من القوّات المسلّحة، وهو يحمى الثوّار فى ميدان الاعتصام، أمام القيادة العامّة. وكان سيكونُ "شهيداً". لأنّه تصدّى للباطل، إنقاذاً للدّولة المدنيّة، ودفاعاً عن الحريّة والسّلام والعدالة. لكنّه "شهيد" – حسب الوقائع – لأنّه كان حريصاً على "تحرير" مصفاة الجيلى من "الجنجويد". لقيه الشّباب مرتضى فاجّ النّور، خالد مسبّل، ورفاقهم، فكان أنْ لقىَ ربّه، بعد صفعاتٍ مصوّراتٍ، وأخرى بعيداً عن أعين الكاميرات. سنفصّلُ له "شهادةً" تليقُ به. كما فصّلنا، ونفصّلُ للذين سبقوه، والذين سيأتون، كالفجر، ساطعين. هل ثمّة افتئاتٌ على الحقّ أكثر من هذا؟ اللّوثةُ تصيبُ العامّة والخاصّة. كالملاريا، أو الزّكام. فى طّريق العودة للحكم. فى طّريق الاستمتاع بالدّنيا، سيحقنُ عتاةُ الكيزان شباباً كثيرين، من تنظيمهم، ومن عامّة الشعب، بجرثومة "الشّهادة" و "الكرامة". سيخرجون – عمياً صمّاً – إلى مضاجعهم. قبلَ أنْ يتلّون "الحقّ" بالرغائب الدّوليّة، فيصبحَ باطلاً، كما حدث فى جنوب السُّودان، أو أنْ يقضىَ الله أمراً فى علاج البلاد من سرطانهم. وحين أخذ العذاب قوم ثمود، لم يعقروا – كلّهم – ناقة صالح. أخذ الذين صمتوا. والطلقة ما بتكتلْ. بكتلْ سكات الزّول. شايف كيف؟