عثمان ميرغني يكتب: "نموذج ايلا"    كامل إدريس: الجيش الأبيض عماد التنمية الصحية في البلاد    ضبط أدوية غير مسجلة وإغلاق عدد من الصيدليات    دموع الوفاء تُغرق ملعب بورتسودان.. حيث يلتقي البحر بالأرض يرقد (إيلا) في قبره لكن إرثه يبقى إلى الأبد    "المصريون يرغبون في محاربة إسرائيل مجددا".. ومحلل إسرائيلي: "السيسي يخدعنا"    روني ينتقد تراجع أداء محمد صلاح بعد خسارة ليفربول الأخيرة    الامين العام للمجلس الأعلى للشباب والرياضة بولاية القضارف يدشن الدورات الأساسية في مجالي التدريب والتحكيم ويشهد المباراة الختامية لدوري الناشئين بمحلية المفازة    قنديل مدرباً لحراس المرمى بنادي الهلال كوستي    بطُولَة السّوبر السُّوداني    محلية الخرطوم توجه بقيام حملات لازالة السكن العشوائي وضبط الوجود الأجنبي وحظر قيادة المواتر    وزير الداخلية يدعو المجتمع الدولي لمحاسبة راعية المليشيا الإرهابية الإمارات    البرهان عن رحيل"أيلا": فقدنا رجلاً وطنياً مخلصاً    مشوار ال "50" يوم للجنة تسيير المريخ بتكلفة مليون ونصف دولار    المحكمة الجنائية الدولية تدين علي كوشيب في تهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية    شاهد بالفيديو.. ناشط مصري ينوب عن جمهور المريخ في الرد على سخرية مشجعي الهلال: (معروفين على مستوى العالم بالصفر.. خسرتوا سيكافا الضعيفة وكسبتوا الجاموس بالتحكيم والمريخ هو زعيم الكرة السودانية غصباً عنكم)    الموت يغيب رئيس الوزراء السوداني السابق ورجل الشرق الأشهر "أيلا" والجمهور ينعيه: (وداعاً مفجر نهضة الثغر)    بالصورة والفيديو.. "فخامة وهيبة ورزانة".. شاهد لحظة دخول الفنانة ندى القلعة لإحياء حفل بإحدى قاعات الأفراح في القاهرة    شاهد بالصور.. بعبارة "تمهيدي" الفنانة مروة الدولية تسخر من فريق المريخ بعد الوداع المبكر وجمهور الهلال يعلق: (الدولة حقتنا وأي جميل هلالابي)    مبابي المصاب "يتمرّد" على ريال مدريد ويصرّ على الالتحاق بمنتخب فرنسا    ترامب للقوات الأميركية: لن ننتظر سنوات لضرب إيران مجددًا    اجتماع في السودان يبحث تطوّرات سعر الصرف    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    قبل أيام أوقفت السلطات المختصة مواطنين كانوا في طريقهم من قلب مدينة تندلتي إلى قريتهم    ترامب: حماس ستواجه الإبادة إذا قررت البقاء في السلطة    الطاهر ساتي يكتب: إدارة جديدة ..!!    بالصورة.. وفاة نجم المريخ السوداني والزمالك المصري السابق بعد صراع مع المرض    شاهد بالصورة.. القيادية بالحرية والتغيير حنان حسن تبدي استغرابها الشديد من إعتقال أمام مسجد دافع عنها في خطبته وقال: (دخلت الفيسبوك لقيت الناس كلها شغالة حنان أم نخرة)    ترامب داعياً حماس للتحرك بسرعة: لن أتهاون مع أي تأخير        إذاعة الضعين تعود للبث بعد توقف عامين    صندوق النقد: السودان يواجه انهياراً نقدياً شاملاً وانكماشاً مزدوجاً    عاجل.."حماس" تسلم ردها النهائي بشأن خطة ترامب    وزير الصحة يشارك في تدشين الإطار الإقليمي للقضاء على التهاب السحايا بحلول عام 2030    رحلة جبريل إبراهيم من الفشل إلى التحايل والتحليل    حادث مرورى لوفد الشباب والرياضة    جابر يؤكد دعم الحكومة للقطاع الصناعي لإحداث التنمية الاقتصادية المنشودة    كيف تم تحديد التكلفة التي ذكر رئيس الوزراء أنها تبلغ 100 مليار دولار؟    انهيار الجسر الطائر بجامعة الخرطوم إثر اصطدام شاحنة    عملية أمنية محكمة في السودان تسفر عن ضبطية خطيرة    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يعود للهجوم على المطرب محمد بشير والناشطة ماما كوكي: (حمادة صوته نسائي وشبيه بصوت ندى القلعة و"ماما كاكا" خرابة بيوت وتريد أن تصيبني بالجنون)    شاهد بالفيديو.. عروس سودانية تشكو: (راجلي كان مبسوط و"ينطط" في الصالة ليلة الفرح وعندما ذهبنا للشقة طلع "تمبرلي" و "عوير")    السودان..محكمة تفصل في البلاغ"2926″    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الإعلامية السودانية "لنا مهدي" تشارك ب"كورونامايسين" في معرض الرياض الدولي للكتاب    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    بمكالمة من واشنطن.. نتنياهو يعرب عن أسفه لانتهاك سيادة قطر    القبض على 3 أصحاب مخابز استولوا على أموال الدعم    ضبط شخص بالإسكندرية ينصب على المواطنين بزعم قدرته على العلاج الروحاني    الطاهر ساتي يكتب: حمى الصراع ..(2)    الرواية... الفن والدور السياسي    حسين خوجلي يكتب: بعد جرح الدوحة أليس من حقنا أن نتسائل أين اليمين العربي؟    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عثمان ميرغني يكتب: "نموذج ايلا"
نشر في باج نيوز يوم 07 - 10 - 2025

عندما تعرضتُ شخصيًا لاعتداء مسلح في مكتبي في يوليو 2014، بتعليمات من عمر البشير، أصدر الدكتور محمد طاهر إيلا، والي ولاية البحر الأحمر آنذاك، بيان إدانة للهجوم، بُث عبر إذاعة وتلفزيون الولاية. كان يعلم جيدًا من أمر بالهجوم ومن دبَّره ومن نفَّذه، لكنه، بثقته العالية بنفسه، تجاوز الحسابات الشخصية الضيقة. سر نجاح إيلا التنفيذي يكمن في جرأته وشجاعته في اتخاذ المواقف والقرارات والعمل الجاد.
#زرتُ ولاية البحر الأحمر، وخرجتُ معه في جولة لتفقد المشاريع التي يشرف عليها. كان يقود سيارته بنفسه، دون حراسة أو سكرتارية. يبدو أن أهل الولاية اعتادوا على شكل سيارته، فما إن يرونه من بعيد حتى يهرعون لتحيته، ويرد عليهم بلطف. في أحد الشوارع، لاحقتنا سيارة صغيرة يستقلها بعض الشباب، وأشاروا إليه بالتوقف. استجاب على الفور، فنزلوا من سيارتهم وطلبوا منه الترجل لالتقاط صور معه. شرحوا له أنهم قدموا خصيصًا من الخرطوم للاحتفال برأس السنة في بورتسودان، ووجدوا فرصة الآن لالتقاط الصور التذكارية.
في طريق العودة إلى مكان إقامتي، قلت له: "دعني أختبر شعبيتك! لنوقف السيارة هنا ونسير المسافة المتبقية مشيًا على الأقدام." كانت المسافة أقل من نصف كيلومتر. استجاب فورًا، ونزلنا نتمشى. لكنني ندمتُ على هذا الاقتراح! استغرقنا أكثر من ساعتين لنقطع بضعة أمتار فقط. أحاط به الشباب من كل جانب، يصافحهم فردًا فردًا، يرد على أسئلتهم، ويحاورهم. أصروا على التقاط الصور معه، كل واحدٍ يريد صورة منفردة. استمر الأمر أكثر من خمس ساعات لنقطع تلك المسافة القصيرة، دون أي حراسة أو مراسم.
كان إيلا يدير الولاية بمنهج أقرب إلى الكونفدرالية، لا يعتمد على المركز في الخرطوم ولا يعوّل عليه. أحيانًا، كان يبدو وكأنه يتمرد على سلطة المركز التي لا تهتم كثيرًا بأحوال المواطنين. يفكر خارج الصندوق، وينجح بجدارة في تحويل الأفكار إلى واقع ملموس، والأحلام إلى مشاريع مزدهرة.
قال لي إن أكثر ما جعله يشعر بالنجاح كان مشهدًا في إحدى الفعاليات الجماهيرية الكبرى بالاستاد. رأى أحد مواطني بورتسودان يهتف بحماس ويلوّح ب"مكنسة" أثناء انفعاله بالحدث. في السابق، كانت مهنة النظافة تُعتبر عيبًا اجتماعيًا يتجنبه الناس. رفع عامل النظافة للمكنسة في تلك اللحظة كان دليلًا على التطور المجتمعي الذي يسير جنبًا إلى جنب مع التقدم العمراني، وهذا أعلى درجات إدارة الدولة.
رغم جلوسي معه كثيرًا، نادرًا ما تحدث عن السياسة. تركيزه كان منصبًا على العمل التنفيذي والمشاريع. كلمة السر عنده هي "الإنسان". كان الوالي الوحيد الذي يصرّ على تقارير دورية ترصد معدلات "البطالة"، وتقدم المشاريع، والسياسات الجديدة التي تؤثر مباشرة على الشباب، النساء، الأطفال، وكبار السن. وحدة إدارته كانت "المواطن" الفرد، وكانت أجهزته الاجتماعية تتابع المشاريع التي تستهدف هذه الفئات في شتى المجالات.
إيلا كان الوالي الوحيد الذي تقيم أسرته معه في الولاية. بينما يدير بقية الولاة ولاياتهم وهم "عزاب"، إذ تُقيم أسرهم في الخرطوم، ويقضي هؤلاء الولاة معظم أوقاتهم مع أسرهم، يديرون الولاية عن بُعد، ويزورونها كالسياح.
المركز في الخرطوم أراد استثمار نجاحات إيلا للتسويق السياسي، لكنه في الوقت ذاته خشي من تمدد "أنموذج إيلا". كانوا يريدون ولاة موظفين ينفذون الأوامر دون الخروج عن النص، ولا ينجحون بأنفسهم وشعبيتهم، بل بولائهم للمركز. نقلوه واليًا لولاية الجزيرة في محاولة لتقليص بريقه، مدركين الفخاخ المنصوبة في مدني. ورغم ذلك، قاد الولاية بإنجازات غير مسبوقة في تاريخها، رغم كل العراقيل التي وضعها ساستها.
عندما بدأت سفينة الإنقاذ تغرق بعد مظاهرات ديسمبر 2018، حاول البشير إنقاذ نفسه ونظامه بالاستعانة بسمعة إيلا. أتى به في اللحظات الأخيرة رئيسًا للوزراء. بدأ إيلا بقوة في سد منافذ الفساد وتقليم أظافر المفسدين، لكن الشعب السوداني أطلق صافرة النهاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.