الغرائب والعجائب تسجيلات اللاعبين في الاتحاد السوداني لكره القدم دائماً ما تحمل معها العجائب والغرائب في مشهد لم نره إطلاقاً لأكبر الأندية في العالم وفي تسجيل أكبر صفقات تاريخ كرة القدم، ففي كل يوم نسمع بتعاقدات جديدة في أنحاء العالم لكننا لا نشاهد ما نشاهده في مكاتب تسجيلات الاتحاد العام السوداني من ضجيج وصخب إعلامي وجماهيري، فالأمر عندنا مختلف في كل شئ فتجد الجماهير المتعطشة لرؤية النجوم الجدد ترابط منذ ساعات الصباح الأولى حتى لحظة إغلاق المكاتب في وقت متأخر، كلهم أمل في أخذ صورة تذكارية لأساطيرهم القادمة التي نسجها لهم الإعلام من وحي خياله فكل غالبية اللاعبين يكونون بطيخة مقفولة لم نرهم على أرض الواقع .
غياب الاحترافية لعل الناظر والمتأمل في هذه الكلمة ( الاحترافية ) يجدها عميقة في معناها، جذابة وجميلة في مفردتها، وهي أساس العمل الرياضي في العصر الحالي وتشكل العنوان والواجهة الأبرز لشكل طريقة تعامل النادي أو المؤسسة الرياضية، كالتحضير لتقديم اللاعب المتعاقد معه لوسائل الإعلام في مؤتمر صحفي كبير يليق بالنادي حتى ولو كان حجم اللاعب ومواهبه صغيرة فالأهم هنا شخصية النادي ونظرة المجتمع الرياضي لكيفية تقديمه للاعبيه، لكننا في السودان نكتفي فقط بحمل اللاعب على الأعناق في مشهد لا يمت للاحترافية بصلة فما ذنب تلك الجماهير التي تحمله على الأعناق إذا اكتشفت إنه «ماسورة» عيار 10 بوصة .
الصحافة لها دور في هذه المهزلة السلطة الرابعة في الدولة أو صاحبة الجلالة بمثل مالها من أدوار ايجابية ومساهمتها الفاعلة في رقي وتطور الكرة السودانية هي ذاتها التي تمثل أساس الهرج والمرج الذي يحدث في تسجيلات اللاعبين بمكاتب الاتحاد العام ، فهي تقوم بجعل الجماهير تتدافع بشكل خرافي إلى مكاتب التسجيلات لأنها تصور القادمين إلى كشوفات القمة في مشهد الأساطير حتى تتخيل في لحظة شرود أن القادم للتوقيع في الهلال أو المريخ هو ميسي أو كرستيانو ، أو نيمار أو زلتان ابراهيموفيتش ، فهي بذلك تسعى لاستغلال عدم معرفة الجماهير بخلفية اللاعب القادم لأنه دائماً ما يكون مجهولاً عكس أندية شمال أفريقيا التي تستجلب لاعبين معروفين ظهروا وتألقوا في بطولتي أفريقيا .
التسجيلات للكسب الإداري في الغالب الأعم أن التسجيلات هي معركة يخوضها مجلس الإدارة بمعزل عن الإطار الفني أو بالأصح ظاهرة يقودها رئيس النادي والممسك بمقاليد الأمور كلها وهي مكمن الخطورة وللأسف لا يكون للمدير الفني أي دور فيها إنما تنحصر مهمته في الإشراف على هؤلاء اللاعبون الذين تم التعاقد معهم وأن فشلوا فالمدرب وحده يكون المسؤول ويوضع رأسه على مقصلة الإقالة .
المنتخب الوطني المتضرر الأول إدارات القمة وإعلامها وحتى الجمهور يخرجون بعد انتهاء فتره التسجيلات وتكدس لاعبيهم بالمحترفين ( الفالصو) ، يخرجون مبتهجين ومتباهين ويخرجون ألسنتهم طويلة بأنهم انتصروا على الاتحاد العام بتسجيل أكبر عدد من الأجانب ومقارنين أنفسهم بالند الآخر والذي يمارس نفس الحال ، لكن في حقيقة وجوهر الأمر يشترك جميع هؤلاء في هدم مسيرة واستقرار منتخب الوطن والذي يعتمد اعتماداً كلياً على فريقي القمة في استحقاقاته القارية ، فبعد سيطرة المحترفين على تشكيل القمة في جميع خطوط الملعب ورغم اقتناعنا الكامل بأن غالبيتهم العظمي لا يستحقون الجلوس في بنك الاحتياطي ناهيك عن التشكيل الأساسي لكنهم يوجدون رغم أنف الجميع فقط لأنهم محترفون ويدفع لهم بالدولار الحار ولا يصح جلوسهم احتياطياً .
هذا مصير الموهوبين في بلادي الأشياء سالفة الذكر وخوف مجالس الإدارات في أندية القمة من انقلاب الصحافة التي هللت للمحترفين وصورتهم بأفضل الصور وأطلقت عليهم أبرز الألقاب تخاف المجالس من لسان الصحافة في جلوس المحترفين على مقاعد البدلاء أو خروجهم من قائمة ال18 ما يجعلهم يفضلون الزج بهم على حساب لاعبين سودانيين موهوبين مما يجعلهم على حافة الشطب أو الإعارة والتي هي شطب بطريقة جميلة ، الشئ الذي يساهم في قتل الطموح لدى المواهب الوطنية التي ترمي في سلة بدلاء القمة رغم إيمان الجميع بإمكانياتهم وأحقية وجودهم على أرضية الملعب بدلاً عن أشباه المحترفين، فلاعبون أمثال النعيم وأحمد عادل وصالح عبدالله وعبده جابر والأمثلة كثيرة جداً عن ضياع تلك المواهب التي كانت أملنا في قيادة الصقور يوماً ما .
التسجيلات بمثابة العيد للسماسرة من المؤسف حقاً وجود سماسرة وأشخاص لا علاقة لهم بالأندية لا من بعيد ولا من قريب، إنما فقط تحكمهم العلاقات الشخصية والضرب تحت الحزام واللعب على عقول الإداريين ليبيعوهم بضائع ضاربة ويبيعون من بعدها رؤساء الأندية الوهم للجماهير تساعدهم في ذلك صاحبة الجلالة ( الصحافة الرياضية ) ويتورط فيهم النادي ويبحثون في تسجيلات القسم الثاني عن طريق التخلص منهم بعد أن يتم قيدهم أفريقاً وبالتالي تفقد الأندية فرصة إضافة لاعبين آخرين وتقل حظوظهم، بل وتنعدم في المشاركات وتدور العجلة من جديد بنفس الأساليب في كل عام .
«الكشيفون» ثقافة مفقودة في أنديتنا من أبجديات الأشياء المتعارف عليها لإدارة الملفات الفنية في الأندية العالمية في شتى أنحاء الأرض والتي تتبع الطرق المؤدية إلى النجاحات ما يسمى ب( الكشيفين ) أو المتابعين ومهمة هؤلاء تنحصر فقط في مراقبة اللاعبين الموهوبين والمبرزين في دوريات بلدهم أو الدوريات الأخرى وتقوم بحصرهم وتقديمهم لإدارات الأجهزة الفنية الذين يختاروا منهم من يصلحون لخططهم ومن ثم تقوم الإدارة في بدء المفاوضات وتجهيز العروض حتى يكونوا في انتظار التوقيع فقط إذا بدأت فترة التسجيلات ، وهو الأمر الذي يحدث عكسه عندنا تماماً .
اتجاه القمة نحو الأجانب هل لضعف اللاعب الوطني أم ( للشو) الإعلامي ؟ الناظر لكشف فريقي القمة يجده مكتظاً عن آخره بمختلف جنسيات العالم تقريباً وبعضهم مثنى وثلاث من بلد واحد ،ولا يزال عدد الأجانب في تزايد مستمر الأمر الذي يجعلنا أمام سؤال واضح وهو، هل هذا الاتجاه نحو الأجانب بهذه الكمية ناتج عدم قناعة رؤساء الأندية باللاعب الوطني وأن حواء السودان لم تعد قادرة على انجاب الأفذاذ أم أنها تسجيلات ( للشو) الإعلامي فقط ؟.
التجنيس أس البلاء وضياع لهيبة الجنسية السودانية بلا شك نستطيع وبلا خجل أو حياء أن نعضد ونؤكد على كلام الدكتور كمال حامد شداد تلك النظرة الفاحصة والتي انتقدها الجميع لكننا اليوم أدركنا بعد نظر البروف شداد وما لجرح بميت إيلام ، فهو كان قد حدد المحترفين في حدود الثلاثة فقط ،لكن إدارات أندية القمة بواسطة نفوذها استطاعت التحايل على القانون بتجنيس الأجانب حتى تستطيع القمة تسجيل أكبر عدد منهم ، وكان لصلاح إدريس سامحه الله نصيب الأسد في هذه الظاهرة التي أضرت بمنتخبنا وأضاعت مواهبنا التي رميت مع سبق الإصرار والترصد لعيون هؤلاء المواسير ، وللأسف أصبحت الجنسية السودانية في مرمطة بأيدي قمة الكرة السودانية وغالباً مستسلمة للأجانب قبل نزولهم من سلم الطائرة وهي التي تمنع عن الأجانب في الدول الأخرى حتى ولو بقي الأجنبي سنيناً عددا إذا لم يستطع تمثيل البلد ، فأي هوان هذا يا سادة القوم؟ . التنقلات هي بمثابة عيد ينتظره السماسر ، والخلاص في الكشيفين .. وهذا ما جعل الجنسية السودانية أضحوكة في الرياضة قالها كمال شداد منذ سنين وفهمناها الآن: الأجانب أضروا بالمنتخب