كررت إسرائيل غاراتها على الجيش السوري اليوم 5 مايو سنة 2013، فقد ضربت قوات الطيران الإسرائيلية أهدافا للجيش السوري مرتين خلال أربع وعشرين ساعة فقط، وهو ما أنكره نظام بشار الأسد في البداية، محاولا توجيه التهمة للفصائل المسلحة في الثورة السورية، ثم عاد وأقر به على خجل، ومراوغة في بيان الخارجية السورية التي حاولت الربط ربطا غريبا بين القاعدة وإسرائيل. وبدلا من أن يكون رد الفعل على الفاعل من نظام بشار الأسد- المقاوم لإسرائيل حسب وصفه وحلفائه- كان توجهه لاستهداف" إعزاز" على الحدود التركية السورية، ضاربا للمدنيين، ومصرا على أن شعبه الذي يقاومه هو العدو ليس غيره، ومحتفظا بحق الرد الذي لم يأت على غارات إسرائيلية سابقة قبل الثورة السورية وبعدها، تستهدف أهدافا عسكرية مهمة بالنسبة له! وبينما يهدد هو وحليفته إيران بإشعال المنطقة والدول المؤيدة للثورة نجده يراوغ في التهرب من اتهامها وتدعو دول المنطقة إيران للتعاطي بحكمة مع المسألة. لم تفعل ممانعة بشار الأسد ضد العدو الصهيوني، وكانت معطلة دائما، الذي صرح أحد رموزه رامي مخلوف في 12 مايو سنة 2011 أنه يمثل ضمانة لأمن اسرائيل، وأن استقرار سوريا مع الأسد الذي سيكون بديله سلفيا، هو استقرار اسرائيل. هذه المواقف وغيرها تدعونا لمعاودة مساءلة مفهوم الممانعة والمقاومة عند بعض ممثليها، خاصة أن أنظمة عديدة تلببت بها طويلا، وهي تستمد شرعيتها من ادعاء ممانعتها ومقاومتها، وهي التي لم تهاجم اسرائيل يوما بل لم ترد على هجوم. وتثبت الغارات الاخيرة أن نظام آل الأسد لم يرفع سلاحا إلا ضد الشعب السوري عام 1982 وضد ثورة شعبه العام 2011 والمستمرة حتى الآن، كما تحول سلاح حلفاؤه وأنصاره من حزب الله كذلك للحرب ضد السوريين في القصير وغيرها، في تغول على الدولة اللبنانية التي تعهدت حكومتها بما سمته النأي عن النفس، قبل تغوله على الحقوق التاريخية والكرامة الإنسانية لشقيقه الشعب السوري، مؤكدا أنه حزب يتبع وليه الفقيه وليس الأهداف الوطنية والإسلامية التي يتقنع بها كذلك. حسب العديد من المراقبين أفادت الغارة الإسرائيلية الجديدة النظام السوري، حيث شغلت العالم عن مذبحة بانياس الجارية وعن السلاح الكيماوي المستخدم ضد الشعب السوري، واندفع المدافعون عن أصنامهم الأيدولوجية منشدين نشيد العروبة، بينما العربية السورية الشعبية تذبح وترهق دماؤها كل يوم، دون صوت. بجوار سوريا التي أعلنت أنها تحتفظ بحق الرد الذي لم يأت، منذ الغارات السابقة في يناير الماضي، أدان كل من حزب الله وإيران الغارات، وكذلك سائر الكلاميين الأيدولوجيين العرب، الذين طالما ثاروا وغضبوا ضد إهانات وفي مقدمتهم حزب الحرية والعدالة المصري- الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين- الذي تجاهل الشجب والتنديد بجرائم الأسد منذ التقارب السوري/ الإيراني وعودة العلاقات المتسارعة بين الطرفين، والحديث المكرور عن سعى ومباردة لحل سياسي لم ينجح كوفي عنان التي بدأت في مارس سنة 2012 وانتهت في الثاني أغسطس من نفس العام، ولا الأخضر الإبراهيمي الذي تسلم مهمة التوسط الدولي والعربي فيها في أغسطس سنة 2012 ولازالت مستمرة ولكن أكد في 4 مايو سنة 2013 نفس موعد الغارات، أن قناعته وصلت إلى أن مهمته مستحيلة! ولم تتقدم الوساطة السياسة خطوة واحدة. في بيانه تجاهل حزب الحرية والعدالة المصري ذكر الثورة السورية أو حق الشعب السوري، أو حتى التأكيد على ضرورة تفعيل المبادرة المصرية/ الإيرانية للبحث عن حل سياسي للأزمة، مكتفيا بإزاحة مقولة الثورة لصالح مقولة السيادة والدولة العربية فنص البيان على أنه" ويؤكد حزب الحرية والعدالة أنه ضد أي اعتداءات علي أي دولة عربية، ويدعو الحزب المجتمع الدولي إلي تحمل المسئولية أمام التجاوزات الصهيونية المتكررة بحق الشعوب العربية وسيادة أراضيها. " في وهو اهتمام محل تشكك بالحدود السورية قبل الثورة والتصحيات الوطنية داخلها من أجل الحرية والعدالة كما يتسمى هذا الحزب! الذي لم يلق بالا لمفهومي الحرية والعدالة الذي يتسمى بهما داخل مصر وداخل سوريا حسب بعض المراقبين! أهداف استراتيجية لإسرائيل حسب المراقبين الإسرائيليين تقوم سياسة إسرائيل في ضرباتها في الداخل السوري على عدد من الأهداف الاستراتيجية نوجزها فيما يلي: 1- منع وصول أسلحة متطورة لتنظيمات إرهابية، كما ذكر وزير السياحة الإسرائيلي عوزي لانداو صباح يوم 5 مايو سنة 2013 بعد الغارات. 2- أن هذه الغارات تمثل رسائل ترسلها إسرائيل والولايات المتحدة لكل من إيران وحزب الله عن القدرة العسكرية الإسرائيلية وإمكانية الوصول لأهداف محصنة ومحددة داخلهما، عبر شل القدرات الصاروخية لنظام بشار الأسد وحزب الله، خاصة وأنها استهدفت مخازن صواريخ الفاتح 110 وصواريخ سكود وثكنات لكتيبتين في الحرس الجمهوري وكذلك مخازن للوقود المسال، وراح ضحيتها عشرات القتلى حسب المصادر الاسرائيلية. 3- تدرك إسرائيل أن لديها مرونة اسراتيجية لضرب القدرات الصاروخية للنظام السوري ولحزب الله في الوقت ذاته، والإفلات من أي عقاب جدي، في ظل انشغال هذا النظام الضاري ومعه حزب الله بقتال شعبه وثورته منذ مارس سنة 2011. ويبدو أن إسرائيل التي خبرت الأسد وعدم قدرته على الرد قبل الثورة، تدرك تمام الإدراك أن ألأسد لن يغامر بدخول حرب مع اسرائيل في ظروف نظامه الحالية، والتي قد تفقده سلاح الجو السوري، وتضع نقطة النهاية لنظامه، والمجازفة فيما تقول اسرائيل انه سلسلة نجاحات مؤخرا لقواته، ولهذا قد يفضل حديث المؤامرة بدون رد فعل، وربما لهذا لم يلغ نتياهو سفره للصين،- وإن كان لافتا أنه يضرب سوريا، قبل التوجه لإحدى حليفاتها من دول البريكس بقيادة روسيا- لإعطاء رسالة تهدئة داخلية وخارجية. وان نفرت قواتها للحذر في مناطق الشمال تحسبا لأي رد خاصة من حزب الله أو إيران بالوكالة. وحتى ذلك الحين تبقى مراجعة مفهوم الممانعة والمقاومة مع أنظمة كنظام آل الأسد وحلفائه في إيران وغيرها والملتحقين بها أمرا مهما من أجل كشف الحقيقة وتعرية الحقيقة بعيدا عن ضباب الايديولوجيا الذي أودى بوعود الثورات العربية في النصف الثاني من القرن العشرين ويكاد يودي بها كذلك في الحالة السورية بالخصوص.