' النظام فقد صلاحيته وأصبح جثة تنتظر من يدفنها.. وسنسقطه بعد أن أذاق الشعب السوداني الأمرين, إذا مارفض مبادرة نهائية مشروطة بقبول الرئيس عمر البشير بتفكيك البنية الاستبدادية لنظامه الذي وسع نطاق الحروب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق, بما ينذر بحرب أهلية شاملة'… بهذه العبارة دشن تحالف المعارضة السودانية ما أسماه حملة المائة يوم لإسقاط نظام الرئيس السوداني عمر البشير, وهو ماقوبل باستهجان ونقد لاذع من مسئولي النظام السوداني, الذين وصف بعضهم المعارضة بأنها مجرد ستار ورأس حربة لقوي أجنبية تريد أن تمزق السودان, مؤكدا أنها لن تجني في النهاية سوي الخيبة. … ولعل الحراك الأخير للمعارضة مصحوبا بحراك أكثر فاعلية علي صعيد الحركات المسلحة التي تشكل مايعرف بالجبهة الثورية, يطرح العديد من التساؤلات حول مصير النظام السوداني, الذي ظل يقاوم محاولات عديدة لإسقاطه في الداخل والخارج, لعل أخطرها المحاولة الإنقلابية التي قادها قبل أشهر رئيس مخابرات النظام السابق صلاح قوش وعدد من قيادات الجيش. وفي الواقع فإن المعارضة السياسية ممثلة في الأحزاب والقوي المدنية تحكمها في علاقتها مع الحكومة مايمكن أن نسميه معادلة' توازن الضعف', وهي مايعني أن كليهما يعاني العديد من نقاط الضعف, فالمعارضة تعاني من العديد من الثغرات, فهي إلي حد كبير غير منظمة, وليس لديها الآليات المناسبة والوسائل الجادة لتحقيق الأهداف الكبيرة التي أعلنتها لإسقاط النظام, وبعض قواها تعاني ضبابية ورؤية غير واضحة, وتبدو أحيانا مترددة في المضي قدما في تنفيذ ما تعلن عنه, لكن لعل كل ذلك يمنح القوي والتنظيمات الشبابية قوة وإصرارا للمضي قدما في إستكمال ما توقف قبل عدة أشهر حينما قمعت الحكومة بقبضة حديدية مظاهراتهم واحتجاجاتهم, التي كانوا يأملون أن تتحول إلي إنتفاضة شاملة تلحق بلدهم بمسيرة الربيع العربي. والحكومة السودانية نفسها تعاني ضعفا مماثلا, ربمايكون الأكثر عمقا في مسيرتها الطويلة منذ إعتلاء النظام الحالي لسدة الحكم قبل1989, فهناك العديد من الانقسامات, التي حدثت بعد المحاولة الإنقلابية لصلاح قوش ورفاقه, وهناك أيضا انشقاق أو إبتعاد مستشار الرئيس السابق الدكتور غازي صلاح الدين, وهو شخصية تحظي باحترام كبير في أوساط الحركة الإسلامية السودانية, وهناك أيضا عدم الحماس لكل مايجري, الذي يخيم علي قيادات ورموز النظام الذين يلتزم كثيرون منهم الآنالصمت. والأخطر من ذلك كله الهزائم العسكرية التي تعرضت لها الحكومة علي أيدي المتمردين عليها في دارفور التي تصاعد فيها التوتر مؤخرا, وكذلك في منطقتي جبال النوبة وكردفان, وذلك باعتراف الدكتور نافع علي نافع مساعد الرئيس السوداني, الذي أثارت تصريحاته حول عدم مقدرة الجيش السوداني علي صد هجمات المتمردين شدا وجذبا بينه وبين قيادات الجيش, كما أشار إلي مخططات المتمردين للاستيلاء علي بضع مدن أخري, وكانت الحركات المعارضة المسلحة قد حققت تقدما في الأسابيع الماضية, واستطاعت نقل المعركة إلي ولايتي شمال كردفان والنيل الأبيض, وهومايعني وصولها إلي مشارف الخرطوم, في سابقة لم تحدث في أثناء حرب الجنوب, ولم تحدث إلا مرة واحدة خلال حرب دارفور علي أيدي حركة العدل والمساواة المتمردة, وقد نجم عن المعارك الأخيرة رفع حالة التأهب في الخرطوم والولايات الشمالية في السودان. ورغم ذلك فإن الجبهة الثورية المعارضة تعاني أوجه قصور عديدة, وهي تتكون من4 فصائل أساسية, هي الحركة الشعبية قطاع الشمال وحركات دارفور الثلاث بقيادة كل من عبدالواحد محمد نور وميني أركو ميناوي وجبريل إبراهيم, فهي تفتقر للإعلام والعمل الجماهيري المنظم, وكذلك توجه إليها إتهامات بالعنصرية, رغم انضمام عدد من قيادات الأحزاب الشمالية إليها. كما تواجه ضغوطا لإجبارها علي الجلوس إلي مائدة التفاوض مع الخرطوم, وهناك ضغوط كبيرة تمارس علي دولة الجنوب للضغط عليها, وهذه الضغوط وغيرها قد تسفر في نهاية المطاف إلي الخضوع للتفاوض, لكنها قد تكون مفاوضات غير ذات جدوي وطويلة المدي, أو أقرب ماتكون للمناورات, لكسب أوراق ضغط إضافية من ناحية, وكسب رضا المجتمع الدولي من ناحية أخري. وقد تحدث مثل تلك المفاوضات المرتقبة شرخا داخل الجبهة الثورية, لأن من تستهدفه الخرطوم أو المجتمع الدولي بالمفاوضات هي الحركة الشعبية قطاع الشمال, وهو مايعني عزلها عن حركات دارفور الأخري, وهي أقواهم تسليحا وعدة وعتادا وتأثيرا, وقد استطاعت الجبهة الثورية في الأسابيع الماضية من إسقاط بضع طائرات حكومية, وهو مايعني تطورا نوعيا وامتلاكها أسلحة متطورة. وتبقي العلاقة بين الخرطوم وهذه الحركات محددا أساسيا لمستقبل علاقاتها مع جارتها الجنوبية, التي يشوبها الكثير من التوترات والمنغصات, وعدم الثقة والمرارات, حيث تتهم الخرطوم دولة الجنوب بدعم وإيواء الحركات المسلحة المناهضة لها, والأخيرة تربطها ولاسيما الحركة الشعبية قطاع الشمال بأبناء الجنوب روابط وعلاقات وثيقة من النضال والكفاح المشترك طوال سنوات حرب الجنوب. ولاشك أن السودان يقف اليوم علي أعتاب تحولات كبيرة, تدل عليها المؤشرات السابقة وغيرها, وهي قد تقع قبل المائة يوم التي حددتها المعارضة السودانية لإسقاط النظام أو بعدها, وتعززها أوضاع إقتصادية سيئة وغلاء في المعيشة يزيد من إحتقان الشارع السوداني, وإذا لم يتمتع النظام السوداني بالصدق مع نفسه بالإعتراف بخطورة الأوضاع كلها, ويبادر بالتغيير' بيده لابيد عمرو', فإنه قد يجد نفسه مواجها بانقلاب قصر من داخل السلطة كما حدث في الانقلاب الذي تم إجهاضه مؤخرا, أو بإنقلاب جزء من الجيش ضد النظام الذي يورطه في مشكلات لاقبل له بها, وبعض قياداته شاركت في الانقلاب الأخير, أو بحدوث إنتفاضة شعبية تستطيع أن تصمد أكثر من سابقتها أو بتقدم الحراك العسكري من الأطراف نحو قلب السلطة في الخرطوم… وهي خيارات تتصارع وتتسارع جميعها, وتتضافر في ذات الوقت العوامل التي تعززها, وأخري تقاومها وتعمل علي إحباطها.