والي الخرطوم يصدر أمر طوارئ حظر بموجبه حمل السلاح    مليشيا التمرد تغتال الصحفي بوكالة سونا مكاوي    بالصور.. البرهان يزور مقر الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ببورتسودان    سد النهضة.. إثيوبيا تعلن توليد 2700 غيغاوات من الطاقة في 10 أشهر    شاهد بالصور : رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يزور مقر الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون ويقف على آداء العاملين    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد.. الفنانة هدى عربي تنشر صور من حفلها الأخير بالقاهرة وتقول: (جني وجن زول يعمل فيها فالح علي)    المجلس الأعلى للحج والعمرة يشيد بالإدارة العامة للجوازات ويؤكد استخراج جميع الجوازات في زمن قياسي    تعاقد الريال مع مبابي يرعب برشلونة    مهندس سابق في ميتا يقاضي الشركة لإقالته بسبب محتوى متعلق بغزة    هجوم مسلح على السفارة الأميركية في عوكر.. لبنان    لرفع معدل الولادات في اليابان.. طوكيو تطبق فكرة "غريبة"    وجدت استقبالاً كبيراً من الجالية السودانية...بعثة صقور الجديان تحط رحالها في أرض الشناقيط    " صديقى " الذى لم أعثر عليه !!    وانتهى زمن الوصاية والكنكشة    صراع المال والأفكار في كرة القدم    حب حياتي.. حمو بيكا يحتفل بعيد ميلاد زوجته    شاهد بالصور.. أبناء الجالية السودانية بموريتانيا يستقبلون بعثة المنتخب الوطني في مطار نواكشوط بمقولة الشهيد محمد صديق الشهيرة (من ياتو ناحية؟)    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    "إكس" تسمح رسمياً بالمحتوى الإباحي    حادث مروري بين بص سفري وشاحنة وقود بالقرب من سواكن    شاهد بالصور: أول ظهور لرونالدو بعد خسارة نهائي كأس الملك يستجم مع عائلته في البحر الأحمر    نيمار يحسم مستقبله مع الهلال    تونس.. منع ارتداء "الكوفية الفلسطينية" خلال امتحانات الشهادة الثانوية    السودان..نائب القائد العام يغادر إلى مالي والنيجر    السعودية.. البدء في "تبريد" الطرق بالمشاعر المقدسة لتخفيف الحرارة عن الحجاج    أخيرا.. مبابي في ريال مدريد رسميا    نائب البرهان يتوجه إلى روسيا    وفد جنوب السودان بقيادة توت قلواك يزور مواني بشاير1و2للبترول    صدمة.. فاوتشي اعترف "إجراءات كورونا اختراع"    بنك السودان المركزي يعمم منشورا لضبط حركة الصادر والوارد    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    القبض على بلوغر مصرية بتهمة بث فيديوهات خادشة للحياء    القبض على بلوغر مصرية بتهمة بث فيديوهات خادشة للحياء    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    بدء الضخ التجريبي لمحطة مياه المنارة    "إلى دبي".. تقرير يكشف "تهريب أطنان من الذهب الأفريقي" وردّ إماراتي    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    السعودية تتجه لجمع نحو 13 مليار دولار من بيع جديد لأسهم في أرامكو    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال البنّا : الإسلام يقبل بالتعددية، وهو اقرب إلى العلمانية المواطنة لا يمكن أن تكون إسلامية، ومسيحية وإنما هي تتبع الوطن
نشر في حريات يوم 20 - 10 - 2010


حوار:سامح سامي :
ذهبت إلى الشيخ المفكر جمال البنّا، الذي قارب الثمانين من العمر، رأيته أكثر من مرة في مسكنه بوسط القاهرة بالحي الشعبي في باب الشعرية، وسط مكتبته التي تضم كتبا لا تحصى. وكنت لا افهم كيف ُكتب عنه من قبل: احذروا من جمال البنا، فانا أراه رجلاً بسيط، غير غامض في أفكاره، غير ثوري في اطروحاته، وكلماته لا يختلف عليها الكثيرون، لأنه مثل الكثيرين الذين يستمدون كلماتهم من الكتب الشائعة حتى أوقفوا إعمال العقل. ولكن في جلسته الأخيرة التي أجريتها معه حول جماعة الإخوان المسلمين، ارتبكت من أفكاره الثورية، وتجديده في الفقه الإسلامي فهو يطالب بفقه القرآن تجاوزا عن فقه السنة وفقه المذاهب، كما يشدد على تعطيل بعض نصوص القرآن الكريم التي كان لها زمان ومكان معين انتفت بانتفاء هذا الزمان والمكان. وأدركت معنى: احذروا من جمال البنا. في هذا الحوار الذي امتد أكثر من ثلاث ساعات تحدثنا عن جماعة الإخوان المسلمين، ومن الذي قتل حسن البنا، واختلافه عن فكر الجماعة، وتقييمه لهذه الجماعة الآن. وتناولت الحلقة الأولى تقييمه لجماعة الإخوان، وصدام عبد الناصر مع المرشد الهضيبي، ومظاهر ضعف جماعة الإخوان بعد اغتيال البنّا، وأزمة الدعوة الإسلامية، وفيما يلي نشر الحلقة الثانية. ** وهل كان عبد الناصر إخوانيا؟. ** لم يدخل عبد الناصر جماعة الإخوان، لأنه كان مؤمناً بأفكار الإخوان. ولكنه دخل لكي تتعاون معه الجماعة في سرقة الحكم. كما انه دار و”لف” على جميع الأحزاب ووجد أنها لا تصلح لتحقيق خطته، لان الأحزاب لا تمتلك قاعدة شعبية مثل الإخوان، وليس لدى الأحزاب نظرية وعقيدة سوى الحزب الشيوعي، ولكنه عرف أن الشيوعيين مثله في الدهاء السياسي والخبث فابتعد عنهم، ووجد أن خطته ستكتمل بالتعاون مع الإخوان، حيث وجدهم سذج ويمكن خداعهم. * وما الذي جعل عبد الناصر ينقلب على الجماعة؟. ** تحالف عبد الناصر مع التنظيم الخاص للإخوان كما ذكرنا، وكان هذا التنظيم لا يعلم به الجناح القانوني للإخوان الذي كان يمثله الهضيبي. ولكن حين سرق عبد الناصر الحكم اصطدم مع الهضيبي، الرجل الواضح الصريح الذي لم يستطع التعامل مع عبد الناصر بخبثه ودهائه. وأعلن أن حركة الجيش “المنقلبة” لا تتفق مع الإسلام، ولكن أصحاب الجناح الخاص قالوا إن هناك اتقافا مبرما بينهم وبين عبد الناصر، ولكن الهضيبي لم يوافق على ذلك، وهنا حدث الشقاق بين القيادات الاخوانية. وزج الإخوان في المعتقلات وبدأت المحنة الكبرى لهم. وأصبحوا أعداء لعبد الناصر. كما أن هذه المحنة كونت جناحا من الشباب في السجون الذين ليس لديهم طول البال وقوة الاحتمال أو المطاولة مع النظام. وبمجرد أنهم تعرضوا لصور كثيرة من التعذيب الشديد، قالوا إن هذه الحكومة التي تمارس هذه الأنواع من التعذيب ليست حكومة مسلمة بل “كافرة”. وهنا بدأت بذرة التكفير والخروج على النظام. ولما خرج شكري مصطفى من السجن أسس أول جماعة تحت اسم جماعة “التكفير والهجرة”، وقد مارست هذه الجماعة بعض الأعمال الإجرامية. * لذلك أصدرت جماعة الإخوان بعض الكتب، تدافع عن الجماعة وفكرها، وتبرّئ ذمتها من هذه الجماعات التكفيرية.. ** نعم، لقد حاول الإخوان في السجن أن يعقلوا هؤلاء، فأصدروا كتاب “دعاة لا قضاة” للهضيبي، ولكن المناخ كان مناخ عنف. وكانت هذه الجماعات المنشقّة ليست إلا رد فعل عن تعذيب النظام لهم. وكل هذه الجماعات قد أساءت إلى جماعة الإخوان، كما ظهر عيب وقتها عند الإخوان وهو عدم تحديد بعض النقاط في الفكر الإسلامي، خاصة مع التطور الهائل للأحداث في العالم، لذلك تخلفوا عن التطور، ولكن هناك أمل للتطور والتعلم من التجارب السابقة لهم. وفي عام 1994 أصدروا بعض الكتب التي تمثل تطورا لفكرهم من ناحية المراة والسياسة والأقليات. وهناك سيناريوهات أمام الإخوان، الأول سيناريو مرجعي أي يظل الإخوان كما هم فتسبقهم الأحداث والتطور ويكونون بذلك مثل جمعيات الحفاظ كالجمعية الشرعية، أو جماعة السنة النبوية. والسيناريو التفاؤلي أي الذي يقول بظهور جيل جديد من الإخوان لإعادة النظر- تدريجيا- للتعامل مع الأحداث بروح العصر. وأنا قدمت لهم الطريقة ولكنهم يعزفون عن الحقيقة وأصبح تعاملهم مع الأحداث مزاجياً. * وما هي الطريقة التي قدمها لهم جمال البنّا؟. ** الطريقة تتعلق بفهم الإسلام. الأستاذ حسن البنا قدم صورة عامة تقوم على قواسم مشتركة لا خلاف عليها في الإسلام، ولكن لم يحدد تفاصيل كثيرة جدا، ولم يوضح تفاصيل في الفكر الإسلامي، لان هذا التحديد في اعتقاده كان سيوجد خلافات كثيرة، ورغم ذلك فقد أوجد حركة متقدمة، وهي فقه السنة تجاوزا عن فقه المذاهب. ولكن كان هناك خطوة ثانية- وأنا اقترحها الآن- وهي فقه القرآن تجاوزا عن فقه السنّة وفقه المذاهب؛ لان السنّة مشوهة، ولكن من يستطيع أن يقول ذلك؟!. كما أقترح فصل المرشد الروحي عن المرشد الإداري، فالأخ مهدي عاكف المرشد الحالي لا يستطيع أن يقوم بكل الأنشطة الروحية للإخوان كما انه لا يستطيع أن يقوم بكل الأنشطة الإدارية للإخوان. أما الأستاذ البنا فكان رجل القوم. * ذكرت أن الجماعة قامت لهدف واحد هو التربية ولكن الآن واضح أن الجماعة هدفها الحكم، والسؤال هو كيف سيكون الوضع لو حكمت الجماعة مصر؟ ** لم يعد خافيا أن هاجساً، أو قل شبحا، يقلق مضاجع السياسيين في أوروبا وأمريكا هو (ماذا يحدث لو استطاع الإسلاميون أن يلوا الحكم في مصر مثلاً أو سوريا أو الأردن). وهذه الدول هي من دول الطوق الملاصقة لإسرائيل، ومشاعر الإسلاميين تجاه الإسرائيليين.. الحليفة الإستراتيجية لأمريكا والابنة المدللة، أو القوة المؤثرة فيها.. معادية أشد العداوة، فهل سيعملون على تغيير السياسة التي أقامتها الولايات المتحدة وظلت حارسة لها طوال نصف قرن على الأقل؟. وهل سيعمل الإسلاميون على تغيير طبيعة المجتمع كما فعلوا في إيران عندما حولوا إيران من دولة “علمانية” متحررة إلى دولة إسلامية محافظة، فيقيمون الحدود ويرجمون الزاني ليس خافياً أيضاً أن بعض حكام الدول العربية استغلوا هذا الخوف، فأكدوا لأمريكا أنهم لو حققوا الديمقراطية وأقلعوا عن انتخابات 99،9 بالمئة المعروفة لاكتسح “الإخوان” وغيرهم من الإسلاميين قوائم الانتخابات ولدخلوا المجلس.. ولحققوا فيه سياساتهم التي يؤمنون أنها جزء من الدين ولألغوا معاهدة كامب دافيد ومثيلاتها وأججوا العداوة لإسرائيل. لعل هذا الهاجس هو أحد أسرار تذبذب السياسة الأمريكية تجاه بعض الحكام العرب الذين يحكمون بلادهم بأحكام الطوارئ والاستئثار بالسلطة والمعتقلات فالولايات المتحدة تضيق – إن حقا وإن إدعاءً- بهذه الأساليب وتطالب جهرا، وتكراراً بالأخذ بالديمقراطية بما في ذلك حرية تكوين الأحزاب وحرية المعارضة في مناقشة الميزانية وسحب الثقة من الوزارة والقضاء على كل القوانين سيئة السمعة. ولكن الولايات المتحدة ما أن يظهر لها شبح الإسلاميين حتى تتراجع – عمليا وإن لم يكن ظاهريا. فهي تستمر في دعاواها حتى تطهر سمعتها، دون أن يصير هذا الاتفاق السري المضمر ما بينها وبين الحكام من أنه لدواعي الاستهلاك الدولي – دون أن يترتب عليه مقاومة حقيقية لهم. وهذا هو ما يحل لنا اللغز ما بين دعم الولايات المتحدة للنظم الحاكمة في الدول العربية وصيحات المطالبة بالديمقراطية المتكررة منها. وفي حقيقة الأمر أن الإسلاميين تعلموا الدرس، ولابد من أن يتعلموه حتى لو كانوا أغبياء؛ لأن “التكرار يعلم الحمار” وقد تكررت الدروس بدءاً من طالبان حتى السودان، وما بين ذلك ما تتعرض له إيران من أزمة داخلية ما بين ولاية الفقيه وولاية الجمهور. ومن هنا فإذا ولوا الحكم فلابد أن يضعوا نصب أعينهم هذه الدروس وتجاربها الفاشلة. وليس أدل على هذا من مبادرة الإخوان المسلمين الأخيرة (في شهر مايو 2004) بعد إعلان سابق في 1994 عن قبول التعددية وتحرير المرأة وحقها في العمل والمناصب والمساهمة في النشاط السياسي مما يوضح أن الأفكار القديمة أصبحت في ذمة الماضي، وأن تعديلاً كبيراً حدث في فهمهم للأمور ولممارسة القضايا العامة، ولا يقال إن هذا تكلف أو إدعاء؛ لأن كل الهيئات إنما تحاسب على بياناتها الرسمية، وإلا لجاز هذا على كل الهيئات. كما أن الإسلاميين حتى لو كانوا أقوياء من الصعب أن يفوزوا عن طريق صندوق الانتخاب بمجموع من الأصوات يكفل لهم تحقيق الأغلبية الكاسحة بحيث يمكن أن يحكموا دون معارضة أو بمعارضة ضعيفة. هذا غير عملي وأغلب الظن أنهم سيظفرون بنسبة من الأصوات أكثر من غيرهم، ولكنها لا تستطيع أن تشكل وزارة منهم، وسيكون عليهم الائتلاف مع أقرب المعارضين إليهم لتكوين وزارة ائتلافية هي وزارة الأخوة الأعداء، وستكون –على أقل تقدير– بمثابة فرملة قوية بحيث لا يمكن أن تحقق هذه الوزارة أي تجاوز. لهذه الأسباب من الخير للولايات المتحدة أن لا تصدق ما يقال عن خطورة تولية الإسلاميين الحكم، بل لو كانت حكيمة لدعمت هذا، لأن ما يتمخض عنه إما أن تكرر هذه الفئات خطأها في أفغانستان والسودان. وعندئذ يمكن للولايات المتحدة أن تقاومها وأن تشهد العالم الدولي عليها، وإما أن تتعلم الدرس فنسلك كما سلك حزب العدالة والتنمية في تركيا. وهى سياسة تتقبلها الولايات المتحدة. * ولكن هناك خوف لدى البعض في مصر، خاصة الأقباط، من الحكم الإسلامي، وأظن أن هذه النقطة لابد من توضيحها؟ **بالفعل، إن النقطة الحقيقية- كما ذكرت في معظم كتبي- التي تستحق المعالجة هي موقف الدولة الإسلامية من الأقليات غير الإسلامية في الوطن العربي. فقد آثر البعض تجاهلها على أساس أنها حساسة وشائكة، ولم يحسن بعض الدعاة الإسلاميين فهمها فعرضوها بطريقة شائهة فزادوا الطين بلة. بينما جعل آخرون من هذه النقطة “البعبع” الذي يخوفون به الناس من الدعوات الإسلامية، والشبح الذي يلوحون به للحكام فيتملكهم الذعر بدعوى شق وحدة الأمة وإضرام الفتنة الطائفية. وهذه مزاعم يجب أن تجابه بشجاعة فليس هناك من الموضوعات ما يفرض على الكاتب الصمت أو ما يثير في نفسه الخوف. لقد كان محور التخريب الأوربي من قديم يقوم على خط رئيسي هو توهين المقوم الإسلامي لدى المسلمين وتعزيز المقوم المسيحي لدى المسيحيين. وفى الوقت الذي كانت أوربا تعيب على المسلمين جعل الإسلام مقوماً من مقوماتهم القومية فإنها كانت تدفع المسيحيين لاعتبار المسيحية هي مقوم حياتهم الوحيد، كمحاولة تأزيم العلاقة ما بين المسلمين والمسيحيين في الوطن العربي وإقحام طابع من التعصب الذي اشتهرت به أوربا وإيجاد ثلمة بين الأكثرية المسلمة والأقلية المسيحية. وتفاقمت هذه القضية نتيجة لعدد من العوامل منها تجاهل القيادات السياسية في الوطن العربي للإسلام كقاعدة المجتمع العربي، وجهل قيادات الدعوات الإسلامية بالموقف الأمثل. وهذه المحصلة المؤسفة ما بين الجهل والتجاهل أعطت القضية حساسية مرضية وسدت الطريق أمام الحل السليم. * ولكن ذلك أيضا لا يمنع من خوف الأقباط من الحكم الإسلامي؟ **إن أي حكم إسلامي لابد وان يكون أقرب إلى المسيحية من أي حكم آخر حتى لو كان هذا الحكم الآخر مسيحيا. ذلك أن الإسلام هو الدين السماوي الوحيد الذي يعترف بنبوة المسيح وبتولية العذراء. والإسلام يقر أن المسيح جاء بمعجزة وحمل كتاباً سماويا مقدسا هو الإنجيل، والإيمان به توجيه إلهي للمسلمين تضمنه القرآن أكثر من مرة. فموقف الإسلام من المسيح لا يمكن أن يؤذي إحساس مسيحي؛ لأنه وإن رفض الاعتراف بالمسيح ابنا لله، فإنهم يقدمون له الاحترام الجدير برسول كريم منزل وحامل لأحد الكتب المقدسة الثلاثة. وينظرون إلى السيدة مريم العذراء كسيدة نساء العالمين. والقول بأن الإسلام أفضل للمسيحيين من حكم مسيحي حقيقة مقررة وليست فرضا نظرياً. وقد حدثت بالذات بالنسبة لمصر. فقد اضطهد الرومان، وهم مسيحيون، الأقباط لاختلافهم وإياهم في المذاهب وألجأوا البطرك إلى الفرار. وعندما جاء عمرو بن العاص منح الأقباط حريتهم الدينية التي لم يتمتعوا بها في ظل الحكم الروماني المسيحي وعاد البطريرك مكرماً، وكان موضع الاحترام والتبجيل والمشاورة من عمرو بن العاص. وفى الدول الأخرى استأصل الفرنسيون الكاثوليك الفرنسيين الهوجونوت في مذبحة سانت بارتولوميه، وأوقع الإنكليز البروتستانت بالإنكليز الكاثوليك من المذابح ما جعل الملكة ماري تلقب بالدموية. ويمكن ضرب
أمثله أخرى عديدة في ألمانيا أو أسبانيا أو روسيا أو غيرها من الدول الأوربية. والصورة المثلى إذن لمعالجة هذه القضية هي استبعاد الحساسيات تماماً وإطراح التجاهل وإقامة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في الوطن الواحد على التقدير المتبادل وهو أمر يسمح به بل يحض عليه الإسلام ولا يوجد حساسية أو غضاضة بالنسبة لغير المسلمين على ما أوضحنا، وأن المواطنة لا يمكن أن تكون إسلامية، ومسيحية وإنما هي تتبع الوطن. إن من الخطأ الجسيم أن نعطى القضية حجما أكبر مما لها وأن نحرص على نفي مشكلة غير موجودة بالحديث الممل عن الصليب والهلال، الكنيسة والمسجد، “رجال الدين” من الأقباط والمسلمين. ونحن نؤمن إيمانا عميقاً بأن هذه الظاهرة التي هي محل الاستحسان والتشجيع ليست في مصلحة الطائفة القبطية بالدرجة الأولى، لأنها تغريها – أو حتى تغويها – بتطلعات قد تجاوز ما توجبه طبائع الأمور، كما أنها تسيء إلى فكرة وحدة الأمة من حيث تريد لها الخير، لأنها توحي كما لو أن مصر مثل قبرص أو لبنان. وكما أن الطائفة القبطية تعادل أو تقارب الأغلبية الساحقة المسلمة، وكما لو أن هذه البلاد لها دينان رسميان يمثلان على قدم المساواة في كافة المحافل والمناسبات. وليس هذا من الوحدة في شيء أنه يضرم الازدواجية ويغذيها ويصيب الوحدة في الصميم. * ولكن هل الدعوة الإسلامية التي يتبنها الإخوان تقبل بالتعددية؟ ** من الاتجاهات التي أقرها الإسلام ودعا إليها في العديد من الآيات القرآنية التعددية التي تعد إحدى خصائص المجتمع العلماني، وهي ناحية ليست فحسب قد خفيت عن ملاحظة معظم الكتاب الإسلاميين قدامى ومحدثين، بل أيضاً ذهب البعض إلى نقيضها. فرأى أن الإسلام هو دين التوحيد، ومن ثم فإنه يفترض الوحدة في كل شيء إله واحد، أمة واحدة، مذهب واحد، حزب واحد، قائد واحد الخ. وفاتهم إن الإسلام عندما قرر، وأكد التوحيد لله تعالى فإنه أكد أن هذا التوحيد له وحده، وأن إفراد الله تعالى بالوحدانية يستتبع التعددية فيما عداه، وإلا لاشترك ما عداه معه في الوحدة وهو يقول “لا شريك له” و”لا إله إلا الله”. ومن هنا فإن المجتمع الإسلامي، على ما قد يبدو في ذلك من مفارقة – هو مجتمع التعددية. وما يستتبعه هذا من علمانية وقد كان المجتمع الإسلامي الأول الذي قرره الرسول في وثيقة الموادعة مجتمعاً تعدديا يعتبر أن المهاجرين والأنصار، واليهود المتحالفين مع الأنصار أمة واحدة للمؤمنين دينهم ولليهود دينهم. وكان يمكن أن يظل مجتمع المدينة كذلك لولا أن نكث اليهود. أما إذا حكمنا على المجتمع الإسلامي بحكم القرآن. فإن القرآن يقول بصريح العبارة: “وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”. {48 المائدة}.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.