تكية الفاشر تواصل تقديم خدماتها الإنسانية للنازحين بمراكز الايواء    تايسون يصنف أعظم 5 ملاكمين في التاريخ    دورات تعريفية بالمنصات الرقمية في مجال الصحة بكسلا    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: الدور العربي في وقف حرب السودان    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    دبابيس ودالشريف    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    حادثت محمد محمد خير!!    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    دقلو أبو بريص    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    حملة في السودان على تجار العملة    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال البنّا : الإسلام يقبل بالتعددية، وهو اقرب إلى العلمانية المواطنة لا يمكن أن تكون إسلامية، ومسيحية وإنما هي تتبع الوطن
نشر في حريات يوم 20 - 10 - 2010


حوار:سامح سامي :
ذهبت إلى الشيخ المفكر جمال البنّا، الذي قارب الثمانين من العمر، رأيته أكثر من مرة في مسكنه بوسط القاهرة بالحي الشعبي في باب الشعرية، وسط مكتبته التي تضم كتبا لا تحصى. وكنت لا افهم كيف ُكتب عنه من قبل: احذروا من جمال البنا، فانا أراه رجلاً بسيط، غير غامض في أفكاره، غير ثوري في اطروحاته، وكلماته لا يختلف عليها الكثيرون، لأنه مثل الكثيرين الذين يستمدون كلماتهم من الكتب الشائعة حتى أوقفوا إعمال العقل. ولكن في جلسته الأخيرة التي أجريتها معه حول جماعة الإخوان المسلمين، ارتبكت من أفكاره الثورية، وتجديده في الفقه الإسلامي فهو يطالب بفقه القرآن تجاوزا عن فقه السنة وفقه المذاهب، كما يشدد على تعطيل بعض نصوص القرآن الكريم التي كان لها زمان ومكان معين انتفت بانتفاء هذا الزمان والمكان. وأدركت معنى: احذروا من جمال البنا. في هذا الحوار الذي امتد أكثر من ثلاث ساعات تحدثنا عن جماعة الإخوان المسلمين، ومن الذي قتل حسن البنا، واختلافه عن فكر الجماعة، وتقييمه لهذه الجماعة الآن. وتناولت الحلقة الأولى تقييمه لجماعة الإخوان، وصدام عبد الناصر مع المرشد الهضيبي، ومظاهر ضعف جماعة الإخوان بعد اغتيال البنّا، وأزمة الدعوة الإسلامية، وفيما يلي نشر الحلقة الثانية. ** وهل كان عبد الناصر إخوانيا؟. ** لم يدخل عبد الناصر جماعة الإخوان، لأنه كان مؤمناً بأفكار الإخوان. ولكنه دخل لكي تتعاون معه الجماعة في سرقة الحكم. كما انه دار و”لف” على جميع الأحزاب ووجد أنها لا تصلح لتحقيق خطته، لان الأحزاب لا تمتلك قاعدة شعبية مثل الإخوان، وليس لدى الأحزاب نظرية وعقيدة سوى الحزب الشيوعي، ولكنه عرف أن الشيوعيين مثله في الدهاء السياسي والخبث فابتعد عنهم، ووجد أن خطته ستكتمل بالتعاون مع الإخوان، حيث وجدهم سذج ويمكن خداعهم. * وما الذي جعل عبد الناصر ينقلب على الجماعة؟. ** تحالف عبد الناصر مع التنظيم الخاص للإخوان كما ذكرنا، وكان هذا التنظيم لا يعلم به الجناح القانوني للإخوان الذي كان يمثله الهضيبي. ولكن حين سرق عبد الناصر الحكم اصطدم مع الهضيبي، الرجل الواضح الصريح الذي لم يستطع التعامل مع عبد الناصر بخبثه ودهائه. وأعلن أن حركة الجيش “المنقلبة” لا تتفق مع الإسلام، ولكن أصحاب الجناح الخاص قالوا إن هناك اتقافا مبرما بينهم وبين عبد الناصر، ولكن الهضيبي لم يوافق على ذلك، وهنا حدث الشقاق بين القيادات الاخوانية. وزج الإخوان في المعتقلات وبدأت المحنة الكبرى لهم. وأصبحوا أعداء لعبد الناصر. كما أن هذه المحنة كونت جناحا من الشباب في السجون الذين ليس لديهم طول البال وقوة الاحتمال أو المطاولة مع النظام. وبمجرد أنهم تعرضوا لصور كثيرة من التعذيب الشديد، قالوا إن هذه الحكومة التي تمارس هذه الأنواع من التعذيب ليست حكومة مسلمة بل “كافرة”. وهنا بدأت بذرة التكفير والخروج على النظام. ولما خرج شكري مصطفى من السجن أسس أول جماعة تحت اسم جماعة “التكفير والهجرة”، وقد مارست هذه الجماعة بعض الأعمال الإجرامية. * لذلك أصدرت جماعة الإخوان بعض الكتب، تدافع عن الجماعة وفكرها، وتبرّئ ذمتها من هذه الجماعات التكفيرية.. ** نعم، لقد حاول الإخوان في السجن أن يعقلوا هؤلاء، فأصدروا كتاب “دعاة لا قضاة” للهضيبي، ولكن المناخ كان مناخ عنف. وكانت هذه الجماعات المنشقّة ليست إلا رد فعل عن تعذيب النظام لهم. وكل هذه الجماعات قد أساءت إلى جماعة الإخوان، كما ظهر عيب وقتها عند الإخوان وهو عدم تحديد بعض النقاط في الفكر الإسلامي، خاصة مع التطور الهائل للأحداث في العالم، لذلك تخلفوا عن التطور، ولكن هناك أمل للتطور والتعلم من التجارب السابقة لهم. وفي عام 1994 أصدروا بعض الكتب التي تمثل تطورا لفكرهم من ناحية المراة والسياسة والأقليات. وهناك سيناريوهات أمام الإخوان، الأول سيناريو مرجعي أي يظل الإخوان كما هم فتسبقهم الأحداث والتطور ويكونون بذلك مثل جمعيات الحفاظ كالجمعية الشرعية، أو جماعة السنة النبوية. والسيناريو التفاؤلي أي الذي يقول بظهور جيل جديد من الإخوان لإعادة النظر- تدريجيا- للتعامل مع الأحداث بروح العصر. وأنا قدمت لهم الطريقة ولكنهم يعزفون عن الحقيقة وأصبح تعاملهم مع الأحداث مزاجياً. * وما هي الطريقة التي قدمها لهم جمال البنّا؟. ** الطريقة تتعلق بفهم الإسلام. الأستاذ حسن البنا قدم صورة عامة تقوم على قواسم مشتركة لا خلاف عليها في الإسلام، ولكن لم يحدد تفاصيل كثيرة جدا، ولم يوضح تفاصيل في الفكر الإسلامي، لان هذا التحديد في اعتقاده كان سيوجد خلافات كثيرة، ورغم ذلك فقد أوجد حركة متقدمة، وهي فقه السنة تجاوزا عن فقه المذاهب. ولكن كان هناك خطوة ثانية- وأنا اقترحها الآن- وهي فقه القرآن تجاوزا عن فقه السنّة وفقه المذاهب؛ لان السنّة مشوهة، ولكن من يستطيع أن يقول ذلك؟!. كما أقترح فصل المرشد الروحي عن المرشد الإداري، فالأخ مهدي عاكف المرشد الحالي لا يستطيع أن يقوم بكل الأنشطة الروحية للإخوان كما انه لا يستطيع أن يقوم بكل الأنشطة الإدارية للإخوان. أما الأستاذ البنا فكان رجل القوم. * ذكرت أن الجماعة قامت لهدف واحد هو التربية ولكن الآن واضح أن الجماعة هدفها الحكم، والسؤال هو كيف سيكون الوضع لو حكمت الجماعة مصر؟ ** لم يعد خافيا أن هاجساً، أو قل شبحا، يقلق مضاجع السياسيين في أوروبا وأمريكا هو (ماذا يحدث لو استطاع الإسلاميون أن يلوا الحكم في مصر مثلاً أو سوريا أو الأردن). وهذه الدول هي من دول الطوق الملاصقة لإسرائيل، ومشاعر الإسلاميين تجاه الإسرائيليين.. الحليفة الإستراتيجية لأمريكا والابنة المدللة، أو القوة المؤثرة فيها.. معادية أشد العداوة، فهل سيعملون على تغيير السياسة التي أقامتها الولايات المتحدة وظلت حارسة لها طوال نصف قرن على الأقل؟. وهل سيعمل الإسلاميون على تغيير طبيعة المجتمع كما فعلوا في إيران عندما حولوا إيران من دولة “علمانية” متحررة إلى دولة إسلامية محافظة، فيقيمون الحدود ويرجمون الزاني ليس خافياً أيضاً أن بعض حكام الدول العربية استغلوا هذا الخوف، فأكدوا لأمريكا أنهم لو حققوا الديمقراطية وأقلعوا عن انتخابات 99،9 بالمئة المعروفة لاكتسح “الإخوان” وغيرهم من الإسلاميين قوائم الانتخابات ولدخلوا المجلس.. ولحققوا فيه سياساتهم التي يؤمنون أنها جزء من الدين ولألغوا معاهدة كامب دافيد ومثيلاتها وأججوا العداوة لإسرائيل. لعل هذا الهاجس هو أحد أسرار تذبذب السياسة الأمريكية تجاه بعض الحكام العرب الذين يحكمون بلادهم بأحكام الطوارئ والاستئثار بالسلطة والمعتقلات فالولايات المتحدة تضيق – إن حقا وإن إدعاءً- بهذه الأساليب وتطالب جهرا، وتكراراً بالأخذ بالديمقراطية بما في ذلك حرية تكوين الأحزاب وحرية المعارضة في مناقشة الميزانية وسحب الثقة من الوزارة والقضاء على كل القوانين سيئة السمعة. ولكن الولايات المتحدة ما أن يظهر لها شبح الإسلاميين حتى تتراجع – عمليا وإن لم يكن ظاهريا. فهي تستمر في دعاواها حتى تطهر سمعتها، دون أن يصير هذا الاتفاق السري المضمر ما بينها وبين الحكام من أنه لدواعي الاستهلاك الدولي – دون أن يترتب عليه مقاومة حقيقية لهم. وهذا هو ما يحل لنا اللغز ما بين دعم الولايات المتحدة للنظم الحاكمة في الدول العربية وصيحات المطالبة بالديمقراطية المتكررة منها. وفي حقيقة الأمر أن الإسلاميين تعلموا الدرس، ولابد من أن يتعلموه حتى لو كانوا أغبياء؛ لأن “التكرار يعلم الحمار” وقد تكررت الدروس بدءاً من طالبان حتى السودان، وما بين ذلك ما تتعرض له إيران من أزمة داخلية ما بين ولاية الفقيه وولاية الجمهور. ومن هنا فإذا ولوا الحكم فلابد أن يضعوا نصب أعينهم هذه الدروس وتجاربها الفاشلة. وليس أدل على هذا من مبادرة الإخوان المسلمين الأخيرة (في شهر مايو 2004) بعد إعلان سابق في 1994 عن قبول التعددية وتحرير المرأة وحقها في العمل والمناصب والمساهمة في النشاط السياسي مما يوضح أن الأفكار القديمة أصبحت في ذمة الماضي، وأن تعديلاً كبيراً حدث في فهمهم للأمور ولممارسة القضايا العامة، ولا يقال إن هذا تكلف أو إدعاء؛ لأن كل الهيئات إنما تحاسب على بياناتها الرسمية، وإلا لجاز هذا على كل الهيئات. كما أن الإسلاميين حتى لو كانوا أقوياء من الصعب أن يفوزوا عن طريق صندوق الانتخاب بمجموع من الأصوات يكفل لهم تحقيق الأغلبية الكاسحة بحيث يمكن أن يحكموا دون معارضة أو بمعارضة ضعيفة. هذا غير عملي وأغلب الظن أنهم سيظفرون بنسبة من الأصوات أكثر من غيرهم، ولكنها لا تستطيع أن تشكل وزارة منهم، وسيكون عليهم الائتلاف مع أقرب المعارضين إليهم لتكوين وزارة ائتلافية هي وزارة الأخوة الأعداء، وستكون –على أقل تقدير– بمثابة فرملة قوية بحيث لا يمكن أن تحقق هذه الوزارة أي تجاوز. لهذه الأسباب من الخير للولايات المتحدة أن لا تصدق ما يقال عن خطورة تولية الإسلاميين الحكم، بل لو كانت حكيمة لدعمت هذا، لأن ما يتمخض عنه إما أن تكرر هذه الفئات خطأها في أفغانستان والسودان. وعندئذ يمكن للولايات المتحدة أن تقاومها وأن تشهد العالم الدولي عليها، وإما أن تتعلم الدرس فنسلك كما سلك حزب العدالة والتنمية في تركيا. وهى سياسة تتقبلها الولايات المتحدة. * ولكن هناك خوف لدى البعض في مصر، خاصة الأقباط، من الحكم الإسلامي، وأظن أن هذه النقطة لابد من توضيحها؟ **بالفعل، إن النقطة الحقيقية- كما ذكرت في معظم كتبي- التي تستحق المعالجة هي موقف الدولة الإسلامية من الأقليات غير الإسلامية في الوطن العربي. فقد آثر البعض تجاهلها على أساس أنها حساسة وشائكة، ولم يحسن بعض الدعاة الإسلاميين فهمها فعرضوها بطريقة شائهة فزادوا الطين بلة. بينما جعل آخرون من هذه النقطة “البعبع” الذي يخوفون به الناس من الدعوات الإسلامية، والشبح الذي يلوحون به للحكام فيتملكهم الذعر بدعوى شق وحدة الأمة وإضرام الفتنة الطائفية. وهذه مزاعم يجب أن تجابه بشجاعة فليس هناك من الموضوعات ما يفرض على الكاتب الصمت أو ما يثير في نفسه الخوف. لقد كان محور التخريب الأوربي من قديم يقوم على خط رئيسي هو توهين المقوم الإسلامي لدى المسلمين وتعزيز المقوم المسيحي لدى المسيحيين. وفى الوقت الذي كانت أوربا تعيب على المسلمين جعل الإسلام مقوماً من مقوماتهم القومية فإنها كانت تدفع المسيحيين لاعتبار المسيحية هي مقوم حياتهم الوحيد، كمحاولة تأزيم العلاقة ما بين المسلمين والمسيحيين في الوطن العربي وإقحام طابع من التعصب الذي اشتهرت به أوربا وإيجاد ثلمة بين الأكثرية المسلمة والأقلية المسيحية. وتفاقمت هذه القضية نتيجة لعدد من العوامل منها تجاهل القيادات السياسية في الوطن العربي للإسلام كقاعدة المجتمع العربي، وجهل قيادات الدعوات الإسلامية بالموقف الأمثل. وهذه المحصلة المؤسفة ما بين الجهل والتجاهل أعطت القضية حساسية مرضية وسدت الطريق أمام الحل السليم. * ولكن ذلك أيضا لا يمنع من خوف الأقباط من الحكم الإسلامي؟ **إن أي حكم إسلامي لابد وان يكون أقرب إلى المسيحية من أي حكم آخر حتى لو كان هذا الحكم الآخر مسيحيا. ذلك أن الإسلام هو الدين السماوي الوحيد الذي يعترف بنبوة المسيح وبتولية العذراء. والإسلام يقر أن المسيح جاء بمعجزة وحمل كتاباً سماويا مقدسا هو الإنجيل، والإيمان به توجيه إلهي للمسلمين تضمنه القرآن أكثر من مرة. فموقف الإسلام من المسيح لا يمكن أن يؤذي إحساس مسيحي؛ لأنه وإن رفض الاعتراف بالمسيح ابنا لله، فإنهم يقدمون له الاحترام الجدير برسول كريم منزل وحامل لأحد الكتب المقدسة الثلاثة. وينظرون إلى السيدة مريم العذراء كسيدة نساء العالمين. والقول بأن الإسلام أفضل للمسيحيين من حكم مسيحي حقيقة مقررة وليست فرضا نظرياً. وقد حدثت بالذات بالنسبة لمصر. فقد اضطهد الرومان، وهم مسيحيون، الأقباط لاختلافهم وإياهم في المذاهب وألجأوا البطرك إلى الفرار. وعندما جاء عمرو بن العاص منح الأقباط حريتهم الدينية التي لم يتمتعوا بها في ظل الحكم الروماني المسيحي وعاد البطريرك مكرماً، وكان موضع الاحترام والتبجيل والمشاورة من عمرو بن العاص. وفى الدول الأخرى استأصل الفرنسيون الكاثوليك الفرنسيين الهوجونوت في مذبحة سانت بارتولوميه، وأوقع الإنكليز البروتستانت بالإنكليز الكاثوليك من المذابح ما جعل الملكة ماري تلقب بالدموية. ويمكن ضرب
أمثله أخرى عديدة في ألمانيا أو أسبانيا أو روسيا أو غيرها من الدول الأوربية. والصورة المثلى إذن لمعالجة هذه القضية هي استبعاد الحساسيات تماماً وإطراح التجاهل وإقامة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في الوطن الواحد على التقدير المتبادل وهو أمر يسمح به بل يحض عليه الإسلام ولا يوجد حساسية أو غضاضة بالنسبة لغير المسلمين على ما أوضحنا، وأن المواطنة لا يمكن أن تكون إسلامية، ومسيحية وإنما هي تتبع الوطن. إن من الخطأ الجسيم أن نعطى القضية حجما أكبر مما لها وأن نحرص على نفي مشكلة غير موجودة بالحديث الممل عن الصليب والهلال، الكنيسة والمسجد، “رجال الدين” من الأقباط والمسلمين. ونحن نؤمن إيمانا عميقاً بأن هذه الظاهرة التي هي محل الاستحسان والتشجيع ليست في مصلحة الطائفة القبطية بالدرجة الأولى، لأنها تغريها – أو حتى تغويها – بتطلعات قد تجاوز ما توجبه طبائع الأمور، كما أنها تسيء إلى فكرة وحدة الأمة من حيث تريد لها الخير، لأنها توحي كما لو أن مصر مثل قبرص أو لبنان. وكما أن الطائفة القبطية تعادل أو تقارب الأغلبية الساحقة المسلمة، وكما لو أن هذه البلاد لها دينان رسميان يمثلان على قدم المساواة في كافة المحافل والمناسبات. وليس هذا من الوحدة في شيء أنه يضرم الازدواجية ويغذيها ويصيب الوحدة في الصميم. * ولكن هل الدعوة الإسلامية التي يتبنها الإخوان تقبل بالتعددية؟ ** من الاتجاهات التي أقرها الإسلام ودعا إليها في العديد من الآيات القرآنية التعددية التي تعد إحدى خصائص المجتمع العلماني، وهي ناحية ليست فحسب قد خفيت عن ملاحظة معظم الكتاب الإسلاميين قدامى ومحدثين، بل أيضاً ذهب البعض إلى نقيضها. فرأى أن الإسلام هو دين التوحيد، ومن ثم فإنه يفترض الوحدة في كل شيء إله واحد، أمة واحدة، مذهب واحد، حزب واحد، قائد واحد الخ. وفاتهم إن الإسلام عندما قرر، وأكد التوحيد لله تعالى فإنه أكد أن هذا التوحيد له وحده، وأن إفراد الله تعالى بالوحدانية يستتبع التعددية فيما عداه، وإلا لاشترك ما عداه معه في الوحدة وهو يقول “لا شريك له” و”لا إله إلا الله”. ومن هنا فإن المجتمع الإسلامي، على ما قد يبدو في ذلك من مفارقة – هو مجتمع التعددية. وما يستتبعه هذا من علمانية وقد كان المجتمع الإسلامي الأول الذي قرره الرسول في وثيقة الموادعة مجتمعاً تعدديا يعتبر أن المهاجرين والأنصار، واليهود المتحالفين مع الأنصار أمة واحدة للمؤمنين دينهم ولليهود دينهم. وكان يمكن أن يظل مجتمع المدينة كذلك لولا أن نكث اليهود. أما إذا حكمنا على المجتمع الإسلامي بحكم القرآن. فإن القرآن يقول بصريح العبارة: “وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”. {48 المائدة}.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.