«هنا من لم تشرده الحروب، شردته السيول والأمطار». هذا ما يعكسه واقع الحال في السودان. آلاف الأسر، قدرتها السلطات السودانية بحوالي 23 ألف أسرة، فقدت مساكنها وباتت في العراء جراء السيول والأمطار الغزيرة التي ضربت أجزاء واسعة من الولايات السودانية. ففي محلية شرق النيل، إحدى محليات ولاية الخرطوم أكثر المناطق تضرّرا، فإن الحال يغني عن السؤال. مئات الأسر بكامل أفرادها أصبحت تسكن الشارع بلا مأوى، ولم يخرجوا من أنقاض المنازل إلّا القليل. فبعد عشرة أيام من نكبتهم، باتت مخاوفهم تزداد ساعة بعد أخرى من كارثة بدأت نذرها تتبدى للعيان لجهة انهيار دورات المياه وبرك المياه التي خلفها السيل التي أصبحت حاضنة للحشرات، فيما أصبح البعوض أنيسا يحيل ليل المتضررين إلى جحيم. عايشت «البيان» بعض معاناة سكان شرق النيل في مناطق الكرياب، المرابيع، ام ضوا بان، والشيخ الأمين، حيث اتخذت مئات الاسر بأطفالها ونسائها وعجزتها من جنبات الطرق مأوى تنتظر رحمة الله ومنظمات المجتمع المدني بعد أن أضحوا بين ليلة وضحاها يتكففون وجبة يسدون بها رمقهم. التقت «البيان» بعدد ممن انهارت منازلهم بالكامل، حيث تمّ الحاجة فاطمة والتي لم يعد لمنزلها أثر يرى إلّا بوابته التي ظلت صامدة: «هنا كان منزلي به ثلاثة غرف ومطبخ ودورة مياه انهار بالكامل، لم اخرج منه بشيء كل أثاث المنزل جرفته السيول. لدي مبلغ من المال ادخرت لوقت الشدة ضاع تحت الركام». غياب حكومة وفي زاوية أخرى، يشير عيسى محمد بيده إلى بقايا ركام يتوسطه سرير تجلس عليه امرأة وطفلان قال إنّ منزله كان في ذاك المكان. ويشير عيسى، الذي كان ساخطا علي السلطات الحكومية: «هناك متضررون سمعنا أن الحكومة قدمت إليهم الخيام، الا اننا لم نراهم ولم نرى خيامهم التي يتحدثون عنها.. هذه اسرتي في العراء. أطفالي لا يستطيعون النوم من لدغات البعوض». بدوره، صب محمد ود العمدة جام غضبه على والي ولاية الخرطوم عبدالرحمن الخضر الذي قال انه «يتفقد المنكوبين عبر طائرة من الجو بينما قادة المنظمات الاجنبية يخوضون السيول وسط المتضررين». وطالب ود العمدة الجهات المسؤولة ب«تقديم الخيام ومعينات الايواء بشكل عاجل لا سيما وان توقعات هيئة الارصاد الجوي تشير الى ان الايام المقبلة ستشهد هطول امطار غزيرة». بركة مياه أما اشراقة وأسرتها، فكانت تجفف فناء المنزل الذي لا يكاد يجد فيه احد اثرا لمسكن، بعد أن تحول إلى بركة مياه كبيرة بدأ لونها يميل الي الاخضرار. وتقول اشراقة: «ما ألم بنا امتحان من الله ونحمده عليه وراضون بما قسمه لنا الله وليس لدينا عليه اعتراض، لكن نطالب المسؤولين بالدخول إلى المنطقة حتى يعرفوا حجم الأضرار التي لحقت بالناس هنا بدلا من النظر إلينا من وراء زجاج سياراتهم». حكاية معاناة يروي المتضرّر ضياء الدين موسى معاناته قائلاً: «لم نخرج إلّا بملابسنا التي نرتديها. فقدنا كل شيء. وزّع الخيرون والمنظمات مشمعات وأغطية، لكننا نحتاج إلى خيام بشكل عاجل». وحول الوضع الصحي داخل منطقة الكرياب، يضيف ضياء الدين أنّ «هناك حالات إسهال بدأت بالظهور بعد أن تردّت البيئة»، مطالبا الجهات المختصة ب«اتخاذ اللازم والدخول في قلب المعاناة بدلا عن الظهور الإعلامي».