في بادرة، إستحسنتها العَديد من الاوساط السياسية و الاعلامية في السودان، أعلن الامين العام للحركة الشعبية/ قطاع الشمال الاستاذ ياسر عرمان، وقف إطلاق النار من طرفِ واحد من قبل قواته في مناطق العمليات العسكرية، و لمدة شهر أبتداءاً من الأول من سبتمبر الجاري و ناشد قواته العمل على مساعدة المواطنين في درء آثار السيول و الأمطار. و علل عرمان قرارحركته بشكلِأساسي، للظروف الانسانية السَيئة التي يعيشها الشعب السوداني إزاء مِحنة الكَوارث و السِيول التي إجتاحت مناطق عديدة من السُودان و كَبدت المواطنين خسائر فَادحة في المال و الارواح، بعد ان كانت الحكومة المركزية في الخرطوم قد أثبتتفشلاً و قصوراً بيناً في مواجهة كارثة السيول الأخيرة. أُطلق هذا الإعلان، في ظروف مُهمة للغاية بالنسبة للشعب السوداني، من زاوية أنه يُخاطب قِطاع عَريض من السُودانيين المُتضررين من السيول و الامطار، في الوقت الذي أبدت فيه قطاعات عريضة من الشعب السوداني، إستيائها من بُطء إستجابة الحكُومة لكارثة السيول و الامطار، فضلاً عن التقارير السلبية التي صدرت ضد أداء الحكومة و تصريحاتها المُتصلة بالكارثة، اذ نَقلت الوسائط الصحفية ان أجهزة الأمن قد أعترضت الجُهود التي أطلقتها المجموعات الشبابية (نفير) لدرء مَخاطر السيول و الامطار، و أتهمها الحزب الحاكم بالسعي لتنفيذ أجندة سياسية مناهضة للنظام السياسي القائم، بالاضافة إلى أن والي ولاية الخرطوم كان قد اطلق تصريحات صحفية، تم تفسيرها من قبل المُتضررون على أنها إذدراء لاوضاعهم الاقتصادية، و عدم إعتراف بالواقع الكارثي الذي يعيشونه. ويبدو أن الخطوة التي إبتدرتها الحركة الشعبية، تتضمن من الفِطنة السياسية ما يجعل المُبادرة السياسية للحركة الشعبية تتخذ أساليباً مُتنوعة، و على الرُغم من أن الاعلان يُفرِغ حالة (الإسترس) العَسكري الذي يُعاني مِنه الجيش السُوداني في مناطق العمليات، و يُسهل حَركة المواد اللوجستية بيُسر خِلال هذا الشهر. كما أن الإعلان جَعل المُواطنين (في العديد من مناطق الضغط العسكري، في الجبال الشرقية و منطقة كادقلي و مستخدمي الطرق القومية الرابطة لذلك الأقليم باواسط السودان) يشعرون بانهم جُزء لا يتجزأ من الاعتبارات و الحسابات التي تضعها الحركة الشعبية، حين تتعاطى عسكرياً و سياسياً مع حكومة المؤتمر الوطني. إعتبارات عَسكرية كَثيرة تَجعل مِثل ذلك الاعلان مهماً حتى للحركة الشعبية / قطاع الشمال، وربما إن ضرورات لوجستية و عسكرية إستدعت أن تستخدم الحركة الشعبية الظروف الانسانية التي تعانيها معظم أنحاء البلاد كغطاء لإلزام حكومة الخرطوم للاستجابة للنداء الإنساني الذي أطلقته الحركة الشعبية – من جانب واحد – بأن توقف الحكومة العمليات العسكرية من جانبها أيضاً. بذلك تكون الحركة الشعبية، قد إستوعبت حالة (النفير) الاجتماعي الذي تجري فعالياته الآن في السودان، و بشكل واسع وسط الشباب في المدن، و قامت بتوظيفه لاغراض الدعم السياسي و الاعلامي للحركة، و بالتالي تصعيد حالة الاستهجان و الإستنكار التي أبداها الشعب تجاه تصريحات بعض المسئولين داخل الحكومة الاتحادية او الحزب الحاكم، هذا من جانب، ومن جانب آخر إعطاء فرصة للمحاربين للراحة و إعادة رص الصفوف لا سيما أن فصل الخريف قد أعاق تحركات اللآليات العسكرية من و إلى مناطق تمركزها. يبدو أن قرار الحركة الشعبية /قطاع الشمال بوقف العمليات العسكرية العدائية، كان من الحكمة السياسية بالقدر الذي أفقد حكومة المؤتمر الوطني (صوابها)، إذ من الواضح أن الإعلان كان مُفاجئاً، و لم تَكن تَداعياته السياسية مَحسوبة إبتداءاً. و لما إستوعبت الرسالة السياسية و الإعلامية من وراء الإيقاف المؤقت للعمليات العسكرية، جاء ردها ليُعبر عن مَدى الصَعقة التي أصابتها، فقد صرح العقيد الصوارمي خالد سعد، الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة -في أول رد فعل رسمي للقيادة العامة – "أن إعلان الحركة الشعبية قطاع الشمال وقف إطلاق النار لمدة شهر يعتبر إعلاناً لا قيمة له ولا يمثل سوى مزايدة إعلامية مكشوفة وليس للحركة الشعبية قطاع الشمال أية مقومات يُمكن أن تساعد بها المُتضررين من السيول والأمطار". و في محاولة لإضفاء ضبابية حول الموقف المعلن للحركة، قال الصوارمي "أن الحركة لو كانت جادة في التضامن مع المواطن لما أرهقت كاهِله إبتداء بالسلب والنهب الذي هو ديدنها". في هذا الصدد لا يكن تقييم تصريحات الناطق الرسميباسم القوات المسلحة، سوى أنها ردُ فعلِ، مُتسرع و غَاضب، إلا أنه لم يصل لمقام النجاح في إفراغ إعلان وقف العمليات العسكرية ، من مضامينه الإنسانية، فقد جاء رد فعل العقيد الصوارمي من قبيل (المُلاسنة)، لا سيما أن حكومته لم تعطي للوضع الانساني المُتردي، (سواء في مناطق الحرب، او في المناطق المتأثرة بالسيول) أدنى أعتبار. أظن إنه – و بقدر ما- اصاب العقيد الصوارمي حين قال بان الحركة الشعبية قطاع الشمال لا تمتلك "أية مقومات يُمكن أن تُساعد بها المُتضررين من السيول والأمطار"، فبحسب تقديراتالظروف الحربية، من المُمكن تَصور محدُودية القُدرة اللوجستية للحركة الشعبية في توفير متطلبات التَعاطي مع الكارثة التي سببتها الامطار للعديد من المواطنين في مختلف ارجاء السودان. في ظني أن الأستخدام الذكي للظروف السياسية، يتجاوز واقعة استصدار رداً صحفياً في أسرع وقت، كمل فعل العقيد الصَوارمي، كما أن الرد السياسي للحالة التي أنجزتها الحركة الشعبية، لا يمكن ان يكون بالتشنج و انما بالتوظيف السلس للاوضاع. و حتى اشرح معنى (التوظيف السلس)، يجب أن أذكر، أنالحركة الشعبية قد انتجت واقعة ( اللا حرب للظروف الانسانية المعاشة)، و بالتالي أصبحت حكومة المؤتمر الوطني في خانة من يلهث لردم الهُوة السياسية التي انتجها الإعلان عن وقف العمليات العسكرية، و في هذا يصح القول – في شرح معنى التوظيف السلس – أن الحركة أنتجت موقفاً سياسياً لا يكبدها اي خسائر،و بدون تحريك اي من وسائل الاقتدار العسكري، و حققتالحركة الشعبية في ذلك مكاسِب سياسية معينة ذات صدى اوسع نطاقاً مما حققته (بندقيتها) على مدى (الاقتتالات) التي خاضتها، فبالتالي بدلاً من ان تكون الحَركة (جالسة) طوال الخريف (بلا شغل و لا مشغلة)، فإنهالو أرادتأن تُحقق تَواصلاً جَماهيرياً مع الشعب، بمقدورها ان تحققه بوسائل عديدة من بينها قد يكون الإعلان الذي إبتدره الأمين العام للحركة الشعبيةب "وقف العمليات الحربية للدواعي الانسانية"، و لو أرادت الحركة الشعبية الدفع بِعجلة النِضال الوطني، في المدن و القرى، بدون تفعِيل (بندقيتها)، فإنها قادرة أن تفعل ذلك بِدون أن تُحرك مُقاتليها إلى تلك المدن و القرى، مثلما فعل إعلان وقف الاعمال الحربية الذي أطلقته الحركة الشعبية. إن المسألة السياسية التي أثارها إعلان "وقف العمليات الحربية للدواعي الانسانية"، تتمحورفي شيء واحد فقط، ألا وهو مراعاة "ظروف المعاناة التي يتكبدها الشعب، جراء السيول و الامطار، و إبداء روح التضامن معه بكل الوسائل المتاحة"، و هذه الجزئية خلا منها تصريح الناطق الرسمي العقيد الصوارمي بشكل كامل، و لم يجهد نفسه إلا في "نوايا و أهداف و مصداقية الحركة الشعبية"، و التي مهما كانت لا تنفي واقعة المعاناة التي يتكبدها الشعب، و لا تنفي حوجته الماسة للعون. لذا كان – و مازال - أمام الصوارمي سبيل واحد ( لا سبيل غيره)، تمليه ضرورات الذكاء السياسي و العسكري في مخاطبة الشعب، و هو أن يعلن باسم القيادة العامة تضامنه مع الشعب السوداني وهو يكابد الظروف القاسية التي خلفتها السيول و الامطار، و أن يعلن عن الدور الذي ستقوم به القوات المسلحة ( أي دور) لدرء آثار هذه الكارثة على المواطنين، لا سيما أولئك الذين يتعايشون مع ظروف و مرارات الحرب كل يوم في دارفور و النيل الأزرق و جنوب و شمال كردفان.