مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    ألمانيا تدعو لتحرك عاجل: السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطبة الجمعة 4 فبراير 2011
نشر في حريات يوم 04 - 02 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
الله أكبر ولله الحمد
خطبة الجمعة التي ألقاها الإمام الصادق المهدي
بمسجد الهجرة بودنوباوي
غرة ربيع أول 1432 ه – الموافق 4 فبراير 2011م
الخطبة الأولى
اللهُمَّ إنِّي أحْمَدُكَ وأُثْنِي لَكَ الحَمْدَ يَا جَلِيلَ الذَاتِ ويَا عَظِيمَ الكَرَمِ، وأَشْكُرُكَ شُكْرَ عَبْدٍ مُعْتَرِفٍ بِتَقْصِيْرِهِ فِي طَاعَتِكَ يَا ذَا الإِحْسَانِ والنِعَمِ، وأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِحَمْدِكَ القَدِيْمِ أَنْ تُصَلِّيَ وتُسَلِّمَ عَلَى نَبِيِّكَ الكَرِيْمِ وعَلَى آلِهِ ذَوِيْ القَلْبِ السَلِيْمِ، وأَنْ تُعْلِيَ لَنَا فِي رِضَائِكَ الهِمَمَ، وأَنْ تَغْفِرَ لَنَا جَمِيْعَ مَا اقْتَرَفْنَاهُ مِنَ الذَنْبِ والّلمَمِ، آمين، أما بعد-
ما هي الصيغة الإسلامية الصحيحة لمخاطبة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
إنها كما جاء في الآية: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[1]. ونحن في الشهادة نقول اسمه مجرداً من أية ألقاب أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. اسم محمد المجرد يكفي لأنه اسم وصفة:
إذا سميته فقد وصفته فيجمع الاسم المعنيين معاً
أي الشخص الكثير المحامد ولكن بعضنا يخاطبه بقوله سيدنا محمد وأنا درجت أن أخاطبه حبيبنا محمد. المحبة هي الصفة التي يريد الله سبحانه وتعالى أن تقوم بينه وبين عباده المخلصين إذ قال: (مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)[2]. وهي الصفة المفضلة عند النبي (صلى الله عليه وسلم) إذ قال: (لا يتم إيمان أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله)[3]. وهي الصفة التي جمعها الإمام المهدي في عنقود: فأنقذني ومن صحبني ومن أحبني على حب نبيك (صلى الله عليه وسلم) لأجلك. السيادة ربما دخل فيها عنصر الإكراه أما المحبة فهي طوعية ليس فيها أي عنصر إكراه والإسلام يقوم على مبدأ (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[4] وأفضل ما قرأت مؤخراً قصيدة كتبها محمد الجزائري بعنوان: قدر حبه ولا مفر للقلوب، وجاء فيها:
تحبه الصفوف في صلاتها
يحبه المؤتم في ماليزيا
وفي جوار البيت في مكّتهِ
يحبه الإمامْ
تحبه صبيةٌ
تنضّد العقيق في أفريقيا
يحبه مزارع يحفر في نخلته (محمدٌ)
في شاطئ الفرات في ابتسامْ
يحبّهُ من عبَدَ الأحجارَ في ضلالهِ
وبعدها كسّرها وعلق الفؤوس في رقابهاَ
وخلفه استدارْ
لعالم الأنوارْ
يحبه لأنّه أخرجه من معبد الأحجارْ لمسجد القهارْ
تحبه صبية تذهب في صويحباتها
لتملأ الجرارْ
تقول في حيائها
(أنقذنا من وأدنا)
تحبه قبائلٌ
كانت هنا ظلالها
تدور حول النارْ
ترقص في طبولها وبينها
كؤوسها برغوة تدارْ
تحبه لأنهُ
أخرجها من ليلها
لروعة النهارْ
تحبه الزهور والنجوم والأفعال والأسماء والإعرابُ
والسطور والأقلام والأفكارْ
تحبه البهائم العجماء في رحمتهِ
تحبهُ
يحبه
نحبه
لأننا نستنشق الهواء من أنفاسهِ
نعم نحبه لأنه نبي الإنسانية ونبي الرفق بالحيوان ونبي الرفق بالبيئة بشجرها، وبحارها، وأزهارها، ومواردها الطبيعية، وأنهارها، وجبالها. إن رسالته أوجبت للأرض قدسية إذا قال: (وجعلت لي الأرض مسجداً) البيئة الطبيعية في تعاليم الإسلام آية من آيات الله: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)[5]. والمحافظة عليها وإعمارها واجب علينا: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)[6]- أي جعلكم عمارها. نحبه لأنه هو بشخصه الشاهد على صحة رسالته فهو إنسان أمي كان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ثم أتى بقرآن فيه علوم فاقت معارف العارفين. ما يدل على أن مصدرها هو الوحي الإلهي.
أقبل كثير من علماء أوربا وأمريكا على الإسلام طوعا. سألتهم ما الذي شدكم إليه؟ قالوا:
1. نبحث عن دين خالص التوحيد لله فلم نجده إلا في الإسلام.
2. نبحث عن نص مقدس غير مختلف عليه فلم نجده إلا في القرآن.
3. نبحث عن صاحب رسالة غير مختلف على حقيقة وجوده في الزمان والمكان فلم نجده إلا في محمد.
4. نبحث عن رسالة تجمع بين الصفاء الروحي والعدالة الاجتماعية بين الناس فلم نجدها إلا في رسالة محمد.
لذلك صار الإسلام اليوم القوة الثقافية الأكبر في العالم. يفتح بالقرآن وبشخصية محمد فتوحات مستمرة في كل القارات رغم أن دول المسلمين ضعيفة ومقهورة. وفي كل البلدان الإسلامية تهاوت الأفكار الأخرى واستحوذ التوجه الإسلامي على رأس المال الاجتماعي بحيث صار يعلن الانتماء إليه كثير من الطامحين للسلطة السياسية. كثيرون يعلنون الانتماء للإسلام لاستحلال السلطة وإذا استولوا على السلطة باسم الإسلام يغيبون فرائض الإسلام السياسية والاجتماعية التي توجب المشاركة في ولاية الأمر والمساءلة لولاة الأمر والشفافية في إدارة الأمر. ويغيبون فرائض الإسلام الاقتصادية التي توجب توفير المعايش للناس في مجتمع الكفاية والعدل. ومع أن المجتمع الذي يحكمونه يضج بالشكوى من الفساد والاستبداد يطبقون عليه أحكاماً عقابية إسلامية ما يجعل أحكام الإسلام موظفة في حماية مجتمع بعيد من قيم الحرية والعدالة والمساواة التي يفرضها الإسلام. لا إسلام بلا حرية وبلا عدالة وبلا مساواة بين الناس. لا لإسلام الدولة البوليسية. تطبيق الإسلام في كل زمان ومكان كما قال الإمام ابن القيم يتطلب معرفة الواجب أي الأحكام الشرعية. ومعرفة الواقع والتزاوج بينهما. في ظروف بلادنا الحالية التزاوج بين الواجب والواقع يوجب:
فإن أريد تشريع أحكام تناقض قطعيات الشريعة يحق للمسلمين معارضتها بالوسائل الديمقراطية.
هذا هو النهج الذي يقوم على معرفة الواجب والواقع والتزاوج بينهما وكل ادعاء لنهج إسلامي مخالف استغلال للشعار الإسلامي لدعم السلطان أو للانكفاء نحو ماضٍ منقرض. قال النبي (صلى الله عليه وسلم) (بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا)[10]- أي مدهشا- سبب الدهشة أنه مع قدمه يستطيع من داخل نصوصه أن يستصحب منجزات الرقي الإنساني.
الحضارة الغربية عدت نحو الحضارة الحديثة عبر ثلاث ثورات: ثورة سياسية رفعت الوصاية عن الشعوب وحررت إرادتها. وثورة اقتصادية فجرت طاقات الإنتاج. وثورة فكرية حققت حرية البحث العلمي. هذه الإنجازات ينبغي استصحابها للعبور من حالة التخلف الحالية للعصر الحديث.
بعض الناس يظن أن المهدية تعني ظهور شخص غاب قبل 14 قرناً من الزمان. هذا ضد الطبيعة البشرية والنبي (صلى الله عليه وسلم) نفسه لا يخرج عن مقياس البشرية وكذلك سائر آله وأصحابه والمؤمنين قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ)[11]. آخرون يتطلعون لمهدي يظهر في آخر الزمان. ولكن في آخر الزمان ترفع أوراق الامتحان. قال تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً)[12]. وقال: ( فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنّةَ اللّهِ الّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ)[13]. دعوة الإمام المهدي حررت الفكر الإسلامي من تلك المفاهيم وأوضحت أن المهدية هي وظيفة إحياء الدين. ومع أن باعث هذه الوظيفة واحد فإن الإحياء يتكرر في كل زمان ومكان مثلما قال: لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال. اللهم أجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز
عوامل كثيرة أسست للاستبداد في الشرق العربي قادت لمقولة ابن حجر العسقلاني: (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والقتال معه). هذا الاستبداد تزامن معه تغييب العقل البرهاني وتمكين منهج التقليد على نحو ما جاء في جوهر التوحيد:
ومالك وسائر الأئمة وأبو القاسم هداة الأمة
فواجب تقليد جبر منهمو كذا حكى القوم بقول يفهم
هذه العوامل هي التي دمرت حيوية المجتمع وكونت حالة الاستعداد للاستعمار الذي انقض على بلداننا بلداً بلداً.
واجه الاحتلال مقاومة ومع ضعفه بسبب الحروب تراجع وخلفته نظم حكم لبرالية. نظم لم تتأقلم ثقافياً ولا اجتماعياً فاجتاحتها موجة حركات انقلابية كان عميدها الحركة الناصرية. القراءة الصحيحة للناصرية هي أنها:
ولكن أثقلت التجربة العيوب الآتية:
ونقلت الاقتصاد من رأسمالية الدولة لرأسمالية العصبة.
وانتقلت من الانحياز للمعسكر الشرقي إلى الغربي.
كل النظم المسماة جمهورية في المنطقة وبدرجات متفاوتة ومهما اختلفت شعاراتها قومية أو إسلاموية استصحبت التجربة الناصرية.
النظم التقليدية الوراثية بطبيعتها قائمة على حكم الفرد ومع أنها أدخلت تعديلات لتوسيع المشاركة لم تتهاون في القبضة الحديدية.
هذا الاحتقان أدى في الأعوام الماضية لظواهر عديدة أهمها:
أنا السببْ .
في كل ما جرى لكم
يا أيها العربْ .
أُطِلُّ ، كالثعبان ، من جحري عليكم فإذا
ما غاب رأسي لحظةً ، ظلَّ الذَنَبْ .
فلتشعلوا النيران حولي واملأوها بالحطبْ .
إذا أردتم أن أولِّيَ الفرارَ والهربْ .
وحينها ستعرفون ، ربما ،
مَن الذي في كل ما جرى لكم
كان السببْ .! ؟
هل عرفتم من أنا ؟؟
أنا رئيس دولة من العرب!
هذه التعابير الأربعة تنهل من موقف واحد هو: رفض الواقع العربي والتطلع لعهد جديد.
- أن الحكم الراشد يقوم على المشاركة، والمساءلة، والشفافية وسيادة حكم القانون هو السبيل للتنمية البشرية.
- أن المطلوب حوار جاد بين الحكام والمعارضين لوضع خريطة طريق للإصلاح السياسي تجنباً للانفجار.
الحقيقة هي أن الشارع السياسي في العالم العربي الذي انفجر والذي لم ينفجر بعد يردد شعارات لا تخرج من سبعة تطلعات: الحرية، الكرامة، الخبز، فرص العمل، نبذ الفساد، التأصيل، وإسقاط النظام سبيلا إلى ذلك.
هذه الشعارات تسحب الشرعية من النظم التي لا تحققها وترسم معالم شرعية عهد جديد.
القمع شل حركة القوى السياسية والنقابية المنظمة ما أدى لانفجارات عفوية ربما أطاحت بالنظم. لكن خريطة الطريق نحو المستقبل سوف تكون محل خلافات. ولكن الذي يجب أن يراعيه الكافة هو أن المشروع النهضوي المطلوب ينبغي أن يتجاوب مع الشعارات التي رفعها الثوار. أما المشادة المحتومة بين الرؤى الإسلامية، والعلمانية، والاشتراكية، والقومية فلا بد من تسويتها:
- أن يدرك العلمانيون أن الإسلام حائز على القسط الأكبر من الرأسمال الاجتماعي ما يوجب استصحابه.
- أن يدرك الإسلامويون ضرورة المساواة في المواطنة والتعددية الدينية والثقافية ما يفضي لفقه أسلمة يتجنب أخطاء التجارب المعاصرة في الجزائر، وفي السودان، وفي باكستان، وفي أفغانستان لوضع خطة لتحديث مؤصل.
- إن للبعد العربي دوراً هاماً نهضوياً مع ضرورة استصحاب حقوق المجموعات الوطنية غير العربية الثقافية.
- ولا بد من إشباع التطلع للعدالة الاجتماعية ومراعاة هيكلة الاقتصاد وفق عقد اجتماعي يوفق بين مطالب التنمية والعدالة.
- وتصويب العلاقات الخارجية لتقوم على المصالح المشتركة بلا عداء ولا تبعية.
- نعم للسلام العادل والاستعداد لصد العدوان.
إن ما يحدث في مصر الشقيقة حدث تاريخي هام وسوف يكون له أثر مصيري.
إن مولد عهد جديد في مصر سوف يكون له أثر كبير. لقد اتصلت بعدد من قادة الطيف السياسي في تونس وفي مصر أناشدهم الحرص على وحدة الكلمة والحوار الجاد الهادف وتجنب العنف ومهما كانت الأوضاع فسوف يكون لموقف الرئيس المصري محمد حسني مبارك أثر مفتاحي. لذلك أوجه لفخامته هذا النداء:
أخي فخامة الرئيس حسني مبارك
حركة الشارع المصري ليست بدعاً، فعوامل كثيرة حركت الأشواق الشعبية لعهد عربي جديد معالمه الحرية إزاء السلطة الوطنية، والكرامة إزاء العلاقة الخارجية، وتوفير سبل المعيشة خبزاً واحتواءً للعطالة ونبذاً للفساد.
لم أفوت أية دعوةٍ من الحزب الوطني لمؤتمراته، وفي كل مرةٍ اجتمع ببعض قادته وأنبه للفجوة بين الصورة التي يرسمونها والواقع وضرورة تجسير تلك الفجوة. كنت ولا زلت أقول في كافة الأوساط المصرية والسودانية إن الجفوة التاريخية التي صنعت الفرقة بين مصر والسودان متعلقة بسياساتٍ خاطئة وهي إلى زوال مع تصويب تلك السياسات. وكنت ولا زلت أقول إن حضارتنا بل وجودنا كله يواجه تأزماً فيه نحن ومصر وغيرنا في خندق واحد ولا مخرج منه إلا بموجب مشروعٍ نهضويٍ جديد ملامحه:
- معادلةٌ كسبيةٌ بين التأصيل والتحديث.
- الحوكمة الراشدة التي تقوم على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون.
- التنمية في معادلة النمو والعدل الاجتماعي.
- العلاقات الخارجية المؤسسة على الندية بلا تبعيةٍ ولا عداءٍ.
- السلام المؤسس على العدل.
إن انتفاضة الشارع السياسي التي انطلقت من تونس بصورةٍ عفويةٍ ما كان لها أن تنطلق لولا التراكم الذي سبقها، وما كان لها أن تجد تجاوباً في الشارع السياسي في كافة البلدان العربية لولا تشابه الظروف.
إن انتفاضة يناير الشعبية في مصر رافدٌ قياديٌ في حركة التطلع لعهدٍ عربيٍ جديدٍ، لا بد أن تقوم فيه مصر بالدور الرائد الذي يؤهلها له حجمها المعنوي والمادي.
لقد مر السودان مرتين بانتفاضتين تعامل معهما بأسلوبين مختلفين:
- في 1964م عندما تحرك الشارع مطالباً بالتغيير أقدم الفريق إبراهيم عبود على النزول عن رغبة الجماهير، واستحق العفو العام.
- وفي 1985م عندما تحرك الشارع مطالباً بالتغيير أقدمت القوات المسلحة على خلع السيد جعفر نميري واستجابت لمطلب الشعب.
إن انتفاضة الشعب المصري منذ 25 يناير أظهرت سلوكاً حضارياً مارسه الشباب في حركته، وضبطاً للنفس مارسه الجيش.. هذا كله رصيدٌ تاريخيٌ لشعب مصر العظيم.
ولكن منذ يوم الثلاثاء 1/2/2011م اندلعت أعمال عنف لا تحمد عقباها، في يدك أنت أن تسترد ذمام المبادرة بموقف يلتف حوله الإجماع يجنب البلاد الانفلات ويفضي لموقف مجمع عليه.
الشكليون ربما قالوا لماذا تتدخل في شأنٍ مصريٍّ داخلي. الشأن المصري ليس داخلياً عندما أرى تجاوز الخطوط الحمراء التي تؤذن بتدمير وطنٍ في قلبِ الأمّة.
وفي هذا الظرف التاريخي إن سرعة التحرك تصنع سرعة الاستجابة، وتجر مصر الحبيبة من طرف الهاوية، وستكون أنت من مهندسي العهد الجديد.
قال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[14]. وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم). وقال: (استغفروا الله فالاستغفار مخ العبادة).
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[15]، حي على الصلاة.
[1] سورة الأحزاب الآية 56.
[2] سورة الآية المائدة الآية 54.
[3] حديث
[4] سورة البقرة الآية 256
[5] سورة الذاريات (21،20)
[6] سورة هود الآية (61)
[7] سورة المائدة الآية 43
[8] سورة المائدة الآية 42
[9] سورة الروم الآية 22
[10] صحيح مسلم- موسوعة الحديث حديث رقم 240.
[11] سورة الكهف الآية 110
[12] سورة الانعام الآية 158
[13] سورة غافر الآية 85
[14] سورة هود الآية 117.
[15] سورة النحل الآية 90.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.