وجه الامام الصادق المهدي في خطبة الجمعة اليوم 4 فبراير نداء الى الرئيس المصري حسني مبارك يقول فيه (أخي فخامة الرئيس حسني مبارك حركة الشارع المصري ليست بدعاً، فعوامل كثيرة حركت الأشواق الشعبية لعهد عربي جديد معالمه الحرية إزاء السلطة الوطنية، والكرامة إزاء العلاقة الخارجية، وتوفير سبل المعيشة خبزاً واحتواءً للعطالة ونبذاً للفساد. لم أفوت أية دعوةٍ من الحزب الوطني لمؤتمراته، وفي كل مرةٍ اجتمع ببعض قادته وأنبه للفجوة بين الصورة التي يرسمونها والواقع وضرورة تجسير تلك الفجوة. كنت ولا زلت أقول في كافة الأوساط المصرية والسودانية إن الجفوة التاريخية التي صنعت الفرقة بين مصر والسودان متعلقة بسياساتٍ خاطئة وهي إلى زوال مع تصويب تلك السياسات. وكنت ولا زلت أقول إن حضارتنا بل وجودنا كله يواجه تأزماً فيه نحن ومصر وغيرنا في خندق واحد ولا مخرج منه إلا بموجب مشروعٍ نهضويٍ جديد ملامحه: - معادلةٌ كسبيةٌ بين التأصيل والتحديث. - الحوكمة الراشدة التي تقوم على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون. - التنمية في معادلة النمو والعدل الاجتماعي. - العلاقات الخارجية المؤسسة على الندية بلا تبعيةٍ ولا عداءٍ. - السلام المؤسس على العدل. إن انتفاضة الشارع السياسي التي انطلقت من تونس بصورةٍ عفويةٍ ما كان لها أن تنطلق لولا التراكم الذي سبقها، وما كان لها أن تجد تجاوباً في الشارع السياسي في كافة البلدان العربية لولا تشابه الظروف. إن انتفاضة يناير الشعبية في مصر رافدٌ قياديٌ في حركة التطلع لعهدٍ عربيٍ جديدٍ، لا بد أن تقوم فيه مصر بالدور الرائد الذي يؤهلها له حجمها المعنوي والمادي. لقد مر السودان مرتين بانتفاضتين تعامل معهما بأسلوبين مختلفين: - في 1964م عندما تحرك الشارع مطالباً بالتغيير أقدم الفريق إبراهيم عبود على النزول عن رغبة الجماهير، واستحق العفو العام. - وفي 1985م عندما تحرك الشارع مطالباً بالتغيير أقدمت القوات المسلحة على خلع السيد جعفر نميري واستجابت لمطلب الشعب. إن انتفاضة الشعب المصري منذ 25 يناير أظهرت سلوكاً حضارياً مارسه الشباب في حركته، وضبطاً للنفس مارسه الجيش.. هذا كله رصيدٌ تاريخيٌ لشعب مصر العظيم. ولكن منذ يوم الثلاثاء 1/2/2011م اندلعت أعمال عنف لا تحمد عقباها، في يدك أنت أن تسترد ذمام المبادرة بموقف يلتف حوله الإجماع يجنب البلاد الانفلات ويفضي لموقف مجمع عليه. الشكليون ربما قالوا لماذا تتدخل في شأنٍ مصريٍّ داخلي. الشأن المصري ليس داخلياً عندما أرى تجاوز الخطوط الحمراء التي تؤذن بتدمير وطنٍ في قلبِ الأمّة. وفي هذا الظرف التاريخي إن سرعة التحرك تصنع سرعة الاستجابة، وتجر مصر الحبيبة من طرف الهاوية، وستكون أنت من مهندسي العهد الجديد) . كما شملت خطبة الامام الصادق المهدي تحليلا لطبيعة واسباب الاستبداد في المنطقة العربية الاسلامية ، مشيرة الى فقهاء تبرير الاستبداد ، وتغييب العقل ، وجمود الفكر النقلي ، والاستعمار، واثر التجربة الناصرية في اشاعة النظم العسكرية الاستبدادية . ( نص الخطبة أدناه وفي قسم مقالات – مقالات الامام الصادق المهدي) : الحمد لله والصلاة والسلام على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه. أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز عوامل كثيرة أسست للاستبداد في الشرق العربي قادت لمقولة ابن حجر العسقلاني: (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والقتال معه). هذا الاستبداد تزامن معه تغييب العقل البرهاني وتمكين منهج التقليد على نحو ما جاء في جوهر التوحيد: ومالك وسائر الأئمة وأبو القاسم هداة الأمة فواجب تقليد جبر منهمو كذا حكى القوم بقول يفهم هذه العوامل هي التي دمرت حيوية المجتمع وكونت حالة الاستعداد للاستعمار الذي انقض على بلداننا بلداً بلداً. واجه الاحتلال مقاومة ومع ضعفه بسبب الحروب تراجع وخلفته نظم حكم لبرالية. نظم لم تتأقلم ثقافياً ولا اجتماعياً فاجتاحتها موجة حركات انقلابية كان عميدها الحركة الناصرية. القراءة الصحيحة للناصرية هي أنها: ولكن أثقلت التجربة العيوب الآتية: ونقلت الاقتصاد من رأسمالية الدولة لرأسمالية العصبة. وانتقلت من الانحياز للمعسكر الشرقي إلى الغربي. كل النظم المسماة جمهورية في المنطقة وبدرجات متفاوتة ومهما اختلفت شعاراتها قومية أو إسلاموية استصحبت التجربة الناصرية. النظم التقليدية الوراثية بطبيعتها قائمة على حكم الفرد ومع أنها أدخلت تعديلات لتوسيع المشاركة لم تتهاون في القبضة الحديدية. هذا الاحتقان أدى في الأعوام الماضية لظواهر عديدة أهمها: أنا السببْ . في كل ما جرى لكم يا أيها العربْ . أُطِلُّ ، كالثعبان ، من جحري عليكم فإذا ما غاب رأسي لحظةً ، ظلَّ الذَنَبْ . فلتشعلوا النيران حولي واملأوها بالحطبْ . إذا أردتم أن أولِّيَ الفرارَ والهربْ . وحينها ستعرفون ، ربما ، مَن الذي في كل ما جرى لكم كان السببْ .! ؟ هل عرفتم من أنا ؟؟ أنا رئيس دولة من العرب! هذه التعابير الأربعة تنهل من موقف واحد هو: رفض الواقع العربي والتطلع لعهد جديد. - أن الحكم الراشد يقوم على المشاركة، والمساءلة، والشفافية وسيادة حكم القانون هو السبيل للتنمية البشرية. - أن المطلوب حوار جاد بين الحكام والمعارضين لوضع خريطة طريق للإصلاح السياسي تجنباً للانفجار. الحقيقة هي أن الشارع السياسي في العالم العربي الذي انفجر والذي لم ينفجر بعد يردد شعارات لا تخرج من سبعة تطلعات: الحرية، الكرامة، الخبز، فرص العمل، نبذ الفساد، التأصيل، وإسقاط النظام سبيلا إلى ذلك. هذه الشعارات تسحب الشرعية من النظم التي لا تحققها وترسم معالم شرعية عهد جديد. القمع شل حركة القوى السياسية والنقابية المنظمة ما أدى لانفجارات عفوية ربما أطاحت بالنظم. لكن خريطة الطريق نحو المستقبل سوف تكون محل خلافات. ولكن الذي يجب أن يراعيه الكافة هو أن المشروع النهضوي المطلوب ينبغي أن يتجاوب مع الشعارات التي رفعها الثوار. أما المشادة المحتومة بين الرؤى الإسلامية، والعلمانية، والاشتراكية، والقومية فلا بد من تسويتها: - أن يدرك العلمانيون أن الإسلام حائز على القسط الأكبر من الرأسمال الاجتماعي ما يوجب استصحابه. - أن يدرك الإسلامويون ضرورة المساواة في المواطنة والتعددية الدينية والثقافية ما يفضي لفقه أسلمة يتجنب أخطاء التجارب المعاصرة في الجزائر، وفي السودان، وفي باكستان، وفي أفغانستان لوضع خطة لتحديث مؤصل. - إن للبعد العربي دوراً هاماً نهضوياً مع ضرورة استصحاب حقوق المجموعات الوطنية غير العربية الثقافية. - ولا بد من إشباع التطلع للعدالة الاجتماعية ومراعاة هيكلة الاقتصاد وفق عقد اجتماعي يوفق بين مطالب التنمية والعدالة. - وتصويب العلاقات الخارجية لتقوم على المصالح المشتركة بلا عداء ولا تبعية. - نعم للسلام العادل والاستعداد لصد العدوان. إن ما يحدث في مصر الشقيقة حدث تاريخي هام وسوف يكون له أثر مصيري. إن مولد عهد جديد في مصر سوف يكون له أثر كبير. لقد اتصلت بعدد من قادة الطيف السياسي في تونس وفي مصر أناشدهم الحرص على وحدة الكلمة والحوار الجاد الهادف وتجنب العنف ومهما كانت الأوضاع فسوف يكون لموقف الرئيس المصري محمد حسني مبارك أثر مفتاحي. لذلك أوجه لفخامته هذا النداء: أخي فخامة الرئيس حسني مبارك حركة الشارع المصري ليست بدعاً، فعوامل كثيرة حركت الأشواق الشعبية لعهد عربي جديد معالمه الحرية إزاء السلطة الوطنية، والكرامة إزاء العلاقة الخارجية، وتوفير سبل المعيشة خبزاً واحتواءً للعطالة ونبذاً للفساد. لم أفوت أية دعوةٍ من الحزب الوطني لمؤتمراته، وفي كل مرةٍ اجتمع ببعض قادته وأنبه للفجوة بين الصورة التي يرسمونها والواقع وضرورة تجسير تلك الفجوة. كنت ولا زلت أقول في كافة الأوساط المصرية والسودانية إن الجفوة التاريخية التي صنعت الفرقة بين مصر والسودان متعلقة بسياساتٍ خاطئة وهي إلى زوال مع تصويب تلك السياسات. وكنت ولا زلت أقول إن حضارتنا بل وجودنا كله يواجه تأزماً فيه نحن ومصر وغيرنا في خندق واحد ولا مخرج منه إلا بموجب مشروعٍ نهضويٍ جديد ملامحه: - معادلةٌ كسبيةٌ بين التأصيل والتحديث. - الحوكمة الراشدة التي تقوم على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون. - التنمية في معادلة النمو والعدل الاجتماعي. - العلاقات الخارجية المؤسسة على الندية بلا تبعيةٍ ولا عداءٍ. - السلام المؤسس على العدل. إن انتفاضة الشارع السياسي التي انطلقت من تونس بصورةٍ عفويةٍ ما كان لها أن تنطلق لولا التراكم الذي سبقها، وما كان لها أن تجد تجاوباً في الشارع السياسي في كافة البلدان العربية لولا تشابه الظروف. إن انتفاضة يناير الشعبية في مصر رافدٌ قياديٌ في حركة التطلع لعهدٍ عربيٍ جديدٍ، لا بد أن تقوم فيه مصر بالدور الرائد الذي يؤهلها له حجمها المعنوي والمادي. لقد مر السودان مرتين بانتفاضتين تعامل معهما بأسلوبين مختلفين: - في 1964م عندما تحرك الشارع مطالباً بالتغيير أقدم الفريق إبراهيم عبود على النزول عن رغبة الجماهير، واستحق العفو العام. - وفي 1985م عندما تحرك الشارع مطالباً بالتغيير أقدمت القوات المسلحة على خلع السيد جعفر نميري واستجابت لمطلب الشعب. إن انتفاضة الشعب المصري منذ 25 يناير أظهرت سلوكاً حضارياً مارسه الشباب في حركته، وضبطاً للنفس مارسه الجيش.. هذا كله رصيدٌ تاريخيٌ لشعب مصر العظيم. ولكن منذ يوم الثلاثاء 1/2/2011م اندلعت أعمال عنف لا تحمد عقباها، في يدك أنت أن تسترد ذمام المبادرة بموقف يلتف حوله الإجماع يجنب البلاد الانفلات ويفضي لموقف مجمع عليه. الشكليون ربما قالوا لماذا تتدخل في شأنٍ مصريٍّ داخلي. الشأن المصري ليس داخلياً عندما أرى تجاوز الخطوط الحمراء التي تؤذن بتدمير وطنٍ في قلبِ الأمّة. وفي هذا الظرف التاريخي إن سرعة التحرك تصنع سرعة الاستجابة، وتجر مصر الحبيبة من طرف الهاوية، وستكون أنت من مهندسي العهد الجديد. قال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[1]. وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم). وقال: (استغفروا الله فالاستغفار مخ العبادة). (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[2]، حي على الصلاة. [1] سورة هود الآية 117. [2] سورة النحل الآية 90.