والي النيل الأبيض يزور نادي الرابطة كوستي ويتبرع لتشييّد مباني النادي    الكشف عن المرشحين للفوز بجائزة الكرة الذهبية 2025    عزيمة وصمود .. كيف صمدت "الفاشر" في مواجهة الهجوم والحصار؟    مناوي يُعفي ثلاثة من كبار معاونيه دفعة واحدة    نادي الشروق الأبيض يتعاقد مع الثنائي تاج الاصفياء ورماح    فترة الوالي.. وفهم المريخاب الخاطئ..!!    بالصور.. تعرف على معلومات هامة عن مدرب الهلال السوداني الجديد.. مسيرة متقلبة وامرأة مثيرة للجدل وفيروس أنهى مسيرته كلاعب.. خسر نهائي أبطال آسيا مع الهلال السعودي والترجي التونسي آخر محطاته التدريبية    شاهد بالفيديو.. بالموسيقى والأهازيج جماهير الهلال السوداني تخرج في استقبال مدرب الفريق الجديد بمطار بورتسودان    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    شاهد بالصورة والفيديو.. سيدة سودانية تطلق "الزغاريد" وتبكي فرحاً بعد عودتها من مصر إلى منزلها ببحري    حادث مرورى بص سفرى وشاحنة يؤدى الى وفاة وإصابة عدد(36) مواطن    بالفيديو.. شاهد بالخطوات.. الطريقة الصحيحة لعمل وصنع "الجبنة" السودانية الشهيرة    رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس يصل مطار القاهرة الدولي    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    الشهر الماضي ثالث أكثر شهور يوليو حرارة على الأرض    شاهد.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تفاجئ الجميع بعودتها من الإعتزال وتطلق أغنيتها الترند "أمانة أمانة"    شاهد بالفيديو.. بعد عودتهم لمباشرة الدراسة.. طلاب جامعة الخرطوم يتفاجأون بوجود "قرود" الجامعة ما زالت على قيد الحياة ومتابعون: (ما شاء الله مصنددين)    يؤدي إلى أزمة نفسية.. إليك ما يجب معرفته عن "ذهان الذكاء الاصطناعي"    شاهد بالفيديو.. بعد عودتهم لمباشرة الدراسة.. طلاب جامعة الخرطوم يتفاجأون بوجود "قرود" الجامعة ما زالت على قيد الحياة ومتابعون: (ما شاء الله مصنددين)    عمر بخيت مديراً فنياً لنادي الفلاح عطبرة    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (روحوا عن القلوب)    الجمارك تُبيد (77) طنا من السلع المحظورة والمنتهية الصلاحية ببورتسودان    12 يومًا تحسم أزمة ريال مدريد    الدعم السريع: الخروج من الفاشر متاح    التفاصيل الكاملة لإيقاف الرحلات الجوية بين الإمارات وبورتسودان    بيان من سلطة الطيران المدني بالسودان حول تعليق الرحلات الجوية بين السودان والإمارات    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    رواندا تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال ما يصل إلى 250 مهاجرًا    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



االاجراءات الاقتصادية وحقيقة الخديعة..لماذا لم يحدث التغير؟
نشر في حريات يوم 25 - 10 - 2013

يهدف المقال لا الى سرد وتحليل الاجراءات الاقتصادية متعددة التسميات التى تمت ،فهي ،اجراءات تقشفية ومرةاصلاحات اقتصادية ومرة رفع الدعم عن السلع والخدمات لتغطية عجز الميزانية وتخرج في كل مرة في صورة أزمة في سلعة محددة ،كسلعة السكر التى عرفت على نطاق واسع بانها وحدها الكفيلة بزعزعة عرش الحكومات المتعاقبة في السودان ،واشهر الاحتجاجات التى تمت في عهد حكم الرئيس البشير قد ارتبطت بها وعرفت بمظاهرات السكر ،وقبلها التى اطاحت بحكومة الجنرال نميرى ،وقد تم تصوير الاحتجاجات الأخيرة في الاعلام الداخلى والخارجي على انها احتجاجات في وجه ارتفاع اسعار الوقود وهذه هي الخديعة او التضليل ( ام الاكذوبة ودايتها)فهل الأزمة هى أزمة مصطلحات أم هى عملية مقصودة للتلاعب باللغة لتضيع الحقيقة وراء الالاعيب ،فكما يقال أن من شأن اللغة أن تساهم في اخفاء الحقيقة ،لذلك لن نسهب في التحليل الاقتصادي لهذه القضية لسببين ،اولها انها ليست المرة الاولى خلال حكم الانقاذخصوصا فيما يتعلق بتغطية عجز الميزانية إذ لم يتم إنجاز ميزانية بفائض او بدون عجز طالما أن أمرالبلاد ظلت طوال سنواتها تدار بعقلية الابتلاءات ،وليس باقتصاد تبنى عليها الموازنات ،وماالعبارات الاقتصادية المستخدمة الا غرابيل لزر الرماد في العيون ،وليس هناك جديد لم يقال من قبل او مايمكن اضافته سوى المسعى الجاد لكشف حقيقة الخديعة فيما قيل ومايدور الآن ،وثانيها لان من الصعب التكهن ورسم صورةللاقتصاد السوداني في ظل حالة العجز الادراكي للطبقة السياسية المناهضة لهذه الاجراءات ،لذلك لن تكون هي الاجراءات الاخيرة طالما اصلاانها ليست اجراء لتغطية نفقات الحكومة لمدة محددة في آخر السنة المالية ،بل هي عملية أعمق بكثير مما يقال ،وضمن نسق يطال النظام السياسي كله وبنية الدولة وعلاقاتها الدولية ،فياترى ماذاستسمى الاجراءات القادمة ،فقد شاركنا في مظاهرات السكر في نهاية التسعينات ،وقد كانت قبلها كذلك بنفس المسمى ،وشاركنا في ارتفاع اسعار الوقود الاولى في 2004،وغيرها الكثير باسماء مختلفة والحال هو نفسه ،فهل ياترى القادمة بالنظر لواقع الضائقة المعيشة وفش الموسم الزراعي ان تكون في صورة ازمة (رغيف الخبز)..؟ومامدى تأثيرها ،وهل ستصمد الحكومة امامها ،؟لذلك فمن الصعب ايضا خصوصا لغير اصحاب التخصص من امثالي ان يرسم مسار محدد يتوقف فيها قطارالتموُل من جيب المواطنين ، لذلك ارتأيت أن اكشف مااراها خديعة وارجو أن يحالفنى التوفيق لاطرح الحقيقة التى يجب ان يسعى اليها الناس الساعون الى التغير ويتحقق اهداف التغيرالاقتصادي الذي يسلك درب (التنمية) بدلا عن مشروع الافقار وتدمير قدرات الانسان السودانى والتلاعب بقدره بالاكاذيب وبالقمع المدعوم بدلا عن القمح المدعوم .
اصل الخديعة الأولى :رفع الدعم لتغطية العجز في الموازنة العامة هى الجملة الاقتصادية لتبرير الحزمة الضريبية ،او( الجبائية) تحريل للدقة والكلام المباشر.
لصالح الدولة ولصالح تغير تركيبة الدولة الاقتصادية والاجتماعية ضمن سياسة التحرير الاقتصادى التى التزمت بها الدولة ضمن اندماجها في النظام الدولى ماليا واقتصاديا ،فما يترافق مع كل اجراء اقتصادى تقوم به الدولة في اتجاه فرض مذيدا من الضرائب بانواعها قيمة مضافة وضرائب ارباح الاعمال ورفع قيمة الدولار الجمركي ومايترافق معها من ارتفاع اسعار السلع والمواد الاستهلاكية الناتج عن انخفاض قيمة العملة المحلية وهو مايعرف في عالم الاقتصاد بالتضخم ، والتضخم هي الجملة الاقتصادية الوحيدة الصحيحة في فيما يحدث باعتبارها السياسة المتبعة لادارة شأن الاقتصاد ،المعروفة بالادارة بالتضخم وهى المحافظة على مستوى محدد من التضخم لاغراض (السياسة )،وهى نتيجة لالتزامات تحقق فوائد مالية للمدينين الدوليين ،ومذيدا من التمكين للنظام السياسي الذي يلجأ لتطبيق السياسات بالقمع المنظم وتقديم قرابين الدم لنظامها المالي ،لذلك فان مايحدث هو نتيجة لالتزامات مشروطية الديون التى يقع السودان واقتصاده ضحية لها ،فبمجرد أن تقلل الحكومة انفاقها حتى على نفسها بموجب التزاماتها المزكورة تلجأ الى ان تتموَل من المواطن ،وهى تقتطع في صورة ضرائب وجبايات لانهائية ،ففي كل مرة يصل التضخم مستوى لاتستطيع الحكومة معها تغطية نفقاتها نتيجة لفراغ خزينة البنك المركزي من العملات الاجنبية ولانخفاض سعر صرف العملة المحلية تلجأ الى فرض مذيد من الضرائب والتى تقود بعد مدة محددة الى ارتفاع نسبة التضخم متمثلة في ارتفاع اسعار المواد الاستهلاكية وانخفاض قيمة العملة المحلية امام العملات الاجنبية ،وبعبارة اوضح هي التحوَل الذي يحدث للألف جنيه فيصبح جنيه ،الى جانب حوجة الدولة الى العملات الاجنبية تلجأ الى الاقتراض او( المنح ) وهي وسيلة الحكومة السودانية لتقديم طلبات دعم لخزينتها بالعملات الاجنبية لتغطية نفقاتها الخارجية ،كالمؤتمرات ورسوم الاشتراك في المنظمات الدولية ،وستظل حكاية عجز الحكومة عن سداد اشتراكها في الامم المتحدة من القضايا التى تدفع الحكومة الى الاقتراض او طلب المنح،والمنح هي العبارة الخادعة للتسوُل بالأزمات ،بما أن القروض تقدم لاغراض مرتبطة بالتنمية والمشاريع التى تتطلب انفاق الدولة ضمن خطط التنمية ،ونظرا لغياب هذه الخطط لدى الحكومة ،فهي تلجأ الى استراتيجية اطفاء الحرائق التى تصنعها ،كحرب دارفور وشرق السودان ،وهي الورقة النقدية التى توضع كخلفية لمؤتمرات المنح بشأن السودان في كل بقاع الارض ،وبما أن التعهدات التى تقطعها الدول المانحة تدفع بالدولار فان الحكومة لابد وأن تقوم باجراءات تحافظ بها على مستوى التضخم حتى يتم دفع التعهدات التى يتم قطعها في مؤتمرات المانحين ،والتى تضيع في الغالب في صورة نفقات حكومية للتدابير السياسية كمؤتمر المانحين الذي انعقد في الكويت المتعلقة بمعالجة الصراع في شرق السودان، او كالذي انعقد في الدوحة بخصوص اتفاق سلام دارفور ،وقد كان قبلهم الذي انعقد في اوسلو بخصصوص السلام في جنوب السودان ،لذلك فلن يضيع للمراقب أن بعد كل إجراء يتم يقوم البنك المركزي بالاعلان في الصحف عن ضخ دفعات من الدولار للجهاز المصرفي او المصارف ،اذن على اهل السودان أن يدفعو الثمن مركبا ،في حالة الحرب وفي حالة السلام ،وعليهم الا يستبشرو خيرا كما يقولون اذا تناقلت الصحف ذات صباح أن الحكومة بصدد إجراء مفاوضات سلام في شأن جنوب كردفان او النيل الأزرق ،وفي نهاية الأمر يتسع نطاق الفقر وينحسر مساحات الحقوق الاساسية وحقوق الانسان ،فلكي تطبق الدولة السياسات المذكورة آنفا لابد وأن تنشط آلة الدولة القمعية ويتسع نطاق حرب الدولة مع المواطن وقواه المدنية فتضيع حقوق اساسية بل قيًم عادية مثل حق التعبير دعك من الحقوق الاقتصادية التى تقمع بالإجراءات الجبائية المعروفة بالكشات لجماهير التجار الفقراء الذين تستمر الدولة في توليدهم باستمرار،وهم الذين يستمرعجلة النظام السياسي في الدوران بهم ،فتزج بهم في حروبها الوهمية ،وتملأ خزينتها منهم بالجبايات .
الخديعة الثانية : ففي هذه الفترة التى تشهد هذه الاجراءات يبدو النظام السياسي كله في حالة غليان وانتفاض صحيح أن الوضع الاقتصادى هو السبب الرئيسي في الاخلال باستقرار الحكومات وقد سبق أن اطاحت في وقت سابق بحكومة جعفر نميرى الا انها كانت ضمن نطاق حيويى كامل للحياة السياسية في السودان لذلك ساعدت في قيام ثورة مارس ابريل التى اطاحت به ،ولكن بنظرة للمشهد السياسي في السوادن قد لايفوت للمراقب أن الاجراءات الاقتصادية وحدها لايمكن أن تساعد في الاطاحة بالنظام الحاكم ،وهذا مااريد أن اكشفه ضمن الخدع التى ظلت تداعب مخيلة اولئيك الذين يفتقدون الحس التاريخي الى جانب الكسل المعرفي وعدم معرفة العدو من الصديق وهذا الذي يقال له (المبدل)الواقع الذي ظلت تجكمه الطبقة التجارية منذ الاستقلال الى انقلاب الانقاذ وأرج أن يسعى الجميع الى تقفي أثر نشأتها وقياتها الفعلية ،حتى المرحلة الحالية التى شهدت فيها عملية تطور خطيرة بعد أن تهياءت لها الظروف الدولية بشيوع اقتصاد العولمة والتحرير الاقتصادى الكامل للنظام المالى عالميا ،هذا اذا لم نقل تواطئت معها ،بالاضافة للطبيعة الانتهازية للطبقة التجارية التى تفتقد اى رؤية او لم يكن ضمن اولوياتها الاهداف التنموية لاقتصادياتها بعكس العديد من الدول الفقيرة التى تمتلك القيادة والقدرات لفرض إجراءات حمائية لاقتصاداتها ضمن النظام الدولى نفسه لتلافي انعكاسات التحرير على دولها ومجتمعاتها ،لذلك فان الطبقة التجارية في السودان التى يعتبر فيها الحركة الاسلامية اقصى حالات وتجليات تمكينها قد وجدت ضالتها في التمكين الاقتصادى من خلال اتباع سياسة التحرير الاقتصادى (الخصخصة) والتى سارعت فيها الى التخلص من المؤسسات والمشاريع المملوكة للدولةبابخس الاثمان لصالح انصارها ومنسوبيها ولصالح تمكين الطبقة اقتصاديا لذلك يبدو واضحا أن الانقاذ كانت مشروع تمكين اقتصادى في الاساس ،بل هو الشكل الأكمل للسيطرة على الدولة ،لذلك انحصرت السيطرة على الدولة وجهازها الادارى في يد التكوينات الاجتماعية والعرقية المكونة تاريخيا للطبقة التجارية (الجلابة )وهى طبقة استغلالية ظلت مرتبطة بجهاز الدولة ومشكلة طبقتها السياسية ،بما أن النتيجة النهائية لفسيفساء هذه الطبقة أن تتولد منها الطفيلية الرأسمالية كامكانية كامنة لديها ، واظن من الواضح تماما أن الاستغلال مفردة تستتبع اخواتها فى قاموس الفساد ،فاوجدت الافساد السياسي ضمن لعبتها في التمكين ،فالاجراءات الاقتصادية التى تتم كل فترة هى بوابة لدخول اثرياء جدد ضمن الطبقة التجارية المرتبطة بالضرورة بجهاز الدولة فالتضخم والتلاعب بالاسعار يؤدى الى كسب اموال طائلة من البسطاء وتركيزها في ايدى حفنة من الناس ،وسيادة تجارة السوق السوداء والمضاربة في اسعار السلع الاستهلاكية والتهريب بالتواطئ مع الجهاز العسكرى أمن ومخابرات والجيش ويعتبر الجنوب في وقت سابق والآن دارفور سوق نشطة لهذه الانشطة حيث الارباح الطائلة هى القاعدة بالاضافة الى واقع النزاع الذى يسيطر فيه الجهاز القمعى للدولة جيش وأمن على الحركة التجارية.ففي الوقت الذي تسعى فيه اطراف الطبقة السياسية او تدعي انها بصدد تغير النظام بسبب ماتسميه الضائقة الاقتصادية والتى بلغ فيها جالون البنزين 21جنيه وجالون الجازولين 9نجد انه في دارفوربلغ سعر جالون الجازولين 40جنيه حينما كان سعره في الخرطوم 8جنيهات منذ فترة طويلة الا انها لم تدفع بهم الى الدعوة لتغير النظام ،وهذا مايقدح في مصداقية الداعون لتغير النظام بأن ليست لديهم رؤية لمعالجة الخلل في الهيكل الاقتصادي او امكانية طرح رؤية للنهوض بالاقتصاد بعيد عن المسار الذي سارت عليه اشواطا بعيدة،والتشكيك في قدرة الطبقة السياسية انما هي تحريض للاطراف الواسعة المتضررة بصورة مباشرة من النظام السياسي والاقتصادي المتبع حاليا وهى دعوة لادراك حقيقة أن ماتعبر عنه المعارضة السياسية هى ليست المواقف الحقيقية والرؤى التى يجب أن تتبناها وتسعي الى طرح البديل الاقتصادي الذي يقود الى تفكيك النظام السياسي بكامله ،وذلك ببساطة لانها ستصبح في حكم العدم لو انها سعت الى طرح بديل اقتصادي او تقديم رؤية نقدية للنظام المتبع حاليا ،فاكثر اساطين المعارضة السودانية الآن هو وليد شرعي للطفيلة بل هو النبت الطفيلي عينه الناتجة من اقتصاد النظام السياسي اي لولا هذه السياسات لما كان لهم ذكر ،بل ربما كما قال الكواكبي أن لهم الفضل في بقاء النظام الاستبدادي اذ انهم ضمن نطاق التوزيع الداخلي للسلطة ،فالسكان والمجتمع لايشكلون خطرا محدقا بسبب ضعفهم لأن ثروة البلاد ومراكز قوتها موجودة بايدي حفنة من الناس ،الى جانب انهم لم يشهد لهم اتباع سياسات اقتصادية مغايرة للمتبعة حاليا ،بل تروس في عجلة النظام الاقتصادي و لم يشهد لهم اتباع اى سياسات انتاجية تهدف للنهوض بالريف مثلا ،انما مذيدا من التغلغل في سوق الاقتصاد الرأسمالى والنشاط المربوط بخصخصة الخدمات كالمدارس الخاصة والمستشفيات الخاصة كمراكز غسيل الكٌلى وخلافه ،الى جانب النشاط الاقتصادي الاستهلاكي كالمراكز التجارية الفخمة وسط الاحياء الفقيرة .
افهم تماما أن من شأن التجارة وهدفها هو التربح ومذيدا من تراكم الارباح وهو ليس عيبا أن يكون للتاجر نشاط في اى سلعة طالما أنه صاحب عقلية ربحية لايتميز بخلافها(تاجر شاطر) ،ولكن ليس تصدُر المشهد السياسي بدعوى الدفاع عن مصالح الفقراء الذين يتضررون من نشاطهم او تجارتهم ،وهم يساهمون في نهب قوتهم ومداخيلهم ،حينما تضيع كتلة نقدية ضخمة في مشاريع تكرٍس التخلف الاقتصادي ، ولا تخدم الا مصالح فئات مستفيدة من النظام سياسيا واقتصاديا ،الى جانب الشكوك العميقة التى تعززها عدم طرح اى مسارسياسي ديمقراطي في العمق يهدف الى توسيع ونشر القٍيم الديمقراطية والدفاع عنها ،اذن فالأمر ينطوى على خديعة ،بل هى اكثر من خديعة ،ولكن حتى لانقع في طائلة سؤ الظن ،علينا ايضا الا نحسن الظن بأن الاوضاع الاقتصادية يمكن أن تنصلح اذا لم تكشف الخديعة كاملة ،وهو أن النجم السياسي لذلك الرجل في اوقات الأزمات السياسية ،لن يغطي على كونه قمرا منيرا في سماء اقتصاد هذا النظام السياسي الذي يدعي مقاومته ، وقد حقق الثراء ضمن النظام المالي للانقاذ ،ولكن هى الخديعة دوما ،لاتستحي .
يجب أن يدرك قادة الفقراءوطلائعهم (اننا)في حاجة الى التنظيم في قواعد اجتماعية و (اننا)في حالة صراع وجود مع هذا النظام سياسيا واقتصاديا وأن علينا ان تقترح مبادرتنا للدفاع والتعبير عن مصالحنا بلغة مفهومة ومحددة واهداف يجب أن تلتزم بها الذين يزعمون بانهم في صفناالى سلوك درب التنمية وممارسة النشاط الاقتصادي الانتاجي الذي ينهض بالجماهير الفقيرة الواسعة ،وحتى نستطيع أن نتفق على رؤية نحدد بها الرأسمالية المنحازة للجماهير ،او غير المرتبطة بجهاز الدولة ،رأسملية تؤمن بالقيم الرأسمالية وثقافتها التى تزدهر من خلالها وهى الثقافة الديمقراطية والشفافية وحقوق الانسان .
والاهداف التى يمكن أن تطرحها جبهة الفقراء أمام قادة الطبقة التجارية يمكن أن يكون إلزامهم بالمبادرة بقيادة حملة رفض للجبايات الجديدة والامتناع عن رفع سقف الضرائب على القيمة المضافة ،وأن تطرح رؤية اصلاح للنظام الضريبي او مقاومته حتى يتحقق الاستقرار مستقبلا على نظام واضح ومحدد يلزم النظام السياسي القادم على سلوك درب التنمية بدلا عن الاعتماد على الجبايات لدعم خزينتها ،الى جانب أن تنشط الطبقة السياسية الصاعدة في هذا الواقع ان تدرك انها ملزمة بطرح مشروع اصلاح تقدمي يتأسس على مسار بعيدا عن ماتطرحه الحكومة من فعل عبر سياساتها الاقتصادية فتستجيب هى برد الفعل فتنشط ثم تهمد مرة اخرى وهى تضع في حسبانها بانها تراهن على تغير النظام بحركة جماهيرية مقموعة اساسا ومحتضرة ،تضع رهانها على دخان اطارات السيارات كوسيلتها للتعبير ،فلا هي تعي الدرس وتخسر الجماهيرفي نهاية الأمر ،بل عليها أن تدرك وهنا نقتبس قول كاتب عربي يعزى تطاول أمد الأزمات الاقتصادية الى أن غياب مشروع اصلاح تقدمي فعلا ،وديمقراطي في العمق تتوافق عليه قوى التغير هو العقبة الرئيسية أمام تبلوُر كتلة شعبية ضاغطة ترغم النظام على سلوك درب التنمية _ذات المواصفات المعروفة جيدا أو تتهيأ لتكون بديلا عنها) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.