[email protected] لاشك أن المثقف الحقيقي هو الذي أوتي حظاً من المعرفة يحمله ويدفعه الى الحلم بمجتمع مستنير على خلاف الانسان العادي الذى عادة ما يكون منصرف الى تأمين حوائجه اليومية البسيطة ،لأن فعل وفكر وسلوك المثقف لا يستقيم الا في مجتمع حظي من الثقافة الدرجة المعقولة ، ولعل دعوى اصلاح وتثقيف المجتمع أو الحلم بمجتمع مثقف هي التي تدفع المثقف كما زكرت الى اقتراح بديل اجتماعي وسياسي لاستبدال ما هو قائم من أجل تصحيح السلطة والمجتمع معاً وصولاً للمجتمع الديمقراطي المنشود، ليتمتع المواطنين جميعهم بالحقوق والواجبات المتساوية التي كثيراً ما غيبتها ظاهرة الرعية والديماجوجيا الغوغائية او ذلك الجمع من البشر الذي يعرف الواجبات والطاعات فقط بعد أن حرمته الهيئة السلطوية الشمولية الفاسدة حقوقة في النقد والتعبير والاختيارالحر والحرية، فلا غرابة اذا في ما يحدث الآن من صعود المثقف والتزامة بتصحيح مجتمعه ثورياً بالرغم من التحالف طويل الامد بين السلطة الاقطاعية والمال السلطوي وهو ما بدأ يتكشف أخيراً ويتداعى في بلدان ما يسمى بالمنظومة العربية بلداً تلو الآخر والذي افترض على تسميته اصطلاحاً بثورات الربيع العربي. فالمثقف مسؤولاً عن الدفاع عن الحقوق المشروعة لنفسة ولشعبه الذي هو جزء منه وممثلاً له ومدافعاً باسمه عن الطبقة الضعيفة المغلوبة على أمرها والتي تحتاج الى من يدافع عنها ، لأن المثقف هو من يواجه ظلم وظلامها السلطة بنور الحقيقة. فقد عرف التاريخ الانساني الحديث عدداً من المثقفين الذين انخرطوا بقوة في الدفاع عن قضايا وهموم وتطلعات شعوبهم ، فالتاريخ العربي الحديث على وجه الخصوص كان قد زكر عدد من المثقفين الذين كانت لهم وقفات نضالية وتضحيات في فترة الاستعمار وكذلك في مرحلة الحكم الوطني أمثال الدكتور طه حسين ضد الحكم الانجليزي لبلاده (المعذبون في الارض) وهو عنوان أحد كتبة في تلك الفترة وعبدالله النديم الذي انخرط في الثورة العرابية ضد الانجليز ايضاً ، واللبناي رئيف خوري عندما نبذ الطائفية التي هي أحد أسباب سقوط الدول وتفككها وفناؤها أيضاً ، ولا ننسى الياس مرقص الذي نادى بالعقلانية في السياسة ويالها من دعوة حكيمة فقد غابت هذه العقلانية كثيراً عن ساستنا العرب خاصة دعاة ما يعرف بالاسلام السياسي والآن العقلانية في السياسة دعوة تعيد انتاج نفسها من جديد كما تلاحظون، ولا نغفل الماركسيين في الوطن العربي الذين ساهموا في قيادة حركات التحرر الوطني ، أمثال ميشيل عفلق و وصلاح أحمد ابراهيم وعبد الخالق محجوب ومحمد المكي ابراهيم وأحمد سليمان المحامي ومهدي عامل وجمال عبدالناصر، ومن الأدباء نجد صنع الله ابراهيم وعلويه صبح وجمال الغيطاني وعلاء الاسواني ، وفي القارة السمراء نجد أن هناك عدداً من المثقفين الذى تزعموا حركات التحرر الوطني في بلدانهم ضد الاستعمار البغيض نزكر منهم على سبيل المثال الرئيس والزعيم الافريقي الراحل أحمد سيكوتوري( المثقف الوطني الافريقي) فبالرغم من أنه كان قد تعلم في مدارس الاستعمار الفرنسي وعرف ودرس تاريخ الجمهورية الفرنسية وحياة(جان جاك روسو وجون بول سارتر ونابليون وقرأ أشعار لامارتن وبودلير ومسرح موليير وكتابات الفلسفة السياسية الفرنسية التي ملأت الدنيا بالعديد من المصطلحات السياسية والتي لاتزال تستخدم في الادبيات السياسية في جمبع أنحاء العالم ، ولكنه اي سيكتوري لم يجهل يوماً ثقافته وقيمه وتراثه الافريقي. ومعروف ان القومية تعتمد على الثقافة واللغة وليس العرق ، لأن القومية ليست ايديولوجيا بل هي ثقافة سياسية تشكل الوعي الجمعي كما هو حال الديمقراطية التي هي أساس في المجتمع وليس هوية فالقومية هي مجموعة أفكار وثقافات وعواطف تتفاعل في حدود الدولة القومية ذات السيادة المعترف بها منذ1648م وهو تاريخ توقيع اتفاقية وستفاليا.