* لم أكن أود الحديث عن ما يجري في الجماهيرية العربية الليبية؛ لأن الأحداث ما زالت تتداعى ولم تتبلور بعد، وإن كان مجرد ما حدث وحده يكفي لتناوله خاصة، وأن ليبيا من الدول التي نتأثر بها إن لم أقل إنها قد أثرت بالفعل خاصة في الشأن الدارفوري. * حقيقة لم أعد أعرف الاسم الرسمي لليبيا بعد أن قلبت ظهر المجن للعروبة، ودخل بها القذافي إلى دائرة إفريقيا في محاولة منه لقيادة هذه القارة البكر، ولكنه ظل (يبدع) في مواقفه تجاه كل القضايا المحيطة، حتى الشارع الليبي لم يسلم من إبداعاته فقد قاد تظاهرة شعبية في محاولة لركوب الموجة قبل أن يختفي ليظهر على الفضائيات أمس وهو يحمل شمسية ويقول : أنا موجود بطرابلس وليس فنزويلا, ثم ظهر في المساء ليلقي خطابا معدا بعيدا عن الجماهير الليبية ادعى فيه انه لم يستعمل القوة بعد وأصدر أحكاماً بالإعدام على المتظاهرين وهدد وتوعد واستعدى القبائل ضد بعضها. * ليبيا أيضاً ابتدعت نظاماً أسمته المؤتمرات الشعبية واللجان الثورية ولعل هذا ما حدا ببعض مفكرينا السياسيين في مؤتمر الحوار حول النظام السياسي إلى الاسترشاد بهذه التجربة مربوطة بتجربتنا في مؤتمر الخريجين وربما بتجارب أخرى في العالم. * لم تكن المعضلة في اسم النظام بالعكس فنظام المؤتمرات الشعبية إذا طبق بصورة ديمقراطية سليمة يمكن أن يحقق المشاركة الشعبية والحراك المجتمعي الإيجابي، لكن للأسف كانت المؤتمرات صورية ولم يعد في ليبيا أي صوت يعلو على صوت القذافي الذي هو نفسه لم يعد يعرف ماذا يريد، اللهم إلا حضوره السينمائي تصحبه خيمته ونساؤه الحراس. * أتيحت لي فرصة حضور مؤتمر عام في ليبيا ضمن وفد سوداني يمثل كل ألوان الطيف ولمست بنفسي كيف كنا تحت المراقبة وكيف كانت تفتش حقائبنا من وراء ظهورنا واستمعت بأذني لهمسات السخرية والضيق وسط الجماهير الليبية المشاركة في المؤتمر العام أثناء إلقاء الزعيم معمر القذافي لخطابه. * لا نقول ذلك نبشاً في الماضي وإنما لكي يعتبر أولو الألباب، خاصة وأن كل الأحزاب التي تصنع من السلطة ولا تبنى مؤسساتها ديمقراطياً من القواعد تكون هشة سرعان ما تتلاشى عند أول اختبار جماهيري. * تجربة الاتحاد الاشتراكي السوداني ليست بعيدة عن الأذهان رغم أنها حاولت إقامة فروع لها وسط الأحياء وفي مواقع العمل، ومع ذلك لم تصمد بعد أن كانت تظن أنها استطاعت القضاء على الأحزاب السياسية. * إن شرط بقاء الأحزاب والتنظيمات السياسية هوارتباطها بقواعدها وفق برنامج عمل سياسي واقتصادي وثقافي وعدلي وأمني يكفل لقواعدها المشاركة في اتخاذ القرار ومحاسبة القيادات وتغييرها ديمقراطياً. * غياب الديمقراطية هو الذي أسقط كل الأنظمة ولن تجدي محاولات الترقيع السياسي وتضليل الجماهير في وقف الحراك المجتمعي الديمقراطي.