في الوقت الذي يعاني فيه السودانيون من أزمة إقتصادية واضحة ،لم تخلُ صالات معرض الخرطوم الدولي العاشر للكتاب من الزوار، فالخرطوم لا تزال تقرأ، ولكن على استحياء، فثمن الكتاب يحتاجه كثيرون لتوفير «صحن» فول وهو الوجبة الشعبية الأولى في البلاد. سعيد ديربيلا مندوب الدار العربية للنشر والتوزيع «القاهرة» يرى أن التنظيم في هذا العام أفضل ،لكن الإقبال ضعيف بعد إنقضاء النصف الأول من أيام المعرض ويقول إن الأسعار مناسبة، غير أن القوى الشرائية ضعيفة نسبة لتدني قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار، ويصف الطلاب بأنهم الأكثر شراء باعتبار أن جناحه يضم كتبا أكاديمية متنوعة. لكن مندوب دار جامعة الخرطوم للنشر، يختلف معه ويقول إنّ الإقبال جيد من كل فئات المجتمع، خاصة الشباب والباحثين ويضيف: «أسعارنا معقولة تبدأ من خمسة جنيهات وهو مبلغ يقارب السعر الرسمي للدولار الواحد ولدينا كتب في جميع مجالات المعرفة» لكنّه يكشف عن ضعف الإعلام، خاصة بالنسبة للبرنامج الثقافي والترفيهي المصاحب. يتفق معه محمد نور الهدى من دار عزة للنشر «وهي دار سودانية» ويقول إن الأسعار تتراوح بين خمسة جنيهات ومائة جنيه، ويرى أن الإقبال ليس في المستوى المطلوب رغم التخفيضات الهائلة «على حد تعبيره»، محمد يقول إن المعرض تراجع كثيرا في هذا العام ويصفه «بالسوداني المصري» لغياب تونس والمغرب والجزائر والأمارات وقطر، ويقول: الناس يريدون الشراء ولكن لديهم أولويات ضاغطة». أما أيمن أحمد عبد الباسط من «دار الكتاب العربي» وهي مشتركة بين القاهرة ودمشق، فيقول إن القارئ السوداني لم يحضر حتى الآن رغم الأسعار التي يصفها بالمعقولة ويدلل على قوله بسعر كتاب «مائة عام من العزلة، رواية للكاتب غابرييل غارثيا ماركيز» والذي يبلغ ثلاثين جنيها بالسوداني وهو ما يعادل كيلو طماطم! ويعزي زميله جمال سيف الدين عزوف الناس عن الشراء لتدني القيمة الشرائية للجنيه السوداني مقابل الدولار ويقول إنهم يحصلون على الدولار من السوق الموازي والذي يصل فيه السعر لقرابة العشرة جنيهات بالعملة المحلية، ويشتكي من ارتفاع تكاليف الشحن والتذاكر والإقامة، سيف يرى أن شباب الخرطوم أصبحوا مشغولين بالواتساب أكثر من الكتاب. «دار السنابل الذهبية» دار نشر تركية تتخذ موقعا جيدا في المعرض وتعرض كل مؤلفات الإمام بديع الزمان سعيد النورسي، لاحظت إقبالا واضحا عليها، وأرجع حسن عبد اللة المسؤول عن الجناح ،ذلك لمنهج رسائل النور الذي قال بأنه يستهدف الشباب وقال إن أسعارهم تبدأ من عشرة جنيهات وهي تقترب من «دولار» بسعر السوق الموازي وتصل الى 80 جنيها، ويتوقع حسن إرتفاع الإقبال في الأيام القادمة. في المركز المصري لتبيسط العلوم وجدت محمد المهدي منهمكا في البيع مع طلاب مدارس إبتدائية، وهو متخصص في الكتاب الإلكتروني وقال إنهم يوفرون أحدث العناوين في تكنلوجيا المعلومات، ووصف الشعب السوداني بأنه يتطلع لمعرفة الجديد وأضاف» نبيع بنفس أسعار مصر، والإقبال معقول إلى حد ما وتعودنا على أنّ السودانيين يتدافعون دائما في آخر أيام المعرض». وتتفق معه أم سلمة علي من مكتبة الأسكندرية المتخصصة في كتاب الأطفال الورقي والإلكتروني، وترى أن الإقبال جيد نوعا ما، لكنها تشتكي من عدم وجود تكييف. من بيروت شاركت الشبكة العربية للإبحاث ويقول مندوبها «محمد سعيد» أنهم يوفرون كتب نوعية عبارة عن دراسات وأبحاث عميقة ويصف الأقبال بالجيد، الدكتور ادريس سالم الحسن، أستاذ سابق في جامعة الخرطوم يقول إن التنظيم جيد والعرض جذاب وهنالك إصدارات جديدة قيمة، لكن الأسعار غالية ويضيف: «قبل ثلاث دورات كان مبلغ ألف جنيه يوفر لك ثلاث كراتين كتب، الآن هذا المبلغ لن يمكنك من شراء عشرة كتب قيّمة.» ويضيف أن الخرطوم لم تتخلّ عن القراءة لكنها تقرأ الآن على استحياء. مدير مكتب صحيفة «الوطن» القطرية في الخرطوم ،الشاعر محمد نجيب محمد علي يرى أن تنظيم البرنامج الثقافي المصاحب شابته ربكة، ولاحظ أن المطبوعات السودانية قليلة، ويعتبر أن الأسعارخرافية، مشيرا إلى أن الخرطوم الآن تكتب ولا تقرأ. البشير سهل جمعة عضو اللجنة العليا للمعرض عدّد ميزات هذه الدورة ومنها إرساء علاقة جيدة مع اتحاد الناشرين العرب لمعالجة الخلل الموجود في صناعة النشر، وطرح أربع جوائز للناشرين الوطنيين، وتثبيت المقهى الثقافي الذي يتيح لقاءات مباشرة بين الكتاب والناشرين والقراء، واعترف بضعف الإعلام، لكنه دافع عن عدم الإقبال قائلا: «الناس يشتكون دائما من إرتفاع الأسعار، و معلوم أن دخل الفرد يقف عائقا أمام كثير من الضروريات، وفي العام الماضي واجهتنا نفس الشكوى ورغم ذلك ارتفعت المبيعات في الأيام الإخيرة لأكثر من 70٪ ولا ننسى أن المؤسسات والجامعات ومراكز الأبحاث تفرد ميزانيات كبيرة لهذا الغرض».