هنالك عبارة متداولة عن أحد مسؤولي السفارة الأمريكيةبالخرطوم مطلع التسعينيات معلقاً علي أُرْجُوزَةً طلابية تقول: (أمريكا وروسيا قد دنا عذابها ) بالقرب من السفارة الأمريكية، بعدما ترجمت له العبارة ، قال ساخراً ( Both at the same time !! ) فالنظام الحاكم انتهج سياسات خرقاء بعقلية طلابية شبابية انفعالية تفتقد الي الخبرة والدراية، فادخلت البلاد في نفق مظلم يصعب الخروج منه، في العديد من المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولعل الشواهد علي ذلك كثيرة من أن تحصي، فحكم البلاد بمنهج اوتوقراطي غيب وجهات نظر الآخرين ، وغيب العلمية والمنطق فأصبح الأسلوب المتبع هو أسلوب التجربة ( المحاولة والخطأ ) كالفأر الذي يجد نفسه في متاهة مصيدة فيقوم بالعديد من المحاولات العشوائية ، ولعل أبلغ دليل علي ذلك ما ساقه المفكر والخبير المبدع – الغير سوداني – صاحب نظرية المثلث الجغرافي ( عبد الرحيم حمدي ) حينما وجم التابعين وصدمهم في برنامج ( حتى تكتمل الصورة ) بالقول : أن الدولة أفلست داخلياً وخارجياً وفشلت في انفاذ البرنامج الاسعافي الثلاثي الذي بدأ خاطئاً وقال : ( البرنامج بدأ بتاع موظفين وبلاموارد ) وأقر بارتفاع معدلات التضخم وجمود سعر الصرف وزيادة المصروفات الحكومية ، والدولة لم تنجح في تطبيق السياسة التقشفية، وأضاف أن الحكومة لاتهتم بالصرف علي القطاعات الحقيقية ، ولم يكتف أو يستح مما يقول بل حمًل الشعب السوداني مسئولية ما أسماه بالانفجار الاستهلاكي، وقال أن النمط الاستهلاكي تغير بشكل كبير حيث صار الشعب يستهلك القمح والسكر والأدوية بشكل كبير مستشهداً بالأعداد الهائلة من الصيدليات واحتوائها علي كميات كبيرة من الأدوية ، وطالب الدولة بالبحث عن موارد جديدة وقال إنها لاتأتي إلا عبر قطاع الانتاج موجهاً بالتوجه للقطاع المالي، وقال لابد من تسخير الحكومة لخدمة الاقتصاد وليس العكس. من يسمع كلام هذا القزم ( حمدي ) يُصدم بقوله المستفز إذ يحمٍل الشعب السوداني مسئولية ما أسماه بالانفجار الاستهلاكي، حتى في مجال الدواء ، أفلا يعلم الضغط المعيشي الرهيب الذي يعيشه الشعب ، ألا يعلم أن بعض الأسر السودانية في الخرطوم وليس في الأطراف لا يجدون ما يقتاتون به ، ألا يعلم أن أسر الموظفين الذين يتقاضون الرواتب – ناهيك عن العاطلون يأكلون وجبة واحدة في اليوم ، ألم يسمع هذا الأجنبي أن الانسان السوداني يعيش في ظروف استثنائية ويئن تحت وطأة الوضع الاقتصادي الذي صنعه هو باتباع سياسة التحرير الاقتصادي الظالمة التي زادت الفقير فقراً ؟ أليس هو من كان يقيم في الهيلتون عندما كان وزيراً للمالية؟ كيف ينتقد نظاماً هو من أرسى أسسه ورسم مسيرته ، كيف نفهم مثل هذه التصريحات الغريبة ، ألا يعلم حمدي أن للشعب السوداني ذاكرة لاتنسى ، ولن يقبل الشعب منه هذه التصريحات الساذجة التي يتبرأ فيها من دوره فيها، ولا مبررات زميله ( حسن أحمد طه ) الذي يقول إن الفشل يعزى للانفاق والصرف علي الأمن والدفاع بسبب الخروقات الأمنية التي حدثت في كردفان، منذ أن اتى هذا النظام وأخذ في تشريد الكفاءات ورفع شعار سياسة التمكين و قام بتصفية المشروعات الانتاجية، وباع مؤسسات الدولة تحت شعار الخصخصة والاصلاح، تردت مرافق الوطن وتقطعت أوصاله ودب فيه الفساد والخراب وأن الانهيار الاقتصادي هذا لم يأت من فراغ.