عقدت هيئة الأممالمتحدة للمرأة جلسة تشاورية مع المنظمات النسوية في السودان يوم أمس الاثنين 7 مارس بفندق السلام روتانا بالخرطوم، وذلك بغرض التشاور حول إستراتيجية الهيئة للعامين القادمين، وإستراتيجية المائة يوم للفترة الانتقالية حتى بدء تنفيذ الإستراتيجية، وقد حضر الجلسة التشاورية عدد كبير من الناشطات والناشطين الذين يمثلون مختلف فئات المجتمع المدني، وبينما رحب الجميع بالهبئة كجسم جديد داخل الأممالمتحدة معني بالعدالة النوعية إلا أن عديدين أبدوا قلقا كبيرا حول انتقال ملف المرأة إلى جسم يعمل فقط بالاتفاق مع الحكومات. وجاءت لحضور الجلسة الخبيرتان السيدة إليزابث لوانجا المديرة الإقليمية لبرنامج الأممالمتحدة للمرأة المقيمة بنيروبي وكذلك السيدة روز روابحيحي من صندوق الأممالمتحدة للمرأة (يونيفيم)، كما شاركت كل من الأستاذة غادة شوقي والأستاذة رباب بلدو والأستاذة فاطمة عبد الكريم (يونفيم- السودان)، وذلك إلى جانب حضور نوعي وكثيف من ناشطات وناشطين داخل منظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، والإعلام، والجامعات. وقُدّمت نبذة عن الجسم الجديد في الأممالمتحدة المعني بتمكين النساء تحت مسمى (هيئة الأممالمتحدة للمرأة) والذي تبناه السيد كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة وتم الإعداد له حتى رأى النور في 1 يناير 2011م. وقالت السيد إليزابث لوانجا إنهم يقيمون الآن تشاورا حول هذا الجسم الجديد في مختلف دول العالم، حيث وضعت خطة عمل لمائة يوم وهنالك تخطيط لعامي 2012-2013م. وقالت إن الجسم الجديد سوف يضم كل الأجسام القديمة داخل الأممالمتحدة التي كانت تعمل في تمكين النساء مباشرة، ويتميز بثلاثة مناشط جديدة لم يكن أي من الأجسام يقوم بها وهي: اختصاص جمع الدعم لمناشط تمكين النساء، والقيام بدعم الشركاء في كل بلد لتنفيذ اتفاقيات الأممالمتحدة، والمحاسبية لوكالات الأممالمتحدة في مدى التزامها تجاه قضايا النساء. وقالت إنهم عبر إجراء التشاور يريدون إحكام الخطة الإستراتيجية، ثم أكدت على أن هناك مفهوم جديد في الجسم الجديد يختلف عن طريقة عمل اليونيفيم في الماضي حيث كان يقوم بالاتفاق مع المنظمات مباشرة، ولكن في الوضع الجديد فإن أي اتفاق أو برنامج يتم التخطيط له والموافقة عليه والتوقيع عليه من قبل الحكومة المعنية في أي بلد. وقالت بالنسبة للسودان كمثال “لن يكون هناك اتفاق مع أي شخص أو جهة بدون مشاركة حكومة السودان” وأضافت: “وهذه النقطة فهمها هام للغاية، فالشراكة ثلاثية بين هيئة الأممالمتحدة للمرأة وبين الحكومة والمجتمع المدني”. وقدمت الأستاذة غادة شوقي من يونفبا- السودان عرضا حول “الخطة الإستراتيجية لهيئة الأممالمتحدة للمرأة” ذكرت فيها أن هذه الهيئة ضمت أربع مؤسسات سابقة في الأممالمتحدة وهي صندوق الأممالمتحدة الإنمائي للمرأة اليونفيم والمستشار الخاص المعني بقضايا النوع الاجتماعي والنهوض بالمرأة، والمعهد الدولي للبحوث والتدريب للنهوض بالمرأة. وفيما يتعلق بالتفويض الخاص لهيئة الأممالمتحدة للمرأة ذكرت أن الهيئة تقدم المساعدة والدعم الفني للدول الأعضاء “بناء على طلبها” وذكرت قلقها من هذه الفكرة مقارنة بما كانت تصنعه يونيفيم في الماضي حيث “كنا صندوقا يقوم بالتخطيط بدون طلب أحد” وذكرت ضرورة المحافظة على الدعم للمجتمع المدني، وقالت تعليقا على حقيقة أن الهيئة تسترشد في أداء رسالتها بالاتفاقيات الدولية والإقليمية ومنها سيداو وتوصيات منبر بكين وقرار مجلس الأمن 1325 وأهداف الألفية وغيرها إن السودان لم يوقع على سيداو، ووقع ولكنه لم يصادق على البروتوكول الأفريقي للمرأة. وشرحت غادة التطور الذي حدث بإنشاء الهيئة في عمل تمكين المرأة عالميا حيث لم يكن الصندوق (يونيفيم) تابعا للجمعية العامة للأمم المتحدة ولكن الهيئة جزء من تلك المنظومة وهناك مساعد أمين عام خاص بالهيئة مما يجعل الهيئة جزءا من آليات اتخاذ القرار في الأممالمتحدة وهذا شيء إيجابي جدا، ولكنها استدركت بأن ذلك أيضا قد “يوقعنا في مجال صراعات الدول في العالم”. وحينما فتح الباب للنقاش بدأت الدكتورة مريم الصادق المهدي (الأمينة العام لمنبر النساء السودانيات من أجل دارفور والذي حظر نشاطه مؤخرا بحسبها) والقيادية المعروفة بحزب الأمة القومي، وقالت إن ما تم عرضه من مزيد اتجاه لحضن الحكومات يدعو للقلق، فالأممالمتحدة يجب أن تتيح مكانا للشعوب أكثر بدلا عن التركيز الأكبر على الدول والحكومات. وقالت إن العالم الأفريقي العربي فيه مشكلة في العلاقة بين الشعوب وحكوماتها، وبلدنا السودان يشهد حالة خصوصية أكثر ومتردية للغاية فيما يتعلق بالاعتراف بحقوق النساء العالمية، وحتى الدول التي تعلن مثله مشاريع دينية مثل السعودية وإيران فإنها على الأقل تعترف بآليات الأممالمتحدة مثل سيداو والقرار 1325، وقالت إن في السودان أزمة حكومة ودولة تجاه المرأة، وإن النساء هن اللائي يقدن العمل والفكر من أجل تمكين النساء وبالتالي أن التحدي هو أنه طالما هناك جسم جديد يتم تكوينه في الأممالمتحدة فعليها أن تغير نظرتها فيما يتعلق بكيفية تحقيق حقوق النساء. فما قالوا به من ضرورة الانطلاق من التفاهم مع حكوماتنا غير صحيح. وقالت في السودان فإن قرار الأممالمتحدة 1325 يتم التنكر للتعامل معه لاحتوائه على مسألة الاغتصاب أثناء النزاعات والآن الانتهاك الأساسي للمرأة في دارفور بينما حكومتنا تنكر أن هناك انتهاكات في دارفور، وحينما حدث اغتصاب من قبل قوى الأمن لناشطة في وسط الخرطوم فإن الأمن بدلا عن فتح تحقيق في الأمر فتح بلاغا ضدها بأنها أشانت سمعته! وقالت الأستاذة عواطف الخمجان إن مريم قد “وضعت يدها في المكان الحساس” وذكرت إن هذه الحكومة تنظر لمفاهيم تمكين النساء بطريقة غير صحيحة وتتعامل مع اموال المانحين بشكل غير مسئول وقالت إن هناك اموال جاءت لهذا الغرض ولكنها “وظفت للزواج الجماعي عبر اتحاد المرأة” وتساءلت باستنكار: لماذا منفذنا يكون نافذة الدولة مؤكدة أن منظمات المجتمع المدني لا تجد منفذا للعمل إلا إذا كانت موالية للدولة. وقالت الأستاذة سارة نقد الله رئيسة المكتب السياسي لحزب الأمة ووكيلة الجامعة الأهلية أن الأممالمتحدة عليها أن تتعظ بتجاربها السابقة في توصيل مساعداتها للشعوب وتتلافى الإخفاقات السابقة. وقالت بضرورة الاتفاق على الإطار المفاهيمي في دعم وتمكين النساء وهذا سيدخلنا مباشرة في مواجهة مع الدول التي لا توافق على مرجعيات التمكين كسيداو وال1325. وفي نهاية الجلسة التشاورية انقسم الحضور إلى أربعة مجموعات لنقاش التغيير النسبي أو العمل الذي ينبغي لهيئة المرأة القيام به، والتغيير أو النتائج المطلوبة بدءا بالأولويات والعمل المطلوب إزاء المتغيرات والمقترحات، ثم كيفية إرساء المحاسبة داخل منظمات الأممالمتحدة لضمان التزام الجميع بتمكين النساء، وأخير الدور التنسيقي الذي تقوم به الهيئة داخل الأم المتحدة وما يمكن أن تضيفه في السودان. وقالت السيدة إليزابث لوانجا إنها تتفهم القلق الكبير من المشاركين بسبب الشراكة الأصيلة بين الهيئة وبين الحكومة وتخوفهم من أن الهيئة ستكون بجانب الحكومة وستترك قضايا النساء، وقالت على العكس من ذلك فإن الهيئة ستكون مركزة على قضايا النساء وتمكينهن وقالت: على السودانيين أن ينظموا أنفسهم ويسعوا لخلق الشراكة الثلاثية بينهم وبين الهيئة والحكومة. شارحة بأن الأممالمتحدة “هي منظمة حكومات بطبيعتها”. ولدى سؤال (حريات) لها حول الطريقة التي اختيرت بها الدول لإجراء الاستشارات قالت لوانجا إن الاستشارات عقدت في ثمانين دولة هي الدول التي توجد بها مكاتب ليونيفيم. وقالت إن هذه المكاتب ستتحول مباشرة إلى مكاتب لهيئة الأممالمتحدة للمرأة، وبخصوص الدول التي لم تكن بها مكاتب يونيفيم فإن الأممالمتحدة سوف تسعى لإنشاء تلك المكاتب ولكن ذلك سوف يأخذ وقتا. وتعليقا كذلك على سؤال (حريات) حول آلية اختيار الدول الأعضاء في إدارة الهيئة وهم 40 دولة، وكيف يمكن لدولة مثل المملكة العربية السعودية بسجلها المخزي في حقوق النساء أن تكون عضوة في هذه الإدارة وعما إذا كان ذلك يتناقض مع مبدأ المحاسبية لمنظمات الأممالمتحدة وبالتالي المحاسبية للدول الأعضاء حول سجلهم في تمكين النساء، قالت لوانجا إن اختيار الأعضاء يكون بالانتخاب و”هذه هي الديمقراطية”، وقالت إنها لا تجد علاقة بين مبدأ المحاسبية المتخذ وبين آلية اختيار الدول فهذه مسألة تلعب فيها اللوبيهات والعلاقات بين الأمم ومدى إقناعهم للآخرين للتصويت لهم، وإن الأممالمتحدة ضد الأقصاء لأي بلد وكل الدعاوى حول بلد أو آخر لا يمكن إثباتها، ولكن الديمقراطية هي الحاسمة. وكانت الأممالمتحدة قد بذلت جهدا ضخما منذ العام 2006م في التحضير لهذا الجسم المنوط به الارتقاء بحقوق النساء في العالم والعمل على تمكينهن، وكان التنافس في الانتخابات حول إدارة الهيئة مستعرا بين إيران والسعودية وحسم لصالح الأخيرة عبر مجهودات حثيثة للولايات المتحدة ضد إيران، ففازت السعودية بالمقعد الذي بحسب ناشطة إيرانية لا يستحقه أحد منهما ولكن إيران أفضل، مستشهدة بتمثيل الدولتين في منافسات رياضية تجري في الصين كان فيها فريق السعودية خاليا من النساء تماما بينما وجدت في فريق إيران 92 سيدة، وقالت الناشطة الإيرانية بحسب موقع إلكتروني إن انتخاب السعودية عضوا في هذا الجسم يعد نكتة محزنة! .