"اليونيسف" تدين مقتل 11 طفلاً في هجوم الدعم السريع على مسجد الفاشر    ديمبلي يتوج بالكرة الذهبية لعام 2025    تكليف مجلس تسيير لاتحاد الالعاب المصغرة الوليد بكسلا    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاتنين سودانيتين يثرن ضجة إسفيرية غير مسبوقة ويتبادلن "القبلات" الساخنة بطريقة مثيرة على الهواء والغضب يجتاح مواقع التواصل    *الجاموس.. كشف ضعاف النفوس..!!    ثنائي الهجوم الأحمر يصل رواندا    قيادة الجيش بالفاشر: الأوضاع تحت السيطرة    جنوب السودان..تفاصيل مثيرة في محاكمة رياك مشار    كامل إدريس إلى الولايات المتحدة الأمريكية    القوز يعود للتسجيلات ويضم هداف الدلنج ونجم التحرير    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة ترد على التيكتوكر المثيرة للجدل "جوجو": (شالت الكرش وعملت مؤخرة ورا ورا ويشهد الله بتلبس البناطلين المحذقة بالفازلين)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة ترد على التيكتوكر المثيرة للجدل "جوجو": (شالت الكرش وعملت مؤخرة ورا ورا ويشهد الله بتلبس البناطلين المحذقة بالفازلين)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    الهلال والجاموس يتعادلان سلبيا والزمالة يخسر من ديكيداها    اللجنة المالية برئاسة د. جبريل إبراهيم تطمئن على سير تمويل مطلوبات العودة لولاية الخرطوم    شاهد بالفيديو.. ظهر وهو يردد معها إحدى أغنياتها عندما كان طفل.. أحد اكتشافات الفنانة هدى عربي يبهر المتابعين بصوته الجميل بعد أن أصبح شاب والسلطانة تعلق    من سيحصد الكرة الذهبية 2025؟    كندا وأستراليا وبريطانيا تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستنفر    ترمب .. منعت نشوب حرب بين مصر و إثيوبيا بسبب سد النهضة الإثيوبي    وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم    "رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كادقلي بين الضحكة والبارود (2)
نشر في حريات يوم 16 - 10 - 2014


يحيي فصل الله
منمنمات
لا زالت النوافذ مفتوحة بيني وبين أستاذي الزاكي جمعة يوسف الذي كان أستاذ لمادة التاريخ بمدرسة كادقلي الثانوية العليا (تلو) عبر رسالته الحميمة ، أرسلها لي من سلطنة عمان حيث يعمل هناك في مجاله كمدير مدرسة إعدادية ، يقول الأستاذ الزاكي :- (( عشت يا يحيي أجمل أيام العمر و قد كانت مدرسة كادقلي الثانوية متميزة في كل شئ بداية بطلابها ، فقد كانت علي أيامنا دائما من مدارس قائمة الشرف – العشرة الاوائل – و لا اذكر ان طالبا رسب في الشهادة في مادة التاريخ التي كنت أدرسها وهذا هو الحال مع معظم المواد و لا زلت أذكر أن شابا إسمه ( محمد الحسن الامين) – فهو قطعا ليس ذلك الشاب الذي ولاه أهل الإنقاذ أمر اهل كردفان ، اقول أذكر أن هذا الطالب ( محمد الحسن الامين) من كادقلي الثانوية أحرز95 في مادة التاريخ و غيره كثيرون كانوا من الطلاب المتفوقين في المواد المختلفة ، كان في مدرسة كادقلي طلاب و منهم (يحيي فضل الله) يمكن أن يحدثوك وهم بعد طلاب صغار عن لوركا و بيكاسو والديالكتيك و عن جيفارا و الموناليزا و رسالة الغفران و الكوميديا الالهية و اليوتوبيا و منهم من قرأ سلامة موسي و خالد محمد خالد و تولستوي و فكتور هيجو ، في نفس الوقت يمكن أن يحدثوك عن البيتلز و المارجوانا و سياسة التمييز العنصري ، كنا نحاورهم في كل شئ وكانوا يحاوروننا بمستوي راق و لا أنسي حصة تحدثت فيها عن السلطان عبد الحميد و جمال عبدالناصر من وجهة نظري طبعا ، فأغضب حديثي طالبين من الاخوان المسلمين هما ( احمد عبد الواحد) و (موسي علي سليمان) و قد كانا طالبين مؤدبين رغم انهما من جماعة الهوس و لكنهما كانا يعاملاننا بإحترام و تقدير كبيرين ، كنا في كل دفعة ندخل الي كلية الطب ما بين5- 7 طلاب وهم الان من خيرة اطباء السودان ، ثم كانت كادقلي عظيمة في معلميها فقد عاصرت فيها خيرة المعلمين و المفكرين ، في موقع مساعد المحافظ للتعليم كان أستاذنا ( أحمد إسماعيل النضيف) و بعده أستاذي (حسن حامد مهدي) فقد علمانا كيف نكون معلمين و كفي و في المدرسة عملت مع مديرين اولهما أستاذنا ( حران) ، كان رجلا هادئا تخصص في مادة الرياضيات في مصر و درس اللغة الفرنسية كذلك ، كان يكره الكلام في السياسة – يقال ان ذلك كان لتجارب سابقة – كان يميل دائما الي الحياد و علي المستوي الإداري يحكي عنه كان يقال دائما ان تقريره السنوي الذي يكتبه عن المعلم لن يفهم المسئولين عنه انه لصالحك او ضدك ولكنهم سيمنحونك علاوتك السنوية ، كان طيب القلب ، عفيف اللسان ، يحكي النكتة لمن يحبهم و يثق فيهم من المعلمين و كان يكره نوع المعلمين الذين كنا نسميهم (المولانات) ، كان ( حران) جزء لا يتجزأ من ( تلو) ، يقضي فيها حتي إجازته الصيفية و لا يذهب الي اهله في الخرطوم وكان له إبن اسمه (إقبال) ، اذكر انه في اول ايام الإجازة ، عندما تخلو المدرسة و يسافر جميع الطلاب من الداخليات ، كان ينظر الي المدرسة و يقول :- ( لا بنريدهم و لا بنحمل بلاهم ) – يقصد الطلاب – ، كانت ايامه غالبا ماتشهد اضرابات بسبب النقص في المعلمين فقد كانت كادقلي بعيدة و لم تكن المواصلات ميسرة بسبب الامطار و عدم سفلتة الطريق ، ألم تسمع بتلك المعلمة التي أخبرها المسئولون بوزارة التربية بالخرطوم بانها منقولة الي كادقلي فردت علي محدثها في شكل سؤال قائلة :- ( ك…….. إيه ؟ )…… ))
أستاذي الزاكي
أحتاج ان أشرح عن كيف ان رسالتك الحميمة قد حرضت ذاكرتي و جعلتني أستدعي الكثير من التفاصيل التي تمكنني من ان أتداخل معك عن طريق أسلوب المقاطعة _ يقولون إنني أحب المقاطعة دائما وهذا ربما من عيوبي – لذلك أجدني أنحاز الي التدفق التلقائي في رسالتك هذي دون ان أقاطعها او اتداخل معها محافظا علي إيقاعها السلس و أترك هذه الرغبة مؤجلة الي حين و أعود الي رسالتك
(( و عملت فيها – مدرسة كادقلي الثانوية العليا (تلو) مع مدير أخر هو الشيخ (محمد ونسي محمد خير) وهو بقاري مسيري و هو بقدر ما كان طيبا كمسيري ولكن ( الكوز) الذي داخله كان دائما ما يشده الي مواطن الخلاف و التشنج و الهوس واذكر أنك في إستراحتك بعنوان ( أنا شخصيا) أشرت الي ان ( ونسي) و الاستاذ(فضل الله ) كانا يميلان الي الاخوان المسلمين او الجبهة ، هما يا صديقي لا يميلان بل ينبطحان تماما و ما اكثر إنبطاح هذه الجماعة كما تعلم ولك ان تعلم ان (ونسي) كان في جامعة افريقيا العالمية بدرجة وزير وكان ابنه (احمد ونسي) نائب والي و وزير الشئون الاجتماعية ببحر الغزال ، اما(فضل الله التوم البيه) فقد كان بدرجة وزير بمجلس ولاية غرب كردفان مع الدكتور (بشيرادم رحمة) الوالي ، اما حكاية الإنبطاح فيحكي ان عمنا الناظر ( بابو نمر) – الف رحمة ونور عليه – إلتقي ( جعفر نميري) و كانت تربطه به صلة قوية ، و(نميري) طبعا في أول عهده حل كل شئ و صادر كل شئ و أمم كل شئ ، ثم عاد و أعاد معظم المصادرات و الاشياء المؤممة التي فعلها علي قاعدة ( إن الثورة تراجع و لا تتراجع) ، تلك كانت ( مايو ) ، جاءتنا الان (يونيو) فهي تتراجع و لا تراجع ، يا للمصيبة ، المهم عمنا (بابو نمر) إلتقي ( جعفر نميري) بعد ان ألغي قرارات التأميم و المصادرة وقال له :- ( يا جعفر انت كلو زول في السودان ده صارعتو و رميتو ولكن قم منو إلا نحنا الادارة الاهلية دول صارعتنا و رميتنا ولكن إنبطح فينا بطحة واحدة لكن ما قم كلو كلو ) و طبعا (نميري) لم يرجع الادارة الاهلية و ظل منبطحا عليها الا ان راح مع (شليل) ، أقول (فضل الله التوم) و (ونسي) كانا جبهة و أخوان مسلمين خمسة نجوم و لهذا لم نسمح لشرهما – التزمت و التشنج والهوس- ان يتمدد في مدرسة كادقلي الثانوية ، فكانت (تلو) منارة و كانت بوتقة تشع النور حولها فتضئ كل جبال النوبة و كانت رسالة التنوير التي تقودها (تلو) مشتعلة متقدة متعددة الجوانب كإنسان الجبال فأنجبت أبناء متعددي المواهب و يكفي (تلو) فخرا انها أخرجت أمثالك ، قال لي أحدهم :- ( في واحد اسمو يحيي فضل الله كتب عنك أكثرمن مرة في جريدة الخرطوم ، من هو هذا؟ ) ،قلت له :- ( ألست من يقرأون الخرطوم بإنتظام ؟ ، اجاب :- ( نعم ) ، قلت :- (الم تسمع عنه في الخرطوم الثقافي او السياسي او حتي في الاستراحة ؟) ، أجاب :- ( لا ) ، قلت :- ( الا تعرف بعض المسرحيين و المخرجين السودانيين ؟ ) ، أجاب :- ( نعم ) ، قلت :- ( الم تسمع بواحد منه اسمه يحيي فضل الله ؟ ) ، أجاب :- (لا ) ، قلت :- ( أتعرف الشعر و الغناء ، أسمعت بالفنان الموهوب مصطفي يسد احمد ؟ ) ، أجاب :- (نعم ) ، قلت :- ( ألم تسمع بان من الذين يكتبون له الشعر الغنائي يحيي فضل الله ؟ ) ، أجاب :- (لا ) ، قلت له :- ( يا اخي انك اذن لم تسمع ولم تعرف شيئا مفيدا حتي جريدة الخرطوم نفسها ، ولكني أقول لك إن يحيي فضل الله هذا تلميذي و هو من نوع التلاميذ الذين يفخر المعلم بهم و يتباهي ) ، أعود الي (ونسي) و (فضل الله) اللذين كانا من الاخوان المسلمين الناشطين و لكنا كنا نبطل مفعولهما بإستمرار و كانا بعكس الاستاذ (بشير عبدالواحد) الذي كان يدرس اللغة الفرنسية قبل مجئ صديقي ( احمد حسن عبد القيوم) و صديقي (راجي الله أدم) فقد كان(بشير عبدالواحد) هادئا و مهذبا ولكنه جبهة ، و في كادقلي عملت مع أستاذي ( بشير أدم ) المشهور ب(بشير تي)-T – نسبة الي الشلوخ ال ( T) علي خديه و قد درسنا في ( خورطقت ) الثانوية و وجدناه في كادقلي نائبا للناظر و بسبب الوجود الكثيف لخريجي ( خورطقت) من معلمي مدرسة كادقلي أصر (بشير أدم ) علي انه لن يدرس ال6 حصص التي كان يدرسها كنائب ناظر بحجة انه لا يمكن ان يدرس و بالمدرسة هذا الكم الهائل من تلاميذه المعلمين ، فهناك (علي عبدالواحد ) في العلوم و (فضل الله التوم ) في الانجليزي و (الزاكي جمعة) في التاريخ و (الجيلي عمر بلل) في الجغرافيا و( بشير محمدعلي) و(ابو البشر محمدين) في الفنون (بشير عبدالواحد) و ( احمد حسين) في الفرنساوي ، فكان للاستاذ (بشير) ما أراد و كنا جميعا نعامله كما يعامل التلاميذ وله الحق في ان يأمرنا مستعملا عبارة ( يا ولد ) بإي اوامر كمعلم لنا طبعا و ليس كنائب ناظر فقد كنا و مازلنا نكره أوامر الرؤساء.
و في كادقلي كان الشيخ (عباس ابراهيم) مدرس الدين وهو رجل طيب جدا وبرئ و من ناس (رشاد) او ( العباسية تقلي) و كان رجلا محبوبا و بسيطا جدا وفي كادقلي كان الاستاذ (بشير محمد علي) وهو استاذ التربية الفنية و بالمناسبة ورد أسمه في المفكرة و هو رجل طيب و بسيط ومن تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه و هو مشهور باسم (بشير جريشة) و يحكي ان (بشير) هذا عندما كان ممتحنا للشهادة الثانوية في العام1966م في مادة الفنون كان ضمن الموضوعات سؤال عن يوم الحشر – يوم القيامة يعني – ولان الذي وضع السؤال لابد ان يكون مجنونا فان أخانا (بشير) كرفس الورقة تماما ثم مطها و خلط كل ما لديه من الوان في خلطة واحدة و رشها عليها ثم سلم الورقة فكانت النتيجة ان احرز (بشير) Distenction One و دخل كلية الفنون الجميلة ، بربك يا يحيي من هو الفنان ، (بشير ) ام الذي أعطاه الامتياز ؟، ومن هو الذي يستحق الشبال ؟
وفي كادقلي كان استاذي ( حسن احمد البلاع) استاذ مادة اللغة الانجليزية المشهور و هو من أسرة كبيرة من ناس (النهود) و بالمناسبة هو (حسن) وليس (عبدالرحمن) كما ورد خطأ في مفكرتك ، (عبدالرحمن) هو شقيقه و هو العقيد الذي إبتلعته حرب الجنوب وقد إشتهر بين ضباط الجيش بالشجاعة و دقة التصويب و ان إردت اسال عن ذلك الاخ ( دليل) المتخصص في شئون الجيش السوداني في جريدة (الخرطوم) ، و لا انسي موقف الاستاذ (حسن البلاع) في العام 1978م عندما اضرب الطلاب بحجة ان المعلمين توقفوا عن تدريس الحصص الزائدة عن الحد الاقصي المحدد لكل معلم و كان المعنيان بالامر انا وصديقي (احمد حسين ) معلم الفرنساوي فاستدعي المدير ( ونسي ) الامن و جاء السيد المحافظ حينها السيد( محمود حسيب) رحمه الله ، اذكر ان (البلاع) واجه (ونسي محمد خير) امام المحافظ عندما أفاد (ونسي) بان (الزاكي) و (احمد حسين) توقفا عن التدريس فقال له :- ( القرار هو قرار هيئة التدريس و ليس قرار الزاكي و احمد حسين وما عليهما الا التنفيذ ) و برغم ذلك جعلنا ( ونسي) نزور صديقنا (جلال تاور) زميل الدراسة في (خورطقت) – ولكن ماكان احد يتمني زيارته و بقينا في ضيافة (جلال) الي ان أتت الصدفة بالاخ المستشار (عبدالله احمد المهدي) فاطلق سراحنا .
في كادقلي الثانوية كان (علي محمد عبدالواحد) معلم مادة الاحياء الممتار و الرجل الطيب وهو من أهلنا (الكواهلة) من (كالوقي)، ود ريف يمتاز بالشجاعة و الكرم و الإيثار و كان مكان إحترام الطلاب دائما لطيبته وحسن خلقة وتجويد عمله ، كان في كادقلي الاخ الاستاذ ( حياتي الطيب عبدالقادر) في شعبة العلوم و (حياتي) كان المسئولون بالوزارة كثيرا ما يعتقدون انه بنت نسبة لاسمه وكذا الحال مع الاستاذ (معالي) وكان (حياتي) معلما ممتازا وشجاعا جدا في قول الحق و كانت له صولات وجولات مع شيخ (ونسي)، كنا نسكن في (حي السوق) في منزل السيد (مصطفي ابو حسنين) شخصي و (احمد حسين) و (حياتي) و (راجي الله ادم) و كان إيجار المنزل 50 جنيها و كنا ندفع منها فقط 7.5 و تدفع الحكومة ما تبقي من المبلغ حسب قانون الإيجارات للموظفين في ذلك الوقت ، كانت كادقلي في ذلك الزمان هي مدينة الموظفين و كان سوقها العامر يتوفر فيه كل شئ و كان الشئ الوحيد المعدوم في كادقلي هو السلاح فقد كانت خالية تماما منه و كانت مدينة آمنة تماما و مسالمة تماما تفعل فيها ما تشاء ، لا احد يسألك و من يريد ان يتأكد من صحة كلامي فليسأل شخص أسمه (توتو كورو) ، هل سأله احد يوما و قال له لماذا لا تلبس ملابس؟ ، قلت إنها مدينة للموظفين و قد كنت و الصديق (احمد حسين) و برغم اننا معلمون و لكنا كنا مرتبطين تماما بالموظفين في المدينة خاصة مجموعة الضباط الاداريين التي كان شيخها المفتش (علي ماقيت) و هذا المجموعة كان أجمل ما فيها صديقنا (الطيب عبدالله) الشهير ب(الطيب شريعة) ثم (عبدالعزيزبركات) و ( محمد عثمان المقبول) و غيرهم وكانت كادقلي تمتازبمجموعة متجانسة و راقية جدا من الموظفين و علي ذكر الاخ (الطيب شريعة) فقد جمعني به نادي (المريخ) ، طبعا لا يذكر نادي المريخ إلا و يذكر الاخ (العاقب التوم) مدير الهاتف فقد كان سكرتيرا للنادي و كنت نائبا له و لا ينسي المتحدث عن مريخ كادقلي عمنا (كاكدله كوه) الذي كان امينا للخزينة و لا انسي اولاد (حجر المك) ناس (زكريا) و (حمري) و غيرهم وعلي ذكر الاندية فهناك النادي( الاهلي) سيد الاتيام و انصاره من الجلابة ناس (حي السوق) (آل مدني) و (سنجك) و اولاد (عمر الخليفة) بقيادة أخونا ( الريح) و شقيقه (حجير) و (بكري) و اولاد (عبدالحفيظ) (عروة ) واخوته( ذوالنون) و (انس) وعمنا (عبدالرحمن ابو البشر ) و ناس (الهلال) في (كليمو) اولاد (سعد) و ناس (جيمس) و اهل (الموردة) و(التلال) و (الجبال) و غيرها .
كادقلي يا اخي جزء غال و عزيز من العمر عشت ايامنا فيها كاملة طولا و عرضا و كانت المدينة فيها مستوي من الرخاء يصل الي درجة الترف ، فما كان يخلو اسبوع الا و شهد ميزنا خروفا مذبوحا و قد تكون المناسبة ان احد اعضاء الميز حلق شعره مثلا وقد كان كل شئ ميسورا و رخيصا ألا الانسان فقد كان غاليا و محترما و حرا و لا ادري كلما اذكر كادقلي اتذكر اغنية سمعتها لمرة واحدة من شاب اسمه ( الباقر أبتر ) ، كان في إجازة مع أهله في (حي السوق) ، يغني ذلك الانسان بصوت شجي و يملك مقدرة علي التطريب عجيبة ، يحكي في تلك الاغنية حبه لكادقلي و عن نيم كادقلي البارد الظل ، تلك ايام لا تنسي يا اخي يحيي و ستبقي في الذاكرة و الوجدان و عبر الشرايين و الاوردة فقد كانت كلها بلون الحليب .
في العام 1978م نقلت الي (الابيض) حسب رغبة شمال كردفان الذين كانوا يودون نقلي الي (خور طقت) التي كان التفكير في ان تكون مدرسة نموذجية ، جئت الي (الابيض) ولكني رفضت الذهاب الي (خورطقت) فنقلت الي مدرسة (إسماعيل الولي) و كانت المفاجاة ان نقل بعدي بشهر الي نفس المدرسة الشيخ ( ونسي محمد خير) و لكنه كان هذه المرة شخصا أخر و ذلك حديث يطول لا علاقة لك به .
ثم طاف علي كادقلي زمان حزن فيه كل الناس و تخرب كل شئ فيها حين تخرب كل شئ في السودان عندما طاف علي بلادنا اناس سموا انفسهم زورا ( إنقاذ وطني) و ما هم كذلك ، و منذ ذلك الوقت خرجت كادقلي و لم تعد حتي الان و لكنها أخي يحيي حتما ستعود و العود احمد
وختاما
أخي العزيز الشكر كله لك لانك حركت في رغبة الكتابة فكان هذا السفر الذي بين يديك و الشكر كله لك لانك ذكرتني بالخير في مفكرتك في جريدة (الخرطوم) فشعرت بان اناسا في الدنيا في قامتك يذكروننا و نحن متفرقين ايدي سبأ في المنافي و خلف الموانئ نبحث عن لحظة ان نكون و ارجو ان تعذريني علي اني كتبت لك أطول رسالة اكتبها
و الي الملتقي لك كل تقديري
اخوك
الزاكي جمعة يوسف ))
استاذي الزاكي
كل كلمة في رسالتك تحيلني الي كتلة من الشجن و الحنين ، رسالتك جعلتني اتحسس موقعي من هذا العالم المرتبك بفعل وجودنا في اماكن غير تلك التي ألفناها و تألفت مع احلامنا التي تعلن تحالفها مع الحياة .
و لا تزال النوافذ مفتوح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.