د. فيصل عوض حسن شهدت الساحة السودانية مُؤخَّراً جدلاً كثيفاً وواسعاً حول أكثر من موضوع، بدايةً بزيارة القاهرة المُخزية والمعيبة، مروراً بما أُطلق عليه المُؤتمر العام وما جرى فيه من صرف بذخي، انتهاءً بتمثيلية إعادة انتخاب الهارب من العدالة الدولية رئيساً للبلاد، وما تبع ذلك من تداعيات وحوارات على أنَّ الموضوع الذي وجد مساحةً أكبر من الجدل والاهتمام (غير المبررين)، كان تمثيلية العصابة بشأن الانتخابات، وافتعال خصومات (ظاهرية) لمزيد من الحبكة، والتفاعل الكبير الذي وجده هذا العبث على صعيد الشعب أو القوى السياسية! ما أدهشني هو إنشغال غالبية السودانيين بعبث المُؤتمرجية الذي مارسوه في ما أطلقوا عليه مُؤتمرهم العام، ومُناقشاتهم (أي السودانيين) الكثيفة بشأن الانتخابات، سواء العامة أو مُمثِّل العصابة الحاكمة فيها، وهو أمرٌ مُدهش و(مُخل) ومعيبٌ أيضاً. فمُجرد جدل الشعب حول الانتخابات يعني الإقرار (ضمناً) و(صراحةً) بهذه العصابة الحاكمة المتُدثرة باسم المُؤتمر الوطني، وقبولهم بها ككيان شرعي وقانوني يُمكنه من المُنافسة، أو فلنقل الاستمرار في خنق البلاد والعباد. والدهشة الأكبر من سطحية تفكير البعض وفرحتهم بما (أُشيع) في شأن بعض ال(خلافات) التي طرأت بين أفراد هذه العصابة خلال عملية انتخاب ممثلهم للرئاسة، وكأنَّ في هذا الخلاف خلاصٌ للسودان وأهله، وهو ذات العبث الذي ظل يُمارسه هؤلاء المُتأسلمين! وما مُفاصلة 1999 إلا واحدة مما يقع في إطار هذا العبث القبيح! وساذجٌ من يُصدق بأنهم كانوا على خلاف أو تنافُس، فهو سيناريو تمَّ تخطيطه وتنفيذه لإطالة أمدهم في تدمير البلاد والعباد! حتَّى لو سلَّمنا أنَّ ثمَّة خلاف بينهم – من باب الافتراض – أيضاً لا يوجد مبرر لفرحنا بعودة الترابي وجماعته على حساب آخرين، فالترابي كان ولا يزال لاعباً محورياً ومركزياً في غالبية الجرائم التي ارتكبتها هذه العصابة في حق السودان وأهله، بل وإنَّ أقسى صور وأنواع البَطش والظلم والتجاوُزات تمَّت حينما كان الترابي مُسيطراً (بشكلٍ رسمي) وليس مُستتر كما يجري الآن. ففي عهده بدأ تدمير البلد أخلاقياً واجتماعياً وثقافياً عبر وزارتي التخطيط الاجتماعي والتربية والتعليم بتغيير السلم التعليمي، وفي عهده أيضاً تمَّت أكبر مجزرة في التاريخ ال(إسلامي) المُعاصر بإعدام أنفس طاهرة (مُسلمة وسودانية) في العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل! وفي عهده تمَّ تشريد المئات بحجة الصالح العام، وفي عهده تم غرس بذرة العُنصرية والجهوية في العمل العام والتفريق بين أبناء البلد الواحد، ووصف القتال الدائر بالجنوب كحرب (مُقدَّسة) ثم أنكرها لاحقاً بشكلٍ قبيح وشائن ومعيب. وفي عهد الترابي، تدهورت العلاقات الخاجية للسودان، بعدما حشد (مقاطيع) العالم هنا تحت مُسمياتهم الهُلامية. وفي عهد الترابي شهد السودان، ولأول مرة في تاريخه، عقوبات دولية! وفي عهد الترابي تمَّ تدمير البُنى التحتية بل الاقتصاد السوداني ككل، تحت مظلة التحرير الاقتصادي (وهو منهم بُراء)، بدءاً بالزراعة وعلى رأسها مشروع الجزيرة بتغيير تركيبته المحصولية (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع)، ولم ينصلح حاله حتَّى الآن. فالتُرابي (إذاً) وتقارُبه الظاهري والمُفتعل (كونه لم يغب أصلاً) من العصابة الحاكمة ليس مدعاةً للفرح والغبطة والسرور الباديين على الغالبية، بمن فيهم القوى السياسية المُختلفة، إنَّما يدعو هذا التقارُب إلى الإصرار أكثر على الإسراع بإزالة هذه العصابة، فهم يعدُّون لمسرحية جديدة يُطيلون بها أمدهم، ومن الغباء تصديق هذا. ومن جهةٍ ثانية، حتَّى لو افترضنا أنَّ ثمة خلاف (فعلي) قد نشب بين أفراد هذه العصابة المُسماة (حزب)، وأنهم قرروا استبدال زعيمهم الحالي بآخر، فإنَّ من السذاجة الاعتقاد بأن الحال سينصلح، فهم يعملون في إطار منظومة واحدة، والبديل (الافتراضي) القادم (إذا سلَّمنا بهذه الفرضية) كان مُشاركاً فعلياً في الجرائم التي تمَّت، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية – معرفية أو حتَّى دينية (باعتبارهم شوهوا الأديان)، ولا يجوز أيضاً الركون إليه أو القبول به. ثمَّ هل تناسى السودانيون ما فعلته هذه المنظومة بالسودان وأهله؟ وهل يعتقد السودانيون أنَّ القادم ال(افتراضي) لقيادة العصابة سيقبل بمُحاسبة ثم مُعاقبة المُتجاوزين من أفراد عصابته التي هو عضوٌ أصيلٌ فيها؟ وإذا كانت الإجابة ب(لا) فلمَ الفرحة والجدل في هذا الموضوع؟! مُشكلتنا نحن السودانيون للأسف الشديد أنَّ ذاكرتنا (ضعيفة)، فكيف ننسى ما فعلوه بالبلد وأهله وننساق دونما تفكير أو تأمُّل خلف ألاعيبهم وعبثهم الخبيث والسخيف؟ لقد تناسى الشعب آلامه وجراحاته التي ما زالت مُلتهبة وأنساق خلف ألاعيب هؤلاء الأبالسة! وسنستعرض فقط بعضاً من جرائم هذه العصابة في حق السودان خلال الشهر الأخير فقط لعلَّ الذكرى تُساهم في تصويب اتجاهات تفكيرنا. ففي غضونٍ شهر واحدٍ فقط، ارتكبت هذه العصابة مجموعة من التجاوُزات منها على سبيل المثال لا الحصر، المُماطلة في حسم صراع المعاليا والرزيقات بدارفور الذي راح ضحيته المئات من الأرواح ال(سودانية) الطاهرة، ثم تلكؤ العصابة الحاكمة في (حَلْ) إضراب المعلمين في ذات الولاية، ثم فضيحة السلاح الذي أرسلته لتأجيج الصراع هناك في قطار الضعين الذي نال بسببه أحد قادتها (أي العصابة) العسكريين هناك أكبر إهانة بعد جلده وتركه بالملابس الداخلية! ثم ارتكبت العصابة الحاكمة أكبر عيب و(عار) عقب تعديهم على فتيات بريئات في داخلية الطالبات خلال أيام العيد، ثم (مَرمَطة) زعيم العصابة في مصر (باسم السودان والسودانيين) وال(تهائه) بنفسه، مُتناسياً إهانته الشخصية واغتصاب أراضي البلد بحلايب وشلاتين وتوغل مصر في حلفا، ثم تصريحه ال(مُنكسر) بأنه لم يسعد بزيارة لمصر من قبل كما سعد بهذه الزيارة! ثم ختموها بالمسرحية العبثية المُسماة مؤتمر عام، تمَّت إقامته وتنظيمه بمليارات الجنيهات، بينما يحيا الشعب أزمة خُبزٍ حادة! ومع هذا تناساها (غالبية) السودانيين في جدلهم ونقاشاتهم، بل وفرحتهم غير المبررة بما جرى ويجري من عبث ومسرحيات (هابطة)! مُحصِّلة القول، يجب أن ينصبَّ تفكير كل السودانيين على هدفٍ واحد فقط، هو إزالة هذه العصابة ومُحاسبتها و(مُعاقبتها) على ما اقترفته أياديها القذرة من جرائم في حق السودان وأهله. ولا تلتفتوا لما يُشيعونه من مخاوف بشأن مصير السودان (عقب) زوالهم، بل العكس فإنَّ الخطر الحقيقي في بقائهم! فمع كل يوم يمُر سيتآكل البلد، سواء بالظلم والقهر والفساد الذي تُمارسه العصابة الحاكمة، أو بتغافلهم عن التهام الآخرين لأراضينا وتعدِّيهم على حدودنا، بل وتنازُل العصابة الحاكمة عن أراضينا حتى في العُمق السوداني بحجة الاستثمار وغيره، وجميعها في المحصلة ليست في صالح البلد ولا أهله، ولا تبُشر بأنهم (أي العصابة الحاكمة) البديل الأفضل. ونُجدد الدعوة لمن ينضوون تحت القوات التي تحمي هذه المنظومة، ناصحين لهم بالوقوف لجانب أهلهم الذين سحقتهم أفعال وجرائم عصابة المُتأسلمين، فقد آن الأوان لإنقاذٍ حقيقي واستعادة الكرامة والابتسامة والعزة لأهلكم، وتذكروا من سبقوكم في مواقعكم هذه وكيف تعاملت معهم العصابة، وهي مواقف سيسجلها لكم التاريخ، ولا تقبلوا بسيطرة مجموعة من الفاسدين والمغامرين وأسرهم على حسابكم وحساب أهلكم. وثقوا بأنَّ من بينكم وبين أفراد شعبنا قادة (حقيقيين) شرفاء ووطنيين بعيداً عن أي حزبية أو جهوية، سيعملون على حفظ السودان بتنوُّع ثقافاته وأعراقه وسيعيدونه سيرته الأولى، فقط أسرعوا لتحقيق الحلم الذي طال انتظاره، بعدما ثبت، وبما لا يدع مجالاً لأدنى شك، أنَّ هؤلاء عبارة عن ثلة مجرمين لا يعنيهم إلا حالهم وحال أسرهم وشهواتهم وأطماعهم التي لا تنتهي.