د. فيصل عوض حسن وفقاً لما أوردته رويترز، تبنَّى رئيس حزب الأمَّة الصادق المهدي طرح فكرة غريبة جداً، تمثلت في تقديم (ضمانات) للمجرم الهارب عمر البشير بعدم (مُلاحقته) من محكمة جرائم الحرب، إذا (تخلَّى) عن السلطة بنحوٍ (سلس) حسب زعمه! مُعرباً عن أمله في قيام أعضاء العصابة الحاكمة ب(حَثْ) رئيسهم على ال(تخلي) عن السلطة! مؤكداً قدرته (رئيس حزب الأمة) على إقناع الجميع، بمُعاملة البشير بنحوٍ (مُختلف) إذا استجاب للحل! مُستشهداً، في ذلك، بالسخط الذي يجده المُجرم الهارب من العدالة الدولية، وتناميه وسط (شباب) ما يُسمَّى المُؤتمر الوطني، وإحباطهم المُتزايد من متشددي الحرس القديم الذين يرفضون إفساح المجال للجيل الجديد! للحقيقة منذ فترة أرغب في الكتابة عن رئيس حزب الأمة وأفعاله التخريبية تجاه أي عمل ثوري ومُعارض لعصابة المُتأسلمين وإفشاله لجهود الجميع في هذا الخصوص، أملاً في أن يعود لرشده أو يرجع عما يقوم به من أدوار قبيحة لا تليق بمن هو في مقامه، أو مقام من ينتمون لمؤسسته الحزبية. ورُبَّما خشيةً مني – وقد يُشاركني في هذا عديدون – من حدوث إنشقاق في قوى المُعارضة واستهلاك جهودها وتشتيت فكرها في معارك انصرافية، وترك هؤلاء المُتأسلمون يعثيون فساداً دون حسمٍ أو توقيف، بما يؤزم من حالة السودان الذي بلغ قاعاً ما بعده قاع. كما وأنَّ البعض لم يكتب عن رئيس حزب الأمة، وفي ذهنه أنَّه كان رئيساً شرعياً (مُنتخباً) للوزراء حينما استولت هذه العصابة على السلطة في يونيو 1989، مما يستدعي احترامه والركون إليه. إلا أنَّه – أي رئيس حزب الأمة – استمرأ سكوت البعض فحسبه مُوافقة على ما يقوم به! وأضحى، في واقع الأمر، جُزءاً أصيلاً من عصابة المُتأسلمين، بعدما وافق على مُشاركتهم الفساد والإفساد! سواء بسماحه لبعض أفراد حزبه بالمُشاركة الدستورية في ما يصفونه بحكومات، أو بأفعاله المُخجلة – للأسف – وقوفاً معها. فرئيس حزب الأمة – للأسف – يتجاهل كل جهود وأنشطة ونضالات التجمُّع الديمقراطي وأحزابه وكياناته، بل وكل جهودٍ ثورية ونضالية ضد الجماعة الحاكمة بصفةٍ عامة، وإفشالها باتفاقاته الثنائية وتخبطاته هنا وهناك، ويكفينا فقط أن ابنه مُساعداً للمُجرم الهارب رغم تبرئه (رئيس حزب الأمة) السخيف من هذه المُساعدة! نقولها لك صريحةً يا رئيس حزب الأمة، شعب السودان لا يوافق على خروج المجرم الهارب (آمناً)، فأنت لست وصياً على هذا الشعب، حتَّى ولو كنت زعيماً لقوى المُعارضة بكاملها ناهيك من رئاسة حزبٍ واحد فيها! فثمَّة أرواح وضحايا أُعتُقلوا وقُتلوا وشُردوا وطُردوا من وظائفهم وقُطعت أرزاقهم، وثمَّة شباب تم تضليلهم في حروبٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل تحت غطاء القُدسية ثم تم التراجُع عنها والتبرؤ منها، وثمَّة أموال نُهِبَتْ وحدود انتُهِكَتْ وتُرِكَتْ أراضينا للغير ليحتلَّها، فما هو مصير من شارك وساهم في كل هذه الجرائم؟ بل وصنعها باحترافية وعن عمد؟ كيف تعفو عن مجرمٍ (آثم) في حق شعبٍ كامل؟! هل فوَّضك الناس لتتحدَّث باسمهم؟ وتُقرر وتبيع وتشتري باسم ضحاياهم وأرواح ذويهم وهم يحيون في شوق انتظاراً لساعة الاقتصاص؟ وهو حقٌ مشروعٌ وقد بدأت نذره في البروز؟ أم هي شراهتك لبريق السلطة وأضوائها منعاك من التفكير في الجراح المُلتهبة والآهات المكتومة للمكلومين والمكتوين بنيران المجرم الهارب ومن شايعه! ألا تعلم يا رئيس حزب الأمة أنَّك بطرحك هذا تدعم تضليل العدالة، وربما (وأدها) في سبيل هدفك، إنْ لم نقل نزواتك الشخصية المُتطلعة دوماً وأبداً للحكم؟ دون اعتبارٍ لأي مبادئ أو قيم أو مُثُلْ! فإذا كنت تدري وتعي حقاً مضامين العدالة، لما تجرَّأت على مجرد التفكير في طرحك هذا، بعدما تعثَّرت حياة السودان وشعبه لربع قرنٍ مضى، شهدنا فيه ما لا يتحمَّله كائناً من مكان، من أصناف الظلم والقهر والاستبداد والفساد والإفساد! لعلَّ ما يُؤكد أنَّ رئيس حزب الأمة لم يفكر وهو يطرح فكرته المُخجلة هذه إلا في ذاته ال(مُولعة) بالحكم، بل ولم يُعمل عقله بالأساس، أنَّه تناسى أين سيذهب هذا المُجرم حتَّى لو تمَّ هذا في إطار مُؤامرة يشترك فيها بعض (مُدَّعي) الوطنية! فالمُجرم الهارب من العدالة الدولية أضحى منبوذاً من الكل (محلياً وإقليمياً ودولياً)، بدايةً بدول الخليج التي يكذب باستعادة علاقاته معها، مروراً بمصر التي كانت ملاذاً لبعض الساسة المخلوعين، انتهاءً بالدول الأفريقية والآسيوية، بما في ذلك الصين وما يندرج في إطارها، كحلفاء مزعومين لنظام الفساد والإفساد مثل ماليزيا وتركيا وغيرها، والتي لن تحتمل الضغط الرهيب الذي يمكن أو تواجهه نظير احتواء أولئك الأنجاس! عن نفسي لم أعد أندهش من تصرفاتك، بعدما وافقت يا رئيس حزب الأمة – رغم إدعائك للشرعية – على تكريم مجرم العدالة الدولية الهارب لشخصك بقطعة قماش وحديدة (فالصو)!! وبقبولك ذلك التكريم ال(مهين) لم تعد مُختلفاً عنهم في الإجرام والبشاعة، فهو يعني – ضمناً – الإقرار بكل ما قاموا ويقومون به من جرائم وتجاوُزات!! والحقيقة التي يجب عليك إدراكها، هي أنَّك لا تملك حق ال(غفران) للمجرم الهارب، بل وأي فرد من أفراد الشعب لا يملك هذا الحق (مُنفرداً)، بعد الذي شهدناه من جرائم المُتأسلمين وتدميرهم للبلد وأهلها، فهي جرائم مُتواصلة لربع قرنٍ من الزمان، فقدنا فيها كل غالي وعزيز! الدعوة نُوجهها لكل الأحرار والشرفاء من أبناء السودان لرفض هذه الفكرة ونبذ صاحبها والتبرؤ منه، وإدراك الدور الخبيث الذي يلعبه لصالح ذاته دون اعتبارٍ للأرواح البريئة التي افتقدناها، ودون التفاتة لما تمَّ نهبه من أموال ومقدرات وعزة وكرامة وكينونة الأمة السودانية، والأمل في الشعب السوداني كبير لاستشعار خطورة التقاء تجار الدين ومغامري السياسة.