دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البروفيسير محمد الامين التوم يوضح فى ورقة علمية عميقة أهمية الرياضيات للتنمية
نشر في حريات يوم 10 - 12 - 2014

لمحة عن عالم الرياضيات المدهش والمجهول وملاحظات عن وضعه في السودان
محمد الامين أحمد التوم
كلية قاردن سيتي للعلوم والتقانة
مقدمة
أُتيحت لي فرصة للمشاركة في أهم وأكبر تظاهرة للرياضيين على مستوى العالم خلال الفترة 13-21 اغسطس من العام الحالي بمدينة سيول، كوريا الجنوبية. وكنت مهموماً بمستوى مشاركة الرياضيين السودانيين، خاصة العاملين في السودان، في هذا الحدث الذي ينظم، تماماً كما في حالة كأس العالم لكرة القدم، مرة كل أربعة سنوات. ولاحظت بألم بالغ أن السودان كان عملياً غائباً تماماً عن هذه التظاهرة. فشارك فيها، إضافة إلى شخصي الضعيف، سوداني آخر يعمل بجامعة السلطان قابوس (وهو د. ياسر دينار).
لم تكن هذه الملاحظة مفاجئة بالنسبة لي. فوضع الرياضيات في السودان يستدعي القلق. أذكر أن عدد العاملين بجامعة الخرطوم من حملة درجة الدكتوراه في الرياضيات عام 1978 كان حوالي 24 من بينهم 5 أجانب فقط (بريطانيان وثلاثة هنود). وبدل أن يتنامى هذا العدد مع مرور الزمن، تضاءل ليصل الى 9! وفي حين ان الرياضيين الأجانب رحلوا جميعاً عنا، واستقر 10 من السودانيين بالخارج ، وتوفى الى رحمة ربه رياضي واحد، إستقر 8 داخل السودان كمعاشيين.
إن الاستثمار في الرياضيات في السودان، والذي بدأ قبل اربعة وخمسين عاماً، قد فشل فشلاً ذريعاً مما يستوجب التأمل في كيفية النهوض بهذا المجال الحيوي.
لقد أوحى إلي مؤتمر سيول ببعض الافكار والملاحظات التى ادعو القارئ لتأملها.
إنه وضع محزن حقاً : فمعظم الأطفال في المدرسة يعانون خلال كل دقيقة من 30-40 دقيقة التي تقدم فيها المادة لهم، بل ويخافونها. إضافة الى ان هذه التجربة تسهم في إقصاء كامن مقدر من الموهبة الرياضية عن دراسة الرياضيات مستقبلا (يفضل أصحاب هذه المواهب دراسة الهندسة، وعلوم الحاسوب، وتقانة المعلومات وربما إدارة الاعمال). فيالها من خسارة ليس للرياضيات فحسب، بل للقاعدة العلمية والتقنية الوطنية!
وبالمقابل، نجد ان مستوى الوعي بأهمية الرياضيات في المجتمعات التكنولوجية عال جداً مما يتجلى في إزدهارها ودعمها المتواصل. اسوق هنا مثالين لتوضيح هذا الدعم:
السويد: يعتبر مستوى تمويل البحث الرياضي في السويد منخفضاً مقارنة بنظيره في باقي الدول الاوربية وامريكا الشمالية. وتمثل المؤسسة السويدية للبحث الاستراتيجي أحد أهم مصادر تمويل البحث الرياضي بالسويد. وقد وفرت حوالي 500 مليون كرونة سويدية للبحث الرياضي كل عام خلال الفترة 2000-2006.
الولايات المتحدة الامريكية: لقد رصدت مؤسسة العلوم الوطنية مبلغ 80 مليون دولار عام 1990 لتطوير مناهج الحسبان بالجامعة. كما كانت الميزانية الفيدرالية للعلوم الرياضية للسنة المالية الجارية 454 مليون دولار وإنخفضت للسنة المالية 2015 لمستوى 436 مليون دولار.
ويعتبر المؤتمر الدولي للرياضيين (International Congress of Mathematicians)أكبر وأهم مؤتمر للرياضيات على مستوى العالم. ويعتقد ان رياضيين ألمانيين بارزين، فلكس كلاين وجورج كانتور،هما اول من قدم فكرة هذا المؤتمر في العقد الاخير من القرن التاسع عشر. وتم عقد اول مؤتمر في مدينة زيورخ، سويسرا، عام 1897م. وحضر المؤتمر 208 عالم رياضيات من 16 دولة (تضمنوا 12 من روسيا و 7 من الولايات المتحدة الامريكية).
يرعى هذه المؤتمرات الاتحاد الدولي الرياضي (International Mathematical Union)
يمنح الاتحاد في الجلسة الافتتاحية لكل مؤتمر دولي للرياضيين عدد 2-8 جوائز تعتبر ضمن الجوائز الاعلى تميزاً في عالم الرياضيات. وتمنح 5 من بين هذه الجوائز للانجازات البارزة في الرياضيات، وهي:
أ‌. ميدالية فيلدس(Fields medal)
أُسست هذه الجائزه عام 1936 تكريماً للرياضي الكندي شارلس فيلدس الذي لعب دوراً هاماً في تأسيس الجائزه، وتصميم الميدالية وتوفير المكون النقدي لها.
تمنح 2-4 من هذه الميدالية للمساهمات البارزة في الرياضيات لرياضيين تحت سن 40 من العمر. وتعتبر ميدالية فيلدس اعظم تكريم يمكن ان يحصل عليه رياضي. وكثيراً ما توصف هذه الميدالية (إضافة الى جائزه أخرى باسم الرياضي النرويجي إيبل [2] كجائزة نوبل في الرياضيات. تجدر الاشارة هنا الى أن السيد / ألفريد نوبل لم يُضمن وصيته الخاصة بتأسيس الجائزه الرياضيات [3].
وتختلف ميدالية فيلدس عن جائزة نوبل في أمرين هامين:
ومنحت الجائزه في مؤتمر سيول لاربعة رياضيين:
لإسهاماته في مجال ‘هندسة الاعداد'. وهو امريكي من أصل هندي ويعمل بجامعة برنستون، امريكا.
ب‌.ميدالية شيرن (Chern Medal) : أُسست هذه الجائزة في ذكرى الرياضي الصيني البارز شينق-شن شيرن ((Sheeing-Shen Chern; 1911-2004. وتمنح لشخص تكون انجازاته البارزة مدى الحياة في مجال الرياضيات تستدعي اعلى مستوى من الاعتراف. وقد منحت هذه الجائزة لأول مرة في مؤتمر حيدر أباد (2010 م). وتتكون الجائزة من ميدالية وجائزة نقدية قيمتها 500,000 دولار امريكي. وهناك متطلب يقضي بالتبرع بنصف هذه القيمة ( 250,000 دولار) لمنظمة/ لمنظمات يختارها الحائز على الميدالية لدعم البحث، والتعليم والتوعية أو نشاطات أخرى لتشجيع الرياضيات.
وقد منحت هذه الجائزة في مؤتمر سيول للرياضي الأمريكي فيليب قريفيث (Philip Griffiths) لإنجازاته في مجال الطرق المتسامية في الهندسة المركبة. ويعمل قريفيث في معهد الدراسات المتقدمة، برنستون، امريكا، وقد إختار فريقيث التبرع بنصف المكون النقدي للجائزة لمنظمة إفريقية: مبادرة العلوم الألفية للرياضيات في إفريقيا.
(African Mathematics Millennium Science Initiative).
اما الجوائز الثلاثة الاخرى فهي:
ج‌. جائزة نيفانلينا (Nevanlinna Prize): للمساهمات المتميزة في الجوانب الرياضية لعلوم المعلومات متضمنة الجوانب الرياضية لعلوم الحاسوب (نظرية التعقيد، منطق لغات البرمجة، تحليل الخوازميات، التشفير، رؤية الحاسوب (Computer Vision)، التعرف على الانماط، معالجة المعلومات، ونمذجة الذكاء)؛ إضافة الى الحوسبة العلمية والتحليل العددي. وينطبق شرط قيد العمر (تحت سن 40) على هذه الجائزة.
ومنحت الجائزة في مؤتمر سيول للرياضي سوهاش خوت (Suhash Khot)لمساهماته في مجال الالعاب الفريدة والأمثلية (Optimization) ويعمل خوت في معهد كورانت بنيويورك.
أُسست هذه الجائزة في ذكرى الرياضي الفنلندي رولف نيڤانلينا (1895 – 1980م) عام 1981 وتمولها جامعة هلسنكي التي كان رئيساً لها، كما كان رئيساً للاتحاد الدولى الرياضي (1959 – 1962).
د‌. جائزة ليلاڤاتي (Leelavati Priza) : للمساهمات البارزة في مجال التوعية بجمال ومتعة الرياضيات.وقد منحت لأول مرة في مؤتمر حيدر أباد (2010). أما في مؤتمر سيول، فقد منحت للرياضي الارجنتيني أدريان باينزا (Adrean Paenza) .
يرجع الاسم لأطروحة رياضية ظهرت في الهند في القرن الثاني عشر، كرسها مؤلفها (باسكرا II) للحساب والجبر. ويبدو ان هذه الأطروحة كانت المصدر الرئيسي لتعلم الحساب والجبر في القرون الوسطى في آسيا.
ه. جائزة قاوس (Carl F. Gauss Prize): للمساهمات الرياضية البارزة التي لاقت تطبيقات هامة خارج الرياضيات.
ومنحت لأول مرة في مؤتمر مدريد عام 2006. أما في مؤتمر سيول فمنحت للرياضي الامريكي ستانلي أوشر (Stanley Osher) لمساهماته في عدد من مجالات الرياضيات التطبيقية. ويعمل أوشر في جامعة كالفورنيا، لوس انجلوس.
يرجع إسم الجائزة الى واحد من أعظم الرياضيين في كل العصور، الألماني قاوس (1777 – 1855)، ويشار إليه أحياناً ب ‘أمير الرياضيين'.
طرح الرياضي الفرنسي البارز هنري بوينكاري (Henri Poincare, 1854-1912)سؤالاً في مجال الطوبولوجيا في عام 1904 يتعلق بالكرة في فضاء له 4 أبعاد. واعتبر هذا السؤال أحد أهم وأصعب المسائل المفتوحة في مجال الطوبولوجيا وبقى دون حل لما يقرب من مئة عام. وتمكن عالم الرياضيات الروسي، قريقوري بيرلمان (Grigori Perelman) من تقديم إجابة شافية للمسألة في عام 2003 (كان عمره عندئذٍ 37 عاماً).
وفي أغسطس من عام 2006، منح بيرلمان ميدالية فيلدس لإسهاماته في الهندسة وأفكاره الثورية في البنيات التحليلية والهندسية لإنسياب ريتشي، (Ricci flow).
وكان الحدث الذي بثته بعض الوسائط الاعلامية العالمية البارزة أن بيرلمان رفض قبول الجائزة او الظهور في مؤتمر مدريد (2006) حيث كان من المفترض أن تقدم له، قائلاً: "أنا غير مهتم بالمال ولا الشهرة ؛ ولا أُريد أن أُعرض كحيوان في حديقة حيوان". وفي 22 ديسمبر 2006، إعترفت المجلة العلمية الشهيرة "العلوم" بحل بيرلمان لسؤال بوينكاري على أنه الإختراق العلمي لعام 2006، وكان ذلك أول إعتراف من نوعه في مجال الرياضيات. وقد ذهب رئيس الإتحاد الدولي الرياضي، سير/ جون بول (Sir J. Ball) ، إلى سينت بيترسبرج لزيارة بيرلمان في يونيو 2006 لإقناعه بقبول الجائزة. وبعد 10 ساعات من محاولة الإقناع خلال يومين، إستسلم سير/بول.
إن رفض بيرلمان للجائزة يجعله الشخص الأول والوحيد الذي يرفض هذه الجائزة المرموقة.
زاد الاتحاد الدولي للرياضيات بدرجة مقدرة إهتمامه بالرياضيات في الدول النامية خلال العقد المنصرم. ويصدر هذا الاهتمام، جزئياً، من أعتقاد الاتحاد بأن العالم النامي من المحتمل أن يكون موطناً لأكبر مورد غير مستغل من المواهب الرياضية. هذا وقد قرر الاتحاد خلال مؤتمر حيدر اباد أن يواصل جهده الرامي الى استكشاف الصلة بين رعاية المواهب الرياضية والتنمية الاقتصادية في هذه البلدان.
وتضمنت فعاليات مؤتمر سيول ندوة بعنوان: ‘الرياضيات في الدول الناشئة: الانجازات والفرص'. سأعرض هنا الى اهم ورقتين من الاوراق التي قدمت في الندوة.
(أ‌) العلاقة بين المهارات الرياضية والتنمية الاقتصادية، وقدمها إريك هانوشك (Eric Hanushek)، جامعة ستانفورد، الولايات المتحدة الامريكية. وهو قائد عالمي في مجال التحليل الاقتصادي للسياسات التربوية.
لقد شدت انتباهي في محاضرته النقاط التالية:
اوضح المحاضر هذه العلاقة بعرض حالة البرازيل التي قررت في عام 2009 ان ترفع نتيجة طلابها في اختبار PISA بمقدار 25 درجة خلال الاربعين سنة القادمة. تساءل المحاضر: ما هو اثر هذا التحسن على وتيرة النمو الاقتصادي في البرازيل خلال الثمانين سنة القادمة؟ وكانت الاجابة أن الناتج المحلي الاجمالي سيزداد بنسبة 270%! يعني هذا ان الناتج المجلي الاجمالي سيزداد بنسبة 6% في العام خلال الثمانين سنة القادمة.
(ملحوظة:لا يشارك السودان في أي إختبارات عالمية حالياً. هل من المفيد ان يفعل ذلك؟ إن أحد أهم المؤسسات المؤهلة لدراسة هذا السؤال وتقديم النصح اللازم للحكومة هي أكاديمية السودان الوطنية للعلوم (SNAS) ).
يعتقد الكثيرون بانه يمكن إحداث تحسن ملحوظ في آداء الطلاب من خلال زيادة الانفاق على التعليم. ورغم أهمية حجم الانفاق على التعليم، يجادل هانوشيك بأن هذا الاعتقاد خاطئ. وتشير العديد من الدراسات الى صحة هذه الحجة. مثلاً، تشير العلاقة بين الانفاق التربوي التراكمي على الطالب ونتائج اختبار PISA في الرياضيات عام 2003 لاربعة وعشرين دولة الى ان ثلاثة دول (فنلندا، كوريا وهولندا)أحرز طلابها حوالي 550 درجة في الاختبار تراوح انفاقها التربوي التراكمي على الطالب بين 40,000 و 55000 دولار؛ وبالمقابل أحرز طلاب الولايات المتحدة وإيطاليا اقل من 500 درجة في ذات الاختبار رغم ان إنفاقهما المناظر على الطالب تراوح بين 75,000 و 80,000 دولار.
إن التعرف على فعالية السياسات التربوية يتطلب التركيز على قياس المخرجات. حقيقة، توجد أدلة قوية على فعالية المعلم في هذا الصدد.
- لا يوجد بديلاً للتحصيل والمخرجات
- إن النمو الاقتصادي في المدى الطويل يرتبط بالمهارات
- التحسينات ممكنة لكنها صعبة
وأتساءل هنا: هل يملك طلابنا المهارات المعرفية اللازمة للمساهمة الفعالة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟
أدعو الاكاديمية السودانية الوطنية للعلوم، مرة اخرى لإجراء دراسة تقيس مخرجات التعليم العام والعالي في آن.
(ب) الرياضيات ركيزة اساسية في النمو الاقتصادي لكوريا
وقدمها كونموشونق (Kunmo Chung) ، الوزير الاسبق للعلوم والتكنولوجيا، كوريا.
كما يعلم الكثيرون، كانت كوريا محتلة من قبل اليابان لحوالي 36 عاماً (1910- 1945) وأصبحت مستقلة عند إستسلام اليابان للحلفاء عام 1945. لكنها كانت منقسمة الى جزئين: كوريا الشمالية مدعومة بالاتحاد السوڤيتي وكوريا الجنوبية مدعوة بالولايات المتحدة. ثم إندلعت الحرب الأهلية عام 1950 التي دمرت الكوريتين. وكانت كوريا من أفقر دول العالم في خمسينات القرن الماضي؛ وكان نصيب الفرد من الناتج المحلى الاجمالي في عام 1960 حوالي 79 دولار امريكي. وبعد 6 عقود من الجهد التنموي تحولت كوريا الجنوبية الى دولة جديدة تماماً.
ففي عام 2012، أصبحت كوريا العضو السابع في نادي 20-50 (قائمة البلدان التي يزيد فيها نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي عن 20,000 دولار امريكي ويكون عدد سكانها أكثر من 50 مليوناً). أصبحت كوريا نتيجة لذلك عاشر اكبر إقتصاد في العالم.
كانت العوامل التي جعلت هذا التحول الاقتصادي، والسياسي (تكريس الديمقراطية)، والاجتماعي والثقافي العميق والهائل ممكناً هي: الرؤيا للقيادات الوطنية، والتحديات الجسورة للشركات، ومجتمع الاكاديميين الناشئ، وعرق الشعب الكوري.
لكن يضيف المحاضر، ثمة قصة غير معروفة وراء هذا النجاح اللافت للنظر. وهي، كما هو واضح من عنوان المحاضرة، الرياضيات التي كانت ركيزة اساسية في بناء الامة الكورية من خلال التعليم، والعلوم والتكنولوجيا. ووجد المحاضر، أثناء إعداده للمحاضرة، أن هنالك محوراً فريداً وفر الأساس لبناء الأمة خلال الستين سنة الماضية، كان هذا المحور ايمانهم بالتعليم، والعلم والتكنولوجيا. وكانت ركيزة هذا الايمان هي دور الرياضيات في هذا النجاح.
اعتبر المحاضر تجربة كوريا في ثلاثة مراحل:
(1) المرحلة الاولى: 1950-1969: الرياضيات كمعيار للتميز الدراسي.
كانت كوريا حتى نهاية الخمسينات من القرن الماضي بلداً زراعياً نموذجي. إن الدمار الهائل الذي عم البلد والفقر المدقع الذي يعيشه الشعب جراء الحرب الاهلية واجه الكوريون بتحد كبير. وقرر القادة: "دعونا نجعل كوريا ‘دولة حديثة'".
1.1 العمل المتواصل لتحقيق مستوى حياة أفضل.
رغم البؤس، أشعل الكوريون قلوبهم بفكرة العمل لتحقيق مستقبل افضل. لقد حث هذا الشعار مجموع الشعب الكوري على الكد والاجتهاد.
وجد بحث عن عدد الخطوات في الدقيقة في ذلك الوقت ان الامريكيين يخطون 25 خطوة، والبريطانيين 29 خطوة واليابانيين 35 خطوة، بينما يخطو الكوريون 56 خطوة في الدقيقة. إن كلمة "ركض" كانت اقرب لوصف اسلوب حياة الكوريين في ذلك الوقت من كلمة "المشي". إن "الكد" ما زال يمثل الفضيلة الاولى للكوريين.
2.1 عدم كفاية البنيات التحتية للتعليم
لكي تنجو كوريا من الحضيض، كانت بحاجة ماسة لتعليم مناسب. غير ان كوريا كانت تعاني نقصاً حاداً في المدارس، والمعلمين المدربين والكتب الدراسية. لقد استثمر وزير التربية في ذلك الوقت 100,000 دولار امريكي، كانت مجمل ما حصل عليه من دعم مالي من اليونسكو، في مرافق الطباعة لانتاج الكتب الدراسية. ولقد كان على بعض الطلاب الدراسة تحت خيام. لكنهم كانوا يدرسون الرياضيات بغرض تقديم الدليل على القابلية لكسب المعرفة والتميز. لقد كانت هنالك منافسات رياضية عديدة، كما شكلت المهارات والقدرات الرياضية والتقدم الاكاديمي مقياس الاعتراف.
ولم يكن الحال افضل في مؤسسات التعليم العالي، فلقد كان صعباً الحصول على اساتذة مؤهلين ولم تكن هنالك معامل. لقد كان السبيل الوحيد للحصول على درجة فوق جامعية، هو الدراسة خارج كوريا. وكان هذا السبيل متوفراً لعدد قليل جداً من الكوريين. إضافة لذلك، لم يكن مسموحاً للمواطن مغادرة كوريا وبحوزته أكثر من 100 دولار امريكي، نسبة للنقص في إحتياطي البلد من النقد الاجنبي. لذلك، توجب على الطالب الكوري ان يدرس اثناء اليوم ويعمل ليلاً. كان عدد الكوريين الحاصلين على درجة الدكتوراه حتى عام 1960 أقل من 60.
3.1 الرياضيات، مقيالس النجاح التعليمي
يمثل التركيز على الدراسة تقليداً كورياً راسخاً. لقد كان هندرك هامل (هولندي 1630-1692) اول غربي يكتب عن كوريا. وذكر في كتابه "رحلة هندرك هامل":
" يقرأ الاطفال الكوريون الكتب دائماً، نهاراً وليلاً. إنه لمن المدهش ان الأطفال يفهمون الكتب بشكل جيد".
وفي كتاب "جولة حول العالم" لكابتن البحرية الفرنسي جان هتري زوبر في آخر القرن التاسع عشر، يقول المؤلف:
"الجدير بالاعجاب ان الكتب موجودة في كل بيت بما في ذلك بيوت الاسر الفقيرة. ان هذا يجرح كبرياؤنا".
إن هذا التقليد مكَن كوريا من الازدهار سريعاً من امة مدمرة.
كان هنالك، في الستينات من القرن الماضي، عدداً متزايداً من الكوريين الذين باعوا أهم مواردهم الزراعية (الارض والابقار) من اجل الانفاق على تعليم اطفالهم في الجامعات. لقد كرس هؤلاء حياتهم من اجل تعليم اطفالهم لينالوا حياة افضل من حياتهم، لم يكن هناك شئ اقوى من الايمان بتمكين اطفالهم من النجاح من خلال التعليم. ومرة اخرى، كانت الرياضيات في مركز التعليم. ويُدربُ الكوريون منذ مرحلة الاساس على مهارات الحساب الذهني (mental arithmetic) وحساب العداد (abacus calculation) . وحتى قبل إطلاق الاولمبياد الرياضي العالمي، نظمت كوريا منافسات وطنية في الرياضيات لتلاميذ المدارس الاولية والوسطى في الخمسينيات من القرن الماضي. ويذكر المحاضر ان احدى مسائل إمتحان الرياضيات في الصف الثالث كانت إثبات نظرية فيثاغورس (اعتقد ان هذه النظرية تُدرس الان في السودان في الصف الثامن، ودون برهان. يا ترى، هل يمكن إعتبار هذا التفاوت في مستوى الرياضيات مقياساً للتباين الحاد بين مستوى النمو في البلدين؟). وكان معظم طلاب المدرسة الوسطى المتميزين اعضاء في نوادي الرياضيات المنتشرة في ذلك الوقت. وكان الدخول لمدارس مرموقة مشروطاً بالحصول على درجات جيدة في الرياضيات. ونسبة لان الرياضيات ميزت الطلاب (الحساب فراق الحبايب كما كان بقال عندنا) فان الطلاب امضوا مزيداً من الوقت في دراستها.
خلص المحاضر الى ان الرؤية القاضية بتحويل كوريا الى دولة حديثة واهمية التعليم ارتبطتا ارتباطاً وثيقاً. ايضاً، كان التدريب على المهارات الرياضية معترف به باعتبارها نواة للتميز الاكاديمي والقابلية للتعلُم.
(2) المرحلة الثانية: 1970- 1989: الرياضيات كركيزة للتنمية الاقتصادية.
بدأت، منذ السبعينات من القرن الماضي، شركات صناعة السيارات، وبناء السفن، والفولاذ، والاجهزة الالكترونية في الظهور. ودفعت الحكومة، منذ الثمانينات من ذات القرن، التصنيع الكوري. وبصفة خاصة، رأى صناع السياسة الحاجة لموارد بشرية عالية التدريب من اجل دفع التصنيع الموجه للتصدير. كما اقروا باهمية البحث والتطوير والقدرة الوطنية، مما يستدعي مستوى اعلى من الرياضيات.
1.2 عودة الطلاب المبتعثين الى الخارج
لعب المحاضر دوراً هاماً في هذه المرحلة. لقد وافق رئيس الوكالة الامريكية للتنمية (USAID) على أقتراحه بتأسيس معهد متقدم للعلوم والتكنولوجيا لزيادة الموارد البشرية في مجالي العلوم والهندسة. ونجح المحاضر في تأسيس معهد كوريا المتقدم في العلوم والتكنولوجيا (KAIST) على غرار معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (MIT) في عام 1971 . وقد خُطط للمعهد الكوري ان يكون كلية دراسات عليا للعلوم والتكنولوجيا قادراً على المنافسة عالمياً.
ووفقاً للمسح الذي اجرته السفارة الكورية في الولايات المتحدة، كان هناك 260 استاذاً كوريا في امريكا. كان نصف هؤلاء يعمل في مجالي العلوم الطبيعية والهندسة. وقضى المحاضر 6 اشهر متجولاً في امريكا ليجند اعضاء هيئة تدريس للمعهد الجديد. قدم المحاضر الدعوة لعدد 50 استاذاً في تخصصات العلوم التطبيقية والهندسة ليكونوا اول اساتذة المعهد. وكان يعتقد بضرورة التركيز على المجالات التطبيقية لتحقيق نتائج اقتصادية في وقت قصير. ايضا، جندت الشركات اولئك الذين درسوا دراسات عليا بالخارج. وعاد الذين نالوا تعليما متقدماً الى كوريا باندفاع ملحوظ.
ومن ناحية اخرى، كان هناك اندفاعا من الطلاب للدراسة بالخارج في اعقاب تعديل القواعد الحكومية التي تنظم الدراسة بالخارج لتصبح اكثر مرونة. مكن ذلك من تعليم الرياضيين، والعلماء، والمهندسين والاقتصاديين الذين ساهموا بصورة مقدرة في التنمية الاقتصادية لكوريا في التسعينات من القرن الماضي. وعندما عادوا الى كوريا، قدموا تعليماً عالي الجودة الى الجيل القادم من الطلاب وطوروا الصناعة.
2.2 الزيادة في اعداد طلاب الهندسة الجامعيين
بما ان تلبية الاحتياجات الاساسية كانت القضية الاكثر إلحاحاً في ذلك الزمن، كان إقبال الطلاب على الهندسة يفوق الاقبال على كل مجالات الدراسة الجامعية الاخرى. يعزى هذا الى ان الهندسة تبشر بمعدل توظيف عالى عند التخرج.
ولقد ارتفعت بصورة ملحوظة نسبة حملة درجة الدكتوراه في الهندسة منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي.
3.2 إزدهار تعلُم الرياضيات
كان من الضروري للطلاب الراغبين في الالتحاق بكليات الهندسة في امتلاك خلفية معرفية جيدة في الرياضيات. وثمة دليل استثنائي يوضح مدى تركيز الطلاب على الرياضيات. كان الانجيل، منذ الخمسينات من القرن الماضي، أكثر الكتب مبيعاً في كوريا. أما الكتاب الذي يليه مباشرة من حيث كثرة المبيعات، كان كتاب رياضيات لطلاب مرحلة الثانوي. لقد تم بيع اكثر من 40 مليون نسخة منه.
لكن، كان لتعليم الرياضيات في الجامعة صورة مختلفة. لقد كان لمعظم الجامعات الكورية في السبعينات من القرن الماضي اقساماً للرياضيات. لكن كان ينقص هذه الاقسام أعضاء هيئة التدريس المؤهلين تأهيلاً عالياً والكتب الدراسية اللازمة. مثلا، كان طلاب الرياضيات بجامعة سيول ينسخون الكتب الدراسية التي احضرها اساتذتهم من امريكا.
وعليه، كان من الصعب مواكبة التطورات الهامة في الرياضيات بالخارج، كما لم يكن هناك تفاعلاً بين الرياضيين الكوريين ونظرائهم في الجامعات بالخارج وفي المؤتمرات.
وخلص المحاضر الى ان تطوير تكنولوجيا اشباه الموصلات (semiconductors) والاقراص المدمجة خلال الثمانينات من القرن العشرين، وايضا فيما بعد صناعة تقانة المعلومات كان ممكناً فقط من خلال العمال والمهندسين الذين طبقوا بنشاط مهاراتهم في الرياضيات في مواقع العمل. وعندما احتاجت الصناعة الكورية خبراء في التشفير والامن الرقمي، رعى الرياضيون الكوريون هؤلاء الخبراء. وبعبارة اخرى، لقد وضعت الرياضيات ركيزة اساسيه لنمو كوريا.
(3) المرحلة الثالثة: 1990-2014: الرياضيات كمصدر لاقتصاد متقدم
بدأ الكوريون يدركون بأنه على الرغم من نجاح الدول المبتدئة مؤخراً (late starters) ، ككوريا، في التنمية الاقتصادية باتباع تكنولوجيا الدول المتقدمة، في الماضي، فانه من المستحيل المضي قدماً دون اختراعهم لتكنولوجيا جديدة بانفسهم. وانطلاقاً من هذه الاحتياجات، وضعت الحكومة الكورية استراتيجية جديدة لتشجيع العلوم الاساسية. وقد شغل المحاضر منصب وزير العلوم والتكنولوجيا مرتين خلال حقبة التسعينات من القرن العشرين.
ومع النمو الاقتصادي والصناعي، زادت الحكومة والشركات من استثماراتهم في البحث والتطوير، كما زاد التعاون في البحث الصناعي بين الجامعات والصناعة. ولقد بلغ الاستثمار في البحث والتطوير 4.36% من الناتج المحلي الاجمالي عام 2012، وهي نسبة عالية جداً مقارنة بالدول الاخرى.
1.3 إنعاش العلوم الرياضية
تبنت المؤسسة الكورية للبحث الوطني برنامج ‘مركز تميز' تم بموجبه تأسيس عدداً من مراكز البحث العلمي في الثمانينات من القرن الماضي. وبلغ مستوى التمويل مليون دولار في العام لكل مركز بحث يعمل به اكثر من 20 باحثاً متميزاً.
وكان للعلوم الرياضية نصيبها من هذا التطور حيث تم تأسيس 5 مراكز بحث في المجالات التالية:
1991 الطوبولوجيا والهندسة
1991 التحليل الشامل (Global analysis)
2007 البناء الجبري وتطبيقاته
2009 المعادلات التفاضلية الجزئية والتحليل الدالي
2011 الهندسة وتطبيقاتها.
كما ظل معهد كوريا للعلوم المتقدمة، والذي أُسس عام 1996، يلعب دوراً قيادياً في الرياضيات البحتة، والفيزياء النظرية، والعلوم الحاسوبية (Computational Sciences). وقد تم تأسيس المعهد القومي للعلوم الرياضية في عام 2005 لإجرء البحوث ذات الصلة. كما تم إنشاء عدداً من معاهد البحوث في الرياضيات داخل عدد من الجامعات.
2.3 نقلة نوعية في الرياضيات
لقد كرست كوريا جهودها للنهوض بالطلاب في مجالي الرياضيات والعلوم من خلال تأسيس مدارس ثانوية للعلوم ومراكز تعليم للطلاب الموهوبين في الجامعات. ويتضح بلوغ هذه الجهود اهدافها بالنظر الى آداء الطلاب الكوريين في المنافسات والاختبارات العالمية ذات الصلة.
ففي حين ان مرتبة كوريا في اول مرة تشارك فيها في الاولمبياد الرياضي العالمي (International Mathematical Olympiad) كان 22 في عام 1988، جاء ترتيبها في المراتب العليا مؤخراً. ومن خلال إستضافتها للأُلمبياد الرياضي العالمي عام 2000، هدفت كوريا إلى رفع الوعي العام بأهمية الرياضيات ودورها في المجتمع، ووفق نتائج البرنامج العالمي لتقييم الطلاب، والذي يقيس قابلية الطلاب للتحصيل المعرفي، كان 31% من الطلاب الكوريين ضمن اول خمسه مستويات، في حين ان المتوسط لطلاب دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في ذات المستويات كان 13%، في عام 2012.
أيضاً، يتضح هذا الاتجاه من الاقبال المتزايد للطلاب على دراسة الرياضيات بالجامعة. ولوحظ مؤخراً ان هذا الاقبال ينافس نظيره على دراسة الطب في الجامعات المروقة. مثلاً، في عام 1994 تقدم 600 طالب للالتحاق بالدراسة في معهد كوريا المتقدم للعلوم والتكنولوجيا، وكان عدد الذين اختاروا دراسة الرياضيات من بينهم 2%. وظلت هذه النسبة في ارتفاع مستمر، حيث بلغت 10% عام 2005 و 13% عام 2010. كما لوحظ ايضاً ان درجة الدكتوراه في الرياضيات التي تمنحها الجامعات الكورية المتميزة قابلة للمقارنة مع نظيرتها التي تمنحها الجامعات المرموقة عالمياً.
3.3 التحسن الكبير في هيبة (Prestige) الرياضيات الكورية
تنقسم عضوية الاتحاد الرياضي الدولي الى ستة انواع:
- عضو مشارك ( لا يحق له التصويت في اجتماع الجمعية العمومية)؛ و
- 5 مجموعات، I – V مصنفة حسب وضع الرياضيات في الدولة العضو مرتبة وفق متانة هذا الوضع إبتداءً من الاقل متانة (I) حتى الاكثر قوة (V)
تم التصديق على عضوية كوريا في الاتحاد عام 1981 ومنحت عضوية المجموعة I التي ظلت فيها لمدة 10 أعوام. وتمت ترقيتها الى المجموعة II عام 1993. وعندما لاحظ الاتحاد ان كوريا تحقق تقدماً لافتاً للنظر وباستمرار خلال العشرية الحالية، قرر ترقيتها الى المجموعة IV في عام 2007 الامر الذي لم يحدث من قبل في تاريخ الاتحاد.
نشر مجلس أبحاث الهندسة والعلوم الطبيعية البريطاني تقريراً بعنوان:
"قياس الفوائد الاقتصادية لبحوث العلوم الرياضية في المملكة المتحدة"
في عام 2012
وجد التقرير ان مساهمة العلوم الرياضية في إقتصاد المملكة المتحدة في عام 2010 مدهشة حقا : 2.8 مليون من حيث التوظيف (حوالي 10% من جملة الوظائف في المملكة) و208 بليون جنيه استرليني من حيث القيمة المضافة الاجمالية (حوالي 16% من جملة القيمة المضافة الاجمالية للمملكة). كما ان الانتاجية (مقاسة بالقيمة الاضافية الاجمالية مباشرة لكل عامل) اعلى بكثير في مهن العلوم الرياضية مقارنة بالمتوسط للمملكة المتحدة (حوالي 74,000 استرليني مقابل 36,000 استرليني. وعلى هذا النحو يكون تأثير القيمة الاضافية الاجمالية المباشرة للبحوث في العلوم الرياضية اعلى نسبياً من حصة العمالة المباشرة.
ومن ناحية اخرى، وجد التقرير ان "الرياضي" كان ‘افضل وظيفة' على اساس بيئة العمل، والدخل ومقدار الاجهاد. وجاء الاحصائي ثالثا والالكتواري رابعا ومهندس البرمجيات سابعاً ومحلل نظم الحاسوب ثامناً في سلم المهن. وإذا لاحظنا ان أكثر من نصف أعلى عشرة مهن في امريكا كانت ذات صلة بالرياضيات، تبين لنا ان ‘الرياضي' هي حقاً افضل وظيفة. إن التأثير الحالي للرياضيات على المجتمع والمهن غير قابل للقياس مع نظيره في القرن العشرين.
من المعروف ان العلوم والتكنولوجيا تستندان بصورة اساسية على الرياضيات. وفي كثير من عمليات صنع أشباه الموصلات، خاصة عملية التصميم، تكون الرياضيات ضرورية. إن الرياضيات تشكل جوهر التحكم الالي في الهندسة الكهربائية. كما إن التطور السريع لتقانة المعلومات والهندسة المالية مدين لعلماء الرياضيات الكوريين الذين قادوا البحث في التشفير والامن الرقمي.
نعلم ان إقتصاد الغرب الحالي يحتاج الى كوادر تمتلك القدرة على تعلُم المعرفة الجديدة اكثر من حاجته الى كوادر لهم معرفة موسوعية . ان تعليم الرياضيات يخدم هذا الغرض. فالرياضيون يطرحون مسائل جديدة هامة للمستقبل والتي ستكون مصدراً للابداع في اقتصاد العولمة. وكلما تتقدم الصناعة نحو التكنولوجيا المتطورة، تزداد الحاجة الى الرياضيات وستزداد وفقاً لذلك مساهمة الرياضيين.
نظرة الى المستقبل
كان شعار المؤتمر (NANUM) (نانوم) وهي كلمة كورية تعني: التقاسم غير المشروط وبكرم. ويُعز الكوريون قيمة نانوم. لقد واجه الكوريون مصاعب جمة لكنهم تغلبوا عليها والآن يتمتعون بالازدهار الاقتصادي. وليس هذا هدفهم النهائي. إنهم سيتقدمون ليتقاسموا الاحلام والآمال مع الدول التي بدأت مؤخراً.
وانهى المحاضر عرضه بالقول:
" آمل بصدق بأن تكون قصة كوريا في بناء الامة، والتنمية الاقتصادية ودور الرياضيات فيها مثالا مفيداً لغيرها من البلدان التي هي في اوضاع مشابهة لتلك التي عاشتها كوريا في الماضي".
تدعم النخب السياسية أنها تسعى للسلطة من أجل العمل على ‘إسعاد' مواطنيها. إن النجاح في تحقيق هذه الغاية يتطلب بالضرورة تحقيق نمواً إقتصادياً بوتيرة ‘مقبولة' على مدىً طويل نسبياً (مقبولة = عالية في حالة الدول الأقل نمواً).
لقد كان محو الأمية الرياضية (mathematical literally) دائماً عاملاً هاماً في تحسين إنتاجية اي بلد وقدرته التنافسية عالمياً. وكما أشرت في الجزء 9 (أ) اعلاه، لقد أوضح هانوشيك ان هناك علاقة إيجابية بين آداء الطلاب في إختبارات الرياضات والنمو الاقتصادي. وهذا متوقع، نسبة لأن البراعة في الرياضيات تنطوي على مستوى عالٍ من المهارات المعرفية وسط قوة العمل.
وبعبارة اخرى، رأسمال بشري عالي الجودة، الأمر الذي يؤدي الى الإبتكار التكنولوجي ومكاسب في الإنتاجية.
وتشير دراسة اخرى أكثر حداثة لمنظمة التعاون الإقتصادي والتنمية (OECD)، "التكلفة العالية للآداء التعليمي المنخفض/ المتدني"
(The High Cost of Low Educational Performance) ، إلى نتائج مماثلة، وبصفة خاصة، وجدت الدراسة أن حتى تحسينات صغيرة نسبياً في المهارات الرياضية للقوة العاملة لبلد ما، يمكن ان يكون لها تأثيراً إيجابياً كبيراً على نموه الاقتصادي في المدى الطويلورفاهية شعبه. ووفقاً للنتائج التجريبية، إن تحسناً في نتائج إختبارات الرياضيات والعلوم في مقياس البرنامج العالمي لتقييم الطلاب (PISA)، يؤدي إلى زيادة في نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي السنوي مقدارها 1.74 نقطة مئوية.
وبغض النظر عن دور الرياضيات في النمو الاقتصادي، ينبغي الإهتمام بالرياضيات لكونها مكون أصيل من مكونات الفكر الإنساني ولها تأثير هام على تطور شتى مجالات المعرفة الانسانية. وتحضرني في هذا الصدد الأخير، قولة للرياضي والفيلسوف الانجليزي ألفريد نورث هوايتهيد (A. N. Whitehead) (1861 – 1974 ) تشي برؤية ثاقبة لوضع الفكر الرياضي في المستقبل:
" إذا إستمرت الحضارة في التقدم، ستكون الحداثة الأكثر أهمية في الألفي سنة المقبلة سيادة الفهم الرياضي".
إن عدم إعطاء أي دولة الاهتمام بالرياضيات، سيعود عليها، في المدى الطويل، بمخاطر جمة. لكن، ينبغي ان ندرك بأن المسئولية الاولى عن تشجيع الرياضيات في بلد ما تقع على عاتق مجتمع الرياضيين فيها، إن وجد.
أٌقدر الآن أن هنالك 20-30 سوداني من حملة درجة الدكتوراه في الرياضيات يعملون في الجامعا السودانية. كما ان عدد السودانيين الذين يحملون درجة الماجستير في الرياضيات ويعملون في السودان قد يتجاوز المئة. إذاً ، يلزم هؤلاء، إن أرادوا مباشرة تحمل مسئوليتهم تجاه الرياضيات، أن يؤسسوا جسماً يكون هدفه الرئيسي تشجيع الرياضيات ويكون قادراً على إبتداع الأساليب الفعالة لتحقيق هذا الهدف.
ومن الطبيعي أن تتحمل الأكاديمية السودانية الوطنية للعلوم مسئولية واضحة ليس تجاه الرياضيات فحسب، بل تجاه كل العلوم الأساسية. وأقترح على الأكاديمية، في هذا الصدد، إجراء دراسات حول مناهج الرياضيات والعلوم في التعليم العام، والكتب الدراسية المقررة، وبرامج تعليم وتدريب معلمي الرياضيات والعلوم في مراحل التعليم العام الثلاثة. وأثق تماماً في أن هذه الدراسات ستخلص إلى ضرورة إجراء إصلاح جذري في مناهج وكتب وبرامج تعليم وتدريب معلمي الرياضيات والعلوم بالسودان.
ومن المهم أن تجرى هذه الدراسات بالتعاون مع وزارة التربية الاتحادية ومعلمي الرياضيات والعلوم.
هذه هي الخطوات الأولى على طريق شاق وطويل لكنه يفضي الى بستان غني ومزدهر ومحفز للابداع، ذلكم هو عالم الرياضيات.
حواشي
وتتلخص اهداف الاتحاد في هدفين:
أ‌. تشجيع التعاون الدولي في الرياضيات عن طريق دعم ومساعدة المؤتمر الدولي للرياضيين والمؤتمرات واللقاءات العلمية الاخرى.
ب‌.الإعتراف بالمساهمات البارزة في البحوث الرياضية بواسطة منح جوائز علمية، وتشجيع ودعم نشاطات رياضية دولية أٌخرى تعتبر الارجح لتساهم في تطور العلم الرياضي في اي من جوانبه، بحتة، تطبيقية أو تربوية.
لجان الاتحاد:
o اللجنة الدولية للتعليم الرياضي
(International Commission on Mathematical Instruction)
o لجنة الدول النامية (Commission for Developing Countries)
o اللجنة الدولية لتاريخ الرياضيات
o لجنة المعلومات والإتصال الالكتروني.
تم إنتخاب إنقرد دوبوشي (Ingrid Daubechies) اول إمرأة رئيساً للاتحاد في 17 أغسطس 2010، وهي امريكية الجنسية. تجدر الاشارة الى انها اول بروفسير رياضيات بجامعة برنستون، ولاية نيوجيرسي، امريكا.
وقال عنه الرياضي الفرنسي البارز شارلس هيرميت
(Charles Hermite 1901-1822) " لقد ترك إيبل للرياضيين ما يكفي لإبقائهم مشغولين ل 500 سنة".
ترك نوبل قبل سنة تقريباً من وفاته وصية تقدر بحوالي 94% من ثروته لتأسيس 5 جوائز (الفيزياء، الكيمياء، علم وظائف الاعضاء او الطب، الادب والسلام)، تمنح لاولئك الذين يكون قد قدموا، خلال السنة الماضية أعظم المنافع للبشرية.
إن أكثر الأسباب شيوعاً لتفسير قرار نوبل بعدم منح جائزة في الرياضيات هو ان عشيقته كانت لها علاقة برياضي ذائع الصيت. لكن، هذه القصة لا أساس لها. وتوجد أسباب أكثر مصداقية.
.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.