قادة عالميون يخططون لاتفاق جديد بشأن الذكاء الاصطناعي    صلاح ينهي الجدل حول مستقبله.. هل قرر البقاء مع ليفربول أم اختار الدوري السعودي؟    لماذا يهاجم الإعلام المصري وجودهم؟ السودانيون يشترون عقارات في مصر بأكثر من 20 مليار دولار والحكومة تدعوهم للمزيد    رئيس لجنة المنتخبات الوطنية يشيد بزيارة الرئيس لمعسكر صقور الجديان    إجتماعٌ مُهمٌ لمجلس إدارة الاتّحاد السوداني اليوم بجدة برئاسة معتصم جعفر    معتصم جعفر:الاتحاد السعودي وافق على مشاركته الحكام السودانيين في إدارة منافساته ابتداءً من الموسم الجديد    عائشة الماجدي: (أغضب يالفريق البرهان)    رأفةً بجيشكم وقيادته    احاديث الحرب والخيانة.. محمد صديق وعقدة أولو!!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    كباشي يزور جوبا ويلتقي بالرئيس سلفاكير    شاهد بالفيديو.. لاعب سوداني يستعرض مهاراته العالية في كرة القدم أمام إحدى إشارات المرور بالقاهرة ويجذب أنظار المارة وأصحاب السيارات    عبر تسجيل صوتي.. شاهد عيان بالدعم السريع يكشف التفاصيل الكاملة للحظة مقتل الشهيد محمد صديق بمصفاة الجيلي ويؤكد: (هذا ما حدث للشهيد بعد ضربه بالكف على يد أحد الجنود)    بالفيديو.. شاهد الفرحة العارمة لسكان حي الحاج يوسف بمدينة بحري بعودة التيار الكهربائي بعد فترة طويلة من الانقطاع    عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق أول ركن ياسر العطا يستقبل الأستاذ أبو عركي البخيت    سعر الجنيه المصري مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار في السودان اليوم الإثنين 20 مايو 2024 .. السوق الموازي    موعد تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    البرهان ينعي وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي    علي باقري يتولى مهام وزير الخارجية في إيران    الحقيقة تُحزن    شاهد بالفيديو هدف الزمالك المصري "بطل الكونفدرالية" في مرمى نهضة بركان المغربي    مانشستر سيتي يدخل التاريخ بإحرازه لقب البريميرليغ للمرة الرابعة تواليا    الجنرال في ورطة    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    إخضاع الملك سلمان ل"برنامج علاجي"    السودان ولبنان وسوريا.. صراعات وأزمات إنسانية مُهملة بسبب الحرب فى غزة    الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى حوار صحفي ، عادل القصاص يسامر حسن الجزولي
نشر في حريات يوم 13 - 12 - 2014


القصاص يسامر الجزولي ،، حوار صحفي
ما أن أخطرني، عبر الهاتف، الصديق محمد الجزولي بنبأ زيارة شقيقه، الصديق حسن الجزولي، لمدينة برسبن الأسترالية، حيث يقيم ويعمل محمد، حتى فكرت – كما فكر أصدقاء آخرون وصديقات أخريات – في حثه له على زيارة ملبورن، حيث أقيم الى جانب عدد كبير من السودانيين والسودانيات. ثم فكرنا – نحن بعض أفراد من الجالية السودانية في مدينة ملبورن ممن تربطه بهم- بهنّ أواصر مختلفة – في أن نجعل لزيارته طعماً اجتماعيا وثقافيا عاما. فكانت فكرة أن نستضيفه في أمسية حوارية، التي مالبثت الصديقة تماضر محجوب، ذات الحساسية الاجتماعية الرحبة والذكية، أن أقترحت أن يكون طابعها تسامريا وليس نخبويا. وجد اقتراح تماضر منا ترحيبا وحماسا. ومن ثم غدا المفهوم التسامري أرضا أنشأت عليها حوارا امتد لبضع حلقات – حتى قبل وصول حسن الى ملبورن – عبر وسيط الاسكايب. من تلك الحلقات تمخطت معظم المحاور التي تناولها حديث حسن في "أمسية مسامرتنا" له في ملبورن.
حاوره عادل القصاص
* دعنا نبدأ الإضاءات حولك وحول تكوينك بأن تحدثنا عن البيئة، التنشئة والمؤثرات الأولى؟!.
+ أعتقد أنه تكوين ناتج عن تنشئة وبيئة مؤثرة وتربية بالتأكيد،، ودعني ألج مباشرة لأم درمان كمدينة، فالجميع يتحدثون عن مدنهم وقراهم ومنابعهم في مثل هذا المقام!، أم درمان كمدينة كانت مهد الحاضنة منذ نشأتي وطفولتي وصباي الباكر ،، مشاهداتي والانطباعات الأولى، ترعرعت في منطقة بأم درمان تسمى بكرش الفيل لدى العامة ووادي عبقر لدى إنتلجنسيا من يوثقون لها!، ،، ضمت أعلام السودانيين، أزهري ، عبد الله خليل، عبدالخالق محجوب، شيخ علي عبد الرحمن ، مبارك زروق، ومن المطربين كرومة، برهان، محمد ميرغني، ترباس، ولعيبة الكورة برعي أحمد البشير والضب وصديق محمد أحمد ورجال للفكر والأدب كمنصور خالد، علي المك، ، وشعراء كحسن عوض أبو العلا، وأحمد محمد صالح وابنه الديبلوماسي الشاعر صلاح وشقيقه الاذاعي الراحل عبد الرحمن، ومحسنين كعبد المنعم محمد وشقيقته وأعلام مجتمع أم درماني وسوداني كعصمت معني وآل أبو العلا،، والطريق الشاقي الترام!.)!.
* حسناً ،، يا ريت إن تحدثنا عن تأثير البيت والأسرة فيما يخص النشأة والتأثير!.
أسرة ديمقراطية، والد مستنير كان نقابياً وحزبياً في الأصل منتمي لنقابة الممرضين من فترة نشأة كيانهم النقابي الأول عندما كان (أجزجي) في مستشفى النهر بالخرطوم بحري ثم تدرج في الوعي الطبقي ليصير عضواً في الجبهة المعادية للاستعمار فيزامل الوسيلة والتيجاني وعبد الخالق وزروق والجزولي وبدر الشيخ وآخرين، ثم والدة مستنيرة حملت معه عبء الوعي بقدر استطاعتها ووعيها، كانت تربيتنا بدون تزمت، حتى بالنسبة لشقيقاتي ،، فشقيقنا الأكبر كمال وشقيقتنا الكبرى أميرة أرتبطا بمواقع المعرفة والتلاقح الاجتماعي والسياسي، اتحاد الشباب، الاتحاد النسائي، أبادماك، فحملا مع الوالدين أعباء التربية والتوجيه في مرحلة لاحقة، وهكذا فتحوا لنا طرق الوعي والانتباه خلال تشجيعنا على اهتمامات وهوايات بدأت بسيطة بالتشجيع في الصحافة المنزلية الحائطية. وكذا المدرسية الحائطية والاهتمام بهوايات الشعر والرسم والمسرح وخلافه.
* يا ريت نماذج ،، التأثير الأولي له أهميته كما أعتقد!.
+ إن أردت تفاصيل يا عادل ، أحيلك لتأثير حياة المجتمعات المختلطة ،، زي إشلاقات الجيش مثلاً وبحكم مهنة الوالد كمجند فيما بعد بالسلاح الطبي عشنا في ثكنات الديش في عدة مدن ومن بينها العاصمة،، ودي كانت تضم جماعات وشعوب من مختلف بقاع السودان، مختلف القبائل والسحنات، والثقافات دي تقريباً هي العرفتنا أكتر في الصغر والكبر بالسودان العريض متعدد الثقافات والهويات ،، ولذلك لمن إستوعبنا مضمون زي دا ما كان بالنسبة لنا ولي على وجهه التحديد يشكل عائق في الفهم والهضم، عشان كدا ساهم في بلورة مفهوم قضايا ليها علاقة بالتعدد والهوية والانصهار داخل منطقة زاخرة ثقافياً وتراثياً. ورسخت فينا مفاهيم التلاقح الثقافي بحكم البيئة أكثر من التنافر بحكم الدين والمعتقد. فتبنيت مفاهيم زي دي فيما يخصني والعالم من حولي وبنيت عليها.
* طيب المدرسة وتأثير البيئة التعليمية كانت كيف؟!.
+ أعتقد إني منتمي لجيل محظوظ بمقارنات المناهج التعليمية اللي أصبحت غير مستقرة في ظل الأنظمة اللي فرضت نفسها مؤخراً وأصبحت تقعد وتفرض نفسها أطول فترة في حياة الناس في السودان، أنحنا إستمتعنا بمناهج تعليمية وبرامج تربوية غنية ، المدرسة بالنسبة لينا كانت هي الحياة الحقيقية التي نعيشها من السابعة صباحاً وحتى الثامنة مساءاً ،، بمعنى إنو المدرسة كانت تتقاسم التربية الأساسية لنا كأطفال وصبية مع أسرنا، فأسرنا هي اللي جادت قريحتها بالمقولة المشهورة " ليكم اللحم ولينا العضم"!،، الأسرة كانت تثق في المدرسة! ،، والأنشطة داخل المدرسة من الابتدائي وحتى الثانوي كانت غنية وكانت محبذة وكانت جاذبة، جمعيات تصوير، مسرح وجمعيات وزراعية وأدبية والمنازل والرحلات المدرسية وجمعيات الصحافة. والصحف الحائطية. والمسرح والتشكيل ،، وفعلاً ،، زي ما بقولوا حسع " المافي شنو"!.
* فيما يخص بيئة المدرسة ربما أنك تعني تأثير المعلم الوطني الديمقراطي والمستنير وإسهاماته في التأثير على تلميذه أو طالبه!.
+ في المقام ده ربما كنا ضمن الأجيال المحظوظة كما ذكرت، كون أن المعلم نفسه كان مستقراً نسبياً في معيشته، فقد درسنا عدد من أساتذة أجلاء كان لتأثيرهم أثر بارز على نشأتنا وتوجهاتنا مستقبلاً، في مرحلتي العام والثانوي العالي تحديداً، وهؤلاء ساهموا قطعاً في تنمية قدراتنا اللغوية والنحوية والجمالية إضافة لذائقتنا الأدبية والمعرفية، أساتذة لا زلنا نكن لهم كل تقدير وامتنان ومحبة ومكانة رفيعة كالما وردت ذكراهم أحياء وأموات، أساتذة زي أنور محمد عثمان والخبير المسرحي المعروف فيما بعد وقد درسنا مادة التاريخ، والشاذلي مولود أستاذ التربية الوطنية في الثانوي العالي وأساتذة كعيسى الحلو وفيصل مصطفى كتاب قصة الستينات + شيخ مصطفى شاعر المعهد العلمي وصديق التيجاني يوسف بشير + أساتذة من الزمن الجميل حباهم الله بالطرافة والجمال في العلائق الاجتماعية بين الاستاذ وتلميذه ، كمثال أشير للمربي الجميل أستاذنا وصديقنا الحبيب طمبل، والذي تعرفت على علاقته الأسرية بكم يا عادل، وهو والد هيثم لاعب المريخ وفاكهة مجالس أم درمان والعاصمة إلى جانب عوض دكام وأحمد داؤود والهادي نصر الدين . في الثانوي درست على أيادي أدباء في مقام الشعراء محمد عبد القادر كرف ومهدي محمد سعيد والذي تغنى له زيدان إبراهيم (جميل ما سألناه ولكنا هويناه)، الدرديري ساتي أحد رواد المسرح الجامعي مع النصيري وعلي عبد القيوم، الشاعر النور أبكر والروائي إبراهيم إسحق وآخرين لا تسعني الذاكرة بتعداد أسمائهم للأسف.
* وربما أن هذه الأسماء ساعدت في إنجذابكم نحو عوالم الكتابة والأدب والقصة القصيرة؟!.
+ نعم بالتأكيد، ما أذكره أن أستاذنا القاص فيصل مصطفى وكان أستاذاً لمادتي اللغة العربية والتاريخ، قد إختار مجموعة طلاب من كافة فصول المدرسة، "بيت الأمانة العامة لاحقاً" وقد نظم بهم مسابقة عامة في كتابة القصة القصيرة ، ما أذكره أنه أعطانا مقدمة لنبني عليها عوالم الحكاية، فجاء عملي في المرتبة الأولى، ومنذ تلك الفترة إنطلقت بإشرافه وآخرين في كتابة القصة القصيرة والاهتمام بعوالمها، وأذكر إني شاركت في مسابقة أكبر نظمتها ندوة أم درمان الأدبية بمناسبة يوبيلها الفضي فكنت ضمن العشرة الأوائل الفائزين في تلك المئسابقة، وهكذا عرفت طريقي نحو الصفحات الثقافية للصحف التي بدأت تستقبل وتنشر أعمالي القصصية، وكنت محظوظاً أن كان من يشرف على تلك الصفحات أساتذة وأدباء في مقام علي الك وعيسى الحلو. وبالفعل وكما ذكرت أنت فللأستاذ دوره الريادي والمتقدم في ترقية عوالم تلميذه واكتشاف المداخل الملائمة لتوجهاته وتطوره في مستقبل حياته.
* …..!.
+ في السنوات ديك بتزكر إنو أصدرت صحيفة حائطية مع عدد من الأصحاب في المدرسة، الصحيفة دي استمرت نحواً من خمس سنوات بمدرسة بيت الأمانة العامة، وبتزكر كتبت عنها الصحف بعد تضامنها مع اضراب الصحافة السوداني عام 68 وأعتقد إنو كان إضراب شهير له علاقة بالحريات العامة وكان من المفترض تنظيم معرض صحفي لهذه الصحيفة التي لا نزال نحتفظ بعدد وافر من أعدادها، وفكرة المعرض جاءت في الأساس من حبيبنا الراحل محجوب شريف إلا أن المرض وتسارع صراع محجوب معه حال دون تنفيذ الفكرة، ما هو طريف حول المعرض أن السيد الصادق المهدي كان من المفترض أن يفتتحه، وإن سألتني لماذا الصادق المهدي تحديداً، فلأن الصحيفة كانت قد بعثت له بمجموعة أسئلة عام 1968 عندما كان رئيساً للوزراء بغرض إجراء حوار صحفي مع سيادته، ولسبب ما لم تصل تلك الأسئلة إليه ولكنا عرفنا أنه ما يزال على استعداد للإجابة على تلك الأسئلة، وكان سيكون مانشيت المعرض الأساسي " أسئلة صحفية توجه لرئيس الوزراء الأسبق عام 68 ليرد عليها في العام 2008″!.
* سنوات الستينات نفسها شهدت صعوداً في الاهتمام بالأدب والثقافة بشكل عام وبرزت أتجاهات في الابداع وجماعات متعددة، أبرزها " مدرسة الغابة والصحراء وجماعة أبادماك،
+ وقتها كنا يفعاً، ولكنا قطعاً كنا ضمن المحظوظين بالتعرف على قامات من هؤلاء المبدعين، تعرفنا على عدد من رموز الثقافة السودانية منذ منتصف الستينات وكنا نلتقي بعضهم بمنزلنا كأصدقاء لشقيقنا الأكبركمال ، زي عز الدين عثمان الكاريكاتير الأشهر في عقد الستينات والسبعينات، الصحفيين صديق محيسي ويحيي العوض وميرغني حسن علي وعبد الله عبيد، المسرحي يوسف خليل وإبراهيم حجازي قريبنا ، عبد الهادي الصديق ومحمد المهدي بشرى وعبد الله جلاب ، محمد المهدي المجذوب وعبد الله حامد الأمين في ندوته التي كنت أمشي ليها مع كمال، ولاحقاً استطعت التعرف على مجموعات واسعة من أصدقاء شقيقنا كمال ومداخل أخرى ، وزي ديل كتيرين جداً، أثروا فينا بشكل مباشر واستفدنا من توجيهاتهم وملاحظاتهم السديدة التي درجتنا في هذا الحقل.
* المكتبات العامة والخاصة وحتى المكتبات المدرسية التي كان لها وجود قد تكون أثرت أيضاً في تنشئتكم الأدبية والإبداعية؟!.
- دون شك وملاحظتك سديدة، فقد توفرت لنا امكانيات لقراءة كتب منتقاة بعناية فائقة تركت أثرها علينا ( جرجي زيدان، سلامة موسى، روائع الأدب والمسرح العالمي، زي البؤساء لفيكتور هوجو والأم لمكسيم جوركي والحرب والسلام لتلستوي، نجيب محفوظ وطه حسين والعقاد ويحيي حقي ومحمود أمين العالم وتوفيق الحكيم والطيب صالح وأحمد فؤاد نجم والأبنودي وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور وأحمد أمين ، روز اليوسف وصباح الخير ومجلة الدوحة والصبيان وسوبر مان والوطواط ولولو وصديقها طبوش وطه القرشي في المستشفى ، حتى أصل الانسان عند دارون، شعراء فلسطين درويس وسميح القاسم وتوفيق زياد ومعين بسيسو وغالبية شعراء السودان قديماً وحديثاً ،، المسرح والسينما والموسيقى والغناء السوداني والرياضة وكورة القدم والسلة والسباحة) من جانب آخر لامسنا وتعرفنا على قضايا شعوب وحركات تحرر وطني ، فلسطين والجزائر واليمن الديمقراطي والصحراء الغربية، ظفار في البحرين وأرتريا، وموزمبيق وأنقولا وكوبا وفيتنام وحركة الفهود السود ومارتن لوثر كنج وأمريكا والامبريالية كأعلى مراحل الرأسمالية ، وزعماء سياسيين ومفكرين طليعيين منهم ماركس ولينين، وماو وشوان لاي وجياب وهوشي منه وجيفارا وكاسترو ولوممبا وغسان كنفاني، أمريكال كابرال وأغستينو نيتو وسومورا ميشيل وجومو كنياتا وجوليس نايريري وأحمد بن بيلا وهواري بوميديان وعبد الناصر وعبد الفتاح اسماعيل وجميلة بوحريد وانجيلا ديفز والفدائية الفلسطينية ليلى خالد، وفي السودان عبد الخالق محجوب ومحمد أحمد محجوب ومحمود محمد طه والصحفيين السودانيين) ودي كلها أثرت في وعينا وتوجهاتنا فيما بعد.
* …..!.
+ ممكن أضيف ليك أجواء نهاية الستينات وزخم السبعينات من أنشطة ( المسرح وأعمال ديبلومات خريجي معهد الموسيقى والمسرح ، صالات العروض التشكيلية، نادي السينما السوداني، سينمات العاصمة وأفلامها، الفرق الموسيقية للجاز تحديداً والتأثر بموضة السبعينات من أزياء ومظهر وشكل ، فرق الكشافة وأنشطة الكديت في الثانوي والأسواق الخيرية في حدائق المقرن والريفيرا والجندول.
* لنتعرف على جوانب أخرى في تجاربك الحياتية من ناحية العمل العام ومساهماتك وتأثيرها عليك؟!.
+ هنا إنتقلت لمستوى تاني من الوعي، وبحكم زخم نهاية سنوات الستينات ونحن على أعتاب الانتقال من مراحل الصبا الباكر إلى مراحل الشباب غض الآهاب إن صح الوصف، كانت تلك السنوات هي عز التصعيد الثوري والأممي في العالم، حيث تشهد مناطق واسعة انتفاضات وثورات جماهيرية وهبات عمالية، وانتظام جماهير واسع لشبيبة العالم خلف شعارات عزيزة تنادي بالسلام ورفض الحروب ونزع السلاح والدعوى بتحقيق العدالة والتقدم الاجتماعي، وكانت الأجواء العامة تطرح براحات الاشتراكية والمزيد من الديمقراطية والحريات العامة للشعوب والجماهير، وقطعاً تأثرنا بكل هذه الأجواء، وبعد مراحل الكشافة البرية في حقول المناشط الاجتماعية العامة، انتقلنا لدرجة أعلى تعرفنا فيها على المنظامت الشبابية المتعددة التي كانت تعج بها الحياة في العاصمة في تلك السنوات، حيث انتظمت في اتحاد الشباب السوداني، ومارست فيه نشاطاً اجتماعياً وسياسياً وثقافياً فتبوأت مناصب قيادية فيه ، وصقلت هواياتي في الكتابة والعمل الصحفي بأن أهلني ذلك مستقبلاً كي أتشرف برئاسة تحرير صحيفة اتحاد الشباب " الشبيبة " والتي كانت تصدر بصورة سرية، في سنوات 82 – 85 فترة الحكم العسكري الثاني والديكتورية المايوية، كما توفرت لي إمكانية المشاركة في مهرجانات شبيبية عالمية واجتماعات متعددة لمنظمته الدولية. وحصلت على منحة دراسية لكوبا أولاً لدراسة السينما وتم تعديلها لاحقاً للدراسة بهنغاريا بعد الانتفاضة وتعديل الدراسة للمجال الآدبي.
* وماذا عن الانتماء الحزبي والنشاط السياسي الواسع؟!.
+ ما ذكرته لك من أنشطة على المستوى العام والخاص كان لابد له أن يترك أثره البين على وعينا، فتفتحت مداركنا السياسية والفكرية والتنظيمية، وتوسعت دوائر معارفنا المفاهيمية، فولجنا العمل السياسي الذي انتظمنا فيه منذ المرحلة الدراسية، وقطعاً إن الواقع المزري للحياة في دولة ضمن دول العالم الثالث، هو الذي يستفزك ويحرك فيك مناطق الادراك بأهمية المساهمة ولو بالقدر القليل في تغيير واقع أمتك المؤلم، سيما ونحن ضمن جيل لم يستمتع مطلقاً ببراحات الديمقراطية والحريات العامة، حيث أُجبرنا على العيش في ظل أنظمة قهرية عسكرية كفترة ديكتاتورية مايو والنميري طيلة 16 سنة!، ولكن إنتقم منه جيلنا بالمشاركة الواسعة في التحضير والاسهام في الانتفاضة العظيمة التي اقتلعت نظامه الباطش من جذوره والقت به في مزبلة التاريخ!.
* مؤكد أنك تنطلق في حديثك هذا عن تجربة عشتها طويلاً خارج السودان وتستطيع تلمس الفوارق بين مجتمعات السودان وأهل تلك البلاد التي نمت مداركك أكثر وسط شعوبها التي تتنسم فضاء الديمقراطية والحريات العامة وصيانة حقوق الانسان الطبيعية؟!.
+ ظروف الدراسة أولاً واللجوء السياسي الإختياري الذي فُرض علينا حرمنا من العيش الطبيعي بالسودان، حياتي في أوربا نفسها سواء في بودابست العاصمة الهنغارية أو لندن ومدنها الأخرى ببريطانيا، فأنا لم آت إليها غازياً في عقر دارهم كمصطفى سعيد أو كمنتقم من التاريخ كما ذكرت في حوارات صحفية سابقة، ،، بل بتصالح تام مع نفسي وتاريخ أسلافي، إقتربت منهم قدر اقترابهم من قضايا التحضر وإعلاء قيم الحماية والدفاع عن حقوق الانسان ،، وما أزال احتفظ لهم بجمائلهم في أنهم آوونا وفتحوا لنا بيوتهم وقلوبهم وقاسمونا لقمة العيش والحماية القانونية والأخلاقية ونحن ندين لهم بكل ذلك ونحفظه لهم عن ظهر قلب. هذا إلى جانب أن معايشاتنا لمختلف هذه الشعوب وأنماط معيشتها أعطتنا إلماماً بسيطاً بالفروق الاجتماعية والاقتصادية وخلافها بين شعوبنا في السودان وتلك الشعوب المتقدمة في نمط حياتها وسبل كسب عيشها، وجعلنا نقترب من الأسباب التي تقعد بنا هنا بينما تؤهلهم للنمو هناك!.
* بحكم تربيتنا غير المتوازنة ربما هم يتفوقون علينا في النظرة الشاملة لواقعية الكون وقدرتهم على تفسير ناموس حياتهم؟!
+ أتفق معك جداً، ودي واحدة من بلاوينا الأزلية!، معرفتي بريزم إيقاع الحياة الأوروبية وكيفية مسايرة ناموس الحياة ،، قربتني من معرفة كيفية إقتحامنا أسواق العمل الهامشية والكاجوال، في عدد من البلدان مما أهلنا لأن نشفى من أمراض التأفف والتعالي على الوظيفة فيما يتعلق بسبل كسب العيش الشريف ،، السودانيون بطبعهم ونتيجة التربية الغلط يتعالون على المهن الهامشية ،، يمكن أن يقبلوا بوظيفة كناس في أوروبا "تحت تحت" دون إلاعلان عنها، ولكنهم يتأففون منها في السودان ، نحن كسرنا القاعدة دي ،، إشتغلت في عدة مهن بتاعت كاجوال ( نظافة طرق+ غسيل عدة في مطاعم + نظافة عربات سكة حديد + عمال نظافة وترتيب في مصانع مياه غازية + عمال جني في مزارع التفاح والعنب في أوروبا، عمال نظافة تابعين لمجالس البلديات للمدارس والكليات والمباني الحكومية + مساعدي حلل وطهاة في بوفيهات ومطاعم وغيرها من المهن الهامشية،، والتي درجتنا وعرفتنا على مجتمعات ما كان يمكن أن تتوفر لنا ظروفاً وفرصاً لمعرفتهم عن قرب، من نواحي التعرف على الناس والعمال المرتبطين بمهن زي دي ،، أجواء وطبيعة العمل كانت بمثابة المطهر لنا من درن البرجوازي الصغير الذي يتأفف من إرتياد مثل هذه المهن ، وهو مفهوم غير سوي، نابع من غبن الطبقة الوسطى والبرجوازي الصغير الذي لا يخون طبقته نزولاً للارتباط بالطبقات العمالية أو الدنيا في قاع المجتمع! ،، باختصار أصبحت بحكم تكويني الطبقي العمالي أكثر قرباً من هذه الطبقة المجيدة ،، عشان كده أصبح ما عندنا قشة مرة ،، ولو فقدت وظيفتي الحالية لأي سبب من الأسباب وكانت حوجتي وحوجة أسرتي الصغيرة والكبيرة ماسة في سبيل تدبير لقمة العيش، فلن نتردد في طرق أبواب عمل قد يعتبرها البعض منا فيها "مهانة وتقليل من البريستيتج بتاع الواحد" لكين أنا ما ضمن الواحدين ديل، وقد تخلصت وللأبد من عقد إجتماعية زي دي. درجة إنو تعلمنا أن مهن زي دي تساعدك وتؤهلك للحصول على وظيفة ما إذا ما أدرجتها ضمن السيرة الذاتية تبعك عند التقديم للوظيفة ،، تزيد رصيدك عند هذه الشعوب، خلافاً لما هو متصور في نخاع التنشئة والتربية الخاطئة عندنا وما يعرف بوهم "المستوى" البخليك تتعالي وتتأفف من نوع مهن زي دي!.. ولذلك فأحرص دوماً على أن أدرج في كل تجديد للسيرة الذاتية تبعي، فأشير بفخر وإعزاز للمهن بتاعت الكاجوال اللي قمت بتأديتها!. وجنباً لجنب فقد عملت في مجال سبل كسب العيش وأنا في أوربا ،، كمراسل صحفي لعدد من الصحف السودانية والعربية ،، عملت محرر في الصحافة الهنغارية ( مجلة حواء المجرية) ، عملت سكرتير تحرير في مجلة صحارى التي أسستها إحدى كريمات الشاعر العراقي الجواهري ببودابست ،، عملت محرراً إقتصادياً في مجلة عربية لرجال الأعمال ،، تعاونت مع عدة صحف عربية بلندن ،، أصبحت سكرتيراً لتحرير صحيفة الفجر اللندنية والتي رأس تحريرها الصحفي المخضرم يحيي العوض وكان مدير تحريرها الصحفي الأكبر صديق محيسي، وزاملت فيها الصحفييين الراحل حسن ساتي والفاتح التيجاني إلى جانب د. عبد الله علي إبراهيم وغيرهم. ثم عملت ضمن تخصصي الأكاديمي موظافاً للتوثيق في المكتبة الجامعية التابعة لأكاديمية إستيفن سن كوليدج بأدنبرا. وحالياً صحفي ومحرر بجريدة الميدان والمشرف فيها على قسم المنوعات، ومتعاوناً مع عدد من الصحف المحلية والخليجية، متحصلاً على شهادة القيد الصحفي من اتحاد الصحفيين السودانيين.
* ما الذي تلقيته أكاديمياً من هذه الشعوب؟!.
+ أصبح لدينا إلمام بسيط ومتواضع بعدد من اللغات كالهنغارية والانجيليزية وبعض العربية!. وتأهلت أكاديمياً فتحصلت على مؤهل علوم المكتبات ثم الماجستير في علوم التوثيق، والدراسات العليا في العلاقات الدولية ودبلوم علوم الصحافة من معهد أنتال جوزيف ببودابست.
* حسناً لننتقل للمؤلفات
+ أصدرت بالقاهرة عام 1992 مجموعة قصصية مشتركة بعنوان (بوابة قوس قزح) مع الصديق القاص مصطفى مدثر. كتاب بعنوان (بيوت سيئة السمعة) وهو حول تجربة نقابي عمالي في سجون النميري وبيوت الأشباح، وهي التجربة التي سجلتها موثقة مع إفادات للشهيد علي الماحي السخي الذي إنتقل من بيوت الأشباح للندن لتلقي العلاج من آثار التعذيب في بيوت أشباح الانقاذ وما لبث أن قضى فترة بسيطة وتوفى إلى رحمته تعالى وبقيت مذكراته وصمة عار في جبين أؤلئك الذين نكلوا به وبزملائه داخل مراكز الحجز والاعتقال!. في العام 2007 صدر لي عن دار مدارك للنشر مؤلفي (عنف البادية) ،، وقائع الأيام الأخيرة في حياة عبد الخالق محجوب السكرتير السياسي للحزب الشيوعي السوداني. كما أصدرت لي دار هارامبي للنشر عام 2008 كتاباً بعنوان ( أرشفة الضحك ) 200 طرفة وملحة ذكية – الجزء الأول " وهو عبارة عن طرئف وحكايات سودانية حقيقية وغير مؤلفة في مختلف مناشط السودانيين" تحرير كتاب صدر عام 2012 عن أستاذنا الراحل التيجاني الطيب رئيس تحرير الميدان بعنوان (دفاتر الغياب والرحيل ) وهو عمل مشترك مع الأستاذة الصديقة إيمان عثمان سكرتيرة تحرير الميدان. دار مدارك للنشر عادت عام 2012 وأصدرت لي كتاب ( نور الشقايق،، السيدة فوز ،، هجعة في صفاتها ودارها وزمانها) ، تحرير كتاب سيرة غيرية عن القائد الشيوعي الجزولي سعيد بتقديم للأستاذة الجامعية الراحلة سعاد إبراهيم أحمد عنوانه (الجزولي سعيد ،، الثوري المهموم)، ولهذا الكتاب قصة مؤسفة ليس هذا مجال روايتها إلا في مناسبة لاحقة قريباً!.
* يا ريت إضاءات سريعة عن عملك القادم؟!.
بالمطبعة كتاب عن المطرب والرياضي الراحل وليم أندريا الذي أغتيل في احداث 2 يوليو 76، بعنوان أساسي ( زمن وليم أندريا) ،، وعنوان جانبي ( في تذكر غزال أسمر بنكهة نوستاليجيا السبعيات) مستعرضاً فيه سيرته الذاتية والتعريف به للأجيال التي لم تسمع به وبمأساته كونه مغني وقائد فرقة غنائية للجاز إضافة إلى أنه لاعب كرة سلة في الفريق القومي ، كل ذلك في أطار زخم السبعينات، وسيرى النور قريباً بتقديم من التشكيلي العالمي السوداني إبراهيم الصلحي. ثم عمل آخر بعنوان (الهجوم على حلة الشيوعيين) يوثق لواقعة حل الحزب الشيوعي السوداني والهجوم على دوره في العام 1965.
* أي أعمال في حقول إبداعية أخرى؟!.
+ قمت بإعداد مادة علمية لصالح قناة أبوظبي الفضائية حول الأقليات المسلمة في جمهورية هنغاريا أخرجها إبراهيم الجزولي وتم بثها في شكل حلقات رمضانية منتصف عام 1995 كما شاركت في إعداد حلقات وسهرات تلفزيونية وإذاعية، وقدمت لي المخرجة المصرية السودانية مروة زين فيلماً سينمائياً قصيراً عن قصتي القصيرة (رائحة أمرأة) كما قدم لي المخرج المسرحي السماني لوال عملاً مسرحياً عن قصتي القصيرة (بوابة قوس قزح).
عن الصفحة الثقافية بصحيفة الرأي العام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.