يبدو أنَّ (جُرَاب) المُتأسلمين لا يفرغ أبداً ويفوق كل ما دونه في (صُنْعْ) الأذى والتدمير لكل ما هو سوداني، ثمَّ التنصُّل عمَّا اقترفوه بلا حياءٍ، والانتقال بصورةٍ يُحسَدون عليها من فشلٍ لآخر، وتكرار ذات المشاهد العبثية لمسرحياتهم التي لا تنتهي إلا بالفشل والخيبة وتضليل العباد! في هذا الخصوص، وبحسب ما نقلته العديد من صُحُف الخرطوم، طالب حسبو محمد عبدالرحمن هيئة البحوث الزراعية بإصدار (فتوى علمية) بشأن (جدوى) زراعة القمح في السودان، وتحديد الاستمرار (في زراعته) أو (استبداله) بمحصولٍ آخر (بميزة تنافسية اقتصادية)! وفي سياقٍ ليس بعيد، أعلنوا – المُتأسلمين وأزلامهم – عن نجاح الأرز ال(هوائي) في الجزيرة، بإنتاجية وصفوها بال(مُتميزة)، وسعيهم لإدخال زراعته في خمس ولايات! و(بلغ) التضليل مداه، بإعلان وزارة الزراعة بالقضارف إدخال هذا الأرز ال(هوائي) في المنطقة الجنوبية لتنويع التركيبة المحصولية وال(توسُّع) في المحاصيل النقدية! وهي – أي القضارف – التي (فشلت) في تسويق المحصول الأهم نقدياً والأوفر إنتاجاً لهذا الموسم، وهو السمسم مما أدخل العديد من المُنتجين بمُختلف حيازاتهم في مشاكل الإعسار وبالتالي السجون، وهو موضوعٌ طويل لا يسع المجال لذكره وسنفرد له مساحة خاصَّة لو عشنا. الحقيقة التي يعرفها طالب سنة أولى زراعة أنَّ القمح يتأثَّر بمجموعة من العوامل تتنوَّع وتختلف في أثرها على نموه وإنتاجه كالحرارة والإضاءة والرطوبة وما إلى ذلك، وأنَّ زراعته تنجح في المناطق الباردة بصفةٍ أساسية، في درجات حرارة تتراوح ما بين 3-32 درجة مئوية بالنسبة لحبوب القمح، وأنَّ درجة الحرارة المثالية لزراعته هي 25 درجة مئوية بالنسبة للبادرات والأزهار ما بين 13-25 درجة مئوية، مع ضرورة تعرُّض نباتاته (أي القمح) خلال النمو إلى درجات حرارة مُنخفضة بما يُكسبها مزايا التغيُّرات النوعية اللازمة للتهيئة والإزهار بمُواصفاتٍ (قياسية). وبنحوٍ عام، تجودُ زراعة القمح في الفترة ما بين أكتوبر إلى ديسمبر بالنسبة للأصناف الشتوية. لذلك نجد أنه – وبحسب مُنظَّمة الأغذية والزراعة للأُمم المُتَّحدة (الفاو) – أنَّ أكثر دول العالم إنتاجاً للقمح هي الصين، الهند، الولاياتالمتحدة الأميركية، روسيا، فرنسا، كندا، ألمانيا، أوكرانيا، أُستراليا وباكستان. وبالنسبة للمنطقة العربية، فهي العراق وسورية ومصر والمغرب وبعض الدول الأخرى على ساحل البحر الأبيض المُتوسِّط ولكن بكمِّيات ليست اقتصادية، وتكاد تكون الدولة العربية الوحيدة التي اكتفت من القمح ذاتياً هي سورية، والبقية تستورد كمِّيات مُقدَّرة منه تتفاوت في أشكالها ومقاديرها تبعاً لحاجة كل دولة. هذه المعلومات كما أسلفنا معلومة بالضرورة لكل طالب زراعة، ناهيك من (مخلوقات) يسبقون أسماءهم بحرف الدال وال(باء)! وهو ما كان يجب الاهتمام به، قبل البدء بأي خطوة في هذا الإطار باعتباره – أي القمح – لا يُمكن إنتاجه بمُواصفات (قياسية) عالمية في ضوء مُتطلبات إنتاجه الواردة أعلاه سواء كان شتاءً أو صيفاً (فنحن ليس عندنا ربيع)! المُبكي في الأمر أنَّ القائمين على أمر السودان، وبعد ربع قرنٍ من الزمان، شهدت الزراعة فيها تدهوراً كبيراً، يطلبون فتوى حول جدوى زراعة القمح! وهم الذين دمَّروا مشروع الجزيرة تحت شعار نأكل مما نزرع، فقاموا بإيقاف زراعة القطن السوداني المُتمتع بميزة نسبية فريدة، ويجد طلباً كبيراً في السوق العالمية ليزرعوا مكانه ال(قمح) دون دراسة مُتأنية ومُتخصصة، ودليلنا التصريح الذي بدأنا به هذا المقال، بجانب ما كتبناه وكتبه غيرنا في حينه بخلاف الواقع الماثل أمامنا. فكانت النتيجة المحتومة الفشل في إنتاج القمح، وخسارة أسواق القطن ونجلب بعائده ما نحتاجه من غذاء وبقية المتطلبات، والأهم دخول مشروع الجزيرة في دوامة الفشل التي لم يخرج منها حتَّى الآن! ليأتي المُتعافي ويقضي على ما تبقَّى من أمل لإصلاحه، بإدخال القطن المُحوَّر وراثياً والذي كتبنا عنه أيضاً، وسنفرد له مساحة تفصيلية في مقالة لاحقة بحول الله! والغريبة أيضاً، استمرار التخبُّط بتبنِّي السودان – في عهد المُتأسلمين المشئوم – لما أسموه (مُبادرة الأمن الغذائي العربي)! وهو – أي السودان – كان يُعاني حينها من أزمة حادَّة في الخُبز، ولا تزال تتكرر بين الحين والآخر! ومن الواضح جداً أنَّهم – أي المُتأسلمين – قدَّموا مُبادرتهم الهايفة هذه دون دراسةٍ أو إدراك، وهو ما أوضحناه بمقالاتٍ رصينةٍ في حينه! فالعرب يحتاجون في غذائهم إلى القمح والأرز إلى حدٍ ما، وحينما طالبتهم الجامعة العربية بإعداد دراسات تفصيلية عن المُبادرة (التغذوية) المزعومة، فشلوا في تقديمها حتَّى الآن! وها هم ذا يُعيدون الفشل، ويسيرون بالسودان وأهله – بإصرارٍ غريب – نحو مزيدٍ من التدمير وهدر الموارد وفرص الإصلاح والنهوض الاقتصادي ب(فريَّة) جديدة أطلقوا عليها الأرز ال(هوائي)! وفي هذا الخصوص، وعقب الرجوع للعُلماء المُتخصصين في المحاصيل الحقلية والأرز بصفةٍ خاصة، والاستعانة بالأدبيات العلمية في هذا المجال، نجد بأنَّ الأرز ينقسم عموماً إلى نوعين أوَّلهما حسب مناطق النمو وتشمل المناطق المُنخفضة (Paddy rice) المغمورة بالماء ومردودها يفوق المناطق المرتفعة وتنحصر في السهول والوديان حيث الماء الغزير ككمبوديا وتايلند وبعض الهند وباكستان. وهناك أرز المناطق المرتفعة (Upland rice) في الهضاب والمرتفعات الغزيرة الأمطار (الهند 75% من إجمالي الإنتاج العالمي). ويُمكن تصنيف الأرز أيضاً حسب الحَبَّة وتشمل الأصناف قصيرة الحبات في الجزء الشمالي من المناطق شبه الاستوائية، والأصناف الطويلة الحبات في المناطق الاستوائية من آسيا. والسودان لا تتوفَّر به هذه المُتطلَّبات لإنتاجه بشكلٍ (اقتصادي)، وإنْ توفَّرت في بعض أجزائه تبقى مُشكلة الغمر التي يتطلَّبها الأرز وما يترتَّب عليها من آثار بيئية على الصحَّة العامَّة، فضلاً عن كميات المياه الكبيرة التي يحتاجها الأرز والتي يصعب توفيرها بالري لا سيما ما تناقص كميات المُتاحة للسودان بانفصال دولة الجنوب وما يترتَّب على إتاحة المياه مُستقبلاً مع قيام سد النهضة في ظل تذبذب الأمطار، وهي جميعها لا تدعم إطلاقاً التفكير في زراعة هذا المحصول أو جدواه الاقتصادية. أما عن الأرز الهوائي Aerobic، فهو يُواجه صعوبات كالحشائش وتمليح التربة والأمراض كاللفحة، بخلاف أنَّ نبات الأرز بحسب تركيبته يتنفس تحت الغمر بالمياه لوجود فراغات هوائية بالجُدُر يتنفس منها النبات فى وجود المياه حوله، كما يُكوِّن الغمر طبقة رقيقة مؤكسدة حول النبات تمكنه من امتصاص العناصر بسهولة ويسر وتجعلها مُتاحة للامتصاص والاستفادة منها. وفوق هذا وذاك، فإنَّ ظروف الغمر تُعطي إنتاجاً أعلى من الأرز، بعكس غياب الماء ولا يزال الأمر قيد التجارُب في كلٍ من البرازيلوالصين، وبمعنىً آخر أنَّ الدول التي تدعم مثل هذا النوع لم تصل بعد لإطلاق أحكامها بنحوٍ قاطع حتَّى يتبنَّاها الآخرون! كان لابد من هذا العرض والإشارات العلمية المُتخصِّصة باختصار، ليكون حديثنا مُستنداً لمعرفة وتلافياً لحجج المُتنطعين وال(مُدَّعين)، سينبروا دفاعاً عن تخريب المُتأسلمين للسودان وموارده ومُقدراته! ولكم أن تتخيَّلوا عقب ربع قرنٍ من التدمير، يُنادون ب(فتوى) علمية لمعرفة مدى مُلاءمة زراعة القمح وجدوى الاستمرار في زراعته من عدمه! فالسودان يتمتَّع بمزايا نسبية في إنتاج مجموعة من المحاصيل لعلَّ أبرزها القطن الذي كان رافداً رئيسياً من روافد الدخل القومي السوداني، ويقع عليه العبء الأكبر في تغطية بنود ومُتطلَّبات الميزانية السنوية للدولة، بالإضافة إلى إنتاج مجموعة الحبوب الزيتية والثروة الحيوانية! إلا أنَّ المُتأسلمين بهوسهم و(غبائهم) استبدلوا القمح بالقطن، فكان الفشل في إنتاج قمح بمواصفاتٍ (قياسية) عالمية ليس إلا لعدم مُلاءمة مناخ السودان لإنتاجه! وبدلاً من الاعتبار، يُعاودون الفشل والتدمير بأكذوبة جديدة أطلقوا عليها الأرز ال(هوائي)! إنَّنا مهما استعرضنا مساوئ المُتأسلمين، سنكتشف حُسن ظننا بهم، ونحتاج لكتبٍ ومراجعٍ وعهود لحصر واستعراض هذه المساوئ، التي يعْمَدون على استدامتها وتعميقها وتوسيع نطاقها لتشمل ما لم تشمله سابقاً، مُستندين في هذا إلى قدراتهم الفائقة وغير المسبوقة على الكذب والتضليل والإلهاء، ولا مجال لإيقاف كل هذا إلا بزوال هذه الجماعة الضارَّة والمُضرَّة.. وللحديث بقية.