أدركوا متحف السودان القومي الأوساخ، والعناكب، والظلام تسيطر عليه عوض الكريم المجذوب الزائر لمتحف السودان القومي يصاب بالحزن والدهشة لما آل إليه حال المتحف .. خاصة عندما يكون الزائر محتفظاً بصورة زاهية وجميلة لهذا المتحف العملاق. الآن ومنذ دخولك من البوابة الرئيسية تلوح لك آثار الخراب والانهيار، الأبواب الرئيسة تدلك من هيئتها أن هذا المكان لم تجر له صيانة منذ سنوات ، وما أن تتقدم نحو المبنى الرئيسي للمتحف يخيل إليك أن الكهرباء مقطوعة، فالظلام لا يشعرك بما أنت مقبل عليه . الصالة الرئيسية (الأرضية) والتي تبدو للوهلة الأولى أنها خالية من الآثار، فمعظم ما رأيناه في السابق لم نجده فالصالة فقدت الكثير من بريقها الأثري، وهي تبدو متماسكة بعض الشيء، ولكن بعض جدرانها أصابتها الشقوق بجانب الإضاءة الضعيفة جدا والتي تتسبب في عدم القدرة على قراءة ما هو مكتوب للتعريف بالتماثيل أو اللوحات . أما الطابق العلوي (الفترينات رغم حداثتها) فهي عامرة بالغبار، اظلام تام و(لمبات اقتصادية) على قلتها متناثرة هنا وهناك، وحتى الإضاءة الموجهة نحو اللوحات لا تريك اللوحة كما يجب، واللوحات نفسها سقط الكثير من أجزائها وتحتاج إلى ترميم ، وعند سؤالنا لأحد الموظفين لماذا هذا الاظلام الذي لا نتبين منه اللوحات أجابنا أن هذه اللوحات معالجة بمواد حافظة ولا تتحمل الإضاءة !!. بجانب أن الصالة شبه خالية من محتوياتها، وعند السؤال أين محتويات المتحف التي كنا نراها في السابق ، كانت الإجابة إنها في المخزن للصيانة منذ سنوات، وإن المخزن من كثرة ما به من آثار وصناديق بعضها قد يصيبه التلف. خرجنا من المبنى الرئيسي للمعابد الخارجية لنجد أن التدهور أكبر، كمية من العناكب بنت بيوتها، والأوساخ والنوافذ الصغيرة للتهوية فقدت الكثير من زجاجها ، و(النجيلة) أخذت تنبت في جنبات المعابد الداخلية، وأن من يقوم بنظافة المعبد لا يهتم بجمع الأوساخ التى يقوم بكنسها بل يضعها في أحد أركان حوائط المعبد، ويضع كذلك أدواته تحت الطاولات الأثرية والتي كانت تقدم فيها القرابين، واليوم عامل النظافة وجد أنها المكان المناسب لحفظ معداته، وعند سؤالنا عن عدد طاقم عمال النظافة في هذه المعابد، كانت الإجابة إنهن ثلاث نسوة، وكل معبد مخصص له واحدة!!. أثناء تجوالنا في المتحف التقينا بإحدى الزائرات التي بدا عليها الانزعاج لما آل اليه المتحف.. فقالت لنا بحسرة إنها قد صدمت بمنظر المتحف وما آلت إليه أحواله من إهمال ولا مبالاة من المرشدين، وعدم نظافة المتحف، فالقطع الأثرية مغطاة بالأتربة والأوساخ والتراب يغلب على رائحة المكان كما أن الإضاءة باهتة في كثير من الأماكن (فلمبات الكهرباء) تالفة في انتظار تغيير من الواضح أنه قد طال، والعناكب قد نسجت بيوتها في التماثيل والقطع الأثرية، وأضافت: لقد زرت المتحف في السنوات السابقة وفوجئت بالفرق الكبير، فالساحة الخارجية قد أصابها الجفاف والمعابد قد شوهت جدرانها بما كتبه الزوار من ذكريات وأسماء نحتت إلى جانب الكتابات الأثرية وما حملته الصخور المنحوتة من تاريخ . الطفل محمد عثمان كان حزيناً لعدم رؤيته للمومياء التي وعد برؤيتها وعدم وجود دليل يشرح له ما تحمله الآثار والقطع من تاريخ فقد خلت أغلب ساحات المتحف من شخص يشرح له ما أراد أن يعرفه. أحد الأجانب الزائرين للمتحف أوضح لنا انه لم يجد من يعينه في تفسير بعض ما أشكل عليه من معلومات نسبة لشح المرشدين خاصة في المعابد الخارجية. الزائر للمتحف يلحظ أيضًا أنه فقد حديقته الخارجية، فالأحواض التي كانت عامرة بالزهور والأشجار أصابها الجفاف، وهناك شجرة ضخمة يابسة تماماً تتوسط الحديقة لا أدري هل هي أثر يجب المحافظة عليه وهي يابسة بهذا الشكل . الكثير من أسلاك الكهرباء مكشوفة وعارية وهي بهذا الشكل تشكل خطراً كبيراً على حياة الناس . من المشاهدات أيضاً أن هناك محرقة للأوساخ تتوسط بعض الأحجار التي عليها نقوش أثرية. هذه حصيلة جولة خاطفة في متحف السودان القومي، ما كان الغرض منها أن نخرج بما جاء في السطور عاليه ، إنما كان الغرض رحلة للاستمتاع بعبق التاريخ ، ولكن وردنا المتحف بالشوق وعدنا بالغبار والحسرة . نقلاً عن الصيحة .