لا يوجد هنالك دليل هذه الايام اكثر وضوحا بان السودان دول فاشلة بامتياز وجدارة واستحقاق من الذي يدور الان في دارفور الذي يمثل نموذج ليغا الصراعات القبلية . برعاية قائد المسيرة المشير البشير والذي شاهدناه في ملاعب ولاية شرق دارفور من مقابلات حامية الوطيس بين فريقي المعاليا والرزيقات . والجدير بالذكر قام راعي الليغا المشير البشير بتسليح كل من طرفي الصراع بولاية شرق دارفور بالعديد من عربات الدفع الرباعي واسلحة ثقيلة وخفيفة وتحفيز كل الطرفين بشحنات عرقية للثأر من الخصم ، حيث بدأت المباراة في اجواء مشحونة بين الطرفين وقد غاب عامل الحكمة والخبرة والحنكة الادارية والرشد لتفادي الاحتكاكات واللعب الخشن خصوصا بعد تدخل قيادات نافذة بالمؤتمر الوطني من القبيلتين للتأجيج الصراع وازكا روح القبلية والعصبية المميتة وقد كان كل فريق يعي ان هذه المباراة لن تكون الا مزيدا من شلالات الدماء و اراقة للدماء الابرياء العزل خصوصا ان هنالك تجارب سابقة في اللقاءات الثنائية بين الفريقين مما شكل حالة الغبن وعمي البصيرة لدي العقلاء لايقاف نزيف الدم ومسلسل الموت المجاني وحقن دماء الأبرياء .المؤتمر الوطني يشرف علي هذا الدوري في هذا التوقيت وهو يعلم تماما ماذا يريد من مثل هذه اللقاءات الثناية.ولان هنالك عمليات استثمار وعائدات مالية ضخمة من مثل هذه المقابلات لانه ينشط سوق تجارة السلاح الذي يعمل فيه قيادات نافذه بالنظام لجلب السلاح من الخارج وافتعال المشاكل بين المكونات القبلية لكي يسهل عمليات بيع وشراء الاسلحة التي تستخدم في القتال ، ولاننا جميعا نعلم بان ليس هنالك مقدرة لقبيلة ما ان تستجلب الاسلحة والزخائر من الخارج وكذلك ليس هنالك قبيلة لها مصنع حربي لانتاج الاسلحة والزخيرة وكذلك يعلم النظام جيدا ان بقاءه في السلطة مرهون بتفكيك النسيج الاجتماعي السوداني عموما ودارفور خصوصا ولتنفيذ مشروعه العنصري البغيض بزرع الكراهية والعنصرية النتنة بين المكونات الاجتماعية واللعب علي المتناقضات مستغلا حالة الامية المتفشية في الاقليم بسبب عجز جهاز الدولة للقيام بواجباته تجاه مواطني دارفور بفتح مدارس مؤهلة وتوفير منهج يربي وينشئ الاجيال لثقافة التسامح وقبول الاخر واحترام الاختلاف والتنوع . في هذه الظروف المعقدة وعبر تواطؤ مصلحي لبعض انتهازي دارفور مع السلطة استطاع النظام وبجدارة ونجاح يحسد عليه تفكيك النسيج الاجتماعي الهش اصلا بالاقليم . مما يؤسف له ان هذه الحروب يخطط لها النظام عبر مثقفي ومتعلمي هذه القبائل ووقودها البسطاء والنساء والاطفال ويسترزق منه قارعي طبول الحرب وعبدة المال فاقدي الضمير الانساني . باكتمال هذه المباريات سوف يأتي الدور الي ماتبقي من مجموعة القبائل التي تعيش بالاقليم وخصوصا هنالك توترات في ملاعب شمال دارفور بين فريقي البرتي والزيادية ويمكن ان يقودا معارك ضارية تقضي علي ما تبقي من الاقليم ، كما تشهد ملاعب جنوب و غرب دارفور عمليات انتشار السلاح بايدي القبائل جراء التسليح الحكومي العشوائي مما يشير ان هنالك مقابلات ساخنة قادمة والان تطبخ في نار هادئة بالخرطوم (العاصمة التي تصنع الموت المجاني )تنتظر صافرة البداية في الشهور القادمة .هكذا للاسف الشديد يستمر مسلسل حرق الهامش السوداني باقليم دارفور في ظل صمت المجتمع الدولي والاقليمي وحيرة احزابنا السياسية ومنظمات مجتمعنا المدني ،لا شئ يؤلم اكثر من هذا. الان في هذه المرحلة الحساسة الذي يمر به بلادنا بمنعطف خطير وعملا باستخدام العقل بعيدا عن العاطفية الجياشة وبعد ان انفرد المؤتمر الوطني باكثر من ربع قرن بالسلطة واستخدم البطش واستبد الفقر والضيم باهالي دارفور واصبح القحط والمجاعة من جهة والقبلية وانتشار السلاح من جهة يسيطران علي المساحة الكلية لاقليم دارفور اصبح امامنا تحدي تاريخي واخلاقي ماثل وواضح كشمس الظهيرة وهو كيفية ايقاف نزيد الدم السوداني في اقليم دارفور باسم القبيلة. هذه الحروبات التي قضت علي الاخضر واليابس وفككت اواصر الترابط والتراحم بيننا لن يستفيد منها الشعب السوداني الا مزيدا من الفرقة والشتات بين ابناء الوطن والاقليم الواحد ويرجح كفة نظام الفساد والاستبداد الكائن بالخرطوم ويحرك هذه الحروبات برموت كنترول . وأعتقد أن تجربتنا السياسية والاجتماعية تقول لنا ان بلادنا لا يمكن ان تستقر دون وجود معالجات جذرية لكيفية وضع قوانين تنظم وتعالج مسألة العيش المشترك و الاعتراف بالجميع من منطلق مبدأ المواطنة الحقة و ليس المزيفة كما هو الحال اليوم في بلادنا الذي يقسم الناس الي قبائل متنافرة وتوزع لهم الحكومة السلاح سرا وعلانية فبالتالي يجب علينا ان نعي بذلك بدلا من الانزلاق في الحروبات القبلية المستمرة التي تحصد خيرة شبابنا و أعتقد العبرة من خلال التجربة السودانية غير مشجع للمضي قدما في هذه الحروبات مما ينذر في الافق القريب اننا علي بعد سنتمترات من حرب كل ضد الكل علينا ان نمتلك زمام المبادرة الشجاعة لانقاذ اهلنا من هذه المحرقة عبر العمل المشترك مع القوي الاجتماعية والسياسية ببلادنا واستنهاض الهمم والمضي قدما في طريق ازالة جرثومة السرطان الذي تغلغل في جسد دولتنا باسم الاسلام . اخيرا ما يجب التزكير إليه مرة تلو الاخري باننا نستطيع ان نتعايش بكل سلام وحب ونستطيع ان نردم الهوي بيننا والذي يجمعنا اكثر من الذي يفرقنا حيث لنا عمق تاريخي ضارب الجذور وثقافة وارض ودين مشترك، وعلي الرزيقات ان يتزكرو ان العدو لايوجد في ابوكارنكا وكذلك علي المعاليا ان يتزكرو ان العدو لايوجد في الضعين وعليهم جميعا ان يعلموا العدو الحقيقي يتمثل في نظام المؤتمر الوطني الذي يوزع لنا السلاح نهارا ويحرض فينا ليلا وهو يكمن في الخرطوم عاصمة صناعة الموت المجاني . ومن ناحية اخري علي حكماء وعقلاء ومثقفي دارفور يجب التحرك لإطفاء جذوة النار المشتعلة والسكوت حيال هذه المواقف انه جرما انسانيا و وطنيا سوف يسألنا التاريخ يوما عنه . مايو 2015 [email protected]