جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي: المدن التي تبنى على الإيمان لا تموت    الدعم السريع يضع يده على مناجم الذهب بالمثلث الحدودي ويطرد المعدّنين الأهليين    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    تقارير تتحدّث عن قصف مواقع عسكرية في السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    مانشستر يونايتد يتعادل مع توتنهام    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بالصور.. أشهرهم سميرة دنيا ومطربة مثيرة للجدل.. 3 فنانات سودانيات يحملن نفس الإسم "فاطمة إبراهيم"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاربة الفنومينولوجية للسياسي عند حنة أرندت
نشر في حريات يوم 14 - 06 - 2015

"ينبغي أن نتفادى كل سوء للفهم. فالطبيعة البشرية لا تتطابق مع الوضع البشري. ومجموع الأنشطة والمَلَكَات الإنسانية التي تكون الوضع البشري لا تشكل شيئا مما يمكن أن نسميه طبيعة بشرية"1[1].
إذا طرحنا مشكل الطبيعة البشرية بصورة فردانية بسيكولوجية أو بالمعنى الفلسفي العام فإننا لن نحلم بإمكانية انفراج هذا المشكل بمجرد تحويل السؤال عن الذات إلى الاهتمام المركزي للتفكير الفلسفي. علاوة على أنه يمكن تحديد ومعرفة وتعريف طبيعة الأشياء التي تحيط بالإنسان وتختلف عنه من جهة الوجود، ولكن لا أحد يمكن أن يفترض طبيعة ثابتة للبشر ولا أحد يدعي وجود ماهية ثابتة لهم تماما مثل الأشياء. في هذا السياق ترفض حنة أرندت إسقاط مقولات المعرفة الخاصة بالأشياء وكيفياتها الطبيعية على مقولات المعرفة الخاصة بالبشر باعتبارهم الجنس الأكثر تطورا في الحياة العضوية وتقر بضرورة طرح سؤال من نحن؟ وترى ماذا نكون؟ عند التوجه نحو فهم الوضع الإنساني وتطالب بطرح سؤال الهوية خارج إطار المثال الأفلاطوني وتدعو الى الكف عن النظر إلى الطبيعة البشرية من زاوية الألوهية التي خلقتها وعن مفهمة الملكات البشرية وكيفياتها وعن منح الطبيعة البشرية صفات إلهية خاصة بالإنسان الأعلى.وترى في المقابل وجوب الانطلاق من شروط الوجود البشري والانغراس في الحياة في حد ذاتها والتركيز على الفترة الممتدة بين الولادة والوفاة والتعامل مع التعدد والكوكبية بوصفها وضعيات الانتماء إلى العالم والانتباه إلى التهديدات المحدقة بالوضع البشري وما يترتب عنها من هشاشة وتلف وضياع وعطوبية ومداهمة وضرر2[2] . في هذا الصدد ما الذي حدث في الشأن السياسي؟ لماذا حدث كل ذلك العنف وتلك الحروب في المسرح التاريخي؟ وكيف أمكن حدوث ذلك الأمر المكروه؟ هل يمثل الوضع السياسي وضعا طبيعيا موروثا بالنسبة إلى الإنسان أم هو وضع مكتسب ثقافيا ونتيجة تجربة تاريخية مؤلمة؟ وبالتالي هل الإنسان خير ومسالم أم هو عنيف وشرير؟ وهل هو مدني بالطبع وبالضرورة أم كائن سياسي بالاصطناع والإكراه وقوة الوازع؟ ما الفرق بين السياسة والسياسي؟ ولماذا ارتبط الحكم بالأفراد والسلطة بالشعب والنفوذ بالتقاليد والتراث؟
تحاول أرندت أن تجمع بين المقاربة الفنومينولوجية والعلوم السياسية في دراسة الظواهر الاجتماعية والمؤسسات المدنية. من المعلوم أن الفنومينولوجيا هي تيار فلسفي حاسم قام بتجديد الفلسفة في القرن العشرين وبدأ مع هوسرل حينما حاول بلورة أسس الحقيقة العلمية والمعرفة الفلسفية والتجربة الحية وذلك بتفادي المقاربات النفسانية والوضعية واهتم بوصف الظواهر باعتبارها ماهيات معطاة عن الأشياء المدركة واستخدم الأبوخيا للرد على الموقف الطبيعي وتنبيه الوعي بغية الالتفات إلى الظواهر من خلال مفهوم القصدية وإنتاج المعنى بواسطة أفعاله. في حين أن العلوم السياسية هي أحد العلوم الإنسانية ظهر بعد الحرب العالمية الثانية وتدرس الظواهر السياسية وخاصة النظريات والأنظمة والتطبيقات والممارسات والسلوكات الفردية والجماعية والتوجهات العامة والرأي العام وتأثير جماعات الضغط وتطور القوانين ومضامين الدساتير وحقوق الإنسان والحريات وحقوق الشعوب وسيادة الأوطان.
لقد طرحت أرندت في خاتمة تمارينها السياسية الثمانية من كتابها المعنون "أزمة الثقافة" الإشكال التالي: هل أدى غزو الإنسان للفضاء إلى تزايد بعده الإنساني أم إلى الانتقاص منه وتدحرجه الوجودي3[3] ؟
هذا السؤال يسلم ضمنيا بأن الإنسان يوجد في المراتب العليا في سلم الكائنات وفي أفضل مكان في الكون ولكن التطور العلمي والتقني قد افقده هذا الامتياز وجعله يخسر نظرته التبجيلية لنفسه ويتبنى نظرة نسبية.
صحيح أن الإنسان عثر على النقطة الأرخميدية ولكنه استعملها ضد نفسه وقام بغزو للفضاء ونظر إلى الكوكب من الخارج وبحث عن نقطة خارج الأرض تمثل قاعدة ارتكاز في استكمال سيادته على الكون.
لكن الأخطر من كل ذلك ليس القضاء على التصورات المركزية الإحيائية وإنما تعويض الكلام الحي واللغة البشرية والمعاملات المادية المباشرة بالرموز الرياضية والعلاقات المنطقية والأبنية الصورية.
محصلة هذا التحول الكبير لا تنحصر في إزاحة الذات من مركز الكون والكف عن معاملتها بوصفها سيدة الكائنات وتقليص البعد الإنساني وتخفيض منزلته وإنما تتعدى ذلك نحو تحطيمه والقضاء عليه نهائيا4[4]. لكن هل من الممكن أن تكوين مجال سياسي خاليا من العنف والكذب في علاقة الدولة بالمواطنين وعلى المستوى العلاقات الدولية؟ بأي معنى يكون تثبيت السلام بشكل دائم بين الشعوب في العالم أمرا قابلا للتحقيق؟ كيف نفهم الإنسان بوصفه الكائن الوحيد الذي يتصرف بطريقة غير إنسانية؟ ومتى تنقلب الإنسانية على نفسها؟ وكيف صار التصدي لللاّإنسانية الاهتمام الأبرز في الفلسفة السياسية المعاصرة؟
من المعلوم أن الإنسانية لا تعني نوعا ولا طبيعة كونية بل تتميز بالأحرى بحرية غير موجهة أخلاقيا نحو تأسيس وجودنا وإنما يمكن أن تسقط في أفعال مضادة للإنسانية مثل القيام بالشر والكذب والعنف. ولذلك جعلت أرندت محور اهتمامها استشكال الشر الجذري والرد على عدم التفكير في تفاهة الشر والتعامل مع كل ماهو مخيف ومرعب ومسكوت عنه ومتكتم عليه وخاصة إذا ما تعلق الأمر بالإبادة الجماعية وقتل الأفراد الأبرياء والعزل في المحتشدات والتمييز القانوني والاستبعاد الاجتماعي ضدهم.
لقد ارتبطت الهمجية بالجريمة المنظمة من قبل الآلة الحربية والعقلية الأمنية الاستصالية وذهنية التفوق والعظمة وترتب عنها إلقاء المنبوذين في وضعيات غير إنسانية وحشرهم في ظروف مرعبة ومأساوية. إن القذف بمجموعة من الأفراد في الخارج ومحاسبتهم بمنطق الهوية ومعاملتهم باعتبارهم لا ينتمون إلى دائرة الإنسانية هو إجحاف في حقهم ومصادرة لكرامتهم وإغفال للآدمية وتبني نظرة فوق عنصرية.
غني عن البيان أن أرندت لم تجد تبريرا لهذه الممارسات ولم تعثر على مسوغ أخلاقي يشرع للكائنات البشرية إتيان أفعال لاإنسانية وشيطانية ولم تقتنع بصفات الرعونة والصفاقة التي تلتصق ببعض البشر.
هذه الأزمة التي عصفت بالنزعة الإنسانوية تسربت إلى مجمل أروقة الثقافة وطالت التربية والتعليم والاقتصاد والفنون ومست بالأساس العلاقات الاجتماعية والممارسة السياسية وأدى ذلك إلى توتير الوضع الإنساني. لقد ارتكبت الأنظمة السياسية جرائم في حق البشرية وألحقت أضرارا فادحة في حق الكائن مهما كان الطابع الذي تميزت به ومهما كان العنوان الذي لحق بممارساتها واصطبغ بآليات حكمها : طغيان tyrannie واستبدادdespotisme وشمولية أو كليانيةtotalitarisme وإمبراطوريةempire . لقد كان من الضروري بالنسبة للفكر المعاصر تحرير المجال السياسي من هيمنة النظرة المعيارية الميتافيزيقية التي جعلت فيلسوفا كبيرا مثل هيجل لا ينظر إلى الدولة إلا من زاوية مسلمات لاهوتية وهي مجيء الإله إلى الأرض بدل استثمار القارة المجهولة التي اكتشفها وهي التاريخ والتعامل معها بوصفها أرض النسبي.
عندما يوجد الفرد أو الجماعة في نظام شمولي فإنه يحرم من مرجعيات أخلاقية ويسلب حقوقه وحرياته وإنسانيته ويعامل معاملة سيئة ووحشية ويدرج في خانة الغرباء والأجانب والآخرين ويتم تسليط عليه لشتى أنواع الإهانة والتهكم والسخرية ويصل الأمر إلى حد الاستغلال والتوظيف والاستعباد والقتل.
لقد نحتت أرندت مفهوما جديدا في القاموس السياسي هو الشمولية نسبة إلى الفاشية والنازية والستالينية والماوية على السواء وميزتها عن الطغيان والاستبداد ومنحتها جملة من الخصائص والمحمولات الدلالية هي القانون الشمولي والرعب المعمم والإيديولوجيا وذوبان الفرد والمحتشد والعزل والإبادة الجماعية.
بيد أنها تعاملت مع الظواهر السياسية من زاوية فنومينولوجية إيتيقية وقدمت وصفا للوضع البشري بالاعتماد على مقولات الفلسفة الوجودية ونظرت إلى الطابع النشط والحركي للشأن الإنساني في مقابل الطابع التأملي والحياة النظرية السكونية وركزت على ثلاثة أنشطة كبرى يقوم بها الإنسان هي:
الشغل يتمثل في مواجهة ضرورات الحياة والمحافظة على البقاء
الحرفة تقوم بإنتاج مصنوعات تصلح للاستهلاك وتتميز بالدوام
الفعل هو ممارسة إنسانية لا تقتصر على العمل وتحقيق هدف وإنما تتعدى ذلك نحو التعبير عن الحياة وانجاز الكينونة وخاصة حينما يعبر عن تجربة هامة من إمكانيات الحياة بين المتساوين وتقاسم العيش مع الآخرين في فضاء عمومي يمكن أن يتحول إلى فضاء سياسي ديمقراطي إذا انتظم وفق المساواة والتميز.
لقد حرصت حنة أرندت على طرح المشكل الإنسانوي خارج تربة الحداثة وذلك بالخروج من الحياة التأملية نحو الحياة النشطة وتغليب الفعل السياسي الذي يرمز إلى الأبدية على النشاط الاقتصادي الذي يحاول إنقاذ ديمومة العالم وتخليد الآثار البشرية من مصنوعات ومنتوجات ووسائل معدة للاستهلاك.
إذا كانت الاهتمامات البشرية معرضة للعطب والتلف وهشة ومتناهية عندما يتم تداولها في السوق وعرضها في فضاء الظهور وتفقد معناها نتيجة الاغتراب وتفشي الاستهلاك والملكية والآلية فإن الارتقاء من الشغل إلى الفعل ومن الإنسان الصانع إلى الإنسان المدني قد يعيد للكلام ديناميكيته المولدة ويبعث في الفعل اقتداره على الإبداع وقد يجعل من الحياة إطارا مجسما للسعادة وتجربة ملموسة لتوطين الخير الأسمى. لقد طبقت أرندت المنهج الفنومينولوجي في السياسة وقامت بالتمييز بين الفضاء الخاص والفضاء العام ووصفت الفعالية السياسية بكونها اهتماما بشريا مركزيا يتنزل في إطار اجتماعيته وميله نحو المشترك والحياة المدنية ووظفت منوال تدبير المنزل في ترتيب أوضاع الدولة وجعلت من الصفحpardon أمرا لا يمكن الرجوع عنه وتعاملت مع الوعدpromesse بوصفه حدثا مستقبليا غير متوقع5[5]. غير أن المبادئ التوجيهية للفعل السياسي لم تقتصر على الصفح والوعد وإنما شملت التعدديةpluralité والعيش السويcoexistence الحرية وإرادة الحياة المشتركة volonté de vivre ensemble والصداقة والحقيقة والأملespérance والشهادة témoignage والخير والجليل.
كما ربطت أرندت بين الحكم السياسي والحكم الجمالي6[6] وتصورت مهمة السياسي على غرار مهمة كل من المؤرخ والقاضي والطبيب وهي إصدار الأحكام والتمييز بين الصادق والكاذب وبين المشروع وغير المشروع وبين السوي والمرضي وفي هذا الصدد ميزت بين الحس المشترك والحس السليم وجعلت ملكة التعقل هي قوة التمييز بين الوسائل والتدابير التي يجدر بالسياسي إتباعها في سبيل تحقيق نظام الغايات. لقد حاربت أرندت النزعة المحافظة conservatisme والممارسات الشمولية والهيمنة الإيديولوجية وذلك لانغلاقها ونشرها روح التعصب واللاّتسامح والتمييز والسلطوية وفي المقابل انتصرت إلى اللّيبرالية libéralisme لاحتكامها إلى المؤسسات القانونية وصونها الحرية وتنميتها المنافسة في إطار التعددية.7 [7] جملة القول أن الإيتيقا تدخل من هذه النقطة لإصلاح ما أفسدته الشمولية حينما جففت المنابع الأخلاقية للكائن البشري وذلك بأن تطرح من جديد إمكانية المصالحة مع عين الذات وتنمية قدرة الفرد على الوجود في علاقة مع ذاته دون تدخل السلطة الخارجية وفي التفكير الخلاق والتفاعل مع الآخرين والتعايش المشترك والاحترام الذاتي والتقدير بالنسبة للكرامة البشرية والعناية بالغير القريب والبعيد بوصفه تشريعا للرعاية بالإنسانية. لقد قامت بتجديد الفلسفة الأخلاقية والسياسية وافترضت قيام مجتمع خال من الشمولية والرعب والإيديولوجيا ويعتمد بالأساس على المواطنة الكاملة لكل الأفراد والأقليات دون استثناء أو تمييز. كما أنها نادت بتوفير شروط وجودية إنسانية تنعدم فيها أشكال التحطيم والعزل والتعذيب والقتل البطيء ويغيب عنها منطق تخليف الضحايا من أجل تغليب المصلحة العامة وتقوية الجبهة الداخلية ضد العدو الخارجي. " بهذا المعنى تكون السياسة والحرية متماهيتين وحين يتم التفريط في هذا النوع من الحرية فإنه لم يعد ثمة أصلا فضاء سياسي بالمعنى الخاص"8[8]. لكن كيف السبيل لكي يستعيد للكائن ذاته ويوقع حضوره في وضعه المتعدد الأبعاد؟ لماذا يخفق الإنسان في أن يكون سعيدا؟ وهل يبقى الإنسان سجين وضعياته المادية ومحدود بشروط وجوده أم بإمكانه الإنعتاق والتأثير والتجاوز والتغيير وصناعة ماهو مختلف وجديد؟ كيف يقتدر على وضع شروط وجوده بنفسه والتحكم في مصيره؟
الهوامش والإحالات:
[1] Hannah Arendt, Condition de l'homme moderne, édition Calment-Levy, Paris, 1983, p44.
[2] Arendt (Hanna), condition de l'homme moderne,op.cit.pp.19-20.
[3] Arendt (Hanna), la crise de la culture, huit exercices de pensée politique, édition Gallimard, Paris, 1972.p337.
[4] Arendt (Hanna), la crise de la culture, huit exercices de pensée politique, op.cit.pp354.355.
[5] Arendt (Hanna), condition de l'homme moderne, op.cit, pp. 265-274.
[6] ريكور ( بول )، العادل، الجزء الأول، ترجمة المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، قرطاج، تونس، طبعة أولى، 2003 صص.177-199.
[7] Arendt (Hanna), les origines du totalitarisme, édition Payot, Paris, 1990, chapitre 10.
[8] Arendt (Hanna), qu'est ce que le politique ?, Texte établi par Ursula Ludz, traduction de l'allemand de Sylvie courtine-Denamy, éditions du Seuil, 1995. pp.92-93.
المصارد والمراجع:
Arendt (Hanna), la crise de la culture, huit exercices de pensée politique, édition Gallimard, Paris, 1972.( la conquête de l'espace et la dimension de l'homme), pp337.355.
Arendt (Hanna), condition de l'homme moderne, édition Calment-Levy, Paris, 1983.
Arendt (Hanna), les origines du totalitarisme, édition Payot, Paris, 1990,
Arendt (Hanna), qu'est ce que le politique ?, Texte établi par Ursula Ludz, traduction de l'allemand de Sylvie courtine-Denamy, éditions du Seuil, 1995.
ريكور ( بول )، العادل، الجزء الأول، ترجمة المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، قرطاج، تونس، طبعة أولى، 2003.
كاتب فلسفي
[1] Hannah Arendt, Condition de l'homme moderne, édition Calment-Levy, Paris, 1983, p44.
[2] Arendt (Hanna), condition de l'homme moderne,op.cit.pp.19-20.
[3] Arendt (Hanna), la crise de la culture, huit exercices de pensée politique, édition Gallimard, Paris, 1972.p337.
[4] Arendt (Hanna), la crise de la culture, huit exercices de pensée politique, op.cit.pp354.355.
[5] Arendt (Hanna), condition de l'homme moderne, op.cit, pp. 265-274.
[6] ريكور ( بول )، العادل، الجزء الأول، ترجمة المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، قرطاج، تونس، طبعة أولى، 2003 صص.177-199.
[7] Arendt (Hanna), les origines du totalitarisme, édition Payot, Paris, 1990, chapitre 10.
[8] Arendt (Hanna), qu'est ce que le politique ?, Texte établi par Ursula Ludz, traduction de l'allemand de Sylvie courtine-Denamy, éditions du Seuil, 1995. pp.92-93.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.