محمود دفع الله الشيخ / المحامى ينسب للبروفيسور / عبدالله الطيب مقولة : " الجامعة آداب، وما عداها مهن تمتهن " . أى أن الدراسة الجامعية الحقيقية التى تكون بغرض تحصيل العلم وتوسيع المعرفة تتمثل فى كلية الآداب بكل فروعها وتخصصاتها، أما بقية الكليات فتكون الدراسة فيها بغرض التأهيل لممارسة عمل ومهنة. هذه المقولة بها شيئ من المعقولية والواقعية غض النظر عن مطلقها وصحتها ، خاصة إذا أسقطناها على كليات الطب والهندسة والاقتصاد والتجارة والقانون والبيطرة والزراعة…الخ، وغيرها من الكليات التى يتضح من مسماها أنها مخصصة لخدمة غرض وحقل معين. ولذا كانت حكومات الدول التى تعمل بأسس – ولازالت – تحدد نسبة القبول للدراسة الجامعية والكليات المعنية بالمهن بناء على الحوجة الحقيقية فى سوق تلك الأعمال والمهن، و من ثم مدى الحوجة كذلك فى الترفع فى الدرجات العلمية بغرض ترأس الكليات وعماداتها، فالأمر يتم بدراسة علمية واقتصادية لا ضربة لاذب وخبط عشواء ! فى سنوات سابقة كان بلدنا شأنه شأن البلدان النامية يولى اهتماما بالتعليم الفنى والصناعى لإدراكه التام أنه ما من سبيل للتنمية إلا بتجويد العمل الفنى والصناعى والذى يسير مع التعليم الأكاديمي حزوك النعل بالنعل فى درجة الإهتمام ، ومن ينظر -مثلاً – إلى الموقع الجغرافى الذى تم تخصيصه لمدرسة أم درمان الفنية المطلة على نهر النيل و مساحتها ودقة نظامها سيدرك من الوهلة الأولى حقيقة ذلك. وأبعد من ذلك، فعندما أدركت الحكومات مدى أهمية المعلم وضرورة تأهيله بغرض ممارسة العملية التربوية والتعليمية أنشأت لأجل ذلك معاهدا وكليات متخصصة فى هذا الشأن . قبل هذا كان بالضرورة بمكان أن تكون الدراسة الأكاديمية بالمدارس الأولية حتى المرحلة الوسطى ثم الثانوية دراسة كافية ووافية لبث قدر من التعليم يسمح بعدها بالتوظف والتثقيف الذاتى. فإذا اعدنا البصر كرتين لزمان منصرم حتى بداية سنوات التسعينيات لتبدى لنا بصورةٍ جلية أن معظم من تسنم وظائفا قيادية فى الخدمة المدنية أو إدارات البنوك أو الشركات الخاصة كانوا من حملة شهادات المرحلة الثانوية فقط لاغير إن لم يكن أقل ! جاءنا يوم وسنة أن خرج من بين ظهرانينا جماعة زعموا أنهم بمقدورهم إعادة صياغة الوطن وتغيير نهجه كله بصورة عامة و التعليمى على وجه الخصوص، فكان أن (تبسملوا وتحوقلوا ) ذات اجتماع وقرروا التوسع فى التعليم العالى، فجعلوا من خمس جامعات -نشأت على مراحل متعددة – ستا وعشرين جامعة، بخلاف المعاهد والكليات الخاصة ، ثم ألقوا بالتعليم الفنى والصناعى إلى مذبلة التاريخ ! ! يومها تحولت مدارس وخلاوى ومكاتب وخرابات ونواصى بفضل ( لافتة)- فقط لا غير- إلى جامعات! دون قاعات ولا محاضرين مؤهلين ، بل دون المعينات الأساسية المفروض توافرها فى أى كلية ناهيك عن جامعة! ثم صارت العملية التعليمية استثمارا وتجارة ! فماذا كانت النتيجة ؟! أعتقد أن سرد النتائج لن يعدو كونه تكرارا مملا وسخيف. وعليه، وبمناسبة مأساة إمتحان الشهادة السودانية التى صارت هى الموضوع الأساسى للصحافة الأردنية عقب واقعة تسريب تلك الإمتحانات لطلاب ارادنة نظير مقابل مالى من قبل فئات سودانية يفترض أنها أمينة على تلك الامتحانات، بجانب انشغال قدر معتبر من الصحافيين للزود عن حياض الوطن عبر الشتائم المضادة للإعلام الأردنى، أليس من الأولى بمكان الوقوف قليلا على تجربة التوسع فى التعليم العالى ومآخذه التعليمية و (الأخلاقية) والثقافية ، بجانب أثر ذلك على الوطن أولا ثم سمعته الخارجية ؟ ! ومن بعد، أولا يقع واجب على عاتق الجامعات ووزارة التعليم العالى بالتنسيق مع أجهزة الأمن بضرورة استدعاء وضبط وإحضار ذلك (الجيش الجرار) – الذى يعادل سكان دولة بكاملها- ممن (يدعون) أنهم حملة درجات الماجستير والدكتوراة والأستاذية للتحقيق معهم حول كيفية حصولهم على تلك الدرجات ؟!!!! فواقعة تسريب إمتحان الشهادة لاتعدو كونها مستصغر شرر ليس إلا ! محمود، ، ،