تتباين الأوضاع بشرق السودان بصورة مذهلة في مسألة التعليم، وتزخر بمفارقات غريبة، وتعاني مجتمعات الشرق بصورة كبيرة من ارتفاع نسبة الأمية والتسرب عن الدراسة بسبب الفقر، وأسباب تعليمية ومجتمعية، ومن بينها كذلك تدني مستوى التعليم، وبالطبع فإن تساقط الشباب والأطفال من التعليم بالشرق؛ لايحد من فرصهم في بناء مستقبلهم فقط ، بل يجفف مصادر البلاد البشرية. تقويم دراسي غريب : أثار قرار وزارة التربية والتعليم بولاية القضارف بفتح المدارس في(12- يونيو) الموافق (السابع) من رمضان، جدلاً وانتقادات واسعة وسط الرأي العام بالقضارف؛ لكون التقويم لايتناسب موضوعاً وظرفاً مع التاريخ الذي حددته الوزارة، أضف لذلك التجهيزات الضعيفة جداً للوزارة لبداية العام الدراسي، ويبدو أن الوزارة قد عدلت تاريخ التقويم بصورة مفاجئة ومبررات غير موضوعية، وقال لي خبير التعليم دكتور محمد المعتصم أحمد موسى:" في الواقع إن تحديد وقت فتح المدارس تقرر منذ (فبراير) الماضي، وأرسل مضمناً في تفاصيل نتيجة نهاية العام ، ليبدأ في (3 – أبريل) لمدارس وتلاميذ المجموعة (ب) التي تشكل أكثر من (70%)، وقد بدأ العام الجديد منذ ذلك التاريخ من دون أن يعلق عليه أحد، وأصبح من الصعب على الوزارة تعديل موعد البداية للمجموعة(أ) بعد أن حسم الأمر ببداية المجموعة(ب) قبل نحو(3) أشهر، لما يترتب عليه من اضطراب في الوقت المخصص لتنفيذ الخطة الدراسية التي تنتهي للمجموعتين نهاية (يناير) وبداية (فبراير) من العام (2017)، والراجح أن وزارة التربية وأولياء الأمور قد تفاجأ كلاهما بحلول شهر(رمضان) الذي كان ممكناً تداركه بتقديم وتأخير بداية ونهاية كل فترة دراسية"، إذن كان بإمكان وزارة التربية والتعليم بالقضارف تقديم بدء العام الدراسي بدلاً أن تُظهر تفاجأها بشهر رمضان ! وهي مسألة مثيرة للسخرية، وقد خلف بدء العام الدراسي الذي أعلنته وباشرته الوزارة؛ انتقادات حادة لوزارة التربية بالولاية التي باتت تشهد إخفاقات متتالية. إدارة الوقت : تعد مسألة إدارة الوقت من أهم العلوم والمسائل في عملية التعليم وغيرها، وقال لي خبير التعليم دكتور معتصم موسى:" الواقع أيضاً أن مسألة إدارة الوقت تمثل تحدياً حقيقياً أمام إدارات التربية التي يتأثر أداؤها دوماً بالوقت المخصص للتدريس، ومايترتب عليه من تحصيل دراسي كماً وكيفاً، فبينما العالم أجمعَ لمد العام الدراسي واليوم الدراسي نجد أننا في السودان أقل وعياً بأهمية الوقت في تحديد مخرجات نظامنا التعليمي؛ ونميل لإغلاق مدارسنا وحتى جامعاتنا بمررات غير كافية للإغلاق، مما يعكس درجة عالية من اللامبالاة بتلك المخرجات التي تحدد مستقبل بلادنا بين بلدان العالم المتقدم، ويجعلنا أبعد مانكون قدرة على تنفيذ شعار الخطة الاستراتيجية وبناء أمة متقدمة ومتطورة ومتحضرة بإنسانها فتعتني ببنائه كما ينبغي"، إذ أثر عدم الاهتمام بالوقت بصورة سالبة على مخرجات التعليم ومسيرته بشرق السودان ، وكما ذكر دكتور معتصم فلم تقتصر المسألة على مدارس الأساس أو الثانوي؛ بل الجامعات أيضاً أصبحت لاتبالي بعامل الوقت، فالكثير من الكليات تكمل كورسات مقرر لها أكثر من(مائة) يوم لدراستها في(7) أيام فقط !! مما ينعكس بصورة سالبة على مدى فهم الطلاب وبالتالي ضعف النتائج المتوخاة، وأيضا مزيداً من التسرب لأسباب أكاديمية من بينها هذه المسألة. للمرة الثانية على التوالي القضارف خارج المائة : للمرة الثانية على التوالي خرجت ولاية القضارف من ضمن المائة الأوائل في الشهادة السودانية ، ورغم أنه في الآونة الأخيرة أصبحت تشكل الولايات بمدارسها وطلابها حضوراً قوياً ضمن المائة الأول للشهادة السودانية في كل عام، وخاصة هذا العام الذي احتفى بتسجيل أبناء معظم الولايات لنتائج متقدمة ضمن المائة الأوائل، إلا أن وزارة التربية والتعليم بالقضارف عجزت للعام الثاني على التوالي في أن تضيف طالباً واحداً أو مدرسة واحدة ضمن أوائل البلاد، واختارت القضارف أن تكون خارجاً، مما يشير إلى أن ثمة اختلالات واضحة في أداء الوزارة المعنية بأمر التعليم، ويقول دكتور معتصم أحمد موسى – في رسالة رقيقة بعث لنا بها-:" لابد من سرادق للعزاء بخروج نجباء من الولاية من المئة الاوائل"، ويضيف قائلاً:" لن يحدث تغيير للأحسن إن لم نأخذ هذا التأخير بجدية، نعرف أسبابه، ونعمل على تجاوزها "، ويمضي الخبير التعليمي دكتور معتصم في وصفه وتحليله لما جرى في القضارف، وقال لي:"إنه ببساطة؛ مؤشر صادق لفشل النظام والتنظيم المدرسي بولاية القضارف، فليتحمل كل منا مسؤوليته بشجاعة بدون لف ودوران" ويختتم حديثه بقوله :" لابد من الاعتراف بوجود خلل يتطلب المعالجة، ومشكلة بحاجة لحل"، لكن الحكومة دائماً لاتستوي مشاعرها تجاه النقد، وبصفة خاصة الموثق والمكتوب، وبالتالي فإننا نتوقع أن تفلسف وزارة التربية والتعليم بالقضارف مسألة خروجها المتوالي من ضمن الأوائل، وعجزها عن منافسة الولايات بحج ومبررات واهية، يفضحها الواقع الماثل. لنستبين مسألة الشهادة السودانية، وماتمثله وتعنيه كمؤشر قياس؛ وجهنا سؤالنا للدكتور معتصم ، فأجاب قائلا: "امتحان الشهادة الثانوية أو ما يطلق عليها الشهادة السودانية؛ تمييزا لها وتأكيدا على عالميتها، وقد كانت قديما تطبع في لندن، أيام الحكم الانجليزي، وكانت ترتبط بامتحانات المستعمرات البريطانية لضبط جودتها"، ويواصل قائلا:" امتحانات الشهادة السودانية تعد واحدة من أهم المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها في تقويم عملية بناء الانسان المتعلم، وبالتالي فشهادة بهذه المواصفات من الطبيعي أن تجد الاهتمام من الرأي العام"، ويتقدم دكتور معتصم بالنصح لوزارة التعليم العام الاتحادية لتأخذ بالآراء والانتقادات التي تقدم لها، وقال لنا:" من الضروري أن تضع الوزارة الاتحادية آراء الناس حولها في الاعتبار بغض النظر عن حكمهم حولها فشلاً أو إيجاباً، وقد حان لمن يتولى أمرها أن يستمع لما يبكيه ولايضحكه طالما أن (الجِمال لاسبيل لها أن ترى عوجة رقبتها) وقد قيل: (بارك الله في رجل أهداني عيوبي)، والمؤمن مرآة أخيه، ولايجب أن ينظر المسؤول لمن ينتقده من باب الشماته أو التقليل من قدره ، بقدرما يجب أن ينظر للنقد ببعده الإصلاحي التقويمي، ويشكرالناس على ذلك". كسلا تشكو : تشكو ولاية كسلا من ارتفاع نسبة الأمية بصورة كبيرة، وضعف الإقبال على التعليم، وارتفاع معدلات التسرب في مختلف مراحل التعليم، وبحسب إحصائيات رسمية فإن من (54%) فقط من الذين سجلوا للدخول في مرحلة الأساس أكملوا تعليمهم للصف الثامن !! بشرق السودان، وربما تقل هذه النسبة بصورة أساسية بولايتي كسلا والبحر الأحمر، ويعد الفقر السبب الرئيسي للتسرب الدراسي بشرق السودان، بجانب الاختلاط بين البنين والبنات بمدارس الأساس من أهم أسباب إحجام الكثير من الطلاب والطالبات عن الدراسة وتهربهم منها. نواصل في الحلقة القادمة والأخيرة.