سلطة الطيران المدني تصدر بيانا حول قرار الامارات بإيقاف رحلات الطيران السودانية    القائد العام يشرف اجتماع اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمات بولاية الخرطوم – يتفقد وزارة الداخلية والمتحف القومي    الجمارك تُبيد (77) طنا من السلع المحظورة والمنتهية الصلاحية ببورتسودان    لماذا اختار الأميركيون هيروشيما بالذات بعد قرار قصف اليابان؟    الدعم السريع: الخروج من الفاشر متاح    12 يومًا تحسم أزمة ريال مدريد    تشكيل لجنة تسيير لهيئة البراعم والناشئين بالدامر    هل تدخل مصر دائرة الحياد..!!    التفاصيل الكاملة لإيقاف الرحلات الجوية بين الإمارات وبورتسودان    بدء برنامج العودة الطوعية للسودانيين من جدة في الخامس عشر من اغسطس القادم    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    "واتساب" تحظر 7 ملايين حساب مُصممة للاحتيال    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    كلية الارباع لمهارات كرة القدم تنظم مهرجانا تودع فيه لاعب تقي الاسبق عثمان امبده    بيان من لجنة الانتخابات بنادي المريخ    رواندا تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال ما يصل إلى 250 مهاجرًا    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    شاهد بالصورة.. بعد أن أعلنت في وقت سابق رفضها فكرة الزواج والإرتباط بأي رجل.. الناشطة السودانية وئام شوقي تفاجئ الجميع وتحتفل بخطبتها    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص خطبة المهدى فى عيد الفطر المبارك
نشر في حريات يوم 09 - 07 - 2016


بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة عيد الفطر المبارك
الأربعاء غرة شوال 1437ه الموافق 6 يوليو 2016م
الخطبة الأولى
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر
الحمد لله الوالي الكريم، والصلاة على الحبيب محمد وعلى آله وصحبه مع التسليم، أما بعد
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز،
أشارككم العيد وصلاة العيد باسمي وباسم مؤسسة هيئة شئون الأنصار، وبعدي منكم ليس عقيماً بل مثمر في أكثر من مجال لذلك:
لئن أنا أحمدت اللقاء فإنني لأحمد حينا للفراق أياديا
وهو على أية حال فراق بالجسد لا بالروح والعقل والقلب كما قال صاحب البردة الجديدة:
وَسُنَّةُ اللهِ في الأحبَابِ أَنَّ لَهُم وَجْهَاً يَزِيدُ وُضُوحَاً كُلَّمَا اْبْتَعَدَا
أحبابي،
أحكام الإسلام أصلها رباني لذلك تعمل على تهذيب الإنسان في كل الجوانب.
فللصيام معانٍ متعددة، إنه واجب في شهر رمضان. شهر بدايته ونهايته كانت برؤية الشهر، ولكن الآن توجد وسائل علمية دقيقة لمعرفة الشهر ما يوجب أن نعتمدها ولا نتمسك برؤية الشهر، فالرؤية كانت وسيلة لا شعيرة. والعلوم الرياضية والطبيعية هي من سنن الله في الكون لأنه تعالى قال: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) . عالم الشهادة متاح لمعرفتنا بالوسائل العقلية والتجريبية والواجب اكتشاف سننه: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ؟) .
وظائف الصيام الأربع هي: التقوى روحياً، وتعليم الصبر أخلاقياً، وكسر العادة المفيد صحياً، وممارسة تعبد جماعي يشير لوحدة الأمة.
وإخراج زكاة الفطر سنة وتجب على كل فرد منا ومقدارها اليوم 16 جنيهاً، والمستحب إخراجها منذ بداية رمضان، ووظائفها: مغسلة لما يجرح الصيام روحياً، ودعم مشاعر الإخاء بين الناس أخلاقياً، وبث التكافل بين الناس دعماً للنسيج الاجتماعي.
والعيد صلاته مظاهرة إيمانية روحياً، ومناسبة للتعافي والتصافي بين الناس أخلاقياً، ومناسبة لمسرة مشتركة بين الأجيال تربوياً، وفرصة للتزاور والتهادي بين الناس اجتماعياً.
أحبابي،
كثيرون يتساءلون ما هي وظيفة الإمامة ما أوجب بيان فقه الإمامة وما نمارسه باسمها.
للإمامة أربعة معاني هي:
إمام الصلاة ويستحب أن يكون أقرأ الجماعة للقرآن أي أحفظهم. والأفضل أن يكون أفهمهم لمعاني القرآن لأنه تعالى يمدح (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) . بعض الناس يتلون القرآن في الصلاة كأنهم يسمعون نصاً. وبعضهم كأنهم ينشدون إنشاداً ولكن المطلوب أن يتلو تلاوة مناجاة.
ثانياً: هنالك إمامة المعرفة كأن يطلق لقب إمام بحق لأئمة الاجتهاد. ويطلق على المتفوقين في العلوم كأئمة اللغة أو النحو وهلم جرا.
ثالثاً: هنالك الإمامة الكبرى أو الخلافة الكبرى وهي رئاسة لكل الأمة في شئون الدين والدنيا. هذه الخلافة الكبرى هي ما مارسه المسلمون لولاية الأمر، ولكنها لم تمارس على نمط واحد فخلافة أبي بكر (رضي الله عنه) كانت فلتة أي بالأمر الواقع، وخلافة عمر (رضي الله عنه) كانت بالتعيين، وخلافة عثمان (رضي الله عنه) كانت باختيار كلية انتخابية. خلافة علي (رضي الله عنه) كانت بتوافق أهل المدينة. أي في كل حالاتها كانت الخلافة بقرار بشري لا بأمر إلهي.
ولعدم وجود مؤسسة للتداول كانت عرضة للاغتيال وللفتن. والنتيجة أن الخلفاء الراشدين الأربعة ماتوا مقتولين (اغتيال أبي بكر كان بالسم حسب بعض الروايات). والخلافة في أطول عمرها الأموي والعباسي والعثماني كانت ملكية توارثية بلا دستور يضبطها، لذلك اغتيل خمسة من خلفاء بني أمية، واغتيل 12 من خلفاء بني العباس، وصدر قانون عثماني يسمح لمن يتولى الخلافة أن يقتل أخوانه منعاً للفتنة. كانت تلك الممارسات متناقضة مع أهم مبادئ الإسلام السياسية وهي الشورى، والعدالة، والحرية. لذلك نحن لا نقول بإحياء هذه المؤسسة بل ندعو أن تكون مؤسسة الحكم قائمة على المشاركة، والمساءلة والشفافية، وسيادة حكم القانون، ونعتقد أن مبادئ وأحكام الإسلام القطعية هي الحواضن لهذا النهج.
ويقول أخوتنا الشيعة لا سيما الاثني عشرية بإمامة 12 بدءاً بالإمام على ثم ابنيه ثم حفدة الحسين رضي الله عنه. يرون أن هؤلاء الأئمة بتعيين إلهي وأن واجب الأمة طاعتهم. لا توجد نصوص قطعية تدعم موقفهم. لهم أن يؤمنوا بما شاءوا من اجتهادهم ولكننا لا نقول بهذه الإمامة وهي على أية حال لم يتعد الإيمان بها شيعتها، ولم تمارس في الواقع إلا في عهد الإمام علي رضي الله عنه. في غيبة الإمام الثاني عشر نحت الإمام الخميني فكرة ولاية الفقيه وهو مفهوم غير مقبول بالإجماع وسط الشيعة الإثني عشرية أنفسهم. وكثير يقولون نعم لولاية الفقيه في الأمور الشعائرية أما في عامة شئون الناس فالولاية للإمامة.
على أية حال نحن لا نسعى لإقامة خلافة أو إمامة بهذه المفاهيم ونرى أن تكون ولاية الأمر بما ذكرنا من اجتهاد. إمامتنا الآن لا صلة لها بهذا المفهوم للإمامة.
رابعاً: إمام بمعنى مقدم على جماعة وهي إمامة لها أصل قرآني إذ قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) . إمامتنا هي رئاسة لجماعة مؤمنة هي التي تضع أسسها مراعية الواجب والواقع.
صحيح مفهوم الإمامة في تاريخنا مر بمراحل، ولكن يحكم كل مرحلة مبدآن حددهما الإمام المهدي: أن يتولاها من تقلد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المؤمنين؛ وتلتزم بضابطين هما: مراعاة الكتاب والسنة، ومراعاة مستجدات الظروف على حد تعبير الإمام المهدي: "لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال".
ومن باب مراعاة الظروف فقد صارت الإمامة مرتبطة بهيئة شئون الأنصار. نقول: يمكن لأي شخص أن يسمي نفسه أنصارياً فالأمر مفتوح بأمر إلهي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ) . ولكن أنصاريتنا مرتبطة ببيعة جددنا نصها لإمام منتخب لا لحسبه أو نسبه بل لمؤهلاته واختيار الأنصار له. وهو مع بيعته لا يعمل منفرداً بل عبر هيئة شئون الأنصار، وهي نفسها تعمل بموجب دليل أساسي وتقودها أجهزة منتخبة.
العلاقة بين الأنصارية والسياسة مرت بمراحل. المرحلة الحالية توجب التمييز الوظيفي بين العمل الدعوي الأنصاري والعمل السياسي الحزبي، وتوجب أن يكون الانتماء إليها عن طريق البيعة والموافقة على الدليل الأساسي.
إن لهيئة شئون الأنصار في تكوينها الحالي ثمان وظائف هي: الدعوة والإرشاد، الاجتهاد في معرفة الواجب والإحاطة بالواقع والتزاوج بينهما، التربية، الاهتمام بالمعيشة، الاهتمام بالخدمات الاجتماعية، الاهتمام بعافية المجتمع، المحافظة على التراث الأنصاري، وتوثيق العلاقات مع مجموعات أهل القبلة.
ليس للهيئة وظيفة حزبية ولكن في حالة أن يكون الوطن في خطر عدوان داخلي، أو خارجي، فإن الهيئة تقوم بدور وطني في الدفاع عن مصالح أهل السودان المعنوية والمادية.
ولكن كيف يمكن أن يقال هذا وإمام الأنصار الآن هو رئيس لحزب سياسي؟
هذه الظاهرة سببها التشويه الذي فرضته ظروف مرحلية، وسوف تنتهي بانتهاء تلك الظروف الشاذة، وسوف يتولى الإمامة شخص تقي، وطني، ليس قيادياً في حزب سياسي، منتخب مبايع.
فالهيئة تخص أعضاءها من الأنصار، والحزب السياسي مفتوح لعضوية الأنصاري وغير الأنصاري، والمسلم وغير المسلم.
إن لوظائف الهيئة الآن في السودان واجباً ملحاً للأسباب الآتية: التهريج باسم الدين إذ ترتكب الفظائع والمظالم ويستشهد بالآيات والأحاديث ما أدى لحركة ردة عن الإسلام واسعة. والفهم المنحرف للنصوص غذى اتجاهات توالي القاعدة وداعش.
هذه المجالات تستدعي اهتماماً كبيراً بالدعوة والإرشاد.
التربية لا تقف عند حد التربية المدنية، بل تشمل التربية المدنية لمواجهة انهيار الأخلاق الذي بلغ مداه وانفتح الباب لأول مرة لانحلال غير مسبوق وإدمان للمخدرات.
وتشمل التربية غرس روح الجهاد بكل معانيه في الأجيال؛ وانهيار الخدمات التعليمية والصحية يوجب الاهتمام بجهد أهلي لسد الثغرات.
وانتشار نسبة الفقر والعطالة لدرجة غير مسبوقة يوجب تنفيذ برامج لاحتواء الفقر والعطالة.
والمجتمع السوداني اليوم يعاني تفككاً في كيان الأسرة كبيراً. فنسبة الشباب الذين يتزوجون في حدود 25%. وحتى هؤلاء فإن نسبة الطلاق بينهم كبيرة. كشف تقرير اعتمد على إحصائيات مراكز التعبئة والإحصاء الرسمية العربية إن المجتمع السوداني يشهد 20 حالة طلاق كل ساعة. بل قال مأذون شرعي بالخرطوم لصحيفة (في مايو 2013م): الواحد صار يطلق الناس أكثر مما يعرس لهم.
والمآسي الإنسانية في معسكرات النازحين واللاجئين تستوجب اهتماماً أهلياً مكثفاً بإزالتها.
هذه أولويات مهمة.
وهنالك أولويات دعوية تستوجب الاهتمام بتوحيد كل التكوينات الدينية الدعوية والصوفية في ميثاق لوحدة المسلمين. وفي نطاق عام فإن الفتنة المشتعلة حالياً بين أهل السنة والشيعة تستوجب العمل الجاد لمصالحة أجنحة الأمة الإسلامية. والتوتر بين المسلمين وأهل الكتاب يستوجب سرعة إبرام ميثاق الإيمانيين.
نهجنا الدعوي هذا ما سوف نبذل كل جهدنا لتحقيقه وجهاً من وجوه الجهاد في سبيل الله. ومع وضوح رؤيتنا لا نكفر نهج غيرنا بل نلتزم في التعامل مع كل من يختلف معنا في أمر الدعوة قاعدة: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) . (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) .
وجاء في الأثر: لا بر فوق الإيمان بالله والنفع للناس ولا شر فوق الكفر بالله والشر للناس.
أقول قول هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الثانية
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد-
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز،
أقول: لا يحق لأحد التحدث باسم الله ولا باسم الإسلام بل يتحدث باسم اجتهاده هو، وإن دعمه بشواهد حسب فهمه لها من نصوص الوحي. لذلك ننكر عبارة إسلام سياسي بل الصفة الصحيحة أن نقول سياسة إسلاميين.
نحن إسلاميون ذوو اجتهاد فكري سياسي سميناه التقدمية المؤصلة: تقدمية بمعنى استصحاب فكر إنساني قويم، ومؤصلة بمعنى أن لهذا الاستصحاب مرابط في فهم مقاصدي للنصوص المقدمة. قال تعالى واصفاً لآيات في كتابه (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) أي هن مقاصد الكتاب. ويظهرها تدبر القرآن (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا؟) نقول بفهم مقاصدي لنصوص الواجب وفهم محيط بالواقع، ونزاوج بينهما.
يموج الواقع اليوم بسبعة قوى فكرية ترجى مراعاتها، هي:
هذه الولاءات الوطنية، والقومية والأفريقية، والعالمية، تستصحبها الرابطة الإسلامية في دوائر ولاء خماسية تتداخل ولا تتناقض في هندسة اجتهادية.
هذه هي معالم التقدمية المؤصلة التي نعتبرها صالحة لبناء الوطن، والتوفيق بين التأصيل والتحديث.
ولكننا لا نستطيع الدعوة لاجتهادنا الفكري والسياسي كما لا يستطيع غيرنا لأن البلاد مذ 27 عاماً يحكمها اتجاه واحد يفرض رؤية حزبية فطيرة على الآخرين مستخدماً آلية حزبية، وكوابح أمنية، وتوجيهات إعلامية مهما تفنن في استخدامها لاحقه الإخفاق في مجالات كثيرة، ويقف الآن محاصراً ومعزولاً، لو كانت سياساته ناجحة لصار مهندس بناء الوطن كما كان مهاتير محمد لماليزيا، وغيره.
لقد عايشنا انهيار نظامين على شاكلة هذا النظام، انهياراً عندما بلغت الأحوال كتلة حرجة. وهذه الصفة الآن ظاهرة لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. هذا الموقف لا يقال فيه هل من انتفاضة؟ بل متى وكيف ستكون الانتفاضة.
ولكن هذه المرة فتح النظام مخرجاً عن طريق حوار الوثبة.
ومع أننا قاطعنا حوار الوثبة في عهده الأول البادئ في يناير 2014م منذ أغسطس 2014م ثم في عهده الثاني منذ أكتوبر 2015م فإن الحوار في توصياته تبنى كثيراً من مطالب الشعب السوداني المشروعة. وأهمها: المطالبة بوقف الحرب وتحقيق السلام. والمطالبة ببسط الحريات العامة. والمطالبة بحكم قومي يديره رئيس وزراء ذو صلاحيات تنفيذية. واعترافهم بأن حوارهم ناقص يرجى أن يكتمل بالحوار مع الذين لم يشاركوهم.
الأستاذ هاشم علي سالم مشكوراً زودنا بنسخة من توصيات الحوار الداخلي ووجدناها بعد دراستها فيها كثير مما نحن ندعو إليه، وإن لم تغط كل مطالبنا. وإلى جانب توصيات حوار الوثبة فكل المثقفين والمفكرين الذين أيدوا النظام الحالي في بدايته اعتزلوه وكتبوا ينادون بنظام جديد.
وقدم اثنان وخمسون من المواطنين الذين يمثلون طيفاً عريضاً من الفكر والرأي السياسي في البلاد مذكرة تطالب بحكم قومي يفضي لنظام ديمقراطي جديد.
هذه الآراء لا يمكن لعاقل أن يهملها بل الاهتمام بها واجب وطني.
نحن لسنا بعيدين من هذه الاجتهادات لا بمعنى الاتصال بأصحابها، ولكن بمعنى المناخ الفكري والسياسي الذي ساهمنا في تكوينه في البلاد.
كلف مجلس السلم والأمن الأفريقي آلية رفيعة برئاسة السيد ثامبو أمبيكي وكلفت بأمر السلام في السودان وفي دولة جنوب السودان.
وفي مارس 2016م دعا السيد ثامبو أمبيكي وفداً مختاراً من صفوفنا يمثلون قوى إعلان باريس ووفداً من الحكومة السودانية. وبعد التداول مع الوفدين قدم لنا خريطة طريق من سبع نقاط. واقترح علينا التوقيع عليها لتكون الإطار للحوار الوطني الجامع المنشود.
كان في هذه الخريطة إيجابيات للمصلحة الوطنية السودانية أهمها:
رغم هذه الايجابيات في نظرنا وقعت الحكومة السودانية على خريطة الطريق، ولكننا لأسباب فصلناها في مذكرة تفاهم أرسلتها باسم جماعتنا للسيد ثامبو أمبيكي (أهمها رفضنا لاعتبار حوار الوثبة هو الحوار الوطني وعلى الآخرين أن يلحقوا به، والتمسك بالمؤتمر التحضيري أو الحوار التمهيدي لضبط الحوار ورئاسته وآلية التنفيذ) أحجمنا عن التوقيع، واقترحت في المذكرة أن يوقع عليها –أي على مذكرة التفاهم- لنوقع على خريطة الطريق.
رد السيد أمبيكي على خطابي له بأنه حول مقترحاتنا بخصوص مذكرة التفاهم للحكومة السودانية بتاريخ 20/6/2016م. هكذا وصل الموضوع لطريق مسدود.
ولكن السياسة والدبلوماسية لا تعرف الطريق المسدود. وساهم كثيرون في تحريك الأمور فكتب لي السيد أمبيكي خطاباً آخر بتاريخ 23/6/2016م. عنون الخطاب لي بصفتي رئيساً لحزب الأمة وعضواً في نداء السودان.
هذه جديدة لأنه كان لا يخاطب نداء السودان وكان عذره أن نداء السودان لا يؤمن بالحل السياسي. خطاب السيد أمبيكي الثاني بعد التشاور مع كل الأطراف المعنية كان خالياً من التوقيع على مذكرة التفاهم، ولكنه قدم مقترحات للتعامل الايجابي معها. ما يفتح الطريق إذا وافقنا عليها لتوقيعنا على خريطة الطريق وبالتالي فتح المجال للحوار الذي مهما اختلفت التسميات فهو في الحقيقة استجابة لقرار مجلس السلم والأمن الأفريقي رقم (539).
إذا انعقد الاجتماع التمهيدي هذا فانه سوف يقرر إجراءات بناء الثقة المطلوبة وهي: وقف إطلاق النار، توصيل الإغاثات الإنسانية لمستحقيها، تبادل الأسرى، إطلاق سراح المحبوسين، إلغاء الأحكام العقابية الصادرة. وفي نفس الاجتماع سوف يتفق على أجندة الحوار المزمع إجراؤه داخل الوطن.
هذه الأمور كلها بما فيها خطاب السيد ثامبو أمبيكي لي بتاريخ 23/6/2016م سوف تبحث في اجتماع قيادة نداء السودان المزمع مباشرة بعد العيد. والغالب أننا سوف نتجاوب مع التطورات الايجابية. ولا يفوتنا أن نشكر السيد ثامبو أمبيكي وأعضاء الهيئة الأفريقية العليا ومجموعة الترويكا لا سيما السيد دونالد بوث على اهتمامهم بالسلام والتحول الديمقراطي في السودان.
أقول: الحوار الوطني صار له ثقل متراكم سوف يبلغ قمته في الحوار بإشراف الآلية الأفريقية العليا. هذه الرؤية المطالبة بنظام جديد عبر الحوار تحظى بدعم الرأي العام الوطني والدولي بحيث لا يمكن لعناد أو حيلة أن تصده.
ارتفعت الأسعار بصورة جنونية، وزادت نسبة الفقر ونسبة العطالة، وتدنت الخدمات التعليمية والصحية، وتكرر انقطاع الماء والكهرباء، وتصاعدت الحركات المطلبية والاحتجاجات على سياسة بيع أصول الدولة لدعم الميزانيات المعجزة، وارتفعت أعداد الهاربين من البلاد نجاة بجلدهم.
إن الحديث عن تحسن الحالة الأمنية في البلاد تكذبه مواجهات الاقتتال في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق.
والحديث عن استقرار الأوضاع في دارفور يكذبه قرار مجلس الأمن بالإجماع لتمديد فترة اليوناميد في دارفور، واستمرار القتال في جبل مرة، وزيادة غير مسبوقة للاقتتال القبلي، وارتفاع أعداد النازحين، فإحصاءات الأمم المتحدة تؤكد اضطراب الحالة الأمنية بل غياب الدولة عن ثلث إقليم دارفور الكبرى.
هذا المشهد معناه أن السؤال المشروع ليس هل الانتفاضة واردة؟ بل السؤال هو متى وكيف ستكون؟
والآن في هذا الموقف أخاطب الأخ عمر حسن أحمد البشير بقولي: يا أخي أخاطبك بما يجمع بيننا من إخاء الدين والوطن بلا ألقاب، أن تقفز من مكانة في التاريخ تنسجها لك عذابات الضحايا إلى مكانة تصوغها آمال الناجين والمتطلعين لحياة أعدل وأفضل. ندعوك لتحقيق ذلك أن تعلن على الكافة أنك قررت وقف الحرب وبناء السلام بما يمحو أسبابها، والتخلي عن الحكم العازل الإقصائي لحكم جامع لا يهيمن عليه أحد ولا يعزل أحداً. وأعدك باسم الذين عوقبوا دون ذنب جنوه أن نكون إيجابيين وأن نعمل دون أحقاد لتحقيق فلاح الوطن، بل نعمل على تعامل وفاقي مع قرارات مجلس الأمن لصالح استقرار السودان، وأن نطالب باسم الإجماع الشعبي برفع العقوبات الاقتصادية وإعفاء الدين الخارجي.
هكذا بقرار واحد حازم تنقل نفسك وجماعتك من خانة مظلمة في التاريخ إلى خانة نيرة بل مجيدة.
إذا استطعنا نحن أهل السودان الخروج من المواجهات إلى بر الأمان فإننا مؤهلون أن نقوم بدور مهم في إنهاء الحروب الساخنة في دول أخوتنا من مواجهات سنية شيعية في الشام والعراق واليمن، والمواجهات القبلية الساخنة في ليبيا، والحرب الباردة الدائرة في مصر الشقيقة، واحتواء الانشقاق في دولة الجنوب والكونغو وأفريقيا الوسطى الشقيقات الأفريقية. هذه المواجهات استمرارها يدمر طرفيها والجهات الدولية غير مؤهلة لاحتوائها.
هذا الفلاح هو الذي يستحقه السودان. فأهله مكون بشري مشبع بالإنسانيات الطيبة. وأرضه مشبعة بموارد الطيبات. قلها واضحة ففي عرف أهل السودان الكلمة الطيبة بخور الباطن. وهي في وعد الدين عربون استحقاق: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) .
أحبابي وأخواني،
أطيب التهاني لكم ولذويكم بالعيد الذي أرجو أن نتخذه كما ينبغي موسم تصافٍ وتعافٍ. اللهم ارحمنا وأرحم آباءنا وأمهاتنا. وأهدنا وأهد أبناءنا وبناتنا وبارك لنا في أرزاقنا وأكتب لبلادنا بعزيمة أهلها نجاة تدهش العالم (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) .
هذا مع أطيب التحيات الطيبات والدعوات الصالحات للكافة إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الهوامش
سورة طه (50)
سورة الذاريات الآيتان (20،21)
سورة الفرقان الآية (73)
سورة السجدة الآية (24)
سورة الصف الآية (14)
سورة النحل الآية (125)
سورة يوسف الآية (108)
سورة آل عمران الآية (7)
سورة محمد الآية (24)
سورة هود الآية (117)
سورة يس الآية (82).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.