الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.رفعت السعيد : رحلة إلى أدب سيد قطب وعقل حسن البنا
نشر في حريات يوم 28 - 07 - 2016


رحلة إلى أدب سيد قطب وعقل حسن البنا
د.رفعت السعيد
ويبدأ السيد الحرانى كتابه المعنون «الإخوان القطبيون – منهج الإرهاب لجماعة الإخوان والجماعات الإسلامية» بعبارات لبعض من رجال الدين يستنكرون فيها كتابات سيد قطب.
ومنها كمثال «سب سيد قطب لمعاوية وعمرو بن العاص كلام قبيح وكلام منكر وفسق يستحق أن يؤدب عليه» (الشيخ عبدالعزيز بن باز).
وأيضا «أن سيد قطب لم يكن على معرفة بالإسلام، بأصوله وفروعه» (محمد ناصر الدين الألباني)، وكذلك «معالم في الطريق لا يمثلنا في شيء وأفكار الأستاذ سيد قطب لا تمثلنا في شيء» (المستشار مأمون الهضيبي- مرشد الإخوان الأسبق)، أما عمر التلمسانى وهو مرشد سابق للإخوان أيضًا فيقول «سيد قطب لم يمثل إلا نفسه، ولم يمثل جماعة الإخوان على الإطلاق».
وعديد من ذلك.
ولكن ما هو كم الصدق في ذلك؟ الحقيقة أن الإخوان كعادتهم دعموا سيد قطب سرًا وانتقدوه علنا في الزمن الصعب، لكنهم ما إن شعروا بقدر من القوة والقدرة حتى تباهوا بأفكار سيد قطب وأيدوها واتخذوا منها سبيلًا للنفاذ نحو مختلف القوى المتأسلمة في كل أنحاء العالم، وهى القوى التي اتخذت من سيد قطب مفكرًا وقائدًا ملهمًا واتخذت من أفكاره سلاحًا لتكفير خصومها، ونقرأ لأحد الكوادر الإخوانية هو صفوت منصور «والأستاذ سيد قطب صاحب كتاب معالم في الطريق يعد في ميزان الرجال عمادًا هائلًا في تجديد شباب الحركة الإسلامية، والامتداد الفكرى والحركى لجماعة الإخوان المسلمين» (النهج الفكرى للعمل الإسلامي- الإخوان المسلمون- ص39) وقد يشكك البعض في موقع صفوت منصور من الجماعة، ولهذا نأتى إليهم بشهادتين.. لشخصيتين قياديتين في حركة الإخوان.
الأول صلاح شادى، وهو واحد من كبار القادة وهو مؤسس ورئيس جهاز الوحدات بالجماعة، وهو الجهاز الذي يضم أعضاء الجماعة من ضباط الجيش والبوليس، فماذا قال صلاح شادى في كتابه المعنون «الشهيدان.. حسن البنا وسيد قطب» (ص77) «لقد كان حسن البنا البذرة الصالحة للفكر الإسلامى، وكان سيد قطب الثمرة الناضجة لهذا الفكر»، ومن يدرك قيمة حسن البنا عند الإخوان، ويدرك الفارق بين البذرة وبين الثمرة الناضجة يعرف كم الانحناء الإخوانى أمام أفكار سيد قطب.
ثم نأتى بشهادة أخرى للأخت زينب الغزالى، وكانت في فترة «المحنة» الإخوانية الثانية (1954- وما بعدها) إحدى الشخصيات الفاعلة جدًا في تنظيم وتوجيه حركة الإخوان، فقد كانت القيادية الوحيدة الباقية في مصر وخارج السجن فكانت همزة الوصل بين الخارج والداخل وبين السجناء والداخل والخارج، فماذا قالت زينب الغزالى في مذكراتها «أيام من حياتى – ص36» أكدت «أن فضيلة المرشد (المستشار حسن الهضيبي) قد قرأ كتاب معالم في الطريق، وأعاد قراءته قبل طبعه ووافق عليه وقال إن هذا الكتاب قد حصر أمله كله في سيد، وأنه الأمل المرتجى للدعوة الآن».
وما أردت من ذلك كله إلا أن أوضح كم الكذب الذي تتمتع به قيادات الإخوان في تعاملهم مع قضايا بالغة الأهمية، ومنها قضية تكفير الحاكم والمحكوم على سبيل المثال، ونعود إلى السيد الحرانى في كتابه «الإخوان القطبيون» لنقرأ في الصفحة الأولى من المقدمة «المجتمع ملىء بالنجاسة وكافر وجاهلي، والإخوان يحملون ماء السماء الطهور، كانت هذه تصريحات لمحمد بديع المرشد الثامن لجماعة الإخوان المسلمين فور توليه منصب المرشد العام، الذي وصف سيد قطب بأنه الأب الروحى للجماعة، وأن أفكاره كانت تعديلًا لمسار الجماعة، ووضعها على المسار الصحيح، وصرح من قبله المرشد السابع مهدى عاكف قائلًا «طظ في مصر»، قال هذه الجملة في حق أم الدنيا التي كرمها الله بذكرها في القرآن الكريم صراحة وبالاسم، وكرم شعبها وأهلها وجندها، وأمر نبيه موسى بالهبوط على أرضها لما تحمله من خيرات، فما بين مهدى عاكف ومحمد بديع ومن سبقهما في إرشاد الجماعة أو قياداتها البارزين كان تأكيدًا على أنهم لا ينتمون لمصر.
لأن اهتمامهم الأكبر وانتماءهم الأعظم ليس لمشروع الخلافة الإسلامية كما يدعون ويروجون لدغدغة مشاعر البسطاء. ولكن لمشروع الدولة الإخوانية القطبية التي يسعون إلى إقامتها اقتداء بدولة إسرائيل الصهيونية الطائفية، ففى حقيقة الحال يتشابه مشروع تنظيم الإخوان مع مشروع اللوبى الصهيوني» (ص10).
ونمضى لنقرأ «ومما لاشك فيه أن هذا المشروع انكشف للعالم بعد سقوط الإخوان في هاوية الحكم، وهو مشروع يهدف لإقامة دولة تحمل جنسية «جماعة»، إنشاء وطن يجنس بتعاليم البنا.
ففى دولتهم التي كانوا ومازالوا يسعون لإرساء قواعدها على أرض مصر (الهوية إخوانية، والجنسية إخوانية، والجيش إخواني، والشرطة إخوانية، والمؤسسات إخوانية، والمجتمع إخواني، والأسرة إخوانية) ومن لا يؤمن بدولتهم لن يجد له مكانًا فيها، وإن عاش بداخلها سيكون إما خادمًا لديهم، أو سجينًا في زنازينهم، أو مقتولًا يدفن، وكأن كفره بفكر الجماعة ككفره بالله»، ويواصل السيد الحرانى في المقدمة «لست متجنيًا حين أقول إن للجماعة ديانة أخرى اسمها الإسلام أيضا، ولكنه إسلام الإخوان، كما أطلق عليه مرشدهم الأول ومؤسس الجماعة حسن البنا. وواهم كل من يعتقد أن مسار الجماعة الذي رسمه ووضعه حسن البنا كان يتسم بالأفضلية عن مسارها الذي وضعه بعد ذلك سيد قطب.
فكل ما هنالك أن حسن البنا استخدم عبقريته التي لاشك أنه كان يتمتع بها في التدرج والحيطة والحذر وتطبيق هدفهم الأعظم، وهو الوطن الإخواني، دون الانخراط في عنف كامل ومواجهة كان يعلم جيدًا أنه الخاسر فيها. ولكن سيد قطب كان صداميًا وهدامًا ودمويًا ومباشرًا.. وربما تلك الصفات التي متعه الله بها هي التي عجلت بإعدامه.
ونواصل ونحن لم نزل في المقدمة.
……………………
(2)
ونمضى قدمًا مع السيد الحرانى فى كتابه «الإخوان القطبيون» لنجده وياللدهشة يحمد الله أن سبحانه وتعالى قد جعل سيد قطب صداميًا وهدامًا ودمويًا ومباشرًا، هذه الصفات التى عجلت بإعدامه ولم تسمح له بأن يبقى فترة أطول لكى يرى بنفسه كيف أن فكره الذى ضمنه فى كتاباته وخاصة فى كتابيه (معالم فى الطريق، فى ظلال القرآن) أصبح قرآنًا ودستورًا ومنافستو لتيارات العنف وللجماعات الإسلامية التى كان بعضها موجودًا، ولكن لم يكن لديهم غطاء شرعى يبرر إجرامهم وإرهابهم فى حق المجتمع البشرى بشكل عام والإسلامى بشكل خاص، وجماعات أخرى كانت تلك الكتابات والأفكار سببًا فى نشأتها وسببًا رئيسيًا أيضًا فى شلالات الدماء التى لم تتوقف باسم الدين الإسلامى والإسلام منها برىء» (ص11).
وبغض النظر عن أسلوب الشماتة واستحسان الإعدام إلا أن الحرانى الذى استحسن تسمية كتابه بأنه تحقيق استقصائى مطول قال إن هدفه من هذا التحقيق الاستقصائي «هو الوقوف على الحقائق والملابسات التى أصبحت تحيط بجماعة الإخوان والتيارات المتشددة وتحليل وتوضيح منهج العنف الذى يستخدمونه دون دراسة مشروعيته الدينية والاجتماعية والسياسية محاولًا أن يثبت ذلك بالأدلة التى تركها لنا ولأتباعه ومريديه من بعده» (ص12)، ثم ينحو بنا سيد الحرانى نحو تحليل نفسى لسيد قطب، فهو من وجهة نظره كان مجرد رجل ساخط على المجتمع، لأنه عاش دائمًا فى المنتصف ولم يصل فى الشعر والأدب الذى اعتنقه فى بدايته إلى الشاطئ الآخر حتى إن أستاذه عباس العقاد تخلى عنه، (والحقيقة أن هناك تفسيرًا أو تبريرًا آخر لموقف العقاد من قطب وهو أن قطب وبعد احتضان العقاد له ما لبث أن انقلب عليه وانتقد مواقفه وكتاباته)، لكن الحرانى يمضى فى تحليله قائلًا إنه وجد الشاطئ الآخر الذى كان يبحث عنه دائما فى «حضن الجماعات الإسلامية التى يتمتع معظم المنتمين فيها بقصور التفكير الذى قام حسن البنا بتحجيمه بالسمع والطاعة العمياء فاستغل قطب جهل المنتمين للإخوان وعاش فى كنفهم ونقل عن أبوالأعلى المودودى معظم أفكاره التى كان المودودى يناهض بها الهندوس، والتى نقلها المودودى عن ابن تيمية الذى كان يناهض بها الكفار الذين كانوا يغزون الدول الإسلامية مدعين أنهم مسلمون، ليس هذا فحسب لكن السيد الحرانى يلاحظ وهو على حق فى ذلك «أن المنتمين للجماعات التكفيرية لم يفكروا فى مراجعة تلك الأفكار لأنهم وجدوا فيها المبرر الشرعى للإرهاب» (ص12)، ثم يضيف المؤلف سببًا آخر فقال «ويبدو أن جماعة الإخوان التى فقدت القيادة فى تلك الفترة، نتيجة قتل المرشد الأول حسن البنا، ثم حملة الاعتقالات الواسعة فى الفترة الناصرية قد وجدت فى شخص سيد قطب القيادة، وفى أفكاره الشرعية الدينية ما يواجه بها النظام الناصرى الذى كانوا يرونه شريك الأمس الذى غدر بهم» (المرجع السابق)، ثم يمضى سيد الحرانى إلى نتيجة أخرى فيقول «وقد تمتع سيد قطب مع الإخوان بكل ما لم يتمتع به مع غيرهم، فقد رفعوه لدرجة المفكر والمنظر والعبقرى، ولكن نتيجة هذا الحلف الغريب بين الكاهن والعبيد كان أن دفع المجتمع بأسره الثمن غاليًا، وإن دخل العالم فى موجة لم تنته حتى الآن». ويمضى الحرانى معتقدًا «إنها لن تنتهى للأبد من الإرهاب واستخدام العنف والتفجيرات التى خلفت وراءها الدم والدمار» (ص13)، وينهى السيد الحرانى تحليله النفسى لشخص سيد قطب بتحليل نفسى جماعى لأتباعه الذين تمددوا الآن فى أرجاء مختلفة من العالم فيقول «إن هذه التيارات التى صنعها سيد قطب فى بداية الجزء الثانى من القرن الماضى أصبحت للأسف أحد مكونات العالم الذى نعيش فيه، وأصبحت أحد أضلاعه الذى يمارس دور الشرير فى الحياة البشرية، والذى يستخدمه الغرب أحيانًا فى مواجهة الشرق، وأحيانًا يستخدمه الشرق فى مواجهة الغرب» (ولم يوضح لنا السيد الحرانى ماذا يقصده بكلمة «الشرق» هذه، وإنما يمضى قائلا «ولكن يبدو فى النهاية أن دور التيارات الإرهابية التى جميعها وبلا استثناء آراؤها قطبية لن ينتهى إلا بانتهاء الطمع البشرى، وبانتهاء محاولات البعض السيطرة والاستيلاء على ثروات البعض الآخر»، أو ثمة سيناريو آخر يراه الحرانى وهو «أن يتقبل بعضنا الآخر دون التدخل فى الشئون الاجتماعية والسياسية والعقائدية، فى تلك اللحظات فقط سينتهى الإخوان القطبيون وكل من يدين بدينهم ويؤمن بأفكارهم»، ثم ينهى السيد الحرانى مرثيته للعالم الذى يعتقد أنه سيبقى مهددا أبدًا بوباء التأسلم ذلك أنه ما من أمل فى أن يتقبل الإخوان المتأسلمون هم وكل تلاميذ سيد قطب، الآخر. وهو على أى حال يؤكد ذلك فى ختام مقدمته الدرامية للكتاب قائلا «إلى أن يحدث هذا الأمل المستحيل.. أرجو أن يكون تحقيق هذا بمثابة نقطة فى طريق عودة البعض ممن ينتمون للإخوان القطبيين لإنسانيتهم وبشريتهم وفطرتهم التى فطرهم الله عليها، والتى تنبذ العنف والتخريب والإرهاب».
وهذا ما كان فى المقدمة.. فماذا عن متن الكتاب؟
………………….
(3)
نواصل رحلتنا مع كتاب الحرانى المعنون «الإخوان القطبيون – منهج الإرهاب لجماعة الإخوان والجماعات الإسلامية».
ونبدأ بما كتبه تحت عنوان «تمهيد واجب» ونقرأ «الأزمات الداخلية للإخوان المسلمين التى لم يستطيعوا إخفاءها والتى ظهرت فى السنوات الأخيرة كانت سببا رئيسيا فى وضوح الصورة الحقيقية للتيار المسيطر على العمل داخل الجماعة.. فمنذ أن أعلن المرشد العام مهدى عاكف عدم رغبته فى الترشح مجددا لولاية جديدة (والحقيقة أنه أجبر على ذلك تحت ضغط من مركز القوة الأساسى والمكون من رجال التنظيم السرى بزعامة محمود عزت وخيرت الشاطر) تبلور الصراع بين جناحين الأول بقيادة محمد حبيب وكان النائب الأول للمرشد والثانى بقيادة محمود عزت الذى أمسك بزمام المبادرة فى الجماعة وفرض آلية معينة للانفراد بالقرار ذات منحى إقصائى لإبعاد كل من سيقفون أمام تطلعاته واستقال محمد حبيب» وأعلن محمد بديع مرشدا للجماعة بعد عمليات تزوير وإبعاد عدد من الشخصيات والقيادات، وكانت المحصلة النهائية هى سيطرة أعضاء التيار القطبى المنتمين لمدرسة سيد قطب، وهى مدرسة تتبع منهج تكفير المجتمعات ووصفها بالجاهلية» (ص20). ثم هو يوضح «ما هو التنظيم أو التيار القطبي، ومن أين نشأ؟ ويقول «هو حركة فكرية إسلامية تنسب إلى سيد قطب الذى انتمى إلى جماعة الإخوان بعد مصرع مؤسسها حسن البنا وأعاد بلورة أفكاره على ضوء أفكارها» ثم «وتتركز أفكار الدعوة القطبية فى أن المجتمعات المعاصرة مجتمعات جاهلية بما فيها المجتمعات الإسلامية» كما أنه قال «بتكفير الحكومات القائمة فى بلاد المسلمين وقال بعدم جواز المشاركة فى الحكم أو ممارسة العمل السياسى فى ظل الحكومات الكافرة، ووجوب جهاد هذه الحكومات، ورفض الدعوة العلنية مع «تفضيل نهج التنظيم المغلق»، وكانت دعوته عابرة للقارات وامتدت إلى بقاع أخرى كثيرة من العالم الإسلامى والأوروبى فقد شكلت بريقا جذابا للمسلمين فى كل مكان» ويمضى الحرانى قائلا «ومن أهم أدبيات الفكر القطبى مبدأ توحيد الحاكمية فمن مقتضيات كلمة التوحيد فى نظريته «الإقرار بتوحيد الألوهية بأن يكون الحكم لله وأن يصاغ النظام الاقتصادى كله وفق معايير الإسلام وأن يكون المنهج التربوى والتعليمى والإعلامى والفكرى والحضارى والأخلاقى والسلوكى منبثق من الإسلام. وهو يؤكد أنه من المحال أن يكون ذلك كله من أجل كلمة ترددها الألسنة فحسب، بل لابد من الإقرار باللسان والتصديق بالجنان والعمل بالجوارح والأركان، لتحويل جميع مقتضياتها إلى منهج حياة وواقع متحرك ومجتمع متكامل البنيان». وهكذا فإن سيد قطب «نعت مجتمعات المسلمين بوصف الجاهلية، وساوى بينها وبين المجتمعات البوذية والشيوعية لغياب الشريعة عن أرض الواقع». أما خطة سيد قطب لتحقيق رؤيته فتقول «لابد أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة، وهى إحياء مدلول العقيدة الإسلامية فى القلوب والعقول، وعدم إضاعة الوقت فى الأصوات السياسية الجارية، وعدم محاولة فرض النظام الإسلامى عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة فى المجتمعات هى التى تطلب النظام الإسلامي». وقد اعتمد القطبيون كما يقول السيد الحرانى لعملية التغيير الإسلامى إلى استراتيجية أتى بها محمد قطب (شقيق سيد قطب) فى كتابه «واقعنا المعاصر» وتتلخص فى «أنه يتحتم تربية أغلبية الشعب على العقيدة الإسلامية الصحيحة حتى إذا قامت الدولة الإسلامية الحقيقية أيدها وتحمل الصعاب التى تترتب على قيامها» (ولابد هنا أن أشير إلى أن هذا التوجه هو بالتحديد ما دعا إليه حزب التحرير الإسلامي- بالأردن) ونعود إلى الحرانى الذى لاحظ أن الدعوة القطبية تحتم على أبنائها التفوق فى تعلم العلوم التكنولوجية الغربية الحديثة حتى تتوافر لهم فرص إيجاد الحلول العلمية والعملية لما يواجههم من مشكلات»، وبالإضافة إلى التكنولوجيا الحديثة يكون العنف والإرهاب. (ص25). ويمضى سيد الحرانى ليقول «وقد تم تقديم الفكر القطبى فى قالب سلفى أيضا، فقد دعا له مجموعة من القيادات السلفية مثل محمد حسان وسلمان العودة وسفر الحوالى ومصدر ذلك هو هجره مجموعة من الإخوان (بعد هجوم النظام الناصرى عليهم بضراوة فى أعقاب محاولة اغتيال عبدالناصر فى المنشية) إلى بلدان أخرى كالسعودية والعراق وسوريا. وقاموا بنشر الفكر القطبى وتدريس كتب سيد قطب وكان لذلك أثر واضح على الشباب السعودي.
ثم يواصل «وقد شكل المصريون القطبيون فى تنظيم القاعدة قادته وموجهوه فى أفغانستان، بينما شكل القطبيون السعوديون جنوده الميدانيين. ومع تصاعد وتيرة «الجهاد» الأفغاني، ذهب الكثير من الشباب السلفى للجهاد هناك يدعم من دولهم وعلمائهم، وإذ كانت معسكرات التدريب تحت إدارة الجماعات المسلحة القطبية فقد تعرض هؤلاء الشباب لعملية توجيه ودعوة للانضمام للمنهج القطبى على يد الجماعات المسلحة المصرية» ثم ينقل لنا السيد الحرانى شهادة لكميل الطويل يقول فيها «كان الفكر الذى جاءت به جماعة الجهاد المصرية هو المنتصر الأول فى ساحة الاستقطاب الأفغانية، وسرعان ما بدأ هذا الفكر الجهادى فى الانتشار وسط الأفغان العرب، ولعل الانتصار الأكبر الذى حققوه فى النصف الثانى من الثمانينيات قد تمثل فى التأثير فكريا فى أسامة بن لادن وإقناعه بالاستقلال عن مكتب الخدمات وأميره عبدالله عزام، فأسس بن لادن بيت الأنصار فى بيشاور» كما أنه يورد شهادة أخرى لأبى مصعب السورى يقول فيها «بنى الشيخ أسامة القاعدة على جهود كوادر من تنظيم الجهاد المصرى أساسا، فقام هؤلاء الجهاديون – وكنت من بينهم- لفترة – ببث أفكارهم الجهادية حول الولاء والبراء والحاكمية وغيرها من الأمور السياسية الشرعية وفقه الواقع فى تلك المعسكرات».
ويبقى أن الكتاب بأكمله بما بذل فيه من جهد يستحق القراءة كمرجع مهم، وأن مؤلفه يستحق الشكر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.