السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    إبراهيم شقلاوي يكتب: يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كمال الجزولى …. انتليجينسيا – نبات الظل باب فى نقد الذات الجمعى
نشر في حريات يوم 16 - 08 - 2016

لابد من الإحتفاء – ولو أنها جاءت متأخره – بعودة الاستاذ كمال الجزولى من فراش المرض معافيا , بعد صراع نبيل من أجل العودة للعطاء والبذل الذى عرف عنه , والاحتفاء بكمال الجزولى هو احتفاء بمثقف متعدد المواهب والأدوار , ظل شاعراً وكاتبا صحفيا مميزا بثقل وفخامة لغته , ومناضلا فى ساحات العداله والقوانين ، مترافعاً مابين مشانق الشموليات وبعض أبناء الوطن الذين قذفت بهم دروبه الى هناك , وظل على عهده أكثر من ثلاثين عاما ونيف من عمر هذا البلد المكلوم ومازال , عودته عافاه المولى هى عوده لهذا النوع من القيم ,وما أحوجنا اليها . .
رأيت ان يكون احتفائى , هو عرض محطات من كتابه الدسم ( انتليجينسيا –نبات الظل –باب فى نقد الذات الجمعى ),وهذه المحطات تم حصدها فور الاطلاع على الكتاب منذ مده ليست قصيره , وكان المحفز على تبييضها ومحاوله نشرها , تلك الليله الممتعه التى أحياها الاستاذ كمال الجزولى فى رمضان مؤانسا خيمة الصحفيين واصدقائهم عن تجربته وحياته الثره. جاء كتابه فى ثلاثه مباحث مكثفه تحمل عطر لغته الفخيمه , كما تنتزع من التاريخ ميدان العمل بأدوات تشخيص حاده , ومنهج تحليل يقتنص الشاردات على فسيح النسيان ,ويستنتج منها معانى ودلالات تصلح كمداميك ثابته , تتحمل على ظهرها وزر البناء والتطلع نحو المستقبل, تسيد المبحث الاول عنوان الحامض من رغوة الغمام – مائه عام من عزلة الدروس المهدره ,وتمسرح على باحته لعرض مشاهد من معركه كررى فى ذكرى مئويتها وكأنه يعرض مشاهد جديده لتلك المعركه القديمه , متناولا الواقع الذى قامت عليه المعركه ,ثم مركزا على توازن القوى ما بين جيش المستعمر وجيش خليفة المهدى عبدالله ود تور شين من كافة الجوانب العسكريه والسياسيه والاجتماعيه , متبصرا فى قيم البسالة والشجاعة التى تميز بها ود تورشين وجيشه ,والتضحيات التى بذلت , حيث استشهد عشره الف شهيد وسته عشر الف جريح , تفتتوا شظايا من اللحم والعظم على طريق الصلف الزاحف من وراء البحار باسم المدنيه والانسانيه ,بل باسم الله نفسه !! وسيدى الخليفة فى مثار النقع ذاك منتصب على ظهر جواده الأشهب ,فلكأنه فى عين الردى وهو نائم .. لا ينفك يسأل أمرائه البواسل فردا فردا , أوصيت بعدك منو فى امارة الراية ؟ ثم متعرضا لمفارقة الحوار المدهش فى مكنونه مابين رهبة اللحظة والموقف وعمق مشروع المهديه الذى يتسيد قلب وعقل الخليفة , حينما قال فى آخر مجلس قبل المعركه الذاكى عثمان امام الخليفة, (أم درمان يا مولاى ليست بلدنا حتى نقف فيها وندافع عنها ,الأولى بنا أن نأخذ رجالنا واسلحتنا ونرحل الى كردفان فاذا لحقنا جيشهم وهو لا يفعل هجرناها الى (شكا) وهى دارنا ,فإذا جاءنا قاتلناهو ودافعنا عن وطننا حتى انتصرنا او متنا )..فأصدر الخليفة أمره الفورى – شيلو ام ضان – اى الطمه على صفحة خده ,ثم لمن على يساره – شيلوام ضان – ثم ضرب الخليفة كف بكف مستعجباً : يا سبحان الله يستقبح عبدالله ود سعد الفرار , ويقاوم جيشا ضخم بثلاثمائة رجل لأجل (حله) واحده ونحن رجال المهديه وانصارها ,نجبن عن حرب جيش الكفره المخزول لاجل السودان كله ,سأحارب حتى انتصر او يقتل جيشى كله فأجلس على فروتى عند قبة المهدى واسلم امرى لله , وغيرها من الصور التى استعرضها الكاتب ليستبين استنتاجاته ومجرى افكاره , ثم استعرض العديد من الشواهد منها شهادات بابكر بدرى حول الازمه الداخليه فى دوله الخليفة ,ثم العوامل الموضوعيه التى أدت الى الهزيمة , منها التفوق التقنى للجيش الغازى ,رابطا ذلك بمنهجيه صارمه بجذور الصراع والصدام المحتوم ما بين المشروع الامبريالى القائم وقت ذاك على تصدير رأس المال والمشروع المهدوى القائم على تصدير الثورة , كأفق لمشروع المهدى الكبير , ثم قيم المبحث قراءة الدوله الوليده لذلك الصراع وتجربتها العمليه فى ذلك ,مستشهدا , بالحادثه التاريخيه , وهى رساله ملك الحبشه (يوحنا) لحمدان ابوعنجه التى طلب فيها منع الحرب والتحالف معه ضد الطليان والانجليز , ولكنها رفضت بتعليل أن الحبش مازالوا على نصرانيتهم ,وهنا تدخل الكاتب ليقول لو كان الامر بيدى لاضفت هذه الرساله الى ديباجة ميثاق منظمة الوحده الافريقيه – الاتحاد الافريقى فيما بعد- ولنقشتها على الجدران الرخاميه للقاعة الكبرى فى مقر المنظمه بأديس ابابا , ولجعلتها درسا مقررا فى التربيه الوطنيه لأبناء الهوتو والتوتسى والأمهرا والتقراى والعرب والأمازيق والمسيريه والدينكا , وكل سلالات العقل الرعوى الذى لم يرتقى الى هذا المعنى الكثيف البساطه وعميق النفاذ رقم كر السنين وتراكم الهزائم , وخلاصة المبحث أن الصحيح هو قراءة المهديه ثورة ودولة فى اطار شرطها الزمانى وامكانياتها الذاتيه ومعطيات بئتها المحليه والموضوعيه ,دون أن نقفل فى الوقت نفسه أهمية الربوة التى يوفرها الابتعاد عن الوقائع فى الزمان من أجل اطلالة افضل على غابة الأحداث كلها , لا بعض أشجارها فحسب ,ليس المطلوب اذن أن تتحول هذه القراءة الى محاكمة لا تاريخيه بل تنصب الى تحقيق غرضها الأساسى والأخطر لأجل استخلاص الدروس الجوهريه واستصحاب العبر البائنه ,والمفارقه الاكثر ادهاش هى بعد أن فرغ الكاتب من هذا المبحث الذى اسهب فيه عن أسباب الهزيمه ومنها المكسيم كسلاح حديث أحدث التفوق التقنى للمستعمر فى المعركه , يأتى حدثا لم تتم قرائته كما ينبقى قبل أن يندثر على سراب الذواكر الخربة وهو الاعتداء على مصنع الشفاء فى بحرى16 أغسطس 1998م بصواريخ الكروز المتقدمه تقنيا , ثم يشير اليها الكاتب مستذكرا فى اطار الشروط الموضوعيه والظاهرة التقنيه ودورها المحورى فى الصراع الحضارى والتاريخى .ثم ينتقل الى المبحث الثانى بعنوان حركات النبي عيسى – صفحة مطويه من ايديولوجيا الثورة السودانيه (ملاحظات منهجيه على استنتاجات محمد المكى ابراهيم) فيه ركز المؤلف على مناقشه هادئه لاستنتاجات الاستاذ محمد المكى فى كتابه القيم – الفكر السودانى أصوله وتطوره -والذى قسم فيه المهديه الى ثلاثه اجيال ,جيل المهزومين فى كررى وجيل ورثه الهزيمه وجيل الاحفاد ,ناقش المبحث المنهج الذى استند عليه المكى فى التحليل واستبيان نقاط ضعفه حسب رؤية المؤلف مع التأكيد على أهميه واصالة الكثير من ملاحظات هذا الشاعر والمفكر االرفيع ,واستنتاجاته فى وقت مبكر كونها من زاويه تطور الشعر السودانى ,الجذر الاساسى لموضوعة الكتاب, ثم استناده على المعيار العمرى لتعاقب الاجيال ,على اهميته هنالك مغالاة من حيث تقدير الاستقلاليه ما بين هذه الاجيال يضعف بعض الاستنتاجات ,ثم افتقار الحركه الفكريه كما تظهر بوجه عام الى الخلفيات اللازمه لها خلال المرحله او الفتره التاريخيه المحدده , وهى فاعليه القوى الاجتماعيه الخلاقه ,فى المجتمع كمصدر اساسى لحركة الفكر الاجتماعى . ثم تطرق المبحث الى حركات النبي عيسي كحركات مقاومة للاستعمار وقتها ,فأنها تمثل فى اكثر التحليلات سدادا ملمحا مهما من ملامح المرحلة الاولي للحركة الوطنية, وشكلا متميزا من اشكال المقاومة الاولية للاستعمار , مما يفسر التدابير القاسيه التى اتخذتها الاداره البريطانية حيالها ,كما أنها تقف دليلا قويا على أن (جيل ورثة الهزيمة ) لم يتخطفهم الشيطان او تبترهم الهزيمة بضربة سيف خلافا لاستنتاج المكى .
افتتح المؤلف المبحث الثالث والاخير بنقد للذات , كونها جزء من الكل النخبوى الذى يسيطر على العمل السياسى والاجتماعى والثقافى فى البلاد ,تحت عنوان – الانتليجينسيا – نبات الظل – باب فى نقد الذات الجمعى – يبدو لى احيانا وأعترف بأن ذلك غالبا ما يقع بالمغالبة الشديدة للنفس كون طرف السوط يلاحقنى شخصيا – ثم يتعرض لمفهوم الانتليجينسيا بالتعريف لضبطه , هى الفئة الاجتماعيه السودانيه التى تمتهن او تختص بالعمل الذهنى من مداخله التعليميه الحديثه وبنسبيه مائزة فى مثل ظروف بلادنا , ثم قدم نقدا مستحقا للنخبة فى شمولها , ابتداءا من فكرة التمحيص ثم المناهج والاستقراء واساليب المضاهات والاستنتاج والاستنباط , والانتاج الفكرى , ما عدا قلة ماجده ,( اشبه ما نكون بضاربى الرمل الفكرى (ووداعيى) الحراك الاجتماعى ,( وقارى الفناجيل) السياسيه ! الفكر عندنا محض (طق حنك) ومجرد (مضمضة) كلاميه , سهمنا فى انتاجه حلب قعود وحظنا فى تلقيه شرب قيام ,انتهت نصوص القرأن والسنه على ايدى بعضنا لا الى مرجعيات كيف نعمر بها الحياة كما امرنا ,بل الى مجرد خناجر نقتل بها بعضنا البعض حدا, او نخضع بها بعضنا البعض استتابة ) ثم يعود الكاتب الى جذور النخبة باحثا عن تفسير لمالاتها ,متناولا مسألة التعليم الحديث واثره فى تكوين النخب السودانيه , ثم كيفيته ونوعيته عند هذه النخب فى مراحل تكونها المختلفة , وهل كان تعليما وثوقيا او استقرائيا ؟, حيث يقول- بسبب تصوير العلم نفسه كمصدر استولاد للمعرفة اليقينيه لا التجربة او الخبرة الوجوديه , انتهينا الى جماعة عميان بصيرة ,يشتعل الوطن بالفقر والحرائق من حولنا ,ولا اذن لنا نعيرها للاخر , او محض شجاعة انسانيه بسيطة تدفعنا للاقرار باننا قد نكون على خطأ , وأن الاخر قد يكون على صواب , كل حوار عندنا سجال عبثى , بل مناسبة ننتهزها لتسجيل الانتصارات , وانزال الهزائم بهذا الاخر , بل ما من حوار بدأ اصلا بيننا واستكمل -, ثم يرجع الكاتب كل ذلك الى الخصائص التى شكلت الانتليجينسيا , ومن اهمها انحدارها من رحم الطبقة الوسطى بسيماتها شديدة الخصوصية والتعقيد, ذات الطبقة التى تتنوع شرائحها من صغار تجار وشبه مهنيين ومتوسطو وصغار الموظفيين وغيرهم , فقد احتاجت طلائعها اول ما احتاجت الى (المظلة) الفكريه والسياسيه والعاطفيه لثورة الطبقة الوسطى المصريه ضد الاحتلال البريطانى عام 1919م وضباط الجيش المصرى فى السودان ,وأن شعار وحدة وادى النيل يقف شاهدا على ذلك , ثم ساق عده شواهد للمظليه التى لازمت تطور هذه النخبه التى اشرفت على تدشين واقع الوطن ,بكل ازماته واشراقاته العابره , منها صراعات اجيال الغردونيين تحت مظلة الثقافه الغربيه ,ثم الغردونيين والمعهديين حول مظله السلطه القائمة ,ومعارك (الفيليين )و(الشوقيين) الشهيره مطلع الثلاثينيات للاستقواء بمظلة القطبيه الطائفيه (ختميه /انصار) الى ان تراكمت الخبرة المشتركة بين مختلف الاحزاب التى يشكل مثقفو الطبقة الوسطى ثقلا فى قيادتها , فى اللجو الى حل قضية السلطة تحت مظلة العسكريتاريا , تدبيرا او دعما او تأييدا لانقلاباتها , ثم انتقل الى تحليل ازمه عميقة عند هذه النخب وهى قضية (المعاصرة والتراث) والتى تحتل مكانا متميزا فى مسالة التوازن النفسى والفكرى لهذه النخب , رابطا جذرها بطبيعة نشاة الانتليجينسيا والتعليم الذى كون ذهنيتها وظروف تطورها فى واقع ما بين هزيمتين ,الاولى بعد غروب شمس المهديه والانكسار المدوى عسكريا وفكريا وسياسيا , ونشأة التعليم المتروبولى الحديث ,والذى كان مشروطا بتخريج كوادر لملء الوظائف الصغرى فى دواوين الدوله , ثم قطع ينابيع التعليم العرفانى الدينى المهدوى , ثم نشاة التعليم الدينى الحديث ضمن خطة المستعمر –قسم القضاة الشرعيين فى الكليه – او المعهد العلمى .الذى تحول فى احد تجلياته الى ميدانا للشقاق ما بين الافنديه الغردونيين والمولانات المعهديين حول (مظلة) الحكومة الاستعماريه وامتيازاتها . ثم انتقل الى مرحلة الهزيمة الثانيه ما بعد ثورة 1924م وما احدثته من انكسار نفسى ثم الانكفاء على التحصيل المعرفى من مناهل الثقافة الغربيه لمعرفة أسباب القوة والانتصار , لتلك العوامل وغيرها غابت تماما عن الساحة المجاهدة الفكريه النديه باستثناء النزر القليل المتقطع ,لاى محاولة لتأسيس مشروع تنويرى نهضوى متكامل يهدف الى وضع الدين فى مكانه اللائق والطبيعى من حركة الجماهير , وتجمدت العقلانيه الاسلاميه بشكل عام فى اوساط الانتيليجينسيا , ومن ثم فى حركة الاحزاب والقوى السياسيه التى شكلت النخب كوادرها القياديه .وبصورة اكثر دقة , حتى الاحزاب التقليديه لم يطور عقلانيوها أية منهجيه واضحة تجاة قضيه الدين , باستثناء بعض المجهودات الفقيه المتناثرة هنا وهناك كقطع الحلى , وكذلك الحزب الشيوعى السودانى , الذى انتبه لمسألة الدين منذ بواكير نشأته , الا ان كوادره القياديه لم ترتقى بهذه الانتباه الى ما يتجاوز مجرد الرد النافى على تهمة الالحاد ,والتى ظل التيار الاسلاموى الاساسى حريصا دائما , والى حد التربص على الصاقها بهم من خلال نشاطه الدعائى الترويجى. ثم قدم الكاتب مداخل مهمه لمناقشه هذه الحاله , جديره بالتوقف عندها خصوصا قضيه الالحاد واستخدامه كسلاح انتهازى فى الصراع السياسى , والماركسيه كمنهج علمى فى تفسير طبيعة الصراع الاجتماعى , أما التيار الاساسى فى حركة الاسلام السياسى , أمسك بقضيه الدين من أواخر الأربعينيات كتعبير عن رفضهم للحركة الشيوعيه , بكلمات أخرى فقد تبلور هذا التيار الغالب حول قضيه الدين , لا كمشروع نهضوى قائم على منظومة مفاهيم فكريه وسياسيه تستوعب طاقات المجتمع بأسره , وتستند الى قيمة الاسلام الرفيعة المتمثله فى الحرية والمساواة والكرامة الانسانيه والعدالة الاجتماعيه وما اليها , وانما كمجرد رد فعل لنشوء التيار الماركسى السودانى.
خاتمة :-
الكتاب يحتوى على مجهود قيم وتحليل يستند على منهج جدلى فى الربط والتفسير للأحداث المختلفه التى تناولها, وانتقل من حقبة الى اخرى بدقه وسلاسه وتغافل بعض الأشياء عن عمد حتى لا يفسد متعة تسلسل وانسجام الأحداث التى أوردها تدقيقا لتحليلاته وميدانا لها , لا غنى عن الهوامش التى تمثل المداخل الضروريه لاستكمال صورة الاستبانة والتحليل حتى تكتمل الافادة من جهد الكتاب ,رغم أن الكاتب كان صريحا – صراحة تفتقدها ذات النخب – فى نقده لها ضمن مبحثه الأخير إلا انه استند على تحليل عميق استمسك جذور الازمة وحتى تجلياتها الأخيره على واقع الوطن … هذه المحطات التى تعرضنا لها فى متن وهوامش الكتاب الهدف الأساسى هو التحريض على الاطلاع عليه ,لأهمية الاستنتاجات التى خلص لها الكاتب , اتفقنا او اختلفنا حولها, واهمها تحريضه على إعاده قراءة التاريخ الوطنى كمدخل مهم لبناء المشروع الوطنى المستقبلى الذى يجد فيه كافة أبناء الوطن بمختلف ثقافاتهم أنفسهم فيه أحرارا يكتبون عليه الاستقرار والتنميه والتعايش .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.