الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروفايل : الأَغْيَارُ يَحْتَفون بِهِمْ .. والبِلادُ تَرْمِيهِمْ بِالحَقِيبَة! (شَوْقِي عِز الدِّين نَمُوذجاً)
نشر في حريات يوم 19 - 11 - 2016

* في الشَّارقة استعرض شوقي تاريخ المسرح السُّوداني بمحاضرة امتزج فيها الحديث بالصَّمت والكلام بالحركة واللسان بالجَّسد والعربيَّة بالإنجليزيَّة والجُّمهور جاحظ الأعين مبهور الأنفاس!
* لكم ناديت لأجل هذا وغيره (..) بإطلاق اسم الفكي عبد الرحمن على مؤسَّسة المسرح القومي ولربَّما كنت أسمعت لو ناديت .. حيَّا!
* ما يزال أثر جمعيَّات الثَّقافة الوطنيَّة والفكر التَّقدمي والمسرح الجَّامعي على المسرح السُّوداني باباً مهمَّاً في تطوُّره ينتظر أن يحيط به الباحثون والدَّارسون المتخصِّصون ..
(1)
ما تزال "مؤسَّسة الشَّارقة للفنون" تبدي اهتماماً مستنيراً بالثَّقافات السُّودانيَّة؛ فبعد أن كانت قد أطلقت، في أبريل من العام الماضي (2015م)، مؤتمر "الحداثة وصناعة الهويَّة في السُّودان: استعادة حقبة السِّتِّينات والسَّبعينات"، بالتَّعاون مع معهد دراسات الحداثة المقارنة بجامعة كورنيل، بحضور ومشاركة عدد من أعلام الفكر والثَّقافة في السُّودان، هأنذا أتلقى، الآن، دعوة كريمة من ذات المؤسَّسة الماجدة لحضور ثلاثة معارض في نوفمبر الجَّاري، تقدَّم من خلالها معاينة استثنائيَّة للحركة التَّشكيليَّة في السُّودان، والمنتج الإبداعي للشَّخصيَّات التَّأسيسيَّة في هذه الحركة، وتجليات الحداثة الفنيَّة نشأة وتطوُّراً، وتشمل معرضين استعاديين فرديين، أحدهما لكمالا إبراهيم إسحق "نساء في مكعَّبات بلوريَّة/ 1965م الحاضر"، والآخر لعامر نور "سعة الأفق .. إيجاز العبارة/ 1956م الحاضر"؛ فضلاً عن معرض جماعي تحت عنوان: "مدرسة الخرطوم: حركة الفنِّ الحديث في السُّودان/ 1945م الحاضر"، والذي يضمُّ أعمال 60 فناناً من أبرز التَّشكيليين السُّودانيين، على رأسهم إبراهيم الصَّلحي وأحمد شبرين.
تتعدَّد في هذه المعارض وسائط وعوالم شتَّى من اللوحات، والرُّسومات، والمنحوتات، إلى الصُّور الفوتوغرافيَّة، وأفلام السِّينما والفيديو، فضلاً عن المواد الأرشيفيَّة التي تسلط الضُّوء على مسار الحركة الحداثيَّة في السُّودان، ورموزها، سعة وعمقاً. وقد شارك في تقييم المعارض الشَّيخة حور القاسمي، رئيسة "مؤسَّسة الشَّارقة للفنون"، وصلاح حسن الجَرِّك، البروفيسور في "جامعة جولدوين سميث"، ومدير "مركز أفريكانا للدِّراسات والأبحاث"، وأستاذ الفنِّ الأفريقي في "جامعة كورنيل".
(2)
ولئن كانت دعوة نوفمبر الرَّاهنة قد أعادت إلى الذَّاكرة، بمعارضها القيِّمة، جلسات مؤتمر أبريل 2015م شديدة الثَّراء بأوراقها ونقاشاتها المستفيضة، فإن جلسة بعينها من جلسات ذلك المؤتمر الاستثنائي قد انحفرت، ولا بُدَّ، عميقاً في أذهان كلِّ من شهدوها، فتكاد لا تُنسى، حيث وقف شوقي عز الدِّين الأمين، عاشق الخشبة، ونجم "المسرح الجَّامعي" خلال أواخر السِّتينات وأوائل السَّبعينات، يستعرض تاريخ المسرح السُّوداني بمحاضرة غير مسبوقة، مازج فيها بين الحديث والصَّمت، والكلام والحركة، واللسان والجَّسد، والعربيَّة والإنجليزيَّة، وصوته يعلو وينخفض كأمواج الخليج، والجُّمهور، بين هذا وذاك، جاحظ الأعين، مبهور الأنفاس، لإصغائه رنين، ولدهشته صليل، فخطرت لي، على الفور، ذكرى سهرة ممتعة امتدَّت بمنزلي حتى مطلع الفجر، ذات أربعاء رائعة من أواخر مايو 2010م، في صُحبة صديقيَّ العزيزين، منذ زمن الشَّباب اليانع، شوقي نفسه وصدقي عوض كبلو الذي كان قد عاد، وقتها، من لندن، وأقام فترة في الخرطوم بحري. كانت المناسبة عودة شوقي، بعد غياب طال دهوراً، من مقرِّ عمله وإقامته بمسقط. ولأنَّه، دائماً، على عجل، وأيامه في الخرطوم معدودات، ما كان ممكناً، إلا عبر سهرة كتلك، أن نلتقيه، نرطب بعض أشواقنا إليه، وننعش شيئاً من ذكرياتنا معه، عسانا، بل لعلنا، وهيهات، نهدِّئ من نوستالجيانا السِّتِّينيَّة/السَّبعينيَّة الفتَّاكة!
شوقي من جيل المسرحيين الأفذاذ الذين شادوا أعمدة "المسرح الجَّامعي"، وتبحبحوا في أكناف تجاريبه، ونشروا ثقافته في منتديات الخرطوم وصحافتها، وحملوا كلَّ ما وقع لهم فيه، من أثرى لقيات المسرح العالمي، وأنضج ثماره، إلى جهود التَّأسيس الباكر ل "معهد الموسيقى والمسرح"، أوَّل أمره، وإلى خشبة "المسرح القومي" بأم درمان، وندوة "مصطبته" الدبقة، العبقة، الرَّيانة بالقراءات، والنِّقاشات، والمفاكرات؛ وما كان لهم أن ينجحوا في ذلك، لولا رياح "أكتوبر" التي كانت ما تزال تملأ أشرعته، ولولا الصُّدفة الموضوعيَّة التي أوجدت على قمَّة سنام إدارته، خلال الثُّلث الأخير من ستِّينات القرن المنصرم، وجُلِّ سبعيناته، فناناً عظيماً، ومخططاً ديموقراطيَّاً بارعاً، في قامة الفكي عبد الرحمن، عليه رحمة الله ورضوانه، فقد قرن بين الخيال والشَّجاعة، وأولى ثقته لذلك الجيل من روَّاد الحداثة في "المسرح الجامعي"، وراهن عليهم، ويسَّر لهم أوسع أبواب المبادأة، ومساحات الحركة، وفرص الإبداع غير المحدود؛ ولكم ناديت، لأجل هذا وغيره، بإطلاق اسمه على هذه المؤسَّسة، ولربَّما كنت أسمعت لو ناديت .. حيَّا!
إن من أكثر ما صار يقلقني، خلال الفترة الأخيرة، انقطاع التواصل بين الأجيال عموماً، وأجيال المبدعين بالأخص. وليت هاشم صديق يخصِّص لهذا الأمر مساحة من برنامجه التلفزيوني "دراما 2000″، عله يردم شيئاً من هذه الهوَّة الفاغرة، فقليلون جدَّاً من أجيال المسرحيين الجُدد، مثلاً، من سمعوا بشوقي، دَعْ من يعرفون شيئاً عنه بوثوق!
(3)
ظلَّ شوقي عاشقاً للمسرح منذ يفاعته الباكرة. وقد لفت إليه الأنظار، ما بين 1962 1963م، بأدائه التَّمثيلي المتميِّز، وهو، بعدُ، تلميذ في المرحلة الوسطى، من خلال برنامج "الإنجليزيَّة بالتلفزيون" الذي كان بعض المدرِّسين الإنجليز يُعدُّون مادَّته التعليميَّة الأساسيَّة للمدارس الثانويَّة بالعاصمة، وكانت مزوَّدة، وقتها، بأجهزة استقبال تلفزيوني!
وحتى قبل أن يلتحق بكليَّة الآداب بجامعة الخرطوم كان صيته قد سبقه إليها بحكم الجوار بين "البَرَكس" وبين مدرسة الخرطوم الثانويَّة التي درس بها، والتي لطالما كشفت خشبة مسرحها عن طاقاته الإبداعيَّة، حيث أسَّس "جمعيَّة التمثيل" التي قدَّمت، خلال السنوات 1964 1967م، أعمالاً مدهشة بإمكانات شحيحة، أهمَّها "مصرع كليوباترا" لأحمد شوقي، و"مخلب القرد" بالإنجليزيَّة، تحت إشراف المربِّيين الجَّليلين عوض كرَّار وعبد الله محي الدِّين الجِّنيد.
لم يكن المسرح قد ازدهر، بعد، في الجَّامعة، أوَّل النِّصف الثَّاني من السِّتِّينات، إلا أعمالاً قليلة كمسرحيَّة "الحبل" ليوجين أونيل، من إخراج عبد الرَّحيم الشِّبلي عام 1965م. لكن، على حين كان شوقي على أعتاب الجَّامعة، كان النَّشاط المسرحي فيها قد صار ذا رهز وإرزام جذبا إليه، حتى من خارج سوحها، جمهوراً كبيراً درج على التَّدفُّق من شتى أنحاء العاصمة، في أمسيات ذلك الزَّمان، لمشاهدة العروض المبهرة لفناني مسرح "جمعيَّتي الثَّقافة الوطنيَّة والفكر التَّقدمي" آنذاك. وبمجرَّد التحاقه بالجَّامعة احتضنه عثمان جعفر النِّصيري، عمدة النَّشاط المسرحي، وقتها، في تينك الجَّمعيَّتين، وقدَّمه على مسرح "قاعة الامتحانات"، في مسرحيَّة "المغنِّية الصَّلعاء" ليوجين يونسكو، ضمن تيار "اللامعقول" الذي كان رائجاً، يومها، في غالب المسرح العالمي. منذ ذلك الحين، وعلى مدى سنواته الجَّامعيَّة ما بين 1967 1972م، سطع نجم شوقي، كممثل مسرحي، إلى جانب سلمى بابكر، ومحمَّد دوعالي، ومأمون زروق، ومأمون الباقر، وهشام الفيل، وآسيا محمَّد الحسن وغيرهم، في عدد من المسرحيَّات التي أنتجتها الجَّمعيَّتان، وأخرجها النِّصيري، وأهمّها "جان دارك" لبرنارد شو، و"الكراسي" ليونسكو، و"مارا صاد" لبيتر فايس؛ كما مثَّل في "سمك عسير الهضم" لبيتر فايس أيضاً، من إخراج علي عبد القيوم وطه أمير. كذلك عمل شوقي، خلال نفس الفترة، في عدد آخر من المسرحيَّات، على خشبة "المسرح القومي" بأم درمان، ك "مجلس تأديب"، من تأليف وإخراج النِّصيري، و"حفلة سمر من أجل 5 حزيران" من تأليف سعد الله ونُّوس وإخراج علي عبد القيوم، بالإضافة إلى "مارا صاد" كتجربة عالميَّة جديدة على "المسرح القومي" آنذاك؛ وعمل، أيضاً، في مسرحيَّات أخرى، باللغة الإنجليزيَّة، على خشبة مسرح "سودان كلوب Sudan Club" بالخرطوم. وإلى ذلك كان يُعدُّ ويُقدِّم، طوال تلك السَّنوات، برنامج "سينما سينما" التثقيفي بالتلفزيون.
(4)
بعد تخرُّجه عام 1972م، نشط شوقي، ولأوَّل مرَّة تحت الاسم الجَّديد للحركة المسرحيَّة بالجَّامعة: "المسرح الجَّامعي"، في إخراج عدد من المسرحيَّات ب "قاعة الامتحانات"، أشهرها "الدَّرس" ليونسكو، و"الخطوبة" لتشيخوف، و"هاملت" لشكسبير، و"زيارة السَّيِّدة العجوز" لفريدريك دورنمات. كما قام بإعادة إخراج "العصفورة والممثلون" ليوسف عايدابي، برؤية تختلف عن تلك التي سبق أن أخرجها بها فتح الرَّحمن عبد العزيز لمهرجان الشَّباب العربي بالجَّزائر عام 1970م، وكان شوقي قد عمل معه فيها كممثل. وقام، إلى ذلك، بإخراج "هاملت"، باللغة الفرنسيَّة، على خشبة مسرح "المركز الثَّقافي الفرنسي بالخرطوم"، حيث ترجمها من الإنجليزيَّة د. نور الدِّين ساتِّي، ولعب دور بطولتها مارك أتونزيو، مدير المركز آنذاك!
تميَّز شوقي، كمخرج، باستخدام تقنيَّات حديثة وجريئة، وقتها، كإدماج التَّكنيك السِّينمائي، مثلاً، في العرض المسرحي، وبالأخصِّ "الفولو سبوت follow spot"، إذ أعانته إمكانيَّات التحكُّم في بقع الضَّوء على جذب التَّركيز إلى مشاهد بعينها، أو إلى لحظات بعينها من المَشاهد، مستعيناً بمُعدَّات إضاءة متقدِّمة، وقتها، مكنته منها المرحومة سعاد إبراهيم أحمد التي كانت ركيزة من ركائز كليَّة "الدِّراسات الإضافيَّة"، والنَّشاط الثَّقافي الطلابي، قبل فصلها من الجَّامعة، حيث أسهمت في تأسيس "نادي السِّينما"، ودعم النَّشاط المسرحي. وكانت فرقة مسرحيَّة إنجليزيَّة قد استجلبت تلك المُعدَّات إلى السُّودان، أواخر السِّتِّينات، لتقديم مسرحيَّة "حلم منتصف ليلة صيف" لوليم شكسبير، ثمَّ تركتها هديَّة للجَّامعة. لكنها ظلت مهملة بمخزن "الدِّراسات الإضافيَّة"، حتى عثر عليها شوقي، بالمصادفة، وتمكن منها بمساعدة سعاد.
وما يزال الأثر المشهود على "المسرح القومي" من جانب تينك الجمعيَّتين التَّقدُّميَّتين و"المسرح الجَّامعي"، باباً مهمَّاً في تطوُّر المسرح السُّوداني يُنتظر أن تحيط به همَّة الباحثين والدَّارسين المتخصِّصين.
(5)
تجاذب شوقي، عقب تخرُّجه، خيارا العمل ب "معهد الموسيقى والمسرح"، إلى جانب صديقيه عبد الهادي صدِّيق ويوسف عايدابي وآخرين، أو العمل ب "مؤسَّسة الدَّولة للسِّينما"، حسب رغبة صديقيه المرحومين علي المك، مديرها آنذاك، وحسين شريف. لكنَّ شوقي فضَّل الالتحاق، لسبب ما، بالعمل في المعهد؛ وكان اختياراً غير موفِّق، على ما يبدو، إذ سرعان ما جرى اعتقاله وفصله من الخدمة! وكان أوَّل وآخر عمل له، قبل فصله، هو مساعدة أدريان ولش، الخبير البريطاني المنتدب إلى المعهد، في تدريب الطلاب على إخراج مسرحيَّة "ماكبث" لشكسبير.
بعد وساطات مكثَّفة تمَّت إعادته للخدمة بالحكومة، لكن في وظيفة مساعد مفتش ب "مصلحة الغابات" بالفاشر (!) وهو القرار الذي رفضه شوقي بصرامة، إذ استشعر فيه قصد النَّفي بعيداً عن البيئة الموَّارة بحركة الفن المسرحي. ثمَّ ما لبثت أن عادت كرَّة الوساطات، على يد دفع الله الحاج يوسف، صديق العائلة الذي نجح في إلحاقه، هذه المرَّة، بوزارة التَّربية والتَّعليم. ولحسن الطالع كان شفيق شوقي قد عُيِّن، في تلك الفترة، مديراً لإدارة "المسرح المدرسي" بالوزارة، فألحق شوقي بها مع طيِّب الذِّكر خالد أبو الرُّوس، فأعدَّ دراسة متكاملة لإحياء الحركة المسرحيَّة بالمدارس. لكن سرعان ما تمَّ نقل شفيق مديراً لقاعة الصَّداقة، ففقد شوقي الدَّعم والسَّند، وتمَّ نقله، في منتصف السَّبعينات، معلماً للغتين الإنجليزيَّة والفرنسيَّة بالمدارس الثَّانويَّة. لكنه، مع ذلك، سرعان ما رمى بثقله في تنشيط مشروع "المسرح المدرسي"، فأخرج، مع تلاميذ "مدرسة الضَّو حجوج الثانويَّة للبنين"، مسرحيَّة "هاملت" لشكسبير باللغة الإنجليزيَّة، وشارك بها في الدَّورة المدرسيَّة بمدني، آنذاك، حيث أحرز الميداليَّة الذهبيَّة في الإخراج. وفي الأثناء أكمل كورساً ب "معهد الخرطوم لتدريس اللغة العربيَّة للنَّاطقين بغيرها"، بينما ظلَّ يواصل كتابة النَّقد المسرحي في الملاحق الثَّقافيَّة بالصُّحف اليوميَّة، إضافة للمشاركة في النَّدوات العامَّة. غير أن الأذرع الطويلة ما لبثت أن امتدَّت، للمرَّة الألف، لتتسبَّب في فصله من التَّربية والتَّعليم!
عند ذاك قرَّر شوقي أن يأخذها من قصير، فحوَّل عربته الخَّاصة إلى تاكسي، وظلَّ يعمل بها، دون جدوى تذكر، لعدم سابق معرفته بدقائق هذه المهنة وأسرارها، حتَّى 1980م، حين أصرَّ بعض أهله بسلطنة عُمان على استقدامه للعمل هناك، فالتحق، منذ ذلك الوقت، ببعض معاهد اللغات بمسقط، ك "معهد بوليقلوت عُمان" للتَّرجمة المتخصِّصة وتدريس اللغة الإنجليزيَّة، وهو عمل يستهلك طاقاته كلها "من دغش الصُّبح إلى انحباس الضَّوء في المساء"! ورغم أن هذا العمل وفَّر له لقمة العيش الكريمة، ومكَّنه، مع زوجته الأستاذة الجَّامعيَّة بثينة أمير، من تربية وتعليم ابنتهما شيراز، طبيبة الأسنان، الآن، بدولة الإمارات، وولدهما هشام، المحاسب، الآن، بكندا، إلا أنه، وللأسف، جعل شمس فنه تغرب عن حركة المسرح السُّوداني، بينما كان في قمَّة استعداده لطرح أنضج ثماره، بل ويغرب هو نفسه، فيزيقيَّاً، عن السُّودان ذاته!
***


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.