فقدت السبعينية السودانية فاطمة علي حياتها، بينما كان ذووها وأطباء الطوارئ بمشفى بحري الحكومي يجوبون الصيدليات القريبة بحثاً عن جهاز تنظيم الأوكسجين، إذ إن الأنبوبة الوحيدة المتوفرة بقسم الطوارئ في المشفى الحكومي الذي يقع شمال الخرطوم تفتقر إلى الجهاز المسؤول عن تنظيم انسياب الأوكسجين إلى رئتي المرضى، والذي لا يتجاوز ثمنه 400 جنيه سوداني أي ما يعادل 16.5 دولاراً أميركياً. يوميا تتكرر مأساة الحاجة فاطمة في قسم طوارئ مشفى بحري الحكومي، إذ يفقد نحو خمسة مرضى حياتهم، من بين كل عشر حالات يستقبلهم قسم الطوارئ الذي يعد الوحيد من نوعه في محافظة بحري، بحسب الطبيب المناوب في قسم طوارئ مشفى بحري، عادل عمر (اسم مستعار)، والذي رفض الكشف عن هويته خوفاً على سلامته الشخصية بعد تعرض زملائه للاعتقال إثر إضراب الأطباء الأخير احتجاجا على اعتداءات ذوي المرضي عليهم نتيجة لسوء الخدمة المقدمة للمرضى، وضعف الإمكانات وقلة الأدوات الطبية المساعدة. ويوضح الطبيب عمر أن "مشفى أحمد قاسم الحكومي الذي يعد أحد المشافي الثلاثة التي تخدم محافظة بحري، يفتقر إلى قسم الطوارئ، كما أن مشفى حاج الصافي لديه قسم طوارئ صغير يحول الحالات إلى مشفى بحري، ما يهدد حياة المرضى في ظل نقص الإمكانات"، وهو ما أكده عضو لجنة أطباء السودان المركزية، الطبيب عبد المعز بخيت الأمين، نائب اختصاصي جراحة العظام، قائلا ل"العربي الجديد": "رصدنا عدم وجود جهاز تنفس اصطناعي في العديد من المشافي الحكومية في السودان، كما لا يوجد سرير عناية مركزة واحد متكامل وفق المواصفات العالمية في كل أنحاء السودان، بالإضافة إلى عدم وجود أقسام للهندسة الطبية داخل المشافي تُعنى بصيانة الأجهزة الطبية وتشرف على عمليات الشراء". تضم محافظة الخرطوم بحري ثلاثة مشافٍ حكومية أكبرها مشفى بحري الذي يغطي احتياجات 80% من سكان المحافظة التي يفوق عدد سكانها المليوني نسمة بقليل وتصل سعة المستشفى السريرية إلى 600 سرير، وفق إفادة مسؤول الإعلام في مشفى بحري، محمد عبدالله، والذي أوضح أن المشفى يستقبل مرضى من خارج ولاية الخرطوم، متابعا أن مشفى أحمد قاسم المتخصص في علاج الأطفال يعد ثاني مشافي المحافظة، وتبلغ سعته السريرية 135 سريراً ويليه مشفى حاج الصافي الذي تبلغ سعته 110 أسرة موزعة على مختلف الأقسام. ووفقاً لما وثقته معدة التحقيق عبر جولة في مشافي بحري الحكومية، فإن قسمي الطوارئ في مشفى بحري ومشفى حاج الصافي، يفتقران إلى جهاز الصدمات الكهربائية، وجهاز رسم تخطيطي للقلب، وشاشة لقياس العلامات الحيوية، وصندوق الأدوية المنقذة للحياة، وجهاز قياس نسبة الأوكسجين والسكر، وجهاز استنشاق البخار لمرضى الربو، وجهاز شفط السوائل، وأنابيب الصدر بالإضافة إلى أجهزة قياس الضغط والسماعات، بالإضافة لمنظمات أسطوانات الأوكسجين بكل أقسام الطوارئ، وهو ما أكده نائب اختصاصي طب الأمراض الباطنية، الطبيب محمد المجتبى الذي وصف تلك الأجهزة بأنها "منقذة للحياة"، وغيابها يؤثر بشكل مباشر على الوضع الصحي للمرضى ويهدد حياتهم. ولا يتوفر جهاز الصدمات الكهربائية في المشافي الثلاثة التي تخدم ضاحية بحري بجميع أقسامها، ولم يكن الحال أفضل بالنسبة لأجهزة قياس السكر، حسب ما جاء في مذكرة رفعتها لجنة الأطباء إلى وزارة الصحة مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحذرت المذكرة من انعدام وجود أجهزة المونيتور (الشاشات الخاصة بمتابعة حالة المرضى) في جميع أقسام الطوارئ في مستشفيات مدينة بحري.