لا تقتصر معاناة "ريهام" على مرض "الانفلونزا"، الذي يلازمها منذ بضعة أيام، فالطفلة ذات ال 12 عاما، تعاني أيضاً من الربو وتتردد على مستشفى حلفا الجديدة، بولاية كسلا، لتستعين ب"الاوكسجين" والتنفس الاصطناعي لتضع حداً لصعوبة التنفس. وتتحرك "ريهام"، برفقة ذويها، باكراً من قريتها "صرص"، شمالي مدينة حلفا الجديدة، التي تبعد حوالي 23 كلم عن المشفى، لتصل منهكة بالتعب ووعورة الطرق الترابية، وتتقاسم اسطوانة اوكسجين داخل غرفة مكتظة بالمرضى تفتقر لأجهزة التبريد والنظافة. وحينما شقت "ريهام" المصطفين أمام بوابة المشفى، فإنها استغرقت اكثر من 13 دقيقة كي تفسح الطريق لنفسها، وتزيح عناء التكالب على البوابة الرئيسية لتدخل إلى غرفة لا تتعدى مساحتها ثمانية متر مربع؛ تتسع بالكاد لسريرين، لكن ما إن ينبثق الفجر فإن المرضى يرتفعون إلى أكثر من خمسة أشخاص يتقاسمون اسطوانات الاوكسجين. ويفضل غالبية المرضى، المترددين على مستشفى حلفا الجديدة، التحرك في وقت مبكر صوب المشفى نظراً لوعورة الطرق الترابية وانعدام طرق الأسفلت التي بالكاد تغطي 5 كلم داخل سوق حلفا الجديدة، كما أن طريقاً بطول 15 كلم يربط مصنع سكر حلفا الجديدة بالسوق الرئيسي. وسط هذا الكم الهائل من المشكلات التي تواجه سكان المنطقة، تفرض محلية حلفا الجديدة 1,500 جنيه نظير استخدام سيارات الاسعاف من قبل المرضى والحالات الطارئة المنقولة والمحولة إلى مشافي الخرطوم بجانب إلزام المرضى بتعبئة وقود سيارة الإسعاف. وقال مصدر طبي بالمشفى ل(صحيفة الطريق الإلكترونية)، إن "جهة حكومية تبرعت بسيارتي اسعاف لمستشفى حلفا الجديدة للاستعانة بهما في الحالات الطارئة لكن محلية حلفا الجديدة سيطرت على السيارتين وتسمح للمرضى باستخدامها في السفر إلى مشافي الخرطوم نظير 1,500 جنيه؛ تسدد إلى موظف المحلية". والمحلية، التي تخوض غمار الاستثمار في سيارات الاسعاف، "عجزت عن توفير مياه شرب نظيفة داخل المستشفى العام" - بحسب المصدر الطبي، وعندما تزور المشفى فإن حافظات المياه والأواني المبعثرة محاطة بجيوش من الذباب إلى جانب المرضى. تحت إحدى الأشجار داخل المشفى، جلست "هنادي" وهي تحمل طفلة رضيعة لم تتعدَ العامين، جاءت بها من مسافة بعيدة لتلقي علاج الملاريا. واضطرت للتواجد في فناء المشفى هرباً من درجات الحرارة المرتفعة وشح مياه الشرب النظيفة، بينما رهط من النساء يوقدن مواقد تقليدية لصنع الإفطار. وإعداد الطعام في فناء المستشفى بحلفا الجديدة، صار أمراً مألوفاً، منذ سنوات، على الرغم من حملات الدهم التي تحدث بين الفينة والأخرى من ادارة المستشفى، والتي على ما يبدو فشلت في ايقاف هذه العادات لقلة المطاعم المنتشرة في المكان وارتفاع أسعار الوجبات. وتقول هنادي، (26 عاما) "جئت إلى هنا برفقة طفلتي لتلقي علاج الملاريا، لكن المعاناة هنا أصعب من المرض في حد ذاته، لأننا نعاني من ارتفاع درجات الحرارة واحياناً نفضل اللجوء إلى المراكز الطبية الخاصة لوضع حد للمعاناة والتزاحم على المشفى الحكومي". ويعتقد مسؤول بارز بإدارة الطب العلاجي بمكتب الشؤون الصحية، في حلفا الجديدة، فضل عدم نشر اسمه، ان "تحقيق اي تطور لايصال الخدمات الصحية للمواطنين بحلفا الجديدة مرتبط بحجم الأموال المرصودة للعملية وعدم اتاحة الفرصة للمسؤولين السياسيين بالهيمنة على اتخاذ القرارات التي تأتي خصما على الخدمات الصحية". وقال مصدر مسؤول للصحيفة "تتحصل حلفا الجديدة على مجمل الأموال والدعم المخصص للصحة من المنظمات ولا تقدم حكومة الولاية شيئا يذكر"، وأضاف "تتولى منظمة القامبيا المصرية مكافحة الملاريا والبلهارسيا، وتقدم خدمات ممتازة كما ان منظمة أخرى توفر عقار الملاريا المجاني". وقال طبيب بالمستشفى إن "المشفى يفتقر إلى جهازي الرنين المغناطيسي والاشعة المقطعية"، واضاف، ان "هناك حالات كثيرة وجد الاطباء صعوبة في تشخيصها ونصحوا المرضى بالسفر إلى الخرطوم لتوفر الأجهزة هناك". وأبان الطبيب، الذي طلب عدم نشر اسمه "يتردد ما بين 2- 3 مرضى يومياً الى المشفى اغلبهم يتعرضون إلى جلطات مفاجئة ومن الصعب تشخيص حالاتهم لعدم توفر الاجهزة الطبية، ونضطر إلى تقديم النصح لذويهم بالسفر إلى الخرطوم". أما مشرحة المستشفى، فإنها أغلقت منذ 10 أعوام، وتضطر الشرطة الجنائية إلى نقل الجثث لمشرحة مستشفى القضارف التي تبعد عن مدينة حلفا الجديدة حوالي 300 كلم جنوبي المنطقة التغيير