في اول بيان له في عام 1989 ، وهو تاريخ الإنقلاب على حكومة الصادق المهدي ، تحدث العميد البشير بنبرة صارمة وهو يخاطب الصادق المهدي : نحن نتحداك ونتحدي مليشياتك ، ثم تحدث عميد الإنقلاب أن الجندي السوداني يقاتل في أحراش الجنوب وهو يلبس ( سفنجة ) ، في تلك الفترة كانت الجبهة الإسلامية تغازل الجيش وتعتبره هرم الشرعية في السودان ، لكن الحال قد تبدل بعد مرور كل هذا الزمن ، فلا وجود لذلك الجندي المجهول الذي يحارب في الجنوب وهو يحتذي ( سفنجة ) ، لأن سفينة الجنوب قد اتجهت نحو شواطئ الإنفصال ، وفي مقام ذلك الجندي نما عرق شجرة الفريق طه الحسين ، مدير مكتب الرئيس ، الفريق طه لم ينال هذه الرتبة الكبيرة لأنه شارك ذلك الجندي ( الحفيان ) ضروس الحرب ونار الإقتتال وهو يجاهد بلغة ذلك الزمن ، بل تلك الأوسمة وضعتها في كتفه نساء الرئيس وحظوته الكبيرة عند من يخدمهم رجالاً ونساءً ، كذب الحاج أدم يوسف عندما قال أن الحركة الإسلامية تعف عند المغنم وترفد نفسها عند المغرم ، فنهم الحركة الإسلامية – لو صحت هذه التسمية – هي التي أفقرت السودانيين وجعلتهم في بلاد الشتات ، وتكالب الحركة الإسلامية على موارد السودان جعلنا نسأل الله في القنوت ان يشفي الجميع من الأمراض لأن الدواء معدوم وطلبه مثل جلب لبن العصفور ، لكن الرسول ( ص ) أمرنا بالتداوي والعلاج ،فلا يمكن أن ينتحر الشعب واموال بلادنا مكدسة في ماليزيا وتركيا ، نعود لحديث الرئيس وكيف أنه يعيش تحت رايات المليشيات العنصرية القادمة من دارفور ، بعضهم يقول أن الجنرال حميدتي سوف يلقى مصير القائد أبو مسلم الخراساني مؤسس الدولة العباسية ، وذلك بحكم أن مليشياته ليست من النسيج الاجتماعي للحزب الحاكم وهو الشمال النيلي ، فطموح حميدتي ربما يجعله يلقى ذلك المصير ، صحيح أن هذه المليشيات وهي مشحونة عرقياً سوف تكون اشد فتكاً بابناء الشمال اذا تظاهروا ضد الرئيس البشير ، وقد حدث ذلك في إنتفاضة الغلاء الأخيرة ، وقد تدخلت هذه المليشيا وقتلت الطلاب والنساء بدون وازع أو تردد وهي تحمل في طياتها الحقد الدفين ، لكنها نجحت في تأمين النظام ووأد حركة الإحتجاج بسرعة فائقة ، و مهما سالت الدماء وأرتفع ثمن الضحايا فإن هذه المليشيا المرعبة تؤمن نظام الرئيس البشير بفاعلية تامة ، وما يدفعه لها النظام من أموال فهو أقل من تكلفة الجيش السوداني الغير مضمون الولاء ، فالدعم السريع إسم على مسمى ، وهذه المليشيا ترابط الأن في جبل أولياء وعطبرة ، وسرعة وصولها للخرطوم في زمن رنة جرس الهاتف ، فالبشير لا يأمن الجيش الذي انحدر منه ، و هذه المليشيا مثل الكلب البوليسي ، يكفي فقط ان تحدد لها الهدف فيتبعثر الرصاص في كل مكان ، وسوف تجد شخصاً مثل إشراقة ( ساندوتش ) يقوم بإطلاق الزغاريد والرقص في ميدان حميدتي ، فقد فتن عجل حميدتي الجميع بخواره ، ، فالبشير ليس أبو جعفر المنصور ، الخليفة العباسي القوي الفصيح اللسان الذي أمر الناس بأن لا يخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية ،والذي فتك بأبي مسلم الخراساني قبل أن يشتد عوده ، كأما أن الجنرال حميدتي ليه هو أبو مسلم الخراساني ، ذلك القائد الذي لا يفرحه نصر أو تثبطه هزيمة . فالتاريخ كما يقول حسين مروة يسير نحو الأمام ولا يتأخر للوراء ، لكنني أجد الشجاعة بالقول أن جيش حميدتي اشبه بفرقة الجهادية التي كونها الخليفة عبد الله التعايشي في أيام حكمه ، وكان جنود الجهادية يفرضون الأتاوات على البسطاء حتى قال فيهم الشاعر : عنز الفطيم محلوبة والدقيق مشيول لو سكت غنيمة ولو نضمت مقتول . لكن الخلاصة هي أن الجنرال حميدتي هو مجرد جندي مرتزق ، يطيع أوامر من يدفع له ثمن الرصاص ، وقد ملأ الفراغ الذي تركه الجيش السوداني ، وجنوده ينهبون المواطنين بحجة : ان الحساب يجمع مع عمر البشير ، ولا يصفونه بالرئيس ولا يكنون له أدنى إحترام ، و السؤال المطروح ما الذي جعل المشير البشير يدوس على كل المحرمات في السودان ولا يوجد من يقف في وجهه ؟؟ وقد اصبح من يتحدث عن بديل للبشير كم يفر يوم الزحف ، تسبب البشير في حرب الجنوب ثم إنفصاله عن السودان ، دخل في حرب دارفور وقتل آلاف الأبرياء فأصبح مطاردا من قبل الجنائية الدولية ، تسبب في انهيار الاقتصاد السوداني ووضع البلاد في قائمة الإرهاب ، ثم مضى الرئيس – وهو على أبواب المنايا – يقتل الأطفال والطلاب في الخرطوم ، فقد أصبح السودان في عهده وطناً مرعباً وطارداً للجميع ، فحتى كوبا الشيوعية حدث فيها تغيير في الحكم ، وحتى لا أظلم الأنظمة الشمولية ، فإن كوبا تعتبر من افضل بلاد العالم في مجال الاهتمام بصحة الإنسان ، فمعدل الأعمار في كوبا يصل لثمانين عاماً ، والدولة توفر طبيب لكل عشرة أشخاص ، أما نظام صدام حسين فقد خصص مستشفيات خاصة بالنساء والأطفال ، وحتى عندما سقط النظام في عام 2003 كانت البطاقة التموينية هي المستند الذي يحدد إثبات الشخصية ، وليبيا في عهد القذافي كانت تدعم الكهرباء والعلاج والغاز ، وما فاض من مكرونة وصلصة في ليبيا أيام الحصار ،كان يتم تهريبه للسودان المحاصر من قبل الجبهة الإسلامية ، فلا نحن نعمنا بالحرية لأنه يحكمنا طاغية خالي الوفاض من الحس والضمير ، ولا نحن تمتعنا بالخبز والدواء والكهرباء التي توفرهم النظم الدكتاتورية د.سارة عيسي كاتبة سودانية [email protected]