ينطبق المثل الشعبي "الضربة الما بتكتل بتقوٍي" علينا أكثر من النظام، العصيان المدني سيقصم ظهر النظام، فقط مسألة وقت، شريطة أن يكون قويًا بحيث يقضي عليه تماماً، لا يمكننا توجيه ضربة قاتله للنظام المترنح ما لم يلتزم من يمكنهم ذلك – و هم كثر- و يهمهم اسقاط النظام، …، إذاً أين المشكلة؟ لدينا مشكلة واحدة بحجم معاناتنا …، الالتزام، كان – و لا يزال – مشكلتنا الرئيسيًة مع إيماننا التًام أنًنا على حق، و ادراكنا الكامل بأنً الالتزام شرط رئيسي لبلوغ هدفنا أي اسقاط النظام …، من هنا يجب علينا البحث في أسباب المشكلة و حلًها. تتطلب الموضوعيًة تقييم معسكر الخصم ، ففي المقابل مؤيدي النظام (رغم قلة عددهم )ملتزمون بتعليماته مع علمهم التام أنهم على باطل، و السر يكمن في خوفهم من انقطاع فتات السحت و الوسخ الذي يعيشون عليه..، لذلك لا يمكننا التقليل من قوة دافعهم ، و للمفارقة سبب التزام عبيد النظام هو نفسه سبب عدم التزام ضحاياه الأكثر عدداً و تضرراً من وجوده من محدودي الدخل .. موظفي الخدمة المدنيًة من معلمين و عاملين بأجهزة الدولة ممًن يبغضون النظام و يدعون في صلواتهم أن يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر… (الخوف من العواقب و الخضوع للابتزاز).. نسبة المشاركة في عصيان يوم 19 كانت مرتفعة في الأقاليم بدرجة كبيرة عن يوم 27 نوفمبر، لكنها أقل بكثير في الخرطوم، لأسباب أهمًها أنً البعض ممًن شاركوا يوم 27 لم يشاركوا، لسبب أنًهم خضعوا لابتزاز النظام بطريقة أو بأخرى…، و من هنا نستبين الدليل على عدم الالتزام … أهمً مواطن الخلل ، و طالما أنً النظام لا يزال و هو في أضعف حالاته يمتلك المقدرة على الابتزاز، و البعض ممًن يهمهم أمر اسقاطه يستجيبون لهذا الابتزاز، إذاً علينا التعامل مع هذه المسألة الحرجة و ايجاد الحلول الناجعة بحيث يسقط سلاح الابتزاز في يد النظام تماماً كما سقط سلاح الرصاص في يده. …كيف؟ الحل هو معرفتنا بأساليب العصيان نفسها ..، فهى كثيرة لدرجة أننا لو طبًقنا عشرها لتمكننا من النظام و أسقطناه بكل سهولة…، للعصيان الكثير من الأساليب بخلاف الاعتصام في البيوت أو الغياب عن العمل، فجوهر العصيان كما سبق القول مراراً هو "الامتناع عن أي فعل يريده النظام، و عمل أي شئ يبغضه النظام" بشرط أن يكون الفعل أو الامتناع خال من العنف تماماً. لبلوغ هذه الغاية يجب علينا طرح الاسئلة ، و فهم اجابات من لم يشاركوا لنعرف أسباب عدم مشاركتهم في اسقاط النظام الذي يبغضونه، على ضوء الاجابة نستطيع أن نرشدهم الطريقة المناسبة لمشاركتهم، فهم يمتلكون الرغبة و تنقصهم المقدرة و ربًما الارادة، لذلك علينا ضمان مشاركتهم في المرات القادمة ، بعد أن يدركوا أنً أساليب العصيان متعددة لدرجة أنًه يوجد اسلوب محدد يناسب كل فرد في المجتمع بحسب ظروفه الموضوعيًة. بحسب دراسة حالتنا، أنجع أساليب العصيان المدني و أقلًها مخاطرة المقاطعة الاقتصاديًة و الاجتماعية لمؤسسات و أفراد النظام، يستطيع من لم تسمح لهم ظروفهم الاعتصام أن يحرموا النظام من الأموال من خلال تأجيل أي معاملة تتطلًب دفع أموال لخزينته ، و يستطيعون أن يقاطعوا المؤسسات التي يعتمد عليها مالياً مثل شركات زادنا ، زين، سوداتل، كما يمكن لملاك العربات الخاصًة أن يتوقفوا عن استعمالها الا في حالات الضرورة و يقاطعون سلعة البنزين للحد الأقصى، و يمكن مقاطعة سلع مثل الدقيق و الاستعاضة عن الخبز بالكسرة مؤقتاً، و هكذا…، يمكن أن تكون المقاطعة كلياً في حالة أورنيك 15 ، الضرائب و الجبايات الأخرى، كما يمكن أن تكون جزئياً في حالات أخرى مثل شركات الاتصالات ، و مع المقاطعة يكون التعزيز، ففي السلع الضرورية نحتاج مقاطعة محلات بعينها و الاستعاضة عنها بمحلات مملوكة لأناس لا يدعمون النظام.. أول واجباتنا معرفة الغاية من العصيان حتًى نحدد الوسيلة المناسبة لكل حالة محددة، فهو بالدرجة الأولى إخضاع النظام و تركيعه، أقصر الطرق لذلك انفضاض المنتفعين من حوله و تساقط رموزه، فهمنا لأسباب بقائهم في صفوفه مهم جداً ، ما يبقهم ليس ايديولوجياً أو حباً فيه ، انما مصالح مادية بحته يمكن ايقافها بالتزامنا ووعينا، عندها سيتفكك أمام أعيننا…، لذلك علينا تفعيل سلاح الامتناع عن الفعل الذي يريده النظام و هو هنا الامتناع عن دفع أي أموال تذهب لخزينته.. قد يقول البعض أنً النظام يستطيع طباعة نقود كما يشاء و يدفعها للمنتفعين منه و يبقيهم داعمين له ،عملياً هذا غير ممكن لأنًه ان فعل سيعجل بسقوطه أكثر فمن الناحية الاقتصادية لا بدً أن تكون هنالك سلعة عينيًة أو عملة أجنبية يملكها النظام حتى يستطيع أن يطبع مقابل قيمتها الماديًة عملة محليًة، و هذا ما يعرف بالغطاء النقدي و بدون غطاء سيعجل بانهيار الاقتصاد أكثر مما هو منهار لأنً كمية النقود ستكون أكثر بكثير من دخل النظام الحقيقي و من الناتج المحلي الاجمالي، و بالنتيجة ستقفز معدلات التضخم بالزانة، وتنهار الموازنه خلال أيًام معدودة، و ترتفع الأسعارلدرجة خرافيًة لأنً النقود أصبحت مجرد ورق غير قانوني و غير مبرئة للذمًة لأنً النًاس لا يثقون فيها، وبالتالي يرتفع ثمن السلع و الخدمات و يعجز الناس عن شرائها؛ وبذلك تحدث كارثة اقتصادية بسبب طباعة العملة على المكشوف فإذا زادت كمية النقود دون غطاء انهارت قيمتها و ارتفعت الأسعار بصورة فلكيًة و لن يمر وقت طويل حتًى يحدث الانهيار الكارثي على رؤوسهم. خلاصة القول، العصيان المدني، هو الطريق الأمثل لاسقاط النظام لأنًه متعدد الأساليب، كل ما علينا التنويع باختيار الأسلوب الأسلم والأضمن و الأكثر جدوى مع كل شريحة من المجتمع ، ..في نفس الوقت علينا الاعتراف بأنً مجتمعنا مصاب بالهشاشة بفعل سياسات النظام الممنهجة ، لذلك علينا أن لا نحمل البعض فوق طاقتهم، و نلتمس لهم العذر طالما أنًنا لا يمكننا تعويضهم عن الأذى الذي قد يلحقه بهم النظام، مع التأكيد على أنً العصيان المدني حق طبيعي متعدد الأساليب، لا يمكن التنازل عنه ، و وسيلة حضارية للمقاومة المدنية و التغيير الاجتماعي و السياسي ، لذلك علينا دائماً ابتكار حلول حتًى نضمن نشر ثقافته و تطويع أدواته و أساليبه، بهذه الطريقة سيتحول الى قيم ثقافية راسخة في مجتمعنا بدءاً من الأسرة و الأقارب والجماعات الكبيرة والصغيرة . لا بد من توعية المواطن البسيط بأهمية العصيان المدني كوسيلة من وسائل المطالبة بحقوقه المشروعة وممارسته ، وإخراجه من دائرة اللامبالاة والخوف وعدم تحمل المسؤولية وذلك بتمليكه الأدوات المتناسبة مع ظروفه…هذه مهمة جماعيًة تقوم بها الشرائح الواعية في المجتمع و على رأسها الأئمًة و الدعاة ، المثقفون و الكتاب و الفنانون …الخ، مجتمعنا بحاجة لتعليمه هذه الأساليب و تعميمها على كافة قطاعاته لنضمن تحول قوة المجتمع او الاحتقانات الداخلية والنفسية الى قوة ايجابية تضمن التعجيل بسقوط النظام . مصطفى عمر [email protected] [email protected]