مقتل 18 شخصا واختطاف 14 آخرين بينهم 3 فتيات من الفاشر    فبريكة التعليم وإنتاج الجهالة..!    تأملات جيل سوداني أكمل الستين    مقتل كبار قادة حركة العدل والمساواة بالفاشر    مناوي: صمود الفاشر رسالة تاريخية لعبدالرحيم دقلو    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    مصلحة الشعب مع الحقيقة دائما حتى لو كانت قاسية    أونانا يحقق بداية رائعة في تركيا    بيراميدز يسحق أوكلاند ويضرب موعدا مع الأهلي السعودي    دبابيس ودالشريف    رئيس مجلس السيادة يلتقي أمير دولة قطر و يعقدان اجتماعاً ثنائياً    السودان يشارك في مؤتمر ومعرض المجلس الدولي للمطارات لإقليم أفريقيا    ما ترتيب محمد صلاح في قائمة هدافي دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ؟    دراسة تكشف تأثير "تيك توك" وتطبيقات الفيديو على سلوك الأطفال    "خطوط حمراء" رسمها السيسي لإسرائيل أمام قمة الدوحة    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    لقد غيّر الهجوم على قطر قواعد اللعبة الدبلوماسية    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    أمير قطر: بلادي تعرضت لهجوم غادر.. وعازمون على مواجهة عدوان إسرائيل    شاب سوداني يستشير: (والدي يريد الزواج من والدة زوجتي صاحبة ال 40 عام وأنا ما عاوز لخبطة في النسب يعني إبنه يكون أخوي وأخ زوجتي ماذا أفعل؟)    هالاند مهاجم سيتي يتخطى دروغبا وروني بعد التهام مانشستر يونايتد    الهلال السوداني يتطلّع لتحقيق كأس سيكافا أمام سينغيدا    شاهد بالصورة والفيديو.. بضحكة مثيرة جداً وعبارة "أبشرك اللوري مافي زول سائقه مركون ليهو زمن".. سيدة سودانية تثير ضجة واسعة بردها على متابع تغزل في جسدها: (التحية لسائق اللوري حظو والله)    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفتح النار على المطربة إيمان الشريف: (المجهود البتعملي عشان تطبلي لطرف تاني قدميه لزوجك لأنك مقصرة معه ولا تعطيه إهتمام)    شاهد.. "جدية" الإعلام السوداني تنشر صورة لها مع زوجها الشاعر وتستعين بأبيات من الغزل نظمها في حقها: (لا شمسين قدر نورك ولا الاقمار معاها كمان)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    مصر تسجل مستوى دخل قياسيا في الدولار    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    انتقادات عربية وأممية.. مجلس الأمن يدين الضربات في قطر    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا نشطت تيارات اليمين المتطرف في اوربا و امريكا الشمالية؟
نشر في حريات يوم 18 - 03 - 2017

هنالك يمين تقليدي كالحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، حزب المحافظين البريطاني و حزب المحافظين الكندي و مثلها في فرنسا و بقية الدول ذات النظم الديمقراطية العتيدة. هذا النوع من أحزاب اليمين يخدم بالأساس مصالح الشركات الكبري في تلك البلاد و في العالم عبر التفاهمات و الإتفاقيات التجارية بين الدول الرأسمالية. ما يسمي بالأحزاب اللبرالية كحالة الحزب اللبرالي الكندي هي تيارات يمين من حيث المنطلقات الطبقية (موظفون كبار و ملاك صغار) و هم من يحلو للبعض تسميتهم بالطبقة الوسطي والأحزاب اللبرالية من الناحية الإقتصادية تمارس دوراً محسناً و يختلف من حيث المقدار عن اليمين التقليدي و في بعض الأحيان أيام المعارك الإنتخابية تنازل خصومها المحافظين من مواقع اليسار و يظهرون درجة من التفهم لمطالب المنظمات النسوية و المنظمات المهتمة بقضايا النوع الإجتماعي و تكون أكثر رفقة بالمجموعات التي خضعت للتمييز العنصري ببلادها من نظيراتها في اليمين المحافظ و العمال بنقاباتهم.
اليمين المتطرف نقصد به تلك الجماعات التي تتبني عقلية سيادة و تفوق الإنسان الأبيض و هي تنظيمات علي شاكلة كو كلكس كلان الذين كان أول ضحاياهم المهاجرين الكاثوليك، الشعوب الأصيلة ثم السود و الآن المهاجرين في الولايات المتحدة. يطلق عليهم البعض أي اليمين المتطرف، حركات النازيين الجدد. تنشط مثل هذه الجماعات في كندا و الولايات المتتحدة باسماءمختلفة كما في الدول الأوربية كالحزب البريطاني القومي و جمعية الدفاع عن الإنكليز و في فرنسا الجبهة الوطنية و حلفائها، في المانيا الحزب الديمقراطي القومي و حلفائه و في هولند حزب الحرية مثلاً، في جميع الدول الاوربية بالإضافة لكندا و الولايات المتحدة توجد تيارات يمين متطرف متعددة و تتمحور شعارات هذه المجموعات اليمينية حول رفض ومناهضة تحررو حقوق النساء، حريات و حقوق المثليين و غيرهم من أصحاب الإتجاهات الجنسية المغايرة و ضد حريات و حقوق السود و المهاجرين إجمالاً و في هذه الأيام ضد المسلمين و وجودهم بتلك الدول و بالأساس ضد العمّال و نقاباتهم و ضد الإتحادات المهنية و منظمات النساء. هنالك نوع من الإتفاق عند المحللين السياسيين و الصحفيين أن هذه الجماعات تنشط كلما زادت إجراءات التقشف الإقصادي، هذا صحيح لكن ليس بالبساطة التي تطرحها الصحف السيارة و قنوات الإذاعة و التلفزة. درجة التنظيم الفعالية السياسية لمجموعات و احزاب اليمين المتطرف تختلف بإختلاف الدول و إختلاف ظروفها الإقتصادية. الإكتفاء بفكرة أن سياسات التقشف الإقتصادي هي السبب وراء نشاط هذه المجموعات هو نوع من الكلام الدارج الذي يتم الإقتناع به ببساطة عند قراء الصحف السيارة و متابعي قنوات التلفزة و الراديو. ببساطة لأن هذه المجوعات موجودة و قديمة و راسخة في التاريخ السياسي للبِيض و لأي مجموعة اسباب خاصة قادت لقيامها.
أحاول في هذا المقال الإجابة علي السؤال؛ لماذا تنشط حركات اليمين المتطرف في اوربا و أمريكا الشمالية في هذه السنوات؟ و للإجابة علي هذا السؤال لابد من استطراد مبسط حول خلفيات هذه المجموعات الفكرية و الدعائية. تأسست فكرة سيادة و تفوق الإنسان الأبيض علي ترِكة الإحتلال الإستيطاني أو ما يسمي علي سبيل الغش بالإستعمار خلال القرنين الفائتين و لقد سادت في تلك الفترة خطابات ثقافية إستعلائية تجلت في الأدب و الفنون علي سبيل الإجتياف و ببذاءة في بعض الكتابات السياسية لقد تميّز الخطاب الإستعلائي في تلك الفترة بأمور مثل بدائية و توحش الشعوب التي أُحتلت أراضيها و نُهِبت ثرواتها و تعرضت للقمع الوحشي و الإبادة أحياناً. كلمة استعمار نفسها تسمية غير صحيحة لظاهرة الغزو و الإحتلال و القمع التي مارستها اوربا الغربية في القرون السابقة؛ أي القرن العشرين، التاسع عشر و في بعض المناطق قبل ذلك. فذلك لم يكن استعمار أو نقل للحضارة و التمدن علي المعايير الأوربية بل كان غزواً و إحتلال و إبادة و نهب للثروات الطبيعية و انهاك لموارد تلك الشعوب المحتلة بشكل غير قانوني و لا اخلاقي لإدارة عجلة رأس المال المعطوبة في اوربا. العقل الإستعلائي إذا جازت التسمية بلا شك يدرك لا أخلاقية تلك الممارسة و عدوانيتها لذلك سعي لتمويهها منذ البداية بخطاب إستعلائي كاذب و رخيص لكسب السند الشعبي لتلك الممارسة الإحتلالية ببلادهم لأن الانتخابا عندهم قديمة و السياسة عندهم لعبة قذرة. تلك الترِكة الثقافية و الدعائية القبيحة كانت باستمرار هي المبرر للإستعلاء. بذلك تكون الإتجاهات اليمينية المتطرفة مرتكزة علي تلك التركة الإستعلائية الزائفة و الكاذبة و المغشوشة. ما يهمنا هو أن تلك الفترة بمثابة إثبات دامغ للا أخلاقية الرأسمالية و سعيها المحموم للربح و انتهاكها المستمر لحقوق الناس و سرقة مواردهم. تلك الرأسمالية غير الأخلاقية و الفاجرة ما زالت تحكم اوربا و امريكا لشمالية و ما اختلف هو ببساطة كان نتيجة لأفعال هتلر في اوربا حيث وصل الإستبداد الرأسمالي مداه و تعرضت شعوب اوربا نفسها للقمع للإبادة و الإحتلال. من المؤسف القول أن ممارسات هتلر النازي كانت بمثابة الترياق المؤلم لثقافة الإحتلال و الإستعلاء الأوربي فشكرا لالمانيا النازية بقيادة هتلر التي ساهمت أعمالها الوحشية ضد الاوربيين في رفع درجات الوعي عند الشعوب الأوربية السادرة في جهالاتها و إستعلائها فطفقوا يتبنون شعارات الحرية و حقوق الإنسان و جعلوا لها بنيات قانونية راسخة. ببساطة ما فعله هتلر هو رد صاع الغزو و الإحتلال لافريقيا و آسيا و امريكا الجنوبية بصاعين من القتل و الإستباحة للدول الأوربية و سكانها. لذلك ليس غريباً أن تكون أيام نهاية الحرب الأوربية الأخيرة أو ما يسمي علي سبيل الغش الحرب العالمية الثانية ( كأن العالم هو اوربا) بداية لعهود التحرر في افريقيا و آسيا و امريكا الجنوبية.
النظام الرأسمالي مأزوم و أس أزمته هي؛ إجتماعية ادوات و وسائل الإنتاج من جهة و من الجهة المقابلة الملكية الخاصة لرأس المال و سيظل هذا التناقض يفعل فعله في البنية الرأسمالية إلي أن تسقط. و أي تقدم أنجز في حقوق الناس في العلاج المجاني، التعليم المجاني و الإسكان الميسر لم يكن إلا نتيجة لنضالات العمّال، النساء و المجموعات الخاضعة للتمييز العنصري عبر منظماتهم الجماهيرية.
من المعروف أن الدولة في اوربا الغربية و امريكا الشمالية تبني ميزانياتها علي أموال الضرائب المتحصلة من دخول العمال و الموظفين و الضرائب علي الشركات و ضرائب أخري علي العقارات و غيرها من مزارع و حيازات أخري. يستخدم مال الضريبة في الصرف علي جهاز الدولة و الصرف علي الخدمات الصحية المجانية إن وُجِدت في معظم الدول الأوربية و كندا عدا الولايات المتحدة و يستخدم أيضاً في ضمان التعليم المجاني بالمراحل الأساسية و الصرف علي السكن الميسر لأصحاب الدخول المحدودة و الصرف علي انظمة الإعانة الإجتماعية و الضمان الإجتماعي لفاقدي الوظائف أو غير العاملين و غيرها كالمعاشات و الصرف علي كبار السن وغيرهم من الفئات الإجتماعية ذات الإحتياج الخاص، اللاجئين و السجناء و غيرهم. و من المعروف أن الشعوب حصلت علي تلك الحقوق بفعل النضالات النقابية و نضالات المنظمات الفاعلة في العمل الجماهيري لمناصرة قضايا محددة و مجموعات محددة بإستغلال لظروف الحرية و فكرة دولة القانون و المؤسسات. عندما يستخدم تعبير التقشف الإقتصادي فإنه يحيل إلي الإستقطاعت المالية علي أوجه الصرف المذكور آنفاً مما يسبب حالة من الضيق و الحنق الإجتماعي عند الفئات المستفيدة من تلك الخدمات و لا يتم خفض للصرف في مجالات الدفاع و الأمن و الشرطة بل يزيد الصرف عليها. الصرف علي التسليح يهدف بالأساس لدعم المستثمرين في الصناعات الحربية (المعدات العسكرية و السلاح و انظمة الدفاع) و يدعم أيضا الشركات النفطية الكبري. الرأسمالية المرتبطة بالصناعات الحربية و استثمارات النفط هي من تخدمها الأحزاب المحافظة في العادة أو اليمين التقليدي و في عهد اللبرالية الجديدة الأحزاب اللبرالية أيضاً كما في الحالة الكندية. التقشف الإقتصادي يضيم محدودي الدخل و يضيق علي معاشهم و في نفس الوقت يفتح ابواب الربح المهول أمام إحتكارات السلاح و الصناعات الحربية الأخري و قطاع النفط و يوفر لتلك القطاعات تخفيضات ضريبية و دعم مالي غير مشروط أحياناً نظير الخدعة الكبري المعروفة بتوفير الوظائف لغير العاملين نتيجة للإستثمارات في الصناعات النفطية و الحربية و مشاريع البني التحتية. التقشف الإقتصادي دليل آخر علي أزمة الرأسمالية.
في ظروف الحنق و الإحتقان الإجتماعي الناتج عن سياسات التقشف تجد أحزاب و منظمات اليمين المتطرف فرصتها للترويج لدعايتها المناهضة للهجرة، السود، المسلمين و الأهم العمّال و النساء حيث يسود إعتقاد بين البسطاءو غير المتعلمين منهم مفاده أن النقابات و الإتحادات المهنية تسهم في واقع البطالة نتيجة لدفاعهم عن حقوق العاملين و مطالبتهم بالمزيد من الحقوق. ربما لا يعلم الكثيرون أن معظم مال الضريبة يدفعه في الحقيقة العمال و الموظفين من المهاجرين و علي سبيل المثال يدفع اصحاب الدخول المتدنية في كندا في الوظائف التي لا تحتاج لتدريب و تعليم جامعي أكثر من عشر مرتباتهم و هولاء غالبيتهم العظمي من المهاجرين و النساء و الفئات التي تعرضت للتمييز العنصري تاريخياً (السود، السكان الأصليين ). و نتيجة لهذه الأوضاع المعقدة نجد أحزاباً كالحزب اللبرالي الحاكم في كندا تدافع عن الهجرة و المهاجرين و تدافع عن النساء و المهمشين عرقياً لأنهم يعرفون قدر الأموال التي يدفها هؤلاء من عوزهم و كنوعٍ من الدعاية السياسية الرخيصة.
من المضحك جداً أن يسود إعتقاد واسع الإنتشار عند أنصار الرئيس الأمريكي ترمب مفاده أن المهاجرين سيطروا علي الوظائف التي يستحقها غيرهم من فئات المجتمع الذين هم بالأساس من البِيض المنخرطين في تيارات اليمين المتطرف و الواقع كما يعلم الجميع غير ذلك. فمشكلة البطالة لم يسببها المهاجرون إنما سببها النظام الرأسمالي نفسه بل بالعكس فالمهاجرون ضروريون لرفاه و ارباح الطبقة الرأسمالية الحاكمة لأنهم يقبلون بشروط وظيفية متدنية خاصة في حالات العمل غير الدائم و الذي تنظم النشاط فيه النقابات و الإتحادات المهنية.
المنخرطون في تنظيمات اليمين المتطرف في الغالب من البسطاء من ناحية التعليم و التدريب المهني و من قليلي الوعي. فمثلاً وقع هجوم مسلح علي معبد للسيخ في ويسكونسن في اغسطس 2012م عن طريق متطرف يميني أبيض قال للشرطة إنه كان يعتقد أن السخ مسلمون! هذا الجاهل لا يفرق بين السيخ و المسلمين و الحادث التي راح ضحيته شابان امريكان من أصول هندية في 4 مارس 2017م في كنساس سيتي قال المتطرف اليميني الأبيض أنه قتل مسلمين من الشرق الأوسط. من يمارس العدوان الأرهابي من عناصر اليمين المتطرف هم في العادة من اشباه الأميين أو المعزولين إجتماعياً و الجهلاء كحالة العدوان علي المسجد في كويبك سيتي في الشهر الفائت من طالب جامعي عرف عنه العداء للنساء المثليين و السود و المسلمين منذ أن كان طالباً بالمدرسة الثانوية و محتوي صفحته علي الفيسبوك يشهد علي مدي عزلته و جهله.
بذلك تكون الأزمة فالحقيقة هي ازمة نظام رأسمالي يقوده سياسيون كاذبين يلعبون علي حبال التناقض بين العمال و الجماهير و الشركات الكبري الطامحة لمزيد من الربح. نتابع في هذه الأيام إضرابات من انواعٍ جديدة في الولايات المتحدة مثلاً يوم من غير نساء حيث مكثت النساء في البيوت و لم يذهبن للعمل و يوم من غير مهاجرين حيث أضطرت بعض الأعمال الكبري أن تغلق ابوابها أمام الزبائن نتيجة لغياب العمالة. مثل هذه الممارسات المتمدنة هي ما ستعيد عناصر اليمين المتطرف لرشدهم إن كانوا يتوفرون علي رشد بالأساس.
ساهمت الهجمات الإرهابية التي نفذتها القاعدة و داعش بصورة ما في تحريك اليمين المتطرف في اوربا و أمريكا الشمالية.لقد حولت تلك الهجمات ببساطة حياة الشعوب و في اوربا و أمريكا الشمالية لجحيم و خوف و الأخطر أنها غيرت الفهم التقليدي للحرب و طرائقها بالفهم الاوربي. عند الارهابيين لا يوجد جيش كما هو معروف و لا يوجد ميدان معركة و السلاح بالأساس هو الإنسان الإرهابي لأن هذا الشخص الخطر و المشوه يمكنه ترويع الناس و لو بسكين او شاحنة او حتي عصا أو بجسده في حالة أنه انتحاري. حالة الخوف المستحكم الذي خلقته الهجمات الإرهابية جعلت اليمين المتطرف يفكر في الهجوم كوسيلة للدفاع و جعلت عناصر اليمين المتطرف في خانة الدفاع و الهجوم علي الأعداء الوهميين كنوع من تطبيق القاعدة "خير وسيلة للدفاع هي الهجوم" دون التفكير في مسببات الإرهاب و الهجمات الإرهابية التي تحتاج لدراسة متعمقة في الظروف الجيوسياسية المرتبطة بالمنظمات الإرهابية و أهدافها و من يستفيدون من خدماتها. جميعنا يعلم أن دوافع الولايات المتحدة و حلف الناتو فيما يعرف بمحاربة الأرهاب هي مجموعة اعمال عنف و حروب يتم تصديرها خارج الترابين الاوربي و الامريكي الشمالي و تستهدف بالأساس مزيدا من السيطرة علي موارد النفط و ضمان وصوله لأوربا و أمريكا الشمالية بأرخص التكاليف و الاسعار. و النفط و الغاز الطبيعي الآن هما اللاعب الرئيسي في صوغ المسرح السياسي العالمي و بنائه. معروف أن عهد اوباما قد اسفر عن تمّكن الولايات المتحدة و كندا بمجهودات المحافظين من استخراج مزيد من النفط ليكفي إحتياج امريكا الشمالية و يجعلها تستغني عن السعودية و الخليج لكن ارتفاع كلفة استخراج النفط العالية في امريكا و كندا و إصرار السعودية علي عدم زيادة سعر البرميل أدخلت امريكا الشمالية في خيارات سياسية مختلفة كضرورة التحالف مع روسيا الرأسمالية و القبول بالصين كواقع تجاري ماثل و مستهلك للنفط حاله حال اوربا، الصين الآن كمشترٍ للنفط حسن العلاقة مع الخليج يمكنه التحكم في اسعار النفط بما يضر المصالح الأمريكية الشمالية. تمكنت إدارة اوباما من اصلاح العلاقة مع ايران كربيب لروسيا الرأسمالية و افسدت علاقة الولايات المتحدة مع فنزويلا التي كانت مصدراً مهما للنفط الرخيص للولايات المتحدة.
يعلم الجميع أن الحرب علي الإرهاب هي معركة انسانية كبري و لا يمكن إدارتها بطرائق الولايات المتحدة و حلف الناتو التي تعتمد علي مشروع تغيير الأنظمة الحاكمة غير الملائمة كما تمّ في ليبيا و العراق و يتم الآن في سوريا دون نتائج إيجابية لمصلحة الولايات المتحدة و حلف الناتو. الحرب علي الارهاب تحتاج لإشاعة الديمقراطية و سيادة حكم القانون في الدول الإسلامية و هذا يتناقض بفداحة مع مصالح رأس المال العالمي في تلك الدول.
بالتالي يكون خلف صعود تيارات اليمين المتطرف في اوربا و امريكا الشمالية سياسات التقشف الإقتصادي و الهجمات الإرهابية في اوربا و الولايات المتحدة و غيرهما و السياسات الدولية الرعناء للولايات المتحدة التي تحولت من خلالها الولايات المتحدة
الأمريكية لبوليس دولي و مؤدب للأنظمة الخارجة عن الطوع و الخضوع.
طه جعفر الخليفة
تورنتو -اونتاريو – كندا
17 مارس 2017م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.