الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمة المهدي في الاحتفال ب17 رمضان
نشر في حريات يوم 13 - 06 - 2017


بسم الله الرحمن الرحيم
الاحتفال بذكرى موقعتي بدر الكبرى وأبا الأولى
مسجد الإمام عبد الرحمن بودنوباوي
الثلاثاء: 17 رمضان 1438ه الموافق 12 يونيو 2017م
خطاب الإمام الصادق المهدي
الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على الحبيب محمد وآله وصحبه مع التسليم، أما بعد-
هذه إفادات في ذكرى يوم الجهاد أي 17 رمضان.
فيوم عامورية استلهما كما قال أبو تمام:
فبَيْنَ أيَّامِكَ اللاَّتي نُصِرْتَ بِهَا وبَيْنَ أيَّامِ بَدْر أَقْرَبُ النَّسَبِ
ويوم الجزيرة أبا حكى نسخة سودانية للصدر الأول كما قال مختار أحمد مختار:
يا صنو بدر في الزمان ويا أخا النصر الشهير
ولكن أهم ما ينبغي الخشية منه في يومنا هذا ما جاء في إنذار النبي صلى الله عليه وسلم: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ"[1]، "لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"[2]. وقال: " بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ"[3]. وقوله: "أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا"[4]. وحذر من داء الأمم وقال محذراً عن داء الأمم قائلاً: " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ"[5].
إن أمتنا اليوم في أول عتبات الحالقة. المسألة ليست الاختلاف فهذا من طبع الاجتماع البشري. ليس من مقاصد الإسلام إلزام الناس بالدين: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)[6]. (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةًۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)[7]. وللاختلاف مغزى إيجابياً: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ)[8].
الاختلاف المشروع أدى إلى خلافات في أمتنا تكاد تقصف بها بل صار يوظفها الأعداء لتدميرها على نحو ما قال كيسنجر مشيراً للحرب العراقية الإيرانية:" هذه حرب ينبغي ألا يكون فيها منتصر". حالة وصفها الحكيم العربي بقوله مخاطباً أبا تمام في وقوله:
يَا يَوْمَ وَقْعَة عَمُّوريَّةَ انْصَرَفَتْ منكَ المُنى حُفَّلاً معسولةَ الحلبِ
أما الآن:
يَكْفِيكَ أَنَّ عِدَانَا أَهْدَرُوا دَمَنَا وَنَحْنُ مِنْ دَمِنَا نَحْسُو وَنَحْتَلِبُ
هنالك ثمان قضايا مختلف عليها بين المسلمين تتطلب مواقف لا تناقض الوحي ولا براهين العقل هي:
والإنسان كل البشرية مسلطة لاكتشاف هذه النواميس والانتفاع بها. الطبيعة هي كتاب الله المنشور.
معرفة نواميس الطبيعة متاحة لكل البشر وهي نواميس في كل المجالات الطبيعية والإنسانية والاجتماعية متاحة للناس كلهم. ولكن بعض علماء الطبيعة أسسوا على علمهم دون برهان إنكار الغيب. هذا خوض في مجال موجود في الواقع ولكنه خارج عالم الشهادة. أسلمة المعرفة تعني رفض هذا الخوض غير المبرر.
إن للمسلم أن يؤمن بحقائق الغيب كما بينها الوحي وأن يقبل حقائق النواميس. (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ)[11] المعنى الذي عبر عنه ابن خلدون: " كل ظاهرة في الوجود الاجتماعي أو الطبيعي تخضع لقانون".
الإيماني الذي ينكر سنن الكون لا برهان له، والعلماني الذي ينكر حقائق الوحي لا برهان له، والإنسان الرشيد هو من يؤمن بحقائق الغيب ويسعى لمعرفة حقائق الوجود الطبيعي والاجتماعي.
الخلافة كما وصفها الفقهاء كالماوردي أمنيات لم تطبق على الواقع بعد الخلفاء الأربعة الأوائل، بل صارت تقوم على التغلب والتوارث كما ذكر ابن حجر العسقلاني. والتغلب فتح باب اقتتال وصفه الشهرستاني "لم يسل سيف على أمر مثل ولاية الأمر". إذن لا يوجد نص قرآني ولا سني قطعي حول الخلافة لذلك حكمها الأمر الواقع أمر التغلب.
واتخذ الشيعة نهجاً آخر وهو اعتماد تسلسل الأئمة لولاية الأمر أولهم علي بن أبي أطالب (رض) ثم ابنه الحسن (رض) ثم ابنه الحسين (رض) إلى اثني عشر إماماً آخرهم اختفى وسوف يظهر مهدياً.
هذه عقيدة الشيعة الاثنى عشرية وهناك الشيعة الزيدية. ولا يوجد نص قطعي في القرآن ولا في السنة يؤيد هذا الاعتقاد. نعم في الإمامة كما في الخلافة نصوص مختلف عليها ولذلك صار الأمر مدخلاً للخلافات الحادة والاقتتال المستمر حتى يومنا هذا.
بيعة أبي بكر (رض) أكدت بما قاله أن الأمر حق للمؤمنين إذ قال: "وليت عيكم "ولاية بشرية كما كان في سقيفة بني ساعدة"، ولست بخيركم أن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني "المساءلة"، الصدق أمانة والكذب خيانة "الشفافية"، الضعيف عندي قوي حتى آخذ الحق له، والقوى ضعيف حتى آخذ الحق منه "أي سيادة حكم القانون".
وفي المجال الشيعي الإمام علي بايع بعد فترة أبابكر (رض) وابنه الحسن (رض) بايع بشروط الخليفة معاوية. وبعد ذلك من بويع من الأئمة بويع بيعة خاصة لم تعم الأمة.
آية الله الخميني أدخل إضافة هي ولاية الفقيه. وفي أمر ولاية الفقيه أو الحكم في إيران الولاية تعتمد على آلية انتخابية لا نصوص نقلية.
الانتخاب ليس غريباً على السنة فقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار في بيعة العقبة الثانية انتداب 12 نقيباً. والانتخاب ليس غريباً كذلك فعمر (رض) أوكل لكلية انتخابية من ستة صحابة مهمة انتخاب أحدهم. وعلى أية حال إن الترجيح لولاية الأمر بالانتخاب أفضل وأعدل من الركون للتغلب بالقوة.
يرجى أن نعتبر الخلافة كما ذكرها الماوردي والإمامة كما ذكرها الكليني أمنيات بعيدة عن الواقع والبديل الواقعي هو اعتماد ولاية الأمر عن طريق آلية ديمقراطية ملتزمة بالمشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون بموجب دستور ملتزم بقطعيات الوحي وبما يكفل العدالة والحرية واستصحاب النافع من التجارب الإنسانية أي نظام يزاوج بين الواجب والواقع.
الاقتصاد علم اجتماعي طورته التجارب والمعارف الإنسانية. الاقتصاد الحديث يقبل أن تكون لممارسته أهداف ملتزمة بالإحكام الشرعية وهي نفسها تتطلب التطوير مراعاة للظروف المستجدة والتزاماً بالمقاصد.
إن لتطبيق الشريعة في هذا العصر فقهاً يتطلب اجتهاداً جديداً حاولت رسم معالمه في كتابي "العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي" إنه يتطلب اجتهاداً ذكياً جديداً وإحاطة بالواقع الجديد تماماً والتزاوج بينهما. ومراعاة المقاصد، والمنافع، والأولويات وإلا صار الشعار كما حدث في كثير من الأحيان مدخلاً للإساءة لمقاصد الشريعة باسم تطبيقها.
آية الله في الطبيعة نواميسها المطلوب اكتشافها لمعرفة حقيقتها. وآية الله في الإنسان أنه جزء من الطبيعة مفارق لها في ثلاثة أمور أن فيه قبس من روح الله، وأن فيه عقلاً، وأنه مختار.
هذا التأهيل للإنسان يجعل مصادر المعرفة الوحي، والوحي الأصغر الإلهام، والعقل، والتجربة.
الوحي نصوص يحملها الأنبياء وتتطلب التدبر والحكمة. والإلهام هو الوحي الأصغر ويغرف منه الصالحون (اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)[12].
بعض الناس ينكرون أي دور للإلهام اعتماداً على نصوص الوحي وحدها ولكن كما قال الإمام مالك وهو رأي مماثل للإمام الشافعي قال مالك: "من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهم فقد تحقق".
بالاستنباط من نصوص الوحي وبالشفافية الروحية وبالبرهان العقلي استنبط أئمة الاجتهاد فقهاً عظيماً حوله أصاحبهم إلى مذاهب ملزمة لكن الأئمة أنفسهم ما كانوا يريدون هذا التحزب.
الآن لدينا طائفة من المذاهب الاجتهادية هي: الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، والظاهري، والاباضي، والجعفري، والزيدي. وهي اجتهادات عظيمة ولكنها اجتهادات بشرية غير ملزمة ولا يجوز جعلها أساساً للتعصب بل كما سماها الإمام أحمد بن حنبل بدل الاختلاف "مناهج السعة في الفقه". فلا مبرر لمقولة جوهرة التوحيد:
وَمَالِكٌ وَسَائِرُ اْلأَئِمَّهْ وأَبُو الْقَاسِمْ هُدَاةُ اْلأُمَّهْ
فَوَاجِبٌ تَقْلِيدُ حَبْرٍ مِنْهُم كَذَا قضى الْقَوْمُ بِلَفْظٍ يُفْهَمُ
لا مبرر للإلزام ولا للتعصب وينبغي الاعتراف والتعايش المتبادل فكلها اجتهادات مخلصة وتقوم على أساس معتدل: "قولنا صحيح يحتمل الخطأ وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب". وإذا كان فهم القرآن يستوجب التدبر فمن باب أولى تحتمل اجتهادات الأئمة التدبر وباب الاجتهاد أبداً مفتوح المهم إتباع قواعده.
الجهاد واسع الأبواب يبدأ بجهاد النفس الذي وصفه النبي بأنه الجهاد الأكبر. حديث قيل ضعيف ولكن معناه قوي لأن الأمر كما قال الحكيم العربي:
كَيْفَ احْتِرَاسِي مِنْ عَدُوِّي إِذَا كَانَ عَدُوِّي بَيْنَ أَضْلاعِي
بعض المسلمين اعتبر الآية الخامسة من سورة التوبة: (فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). محكمة وناسخة لكل آيات التسامح وهي أكثر من مائة آية في 48 سورة.
وقال المرحوم سيد قطب: "في كتاب الله سورة براءة تضمنت أحكاماً نهائية بين الأمة الإٍسلامية وسائر الأمم في الأرض".
ولكن الآية الخامسة سبقتها الآية الرابعة استثنت (الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ). وتبعت الآية الخامسة الآية السادسة وهي تنص على تسامح: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ). وفي نفس السورة آية هي المبررة للقتال لا اختلاف الملة. الآية 13 ونصها (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ أَتَخْشَوْنَهُمْۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ). ولكن الفهم المعزول لآية السيف صار حجة لدى بعض المسلمين لقتال الطلب واعتبروا الحديث: "بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بالسَّيْفِ، حتى يُعبدَ اللهُ وحدَه لا شريك له" حديث صححه قوم ولكنه يعارض نصاً قرآنياً ويعارض الواقع فأين الساعة بعد ألف وأربعمائة عام؟ هذا الفهم صار حجة لمن قالوا إن الإسلام انتشر بالسيف بل كفروا من يرفض هذا الوصف. وأسسوا على هذا الفهم فهما إقصائياً للولاء والبراء.
ولكن الحقيقة أن الإسلام لم ينتشر بالسيف كما وثق لذلك أحد المستشرقين النابهين السير توماس أرنولد. ودليل واقعي هو أن الإسلام فتح المدينة بالقرآن واستمال الجزيرة العربية في عامي صلح الحديبية. وانتشر سلمياً في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا. واليوم ينتشر سلمياً في أوربا وأمريكا.
الدعوة للإسلام تقوم على قوله تعالى:(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[13]. والعلاقة مع الآخر تقوم على أساس قوله تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[14].
ولكن هذا الفهم الصحيح والذي فيه مصلحة الإسلام في زمن فيه غير المسلمين هم الأقوى مرفوض لدى مدرسة القائلين بالحاكمية وهي مقولة مثل مقولة الخوارج (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِۚ)[15].
وتأسيساً على هذه المدرسة قال اجتهاد القاعدة وداعش الذين استباحوا قتال الطلب وأسلوب الإرهاب كما قال عبد الله عزام مؤسس القاعدة: "إن العديد من المسلمين يعرفون الحديث الذي أمر النبي صحابته ألا يقتلوا أي امرأة ولا طفل ولا شيخ ولكن القليلين يعرفون أن هناك استثناءات من هذه الحالة". خلاصة القول أن على المسلمين ألا يوقفوا هجوماً على المشركين لوجود نساء وأطفال غير مقالتين". وعلى هذا النمط من التخلي عن وضوابط القتال في الإسلام أصدرت القاعدة فتوى في 1998م بأن قتل الأمريكان جنوداً ومدنيين في كل أنحاء العالم فرض عين علي المسلمين. هذا فكر حاضن للإرهاب. ولكن حواضن الإرهاب السياسية والعملية كانت من تداعيات غزو أفغانستان السوفيتي غزو استنفر عملاً جهادياً ساهمت فيه القاعدة بدعم أمريكي وعربي تدريباً وتسليحاً وتمويلاً فالقاعدة بعد جلاء القوات السوفيتية وجهت نفس العقيدة القتالية ضد الأمريكان لإجلائهم من البلاد الإسلامية. ومن تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق اختلال التوازن الطائفي في العراق لغير صالح أهل السنة مما جعل فرع القاعدة في العراق وسوريا يتجه لإقامة "خلافة " سنية بالوسائل الإرهابية. إذن للتدخل الأجنبي دور مهم في أسباب تكوين القاعدة وداعش ثم بعد ذلك قاد التحالف الغربي حملة عالمية ضد القاعدة وداعش ما أتاح لهما ادعاء أنهما يتعرضان لغزو صليبي صهيوني. والتركيز الذي يمارسه هذا التحالف على إسقاط الخلافة المزعومة في الموصل والرقة على الوسائل العسكرية ودون مراعاة لما سوف يحدث بعد ذلك سوف يؤدي في العراق بسبب الدور الكبير الذي يقوم به الحشد الشيعي إلى مزيد من غبن أهل السنة. كذلك فإن الدور الكبير الذي تقوم به القوات الكردية في الرقة سوف تؤدي لخلل اثني آخر في المنطقة.
المطلوب أن تعرف المسؤولية عن تكوين إرهاب القاعدة وداعش، كذلك أن يضبط اصطلاح الإرهاب حتى لا يستخدمه الحكام لوصف معارضيهم. الإرهاب هو إرهاب أهلي وهو الهجوم المباغت الذي تمارسه جماعة أو أفراد ضد قوات الأمن والمدنيين والبنيات التحتية دون أية ضوابط من أحكام القتال في الإسلام أو ضوابط الحرب الوضعية. وربما مارست الدولة إرهاباً ضد مواطنيها بسياسة البطش والتعذيب إي إرهاب رسمي.
نعم نظام الأمم المتحدة الحالي ناقص العدالة ويستوجب إصلاحاً ولكن مبدأ إقامة العلاقات بين الدول على أساس المعاهدة والمعاملة بالمثل مبدأ صحيح وهو كذلك مبدأ ضروري لأن قوة الآخرين الإستراتيجية والعسكرية غالبة كما أن مناخ التعايش السلمي أتاح فرصة تمدد الإسلام رغم ضعف الدول الإسلامية.
(‌أ) مراجعات الأنصار: الدعوة الأنصارية انطلقت من دعوة الإمام المهدي واهم المراجعات في هذا الصدد أن هذه الدعوة لا تتعلق بمهدية آخر الزمان ولا مهدية من غاب منذ 14 قرن ويعود مهدياً بل تقوم على أساس وظيفة إحياء الكتاب والسنة والإتباع في الشعائر العبادية والحركة في المعاملات والإحكام على أساس "لكل وقت ومقام حال ولكل زمان واوان رجال". ومقولة صاحب الدعوة أن ما وجد مخالفا للكتاب والسنة من أقواله وأفعاله لا يعبأ به".
تطلبت مرحلة التحرير وتوحيد الوطن وإقامة الدولة نهجاً أحادياً تخلى عنه المؤسس الثاني للدعوة الإمام عبد الرحمن واعتمد شرعية التعددية في مناهج المسلمين. ونحن في المرحلة الثالثة نعتمد هذه الهيكلة الجديدة ونؤكد استعدادنا للالتزام باستحقاقات الحياة المعاصرة وباستحقاقات توحيد أهل القبلة حول ما يجمع بينهم والتعايش السلمي بالحسنى فيما يفرق بينهم.
(‌ب) السلفية: الدعوات السلفية قامت بواجبات مهمة في صد الاحتلال الأجنبي في كثير من المواقع وفي التصدي للغزو الثقافي وفي التأصيل التربوي. السلفية في الثوابت واجب ديني ولكن ينبغي ألا ينقل هذا المنطق للمعاملات والعادات وهي بطبيعتها متحركة على نحو مقولة ابن القيم: "اختلاف الفتوى باختلاف ظروف الزمان والمكان والأحوال". ومقولة "أن على الفقيه تحديد الواجب اجتهاداً والإحاطة بالواقع والتزاوج بينهما".
وفي هذا المجال المتحرك ينبغي مراعاة المقاصد على حد مقولة الفقيه الحنبلي أبو الوفاء بن عقيل. وعليهم التخلي عن نهج التكفير للآخرين من شيعة وصوفية.
(‌ج) الصوفية: الصوفية قاموا بدور مهم في أسلمة السودان سلمياً. وساهموا في عمران السودان إذ صارت كثير من المدن عامرة حول مسايدهم. وساهموا في إحياء نار القرآن وفي تربية المريدين وفي بث ثقافة التسامح والتواضع في سلوك المجتمع السوداني. وعليهم مراجعة أمرين هما تنقية الثقافة الصوفية مما دب فيها من غرائب وتفعيل دور النصح في المجالات السياسية والاجتماعية على نحو سنة الشيخ إدريس ود الأرباب.
(‌د) الأخوان المسلمون: حركة الأخوان المسلمين قامت بدور مهم في بسط هداية الإسلام في المجتمع الحديث ولكن عليهم التخلي عن وصف أنفسهم بالحركة الإسلامية فالحركة الإسلامية أوسع من عطائهم. ونتيجة للتجربة عليهم الاعتراف بخطأ الانقلاب العسكري كوسيلة للدعوة وخطأ إقامة الحكم على التمكين فالنهج الانقلابي والتمكين والتخلي عن مبادئ الإسلام السياسية في كفالة الحرية والعدالة أضرت بهم وبالسودان وبالنهج الإسلامي فيه والمطلوب إجراء مراجعات على نحو ما جاء في دستور "جماعة الفكر والثقافة الإسلامية". هذه المراجعات مطلوبة لكل المنظمات ذات المرجعية الاخوانية.
(‌ه) الحركات الجهادية التكفيرية: هؤلاء جدير بهم دراسة المراجعات الجادة التي قامت بها الحركات الجهادية المصرية ما أثمرت أدبيات مهمة تنقلهم من التكفير والإرهاب وتؤهلهم للانخراط في الجسم الإسلامي.
(‌و) العلاقة بالآخر الملي: العلاقة بأهل الدين اليهودي والمسيحي تربطنا بهم ملة إبراهيم وتستوجب التعايش بموجب خصوصية العلاقة بأهل الكتاب.
أما العلاقة مع سائر أصحاب الملل والنحل غير الإسلامية وغير الكتابية فتقوم على مبدأ (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِۖ)[18]. واحترام منظومة حقوق الإنسان.
يرجى أن نقوم جميعاً بالمراجعات المطلوبة وأن نتنادى لبرلمان شعبي إسلامي لإبرام ميثاق المهتدين.
ولكن الأمر العاجل الآن هو التصدي لأزمة دول الخليج والعقوبات لعزل دولة قطر.
إن الانحياز في هذه المحنة لا يخدم مصلحة الأمة بل يؤجج الموقف إلى فتنة (لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً)[19].
كما أن القول بالحياد قعود عن الواجب لإخماد الفتنة بل الصحيح اعتبار أن مع كل أزمة فرصة فما العمل؟
يرجي الاعتراف بالمبادئ الآتية التي لا ينكرها إلا غافل هي:
(‌أ) إن للمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية مركز الشقيقتين الكبيرين الواجب احترامه.
(‌ب) أن لقطر دوراً إيجابياً مهماً في مجالات كثيرة صلح لبنان، صلح دارفور، حوار طالبان، كسر حصار غزة، ومبادرات كثيرة عربية ودولية وهي ادوار من مصلحة الأمة تشجيعها.
(‌ج) الشروط العشرة المقترحة للصلح إملاء منتصر على مهزوم ولا يقبلها كما هي إلا من قلت حيلته.
(‌د) إن لقطر ظروفاً مادية ومعنوية تمكنها من ردة فعل مؤثرة بل يفتح المجال للاعبين إقليميين ودوليين مناصرين.
(‌ه) ينبغي توحيد الموقف ضد الإرهاب والتعاون ضده ولكن يعرف الإرهاب على حقيقته ولا يشمل ذلك حركات التحرير المشروعة.
(‌و) دولة الكويت مؤهلة أن تستعين بآخرين مثل عمان للقيام بالوساطة لإبرام اجتماع بين أطراف النزاع دون شروط مسبقة.
(‌ز) هذا الاجتماع سيهدف إلى:
– ترميم التضامن الخليجي ضمن تضامن عربي وإسلامي.
– الاعتراف بحرية الحركة للدول الأعضاء في المجالات البناءة.
– تنسيق العمل ضد الإرهاب بالتعريف الصحيح للإرهاب الذي لا يشمل حركات التحرير.
– الاتفاق على أسس للتعامل الايجابي مع تركيا وإيران بشرط تجاوبهما مع هذه الايجابية.
– ضبط التعامل مع إسرائيل على أساس الثوابت العربية والإسلامية.
المرجو أن تسعى الوساطة لعقد هذا الاجتماع. وعلى صعيد آخر الصعيد الشعبي سوف نتحرك عبر منتدى الوسطية العالمي لتكوين منبر يبحث هذه القضايا ويساهم في مخاطبة الرأي العام في الدول المتنازعة وفي الرأي العام العربي والإسلامي عامة والرأي العام الدولي.
في هذا الموقف الحساس لا عذر لأحد أن ينخرط في انحياز أو يلبس رداء الحياد الكسول بل ينبغي الالتزام بما من شانه إيجاد مخرج عادل.
المرجعية الروحية لهذا الجهد (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَاۖ)[20].
والمرجعية العقلية لهذا الجهد هي مقولة "أي عمل يحقق عكس مقاصده باطل".
إن هذا المسعى هو وجه من وجوه الجهاد في سبيل الله حبذا الإقدام عليه في يوم ذكري الجهاد 17 رمضان .
والله ولي التوفيق.
[1] رواه البخاري
[2] رواه مسلم
[3] رواه مسلم
[4] رواه مسلم
[5] رواه الإمام أحمد
[6] سورة يونس الآية (99)
[7] سورة هود الآية (118)
[8] سورة البقرة الآية (251)
[9] سورة الأنعام الآية (38)
[10] سورة الحجر الآية (35)
[11] سورة طه الآية (50)
[12] سورة الحديد الآية (28)
[13] سورة النحل الآية (125)
[14] سورة الممتحنة الآيتان (8،9)
[15] سورة يوسف الآية (40)
[16] سورة الحجرات الآية (10)
[17] سورة النحل الآية (125)
[18] سورة البقرة الآية (256)
[19] سورة الأنفال الآية (25)
[20] سورة الحجرات الآية (9)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.