قال رئيس الجمهورية مخاطباً اجتماع البرلمان العربى المنعقد فى الخرطوم ، ان الحصار امتد لعقدين من الزمان وان خسائره بلغت حوالى 500 مليار دولار . لا نود الخوض فى جدال حول صحة الرقم و قد أتى من أعلى سلطة فى الحكومة . وهذا يعنى ان الرقم تم اعتماده بعد دراسة و حسابات دقيقة تجعله مرجعا للباحثين و المحللين و لطالبى التعويض ..و قبل أن ندلف إلى إبداء الرأى حول مبلغ ال 500 مليار دولار .. نتساءل من الذى تسبب فى صدور هذه القرارات التى تمخضت عنها هذه الخسائر الضخمة . ومع اعتماد هذه التقديرات التى لا شك رسميا فى صحتها حتى الان.. لابد من تذكير أولى الأمر بسبب صدور هذه القرارات.. فبدءا من إعلان الحرب الجهادية و إطلاق شعار (الامريكان ليكم تسلحنا)، و (أمريكا قد دنا عذابها)، و عقد المؤتمر الشعبى العربى و الاسلامى،و استضافة بن لادن و كارلوس… الى محاولة اغتيال حسنى مبارك.. والعديد من الأعمال العدائية تجاه المحيط الاقليمى و الدولى، وتوسيع العلاقات مع دول تصنفها أمريكا بمحور الشر و فى مقدمتها كوريا الشمالية و إيران. و لهذه الاسباب على الحكومة ان تلوم نفسها على أفعالها التى أوردتها مورد الهلاك. اما كيف تم تقدير مبلغ الخسائر بخمسمائة مليار دولار فهذا السؤال موجه للطاقم الفنى الذى وصل لهذه التقديرات. و كان واجبها ان يعلن للرأى العام تفاصيل هذا المبلغ. و كذلك ينشأ السؤال فى ضوء وجود مبالغ ضئيلة تخص الحكومة و أفراد فيها بعد صدور قرارات الخزانة الأمريكية. كم تبلغ المبالغ التى حجزت بموجب هذه القرارات؟ جاء تصريح الرئيس الأمريكي الاخير عن وضع السودان مجرد رفع العصا من غير جزرة، فقد (أعلن الرئيس الأمريكي تمديد حالة الطوارئ القومية فيما يتعلق بالسودان بسبب أن الوضع في السودان مايزال يشكل تهديدا غير عادي واستثنائيا للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة) . هذا التصريح وان بدأ فى ظاهره غريباً ،إلا أنه يؤكد ان الحكومة ربما تنصلت من تعهداتها السرية و العلنية مع امريكا، ومراقبون يتوقعون الأسوأ للبلاد خلال المرحلة المقبلة إن لم تفهم الحكومة السودانية مطلوبات تغيير سياسة التكتيكات الفاشلة والاستجابة الكاملة للمطالب الأمريكية دون قيد أو شرط، و الأسوأ هو ان تجد الحكومة نفسها مضطرة للانصياع لهذه الشروط و التفريط فى السيادة الوطنية. و (الاتبلبل يعوم)، و محل (الرهيفة التنقد). المثير للشفقة ان دولة مثل الصين فطنت لما تحيكه أمريكا للسودان ، قبل ان يدرك اهل الحكم ذلك، واوله تحجيم هيمنة الصين فى السيطرة على موارد البلاد النفطية و المعدنية و الاراضى. فبدأت الصين فى مضايقة السودانيين المقيمين على أراضيها طلابا و رجال أعمال و جالية.. فبينما أوقفت حسابات البعض دون حتى اخطارهم، استدعت بنوك سودانيين و طلبت منهم إغلاق حساباتهم فى البنوك الصينية. بيان الخارجية الذى أتى بعد إعلان الرئيس الأمريكى الإبقاء على حالة الطوارئ القومية بسبب الحالة السودانية أتى مقترناً بالحديث عن الارتباط البناء و الذى يدخل المرحلة الثانية دون وجود اى دلائل على المصالح التى تحققت فى المرحلة الاولى. المهم فى تقديرى الاًن هو تقدير الموقف الذى ستتبناه الحكومة، تجاه الخسائر الضخمة التى خلفها الحصار؟ وعما اذا كانت ستطالب بتعويضات عنها؟ ام أنها ستقنع من الغنيمة بالاياب؟ لا سيما وان أمريكا افتتحت باب طلب التعويضات ،فطالبت بنصف مليار لضحايا المدمرة كول، و حوالى ستة مليارات لضحايا تفجير سفارتى كينيا و تنزانيا، و لا يستبعد ان يمتد مسلسل التعويضات إلى ما لا نهاية، لذلك لا يمكن إطلاق الأمر على عواهنه، فهذه الخسائر تعرضت لها البلاد و طالت العباد، و ستؤثر على مستقبلها لفترة طويلة، و لذلك على الجهات المعنية تجهيز ملفاتها و مستنداتها، و مطالبة أمريكا بدفع التعويضات … ما يخشى منه ان يكون الأمر دعاية سياسية لتبرير الفشل الحكومى فى وقف تدهور الأوضاع الاقتصادية، و لتبرير ما تنتويه الحكومة من رفع (للدعم المزعوم)، و فرض المزيد من الضرائب و الجبايات.. لماذا لا تقوم جهات وطنية احتساباً بطلب تعويضات للشعب السودانى الذى تحمل الحصار و نتائجه الكارثية. جريدة الجريدة