لك الحمد إنَّ الرزايا عطاء وإنَّ المُصيبات بعض الكرم "بدر شاكر السياب" تمر اليوم 23 نوفمبر الذكرى الأربعون لميلاد أخي وصديقي تاج الختم –طيب الله ثراه- الذي رحل عن هذه الفانية وهو ريعان شبابه. وبعد أشهر قليلة ستمر علينا -إن شاء الله- الذكرى الثانية لرحيله. فقد ترجّل عن صهوة جواده ونام نومته الأخيرة ظهر الثلاثاء التاسع من شهر فبراير العام 2016 . لازلت أتذكر تفاصيل ذلك اليوم، يوم رحيله. وكأن ذلك اليوم لم ينصرم بعد. لا زالت عبارات والدي –متعه الله بالصحة و العافية- تقرعُ اُذني وهو ينقل إليَّ ناعياً خبر وفاة أخي. خنّقته العَبّرات فلم يستطع التحدث فقال: لؤي "تاج مات". وأجهش بالبكاء. يا الله.. مادت بنا الأرضُ أم مادت رواسيها على قول عُدّي بن ربيعة. نعم الموت حق. ولكن، كادت أن تنصّدع الأكباد. فالفقد مُؤلم. ولازلنا نعيش صدمة الفقد، صدمة الرحيل المفاجئ التي لم نتهيَّأ لها. لازالت والدتنا –متعها الله بالصحة والعافية- تبكيك يا أخي بدمعٍ سخين. ولكنها إرادة الله ومشيئته فالحمد لله على كل حال. وكما قال الشاعر العراقي "بدر شاكر السياب" : فهل تشكر الأرض قطر المطر .. وتغضبُ إن لم يجدها الغمام؟ فلك الحمد يا الله. الراحل تاج الختم لم يكن مجرد أخ. كان أب وأخ وصديق. منذ الصغر قهّر الصّعاب وشقَّ طريقه في دروب الحياة الوعرة وهو لم يتجاوز حينها الثامنة عشر من عمره، صرَّع الظروف في سبيل حياة كريمة لأسرته. لم يلتفت إلى نفسه ، بل كرَّس وقته و ماله لأسرته. أتذكر قبل عام وبضعة أشهر من وفاته تناقشت معه حول عملي بالمُحاماة وظروف العمل الصعبة في السودان وفكرة الهجرة والاغتراب التي تُراودني. رحبَّ بالفكرة وأبدى اهتماماً بها وقال لي بأن لا أهتم بالنواحي المادية لأنه سيتكفل بذلك. وفي الحقيقة فكرة الاغتراب هذه كانت تراودني منذ فترة طويلة ولكن عُسر الحال وقتها حال دون ذلك. فمهنة المُحاماة لم تكن تدُّر لي وقتها ذلك القدر المطلوب. طيلة فترة تواجدي بالخارج وقتها كانت مكالماته سنداً وداعماً لي وكان دائماً ما يقول لا تقلق إن شاء الله بتتوفق. وبعد أن عُدت من الخارج كان سعيداً جداً بأنني وُفقتُ في ايجاد عملٍ. وكنت أنا بدوري سعيداً بأنني سأخفف عن كاهله بعض الحمل. وسأرد له بعض الجميل. وأنه قد آن الأوان له أن يلتفت لأموره الخاصة. ولكن، كأنَّه كان يريد فقط الاطمئنان على أوضاعنا. فقد رحل بعدها في صمت. رحل قبل أن تنطلق زغاريد فرحه. ذلك الفرح الذي أخبرني بأنَه ينوي أن يخطو نحوه. رحل تاركاً الجميع في ذهول من هول الفاجعة. أخي تاج الختم. ها قد هلَّ عيد ميلادك الأربعون. قدِم عيدك في غيابك. قدِمَ ونحن لم نعُد نجتمع ونتسامر كما كُنا. وكما عهِدّت أسرتنا أن تحتفل بأعياد أفرادها بذلك الشكل المُبسط، نتحلق جميعنا في حضرة والدينا ونتسامر ونرتشِف أقداحاً من الشاي. نجتمع -غصباً عن الظروف- في زمن قلَّ فيه الاجتماع إن لم يكن أضحى مُستحيلا في ظل الظروف المعيشية الصعبة. لم نُعد نجتّمع كما كُنا في السابق. فقد تشتّت شملُ بعضنا وهاجر إلى دول الشتات. ليبقى التواصل على وسائل التواصل الاجتماعي هو زادنا الذي يُخفف عنا بعضاً من قسوة الحياة ويروي ظمأنا للقاءٍ ولو إلى حين. بنفس البساطة والهمس الحنون ترحل يا حبيبي من باب الحياة لباب المنون روحك كالحمامة بترفرف هناك كم سيرة وسريرا من حولك ضراك والناس الذين خليتم وراك وعيونم حزينة بتبلل ثراك أبواب المدينة بتسلم عليك والشارع يتاوق يتنفس هواك يا حليلك حليلك يا حليل الحكاوي تتونس كأنك يوم ما كنت ناوي. "محجوب شريف" نسأل الله أن يتغمد فقيدنا تاج الختم بواسع رحمته وأن يجمعنا به في جنات الفردوس يا رب العالمين. ولك السلام أخوك/ لؤي عبدالغفور تاج الختم 23 نوفمبر 2017