كان السودانيون حتى وقت قريب خير سفراء لوطنهم في بلاد المهجر ولكن تداخلت عوامل كثيرة بعضها مكتسب من الخارج وبعضها بسبب العوامل والضغوط الاقتصادية أثرت بصورة سالبة على السمعة الطيبة التي كانت تميزهم عن العالمين. لكن توجد دائماً حالات مشرقة ومشرفة تحافظ على الألق القديم للشخصية السودانية حتى في بلاد المهجر بل تتجلى أكثر بتميزها وتفردها بالحفاظ على هويتها وثقافتها وهي تستصحب معها مكتسبات الثقافة التي تعيش تحت ظلالها. طبعاً هناك حالات أخرى تتعمد لتثبت تعلقها بثقافة دول المهجر أو بغرض التباهي المرضي بحالة الاغتراب تغيير لهجتها بل ومظهرها فتفقد هويتها وخصوصيتها دون أن تكون كاملة الأهلية في دول المهجر. نقول هذا بمناسبة مقابلة تلفزيوية أجرتها المذيعة دينا إبراهيم مع المربية والناشطة الاجتماعية السودانية جميلة عبد الرحمن عبد الحليم المقيمة منذ أكثر من “14″عاماً في الولاياتالمتحدةالأمريكية مع أسرتها في برنامج خاص بالجاليات هناك، استلمت نسخة من عبر البريد الإلكتروني في شريط فيديو. البرنامج باللغة الإنجليزية ولكن القضية موضوع النقاش كانت حول كيفية تعليم أطفال الجاليات العربية لغتهم في تلك البلاد. ولأن المستضافة سودانية فكان لابد أن يتطرق النقاش للهجة السودانية. السيدة جميلة عبد الرحمن قدمت نموذجاً طيباً للمرأة السودانية بدول المهجر، التي تحاول المحافظة على إحياء التراث الثقافي السوداني بكل ما يتضمن من لغات ولهجات وأغان وحكايات وفنون ومنتجات وأدوات سودانية. قالت جميلة إنهم يحرصون في البيت على الحديث باللغة العربية السودانية وتشجيعهم على جعلها لغة التخاطب بينهم إضافة لتعريضهم لشحنات مكثفة من مخرجات التراث الثقافي والفني السوداني عبر الأشرطة والتسجيلات إضافة إلى الحرص على قضاء الإجازة السنوية في السودان. قالت إن زيارة الصغار للسودان تتيح لهم فرصة العيش مع الجدود والحبوبات وعموم الأهل، الأمر الذي يعمق الصلات بينهم وبين أهلهم في السودان وتهيئتهم للحياة في بلادهم في مستقبل أيامهم. أكدت جميلة في إفاداتها التربوية القيمة أنهم يحترمون ثقافة الآخرين ويستمتعون بمناخ الحرية والديمقراطية في أمريكا ولكنهم في نفس الوقت حريصون على الحفاظ على خصوصيتهم وهويتهم وقيمهم الأخلاقية وعاداتهم الاجتماعية. نعلم أن هناك نماذج كثيرة مشرقة ومشرفة للانسان السوداني في دول المهجر ولكننا قصدنا تسليط الضوء على تجربة السيدة جميلة عبد الرحمن لتشجيع كل الأمهات السودانيات في دول المهجر على مد جسور التواصل الإنساني والثقافي وسط الأجيال التي وجدت نفسها وقد نشأت في بيئات مختلفة فيها الإيجابي وفيها السلبي، ولابد من تحصينهم بجرعات مكثفة من تراث بلادهم حتى لا تنقطع صلتهم بجذورهم وأصولهم وقيمهم وعاداتهم.